د. سعد ناجي جواد*
المواجهة اليمانية – الاسرائيلية. من المنتصر في المحصلة النهائية؟ وهل نجح نتنياهو حقا في خلق شرق اوسط جديد؟ وما علاقة هذه المواجهة بالتصعيد الأخير في المنطقة؟
اول امس صعدت دولة الاحتلال الصهيوني عدوانها على اليمن حيث ادعت ان قوتها البحرية او (سفنا تابعة للبحرية الاسرائيلية هاجمت أهدافا لنظام الحوثي في ميناء الحديدة، وانها احدثت دمارا اضافيا هناك). وهذه هي المرة الاولى التي تقوم فيها قوات الاحتلال بمهاجمة اليمن من البحر، (وليس واضحا من اين انطلقت هذه السفن، هل جاءت من الارض المحتلة، ام من سواحل لدول صديقة للكيان على البحر). وفي الوقت الذي اعتبرت دولة الاحتلال ان هذا الهجوم نصرا كبيرا سيردع جماعة انصار الله، جاء رد الجماعة سريعا، وفي اصرار لابد وان يثير إعجاب الاعداء قبل الأصدقاء، عن طريق إطلاق صاروخين وصلا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، استهدف احدهما مطار بن غوريون الدولي.
الهجوم الإسرائيلي البحري يستدعي بعض التحليل والمراجعة وذلك للرد على سؤال أساسي وهو هل ان إسرائيل قادرة حقا على فرض حصار بحري على اليمن او فرض إراداتها كما تشاء على اليمن؟ (مع سؤال موازي يقول هل ان المجازر في غزة قادرة على إسكات مقاومة حركة حماس المستمرة؟) بكلمات اخرى هل ان القوة العسكرية الصهيونية حقيقة قادرة على تغيير وجه المنطقة وفرض نموذج (الشرق الأوسط الجديد) كما يدعي نتنياهو؟
ابتداءا ان فكرة استخدام القوة البحرية، لابد وان تثير السؤال عن أسباب اللجوء اليها، في وقت يظل الكيان يتبجح بان لديه (قوة جوية قادرة على الوصول إلى اي مكان وتوجيه ضربات لكل من يتجرأ على المساس بأمن اسرائيل)، حسب تصريح رئيس وزراء الكيان ووزراء دفاعه وقادة القوة الجوية، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا اللجوء إلى السفن الحربية التي تقصف عن بعد؟ هناك تفسيران محتملان يمكن طرحهما (إذا ما وضعنا جانبا تخبط الادارة الاسرائيلية في التعامل مع ابو يمن)، الاول ان العملية تعطي الانطباع ان الضربات الجوية الاسرائيلية في اليمن على كثافتها وكلفتها العالية، (وقبلها الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وبمشاركة دولا اخرى)، قد فشلت وعجزت عن تحقيق الهدف في الردع، بدليل استمرار انطلاق الصواريخ والمسيرات من هناك باتجاه الارض المحتلة، والثاني ربما يكون الخوف من تعرض الطائرات المهاجمة إلى صواريخ ارض جو قد تسقط عدد من الطائرات المهاجمة، خاصة وان قيادات يمنية هددت بان الهجمات الجوية الاسرائيلية القادمة سوف لن تمر بسهولة بعد وصول اسلحة مضادة للطائرات. هذه الحقيقة قد اكدها امران، الاول تأكيد الموقع الامريكي (the war zone) على امتلاك اليمن لهكذا صواريخ. والثاني هو نجاح وسائل الدفاع الجوي للقوات اليمنية في اسقاط اعداد غير قليلة من الطائرات الأمريكية المسيرة من طراز MQ-9 Reaper، وهي من احدث المسيرات في العالم وأكثرها تطورا. وفي الحالتين فان اي تحليل موضوعي لما جرى ويجري يجب ان يقود إلى الاستنتاج ان اسرائيل خسرت في مواجهتها مع جماعة انصار الله وانها مهما نوعت الهجمات والأساليب فانها لم تفلح في ردعهم.
أضف إلى ذلك ان اللجوء إلى السفن والبوارج الحربية الاسرائيلية لابد وان يشكل تهديدا كبيرا عليها من الهجمات اليمنية في عرض البحر. فإذا كانت امريكا بكل قوتها وجبروتها وقدراتها البحرية والجوية قد اختارت مهادنة جماعة انصار الله نتيجة الضربات الموجعة التي تلقتها أساطيلها وحاملات طائراتها في البحر الأحمر وبحر العرب، فهل يعقل ان تنجو السفن والبوارج الاسرائيلية من هجمات مماثلة؟ وربما يكون هذا الفشل هو من بين الاسباب التي أحيت من جديد فكرة مهاجمة إيران ودفعتها إلى الواجهة في هذه الايام، على اساس ان التهديد اليمني لا يمكن ان يتوقف إلا بإنهاء التهديد الإيراني الذي يقف وراءه. وهذا موضوع آخر يحتاج إلى نقاشات طويلة.
في المحصلة الأخيرة يمكن القول ان اعتقاد نتنياهو بانه انتصر في حرب (تدمير كل الأطراف التي تهدد اسرائيل) حسب قوله، لا يزال مبكرا جدا، بدليل انه في الأسابيع الماضية، وبعد ان زج اكثر من ستمائة الف جندي في أتون حرب غزة واوقف التفاوض بشان الاسرى مع حركة حماس، سقط لحد الان اكثر من عشرين جنديا وعدد اكبر من الجرحى من قوات الاحتلال، وعلى حسب تعبير جريدة يديعوت أحرنوت الاسرائيلية، فان نتنياهو وبدلا من ان يستمر في التفاوض للإفراج عن عشرين اسيرا، تسبب في فقدان عشرين جنديا جديدا، والحبل على الجرار. وطبعا ان نتنياهو سوف لن يجازف، بل وليس بمقدوره عمليا، في شن هجوم بري على اليمن (مشابه للهجوم الذي شنه على لبنان وغزة وسوريا) لان هذا يعني الدخول في مستنقع لن يمكنه الخروج منه سالما أبدا، ولا يوجد من يستطيع ان يساعده في هذا المجال، بعد فشل كل محاولات اجتياح اليمن السابقة. وهكذا فان الاستنتاج الطبيعي لما يجري هو ان اسرائيل هي الطرف الخاسر في هذه المواجهة، ليس فقط لانها فشلت في منع الصواريخ اليمنية من الانطلاق نحو فلسطين المحتلة او القضاء على مقاومة غزة، وانما ايضا من ناحية اصرار اليمن على عدم التوقف عن دعم ابناء غزة في مواجهة المذابح اليومية التي يتعرضون لها، واصرار المقاومة في غزة على الاستمرار ورفض مشاريع الاستسلام رغم فداحة مجازر الابادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال. وأما الفشل الاسرائيلي الاكبر فيتمثل في اتساع العزلة الدولية التي يعيشها الكيان المحتل يوما بعد يوم، والذي جعل منه مرفوضا بل منبوذا دوليا بصورة لم تحدث منذ ان أُقيمَ هذا الكيان في قلب الامة العربية. وتصاعد عمليات الشجب لسياسات الكيان الإجرامية والمطالبة بمحاسبته هي إشارة دولية اخرى واضحة ليس فقط على فشل نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وانما على تغير المزاج الدولي الإنساني الذي ظل لسنين يتعاطف مع دولة الاحتلال، بحيث اصبحت العلاقات الطيبة مع الكيان تتسبب في حرج كبير للدول حول العالم وللسياسيين وتؤثر على شعبيتهم. وهذه الحالة في تصاعد كبير.
اما لأهلنا في غزة وفي اليمن فلا نقول لهم سوى ما قاله الله تعالى في كتابه العزيز لصحابة رسول الله ﷺ بعد احداث معركة اُحد:
(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)،
ولقد اثبتم بأنكم مؤمنون والحمد لله.
*كاتب واكاديمي عراقي
910 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع