أبجدية من بقايا وطن ......

مريم الشكيلية/ سلطنة عمان

أبجدية من بقايا وطن ......

هذه أول سطوري أكتبها لك بعد صيامي الكتابي منذ قرابة ثلاثين يوماً منذ آخر رسالة بعثتها لك ..لا تتخيل من أين أحدثك الآن ؟ أحاول أن أرسل لك أكثر من الكلمات وأعمق من أبجدية اللغة .. أحاول أن أجعلك تسير معي في هذه الطريق الفاصل بين الشمال والجنوب،وأن أنقل لك بمداد قلم كيف تكتب هذه الأفواج العائدة ملحمة تاريخية لا تتسع لوصفها سطور ... أنا الآن أسير مع الألف العائدين من منتصف قطاع غزة وجنوبه إلى الشمال عبر شارع صلاح الدين لا تتصور هذا النهر العائد من الناس أحاول أن ألصق تعابير وجوههم ونبض حديثهم على شفافية الورق الأبيض ،وأرسله لك.. سوف أسرد لك هذه التفاصيل الكثيرة التي أعيشها مع هذه الجموع في رسالتي التالية ،ورغم كل شيء لا تزال متشبثة بالأرض والتراب والضوء ....
أعلم ما الذي ترغب أن تسألني عنه الآن ،وأكاد أجزم بأنك أمطرت رسائلك به ،وهو ماذا بقي لي هنا ؟ ،وهل سوف ألملم ما بقي لي من أشلاء نفسي ،وأبحث لي عن وطن ؟
لن أنتظر حتى أصل إلى بيتي إن كان لا يزال هناك حتى أجيبك فأنا الآن أكتب لك ،ونحن نسير منذ الشروق الأول للشمس ،وحتى الآن ...
كل شيء يقول لي : ماذا بقي لك هنا بعد أن سكت صوت الحياة ؟! بعد أن شاخت ملامح وجهي تحت سماء مدينة مندثرة ماذا بقي لي هنا ؟! ماذا سوف أفعل في وطن بعد أن إنطفئ فيه كل شيء ،وإنحنى ظهري بين جدرانه ..
حتى إنني سمعت طنين من خلف المحيط يقول لي : سوف أجد لك وطن آخر فقط أحمل حقيبتك وغادر ....
من أين لي بحقيبة تتسع لجواز سفري وذكرياتي وبيتي وسنوات عمري؟! إنني لا أريد أرض برفاهية عيش لا تشبه أرضي ولا سماء صافية زرقاء غير سماء مدينتي الملبدة بغيم ودخان كما يعتقد الآخرون ،وإنما أريد أن أكمل ما بقي لي من عمر في وطن يعكس ملامحي ،وهويتي ،ودمي ...
أتوسد بيتي وعطري برائحة تراب .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

967 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع