اللواء الملاح الركن المتقاعد
فيصل حمادي غضبان
٢٩ أيار ٢٠٢٥
دمعتان بين صدق الألم وكذب المسرح وما بينهما دمار
١. في قاعة الأمم المتحدة، انحدرت دمعة، لم تكن كسواها من الدموع، بل كانت مرآة للوجع العربي كلّه.دمعة المندوب الفلسطيني، رجلٌ أثقله التاريخ، وأخرسته العدالة العمياء، فتكلمت عيناه.كانت تلك الدمعة صامتة، صافية، مشبعة بكل ما لا تستطيع اللغة أن تبوح به.دمعة من عين رجل يرى وطنه يحترق، وأطفاله يُسحقون تحت ركام العالم، ولا أحد يلتفت.سقطت دمعته، لا أمام الضمير الإنساني، بل أمام صمت مطبق، وقاعة مزدحمة بممثلي الإنسانية الزائفة.
دمعة لم تستنفر الجيوش، لم تحرك السفن، لم تهزّ حتى ورقة في مكاتب العدل الدولية.كأنها سقطت في الفراغ، في كونٍ خرس لا يسمع، وضميرٍ أصيب بالشلل.
لكننا نعرف دمعة أخرى… دمعة هزّت العالم،
( نيرة بنت السفير الكويتي في أمريكا ) تلك الفتاة ذات الصوت المرتجف، التي بكت امام الكونكرس الأمريكي عام 1990،قالت: “رأيت الجنود العراقيين يقتلون الرضّع في حضّانات مستشفى في الكويت”.كان المشهد مُعدًا، الأداء محكمًا، والدمعة حاضرة في وقتها ومكانها، كأنها ممثلة في مسرح دموي.تلك الدمعة الكاذبة كانت الرصاصة الأولى في صدر العراق.في إثرها، انطلقت الحملة الجوية، واشتعلت الصواريخ في سماء بغداد.لم يتفحّص العالم صدق الرواية، لم يسأل: من هي نيرة؟هي ابنة السفير الكويتي في أمريكا… لكن لم يهم، فدمعتها “مقنعة”، ولها وزن سياسي.
٢. شتان بين الدمعتين…دمعة المندوب الفلسطيني
مغموسة بالدم، محروقة بالحقيقة، نازفة من قلب وطن تحت الحصار والقصف.ودمعة نيرة:مختلقة، مصنوعة، استُخدمت كأداة لتمرير قرار غزو دمّر شعبًا وأمة بأكملها.
٣. العالم الذي يدمع للتمثيل ويتحجر أمام الحقيقة
أي قلبٍ هذا الذي ينتحب لدمعة مصطنعة ويتحجّر أمام نزف العيون في غزة؟أي ضمير هذا الذي يدّعي الحياد، وهو يزن الدموع بميزان المصالح؟نحن لا نعيش في عالم ظالم فقط، بل في مسرح كبير… الحقيقة فيه خرساء، والكذب يتكلم بكل اللغات.
الخلاصة : دمعة نيرة أحرقت العراق،ودمعة المندوب الفلسطيني، اختنقت في حلق الصمت…وهكذا نحن، نعيش على رماد دموعٍ حقيقية لا تجد من يواسيها، ونُقتل بكذبٍ يثير شفقة العالم.
1127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع