بسام شكري
الذكاء الاصطناعي ودوره في انهاء ظاهر الابواق الإعلامية
على مر التاريخ الحديث كانت هناك ابواق عربية ساهمت في تدمير العقول العربية وتخدير الجماهير من جانب وتوجيه سياسات دول عديدة باتجاهات خاطئة من جانب اخر، اليوم ومع تطور وسائل الاتصالات ونقل الاخبار والصور عبر الانترنيت والموبايل وغيرها من الوسائل والانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي خلال السنتين الاخيرتين خفت حدة تلك الابواق بشكل كبير لكنها مازالت تؤثر في المجتمعات التي يسود جزء لا يستهان به من الجهل مثل المجتمع العراقي والمصري واليمني والجزائري والسوداني وسوف لن يؤثر الذكاء الاصطناعي على تلك المجتمعات في المستقبل المنظور.
سوف استعرض اهم الابواق العربية المنقرضة وبعضها التي مازالت تعمل بهدف التذكير والتحليل وكشف الحقائق ولوقاية المواطن العربي مما يتم تقديمه من أكاذيب على بعض وسائل الاعلام العربي.
البوق الاول
الإعلامي المصري احمد سعيد 1925- 2018 وكان هذا البوق مناسب لمرحلة التجهيل التي مارسها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ولا مجال للإسهاب في نشاطه التخريبي لان الكثيرين يتذكرونه او قرؤا عن دوره في تخريب العقول العربية.
البوق الثاني
لنفس المرحلة التاريخية الإعلامي العراقي اليهودي سلمان صالح دبّي الذي كان يقدم برنامج ابن الرافدين من إذاعة إسرائيل العربية وقد بدأ برنامجه 1958 لغاية 1982 , وعندما كنت طفلا صغيرا كان والدي يفتح الراديو على إذاعة إسرائيل العربية يوم الثلاثاء الساعة الثامنة والنصف مساء ليستمع للبرنامج حاله حال الكثير من المثقفين العرب الباحثين عن الحقيقة, وأبرز ما اتذكره من البرنامج عند وفاة الرئيس العراقي عبد السلام عارف قال ابن الرافدين ان شقيق عبد السلام عارف عبد الرحمن عارف سيكون رئيسا للجمهورية وفي اليوم التالي اعلن عن تعيين بعد الرحمن رئيسا للجمهورية, وهذا يعني ان أنظمة الحكم في تلك الفترة كانت مخترقة ونحن مشغول بعنتريات احمد سعيد, كان سليمان دبي يستعمل اللهجة البغدادية والقصص الظريفة والحكم المفيدة وقد استفاد من لهجته البغدادية الاصيلة ومن خبرته في المجتمع العراقي وهو ضابط الشرطة الذي عمل في مختلف دوائر الشرطة لمدة احد عشر عاما. الى جانب طرافة برنامجه الا انه ساهم في تخريب العقل العراقي ونشر فلسفة تشكيك المواطن بالدول العربية الى جانب نشر فكر الخوف من الدولة والشعور بالهزيمة.
البوق الثالث
الأطرش الذي كان يقدم برنامج (كعود) على راديو بغداد في بداية الحرب العراقية الإيرانية وكان يستهزأ بنظام ملالي طهران وبلهجة ريفية يخاطب بها المجتمعي الريفي العراقي.
البوق الرابع
الفنان والمسرحي عماد بدن وكان يقدم برنامج أبو التحرير من إذاعة القوات المسلحة وكان يستعمل اللهجة الريفية الجنوبية وتركيزه كان على الخميني شخصيا وبأسلوب جميل وساخر وقد ساهم في نشر الوعي بين أبناء الجنوب من حقيقة أكاذيب نظام الملالي في حينه.
البوق الخامس
من قناة العربية وهو ايلينا كوزي بطل فضيحة سجن أبو غريب وهو الذي قدم تقريرا مصورا ضمن برنامجه الذي كان يجمل وجه الغزو الأمريكي ( من العراق) وقد حلقة خاصة عن سجن أبو غريب يظهر السجن بانه فندق خمس نجوم والمساجين ينامون في أماكن تشبه الفنادق ويأكلون وجبات فاخرة وخلال تلك الحلقة قام ايليناكوزي بمقابلة اشخاص عراقيين يدعي انهم سجناء في أبو غريب وكانوا يمدحون التعامل الإنساني والاكل الفاخر والإقامة الفندقية في سجن أبو غريب وظهر في الفلم ايليناكوزي يتمشى في ممرات نظيفة جدا ويمر بزنزانات تشبه السجون التأديبية في الدول الاسكندنافية ، وقد صدمتني تلك الحلقة وانا اشاهد قناة العربية, وباعتباري من مؤسسي قناة العربية اصبت بموجه غضب عارمة وكنت حينها اعمل في دبي كمدير لشركة تجارية فاتصلت مباشرة بالقناة وتكلمت مع احد الموظفين ثم تكلمت مع احد مدراء الأقسام وتشاجرت معه وهددته بانني سأقوم برفع شكوى قضائية ضد القناة لنشر هذه الأكاذيب وقد كان الرجل مؤدبا معي وصبورا على غضبي وقال لي اعذرك لما يتعرض له العراقيين من الغزو الأمريكي , ولم يمضي على عرض تلك الحلقة من برنامج ( من العراق) خمسة أيام حتى ظهرت فضيحة سجن أبو غريب ونشرت صور تعذيب السجناء العراقيين وهزت الضمير العالمي وبعد شهر توقف البرنامج الكاذب (من العراق ), لكن ايليناكوزي ظل يعمل في قناة العربية بعد تلك الفضيحة لفترة الى ان اختفى من العمل فيها.
البوق السادس
ما يزال يعمل هو فيصل القاسم الإعلامي السوري الدرزي الديانة وقد عرف بتقديمه برنامج الاتجاه المعاكس, فيصل القاسم مرآة تعكس خط قناة الجزيرة المتطرف في التعامل مع الاحداث, ولا اريد ان احلل شخصيته لأنه معروف عربيا بانتهازية صارخة , السلوك الملفت الذي قام به هو تزلفه وتملقه للقيادة السورية الجديدة ومقابلته للرئيس السوري احمد الشرع وحملاته الإعلامية على كل وسائل التواصل الاجتماعي على ذيول نظام الأسد التي رافقت بداية نجاح الثورة السورية لكن المضحك المبكي عندما بدأت الاضطرابات في محافظة السويداء صمت صمت القبور فلا هو ينصح المتهورين ولا هو يحذر من ذيول الأسد في السويداء ولا هو يدعم العقلاء هناك, ذكرني موقفه ذلك ببرنامج كان يقدمه شاب عراقي عندما كنت مديرا لمحطة تلفزيون انفنتي في دبي كان محتوى البرنامج ذو الثلاثين حلقة الذي عرض في شهر رمضان تقليد أصوات الفنانين السياسيين العرب بنسبة صوتية تقارب الحقيقة وكان اسم البرنامج هو (الاتجاه المشاكس).
الابواق كثيرة اليوم في القنوات الفضائية العربية ولا يمكن حصرها ولو استمرت تلك الابواق فان المحطات التي يعملون بها سوف تفقد مصداقيتها والذي سيؤدي الى اغلاق أبوابها وذلك بفعل الذكاء الاصطناعي الذي سيفضح الأكاذيب , والعراق بعد الغزو الأمريكي قد تم الغاء الاعلام الذي كان سائدا ومنع 99% من الإعلاميين من ممارسة أي نشاط اعلامي وقامت وكالة البطيخ الدولية سنة 2004 بتأسيس هيئة الاعلام والاتصالات العراقي معتمدة على خبراء عراقيين مغتربين من عتاة المرتزقة المعروفين عالميا حيث قاموا بتدريب كوادر الأحزاب الطائفية لإدارة الاعلام العراقي ومازالت نفس الوجوه تمثل الاعلام وتنتج بين فترة وأخرى نماذج مشابهة لها في الطائفية والحقد المناطقي العنصري وتبث سمومها على القنوات الفضائية العراقية وقد نشرت مفاهيمها المسمومة في الاعلام المرئي والمسموع وتلك القنوات لها جمهورها من طبقة الجهلاء والمنتفعين العراقيين .
اهم شيء تعلمته في الاعلام من أحد الزملاء الإعلاميين الأردنيين هو ان لا اعلام محايد في العالم لكن هناك اخبار قريبة من الحقيقة.
الحقيقة (الطازجة) التي يجب ان تعرفها الدول العربية التي ترعى الابواق انها تساهم في تدمير نفسها قبل ان تخدر الجماهير، وان الذكاء الاصطناعي أصبح واقعا ولن تنطلي الأكاذيب بعد اليوم على أحد وخلال فترة وجيزة ستحول الاعلام الى نمط مختلف كليا عن النمط التقليدي الحالي.
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع