بقلم/ المهندس أحمد فخري
قصة (البركان) -الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبالامكان مراجعته من خلال هذا الرابط:
https://algardenia.com/maqalat/67868-2025-06-12-10-18-22.html
قبل سبعة اشهر بنفس تاريخ وقوع الحادث
امسك معاذ بهاتفه من نوع (آي فون) واتصل بصديقه قصي. رد قصي على الاتصال قائلاً،
قصي : ما ورائك يا معاذ؟
معاذ : لقد تحصلت على (چكليت) اليوم، ما رأيك؟
قصي : هل هو (چكليت) جيد ام انه رديء كما في المرة السابقة؟
معاذ : لا ابداً، انه افضل بكثير هذه المرة. تاخذه من هنا وتطير فوق السحاب من هنا. قال لي البائع انه وصل للتو من ايران. انه نوع ممتاز اشتريته بثمن باهظ.
قصي : المبلغ لا يهم الآن فآبائنا يسبحان ببحر من الدولارات.
معاذ : ما قولك إذاً؟ هل تمرؤ علي الآن لنذهب الى الوكر؟ هل لديك سيارة؟
قصي : اجل لدي سيارة.
معاذ : أهي السيارة البيضاء مثل المرة السابقة؟
قصي : كلا يا غبي. المرة السابقة كانت الجيكلاس. لكن هذه المرة سيارة صالون آخر موديل.
معاذ : وكيف سمحوا لك باخذها يا لقيط؟
قصي : ابي لا يمانع لان لديه 6 سيارات وهو الآن بصدد شراء السابعة.
معاذ : إذاً تعال وخذني من بيتنا فوراً.
قصي : ساكون عندك خلال نصف ساعة.
اغلق الهاتف مع صديقه وركض صوب الطاولة التي وضع فوقها صحن يحتوي على الكثير من المفاتيح. التقط واحداً منها وخرج من الباب الخلفي لمنزله. ركب سيارة ابيه وادار المحرك. وما هي الا نصف ساعة ليقف خارج بيت صديقه معاذ. بدأ يطلق بوق السيارة بنغمة مهينة حتى خرج معاذ وركب الى جانبه وهو يبتسم. أخرج معاذ كيساً من جيبه مليئاً بحبوب كروية بيضاء وعرضها على صاحبه قال،
معاذ : انظر يا صديقي. هل رأيت منظراً اجمل من هذا؟
** معاذ يعرض المخدرات على قصي
قصي : يا سلام. سنطير اليوم فوق السحاب.
ادار المحرك وبدأ بقيادة السيارة. وعندما وصلا الى الوكر المزعوم نزلا ودخلا الشقة التي استأجرها قصي مؤخراً. اعطى معاذ حبتان لصاحبه فابتلعها على الفور واخذ لنفسه حبتان هو ايضاً. وما هي سوى ربع ساعة وصار كلاهما يسبح في دنيا الخيال. كان قصي يرى الشقة وكأنها تحولت الى حديقة غناء ملئى بالزهور وهو يسبح في بركة واسعة من الحليب بوسطها. بينما كان الثاني يحلم بانه اصبح اميراً لديه الكثير من الجاريات الحسناوات يخدمنه ويدعكن اقدامه. بقيا بهذا الحال لاكثر من ساعة حتى تراأى لقصي احدى الجاريت تركض نحوه وتقول، "سيدي، سيدي، هاتفك يرن يا مولاي". فتح عينيه فعاد للواقع المرير ليرى على شاشة الهاتف الاسم (ياسين النغصة). ضغط على الزر الاخضر فسمع صوت اباه يقول،
ياسين : اين انت يا ابن الكلب؟
قصي : انا بالسوق، اقصد بالمدرسة... بل انا هنا.
ياسين : لماذا اخذت السوداء يا قمامة؟
قصي : ولم لا؟ الم تقل لي باني استطيع أخذ اي سيارة اشاء وقتما اشاء؟
ياسين : اجل ولكني ساذهب لمقابلة سماحة السيد اليوم. هل تريدني ان اركب الـ (كيا)؟
قصي : لا، هذا لا يجوز طبعاً. رجل مثلك يركب الـ (كيا).
ياسين : إذاً تعال على الفور. اريدك ان تكون هنا خلال خمس دقائق.
قصي : خمس دقائق؟ هل تعتقد انني اقود صاروخ فوق صوتي؟
ياسين : إذاً تعال باسرع وقت ولا تكثر من الثرثرة يا ابن الكلب.
قصي : حسناً يا ابي. فانا اضل ابنك هاهاها.
اغلق الخط مع ابوه واقترب من صاحبه المنتشي ليصرخ باذنه،
قصي : استيقظ يا معاذ هيا استيقظ.
معاذ : امهلني خمس دقائق فانا اضاجع الجارية نفيسة واكاد انتهي.
قصي : اي جارية يا إبن الهبلة. انت هنا في الوكر. استيقظ وضع بعض الماء على وجهك. يجب ان نخرج على الفور.
معاذ : واين يقع (الفور) الذي سنخرج عليه؟
قصي : لعنك الله يا حمار. قلت لك استفق وصحصح. يجب علي ان ارجع السيارة لابي لانه سيذهب لمقابلة سماحة السيد.
معاذ : هل قلت السيد؟ حسناً حسناً ساقفز ببركة السباحة.
قصي : اي بركة سباحة؟ نحن بالوكر يا مسطول، نحن هنا بالشقة. هيا اسرع.
وقف معاذ وهو يترنح في مشيته ودخل الحمام وصار يتبول على الارض ثم وقف تحت الدوش يريد فتح الصنبور لكنه تذكر ملابسه فقال، "يووووه الملابس". خلع ملابسه ورماها فوق كرسي المرحاض فدخل قميصه بداخل فوهة كرسي المرحاض. وقف تحت الدوش ليغتسل. وبعد قليل سمع طرقاً شديداً على الباب ليسمع صاحبه يقول من وراء الباب،
قصي : هيا يا معاذ. الم تنتهي بعد؟
معاذ : اجل، اجل لقد انتهيت لكن المطر مازال يهطل بغزارة.
قصي : اي مطر يا قمامة. انت تحت الدوش.
معاذ : الدوش؟ اجل، اجل الدوش، ساغلق الصنبور الآن.
فتح الباب ووقف امام صاحبه (ربي – كما – خلقتني) فسمعه يقول،
قصي : جفف نفسك وارتدي ملابسك يا جحش. لقد تأخرنا. سوف يحرمني ابي من اخذ السيارة مستقبلاً إن لم نخرج الآن فوراً.
معاذ : هل نجلب معنا الكيس الذي يحتوي بداخله على باقي الحبوب؟
قصي : يا لك من غبي. ماذا لو نسيناه بالسيارة فيكتشفه الوالد ليقتلني.
معاذ : ماذا نفعل به اذاً. انتخلص منه ونرمي الحبوب بالمرحاض؟
قصي : كلا يا حمار، انها من النوع الجيد. خبئها هنا بالوكر وسوف نستعملها لاحقاً.
معاذ : حسناً ساضعها بالدولاب بداخل علبة حلويات الشكرچي.
خرج الشابان مسرعان ليركبا السيارة وكانا بحالة يرثى لها. صار قصي يقودها بسرعة جنونية لكنه كان ينظر بصعوبة كبيرة لانه مازال منتشياً فالشارع امامه كان يصغر تارة ليصبح كالخيط الرفيع ويكبر اخرى ليصبح كحمام السباحة. كانت السيارات الباقية تقترب منه كثيراً فيصرخ "بوية بوية بوية". لكنها كانت تبتعد عنه بعد ذلك فيضحك. بقي اكثر من خمس دقائق وهو يقودها بجنون والسيارة تترنح مثل سائقها حتى وصلت الى دوار. وبدلاً من الدوران حولها من اليمين استدار حول الدوار من اليسار. لحسن حظه، كان الدوار خالياً من السيارات فاستدار حوله بامان. فجأة سمع صاحبه يقول،
معاذ : ليذهب اباك الى الجحيم. دعنا نعود الى الوكر ونأخذ المزيد من الـ (چكليت) لقد بدأ مفعول الحبوب يتوارى.
قصي : لا يا حمار. ابي ينتظرنا بالبيت يريد السيارة ليقابل رئيس الوزراء لا، لا، بل سيقابل سماحة السيد. سوف نتناول المزيد من الـ (چكليت) في المرة القادمة.
معاذ : ولماذا لا تعطي الچكليت الاسود اقصد السيارة السوادء الى امك الزانية اقصد الى ابوك الكلب ثم نأخذ سيارة اخرى غيرها كي نعود بها للوطر اقصد للوكر؟
قصي : لا، سيكون ابي غاضباً جداً لانني اخبرته بانني ساحضر فوراً وقد تأخرنا بسببك فانت اخرتنا كثيراً.
معاذ : اسمع يا قصقوصتي، احضر امك معنا في المرة القادمة كي نستمتع بها عندما ننتشي.
قصي : ماذا قلت يا حيوان؟
رفع يده ليصفع صاحبه معاذ، فانحرفت السيارة وارتطمت بسيارة اخرى كانت واقفة امام صيدلية فانقلبت السيارة التي صدموها وشبت بها النيران. فقد الولدان وعيهما وبقيت وجوههما ملتصقة بوسادات بيضاء لفترة لم يُعْرَفْ مداها حتى دخل عليهما رجل مجهول وصار يستجوب معاذ ويصرخ بوجهه قائلاً،
الرجل : لماذا فعلتم هكذا باولادي؟ من اعطاكم مقود سيارة يا كلاب؟
وبعد مرور ساعة حظر والد قصي بسيارة جيكلاس ومعه رجلان مسلحان. تحدث مع احد افراد الشرطة مطولاً، وبعد ان عرف اسم الضابط المسؤول في مركز الشرطة اخذ ابنه قصي مع صديقه معاذ وارجعهما الى سيارته لينطلق بهما بعيداً. أدخلهما مكتبه الوثير وامرهما الجلوس على الاريكة دون النطق بكلمة واحدة. لكن معاذ كان يضحك بصوت مرتفع مما اثار غضب ياسين اللامي والد قصي. نظر الى معاذ وسأله،
ياسين : انت يا حمار. ما اسم ابوك؟
معاذ : ابي اسمه يتغير حسب شبق امي. فعندما تستدعيه للسرير تناديه (فوقي) وعندما تكون غضبانة منه تناديه (غراب البين) اما انا فاسميه الصراف الآلي.
ياسين : واين اجد الصراف الآلي الآن؟
معاذ : اما يكون الآن يضاجع صاحبته في شقته السرية في مدينة الصدر او في مكتبه.
ياسين : اعطني رقم هاتف اباك الآن.
معاذ : حسناً انه 0722200031. لا، لا توقف انه 0744400031. لا توقف انه 0722244431.
ياسين : يا لك من قمامة. اي الارقام اصح؟
معاذ : الاخير الاخير اجل الاخير 0722244333
ياسين : لعنك الله. ساجرب الاخير وأرى.
حاول الاتصال بالرقم الاخير فسمع تسجيلاً يخبره بان الرقم المطلوب غير صحيح. حاول رقماً ثانياً فسمع الهاتف يرن فاجابه رجل ليسأله،
ياسين : هل انت فوقي؟
فايق : انا فايق الكعبي وليس فوقي.
ياسين : انا ياسين اللامي والد قصي صديق ابنك معاذ.
فايق : خير؟ ماذا تريد؟ انا لا اريد ان اتبرع بالمال لاحد. فقد دفعت الخمس مؤخراً.
ياسين : هل تعلم بالحادث؟
فايق : اي حادث هذا؟
ياسين : لقد وقع حادث سير لابنك معاذ مع ابني قصي.
فايق : اتمنى ان يموتا ويذهبا الى الجحيم؟
ياسين : كلا لم يموتا، لكنهما منتشيان بشكل كبير وسيسببان لنا مشاكل عويصة إن لم نتدارك الامر بسرعة. هل يمكنك ان تأتي الى عندي؟
فايق : حسناً، ابعث لي بالعنوان.
استلم فايق العنوان من ياسين على هاتفه وخرج من مكتبه ليركب السيارة ويتوجه بها الى العنوان الذي استلمه. فور دخوله المكتب رأى ابنه جالساً يضحك مع صاحبه قصي فصفعه صفعة قوية لكن ابنه معاذ قال، "طـــــــــــــــن". وكانه قد قام بصفع تمثال من البرونز. سحبه ياسين ودعاه الى الجلوس على الاريكة الا انه قال،
فايق : اقسم ان هذا الولد سيسبب لي (جلطة بالمخيخ) من جراء اعماله المشينة. ماذا سيقول عني سماحة السيد لو علم بالقصة؟ كيف سيتعامل معي مستقبلاً؟
ياسين : هدئ من روعك يا اخي فايق. اترك سماحة السيد جانباً الآن. لدينا مشكلة أكبر، فاولادنا تورطوا بحادث سير وهما منتشيان تماماً. لقد نتج عن الحادث موت اطفال بداخل سيارة ابيهم وهذا سيسبب لنا الكثير من الصداع. يجب علينا ان نلفلف الامر بيننا.
فايق : لا تقلق استاذ ياسين، لدي الكثير من الاخوان الطيبين بوزارة الداخلية. سيقفون معي وسيخرجون اولادنا كالشعرة من العجين.
ياسين : هل انت متأكد مما تقول؟
فايق : طبعاً متأكد، فلماذا يسمونني (فوقي البطل) إذاً؟
ياسين : حسناً بامكانك ان تجري اتصالاتك باسرع وقت وسنكون انا وانت على تواصل مستمر.
فايق : بالتأكيد. سنلفلف المشكلة كما تلفلف الدولمة ونجعل كل شيء يسير على ما يرام.
امسك فايق بابنه معاذ وسحبه للخارج كما لو كان خروفاً. خرجا من مكتب ياسين. ركبا السيارة وانطلقا بعيداً.
بعد مرور بضعة ايام اجتمع فايق الكعبي وياسين اللامي وقررا حل مشكلة اولادهما إذ قال،
ياسين : هناك الكثير من الاخوان الشرفاء وعدوني بأنهم سيقفون الى صفنا كي لا يفسحوا مجالاً للخصم ان يسجن اولادنا.
فايق : وماذا عن نائب المدعي العام والقاضي؟
ياسين : قال لي احد العمداء بالحشد انه يعرف الكثير منهم وسوف يطلب منهم المساعدة عن طريق سماحة السيد كي يساعدونا.
فايق : هذا جيد. اطال الله في عمر سماحة السيد فهو ظل الله على الارض لانه يساعد المظلومين.
ياسين : اجل والله، اولادنا مظلومون ولا يستحقون البهذلة. فماذا لو تعاطوا بعض المخدرات؟ ما المشكلة في ذلك؟ انها ليست جريمة. الجريمة الحقيقية هي حبسهم وجعلهم يخسرون مستقبلهم. لقد وعدني احدهم ان المسألة ستكون مدبرة حتى لو حكم عليهم بالسجن. المهم اننا سنحصل على تقارير طبية مزورة تفيد بانهم اصيبوا بالكثير من الاصابات والكسور اثناء الحادث كي يستطيع القاضي اصدار حكم مخفف ضدهم.
فايق : اقسم بانك جبار يا سيد ياسين.
<< بالوقت الحالي وبعد مرور ما يقرب من شهرين من وقوع الحادث <<
دامت المحاكمة اسبوعين من الجلسات المكثفة. بعدها وقف القاضي في صالة المحكمة ونطق بالحكم حين قال، "بالنظر لجسامة الحادث الذي راح ضحيته طفلين بريئين هما كريم وحليم اولاد السيد مثنى شاكر عبد اللطيف فإن المحكمة وجدت المتهمين معاذ فايق الكعبي وقصي ياسين اللامي مذنبين ويستحقان العقاب. وللأخذ بعين الاعتبار التقرير الطبي الذي يؤكد اصابة معاذ فايق الكعبي بكسور من موقعين في يده اليمنى والمتهم الثاني بثلاثة كسور لاضلاع صدره مع كسر كبير بعضم الحوض فقد قررت المحكمة الحكم عليهما بالحبس لمدة سنتين في سجن الأحداث. رفعت الجلسة".
عج الهرج والصراخ بين الجمهور فوقف فايق يعاتب ياسين ويقول،
فايق : ما هذا يا ياسين؟ لقد حُكِمَ عليهم بالسجن. الم تقل ان كل شيء مرتب ومدبر؟
ياسين : اغلق فمك يا فايق. هناك الكثير ممن يسمعوننا في القاعة. تعال الى الخارج ودعني اشرح لك الامر ولا تتسرع.
خرج الاثنان الى خارج مبنى المحكمة فسأله،
فايق : هيا اخبرني كيف سنمنع اولادنا من الدخول الى السجن؟ هل سنهربهم الى خارج العراق؟ للعلم فقط فانا لدي مهربين يستطيعون اخراجهم الى ايران او الى سوريا.
ياسين : كلا هذا ليس ضرورياً. سوف يكونان محبوسين بشكل صوري فقط ولكن بامكاننا اخفائهم خارج السجن ببيت بعيد عن الاعين كي يختبؤوا به حتى تنتهي مدة محكوميتهم.
فايق : هل جننت يا ياسين؟ كيف سنجبرهم على البقاء بداخل بيت لمدة سنتين؟
ياسين : سنمنحهم الكثير من حبوب الكرستال والعاب الفديو وحتى الـ (الكاوليات) سيرقصون لهم بداخل البيت. سنجلب لهم الكثير من النساء كي يضاجعونهن وقتما يشاؤون.
فايق : باي منطقة يقع ذلك البيت؟
ياسين : انه بيت كبير في السيدية بامكاني ان أسَكّنُهُمْ فيه وسوف اضع لهم حراسة 24 ساعة كي يحموهم ويمنعونهم من الخروج قدر الامكان. ويصدون عنهم اي اعتداء.
فايق : ماذا لو مرض احدهم؟
ياسين : دعهم يمرضون الى جهنم وبئس المصير. اسوأ الحالات ساطلب من احد الاخوة الطيبين وهو طبيب قريب لزوجتي كي يعالجهم إن احتاجوا لعلاج.
فايق : حسناً بيدو انك قد فكرت بكل شيء.
ياسين : لقد ساعدني سماحة السيد بالمال وهو الذي اهداني المنزل في السيدية. سابقاً، كان هذا المنزل لاحد المغتربين العراقيين الذين يسكنون في السويد، فاستملكه السيد وضمه الى باقي ممتلكاته.
فايق : اطال الله في عمره.
ياسين : إذاً، على بركة الله.
<< بعد مرور خمسة أشهر اخرى <<
دخلت تالة الى غرفة اباها لتجده منكباً على هاتفه الذكي فسألته،
تالة : هل اتصل بك فلاح يا ابي؟
مثنى : كلا، انا قلق جداً على ابن عمتك فقد اخبرني انه سيذهب ليراقب البيت الذي يختبئ فيه معاذ وقصي الا انه لم يتصل بي بعد. اين تعتقدينه الآن؟
تالة : انا متأكدة من ان فلاح ذكي جداً ولن يوقع نفسه بمشاكل. سوف يقوم بجلب المعلومات التي طلبناها منه بكل كفائة.
مثنى : اتمنى ذلك يا حبيبتي. فهؤلاء المجرمين ليسوا بشراً. لا يتوانون عن قتل اي انسان يقف في طريقهم.
وبينما الاب وابنته يتناقشان بصدد فلاح رن هاتف تالة فنظرت الى شاشة هاتفها وصاحت،
تالة : حمداً لله، انه فلاح يتصل بي.
ضغطت على الزر الاخضر فسمعت صوت رجل مجهول يقول،
الرجل : لقد ارسلتم هذا البغل كي يراقبنا اليس كذلك؟
تالة : انت مخطئ يا سيد. ليس هناك احد يريد مراقبتكم. ولماذا انت تستعمل هاتف ابن عمتي فلاح؟
الرجل : يبدو انكم غير مكترثين بحياة فلاح لانكم تنكرون انه يعمل لصالحكم. لذا سوف نقتله ونرميه في مكب النفايات.
تالة : اسمع مني يا مجرم يا جبان. إن لم تترك فلاح الآن فسوف امسك بك وسوف اقطعك ارباً ايها الحقير.
الرجل : وماذا ستفعلين بي ايتها الطفلة الصغيرة؟ هل ستصرخين بوجهي وتبكين بحرقة بعد ان تمصي مصاصتك هاهاهاها.
وقبل ان ترد عليه اغلق الهاتف بوجهها فنظرت الى والدها وقالت،
تالة : لقد امسكوا بابن عمتي فلاح وجعلوه رهينة.
مثنى : وكيف نعرف انه صادق؟ من قال انه ما زال حياً؟
فجأة اصدر هاتفها رنة تشير الى ورود رسالة. فتحت الرسالة فوجدت فيها صورة لفلاح وهو مكبل بالحبال فصرخت قائلة،
تالة : كلاب سفلة، لقد بعثوا لي بصورة فلاح وهو بالاسر.
مثنى : دعيني ارى الصورة.
اعطت الهاتف لوالدها ونظر الى الصورة فهاله ما رأى.
** فلاح بالاسر
مثنى : يا الهي، لقد امسكوا بفلاح فعلاً. سوف يؤذونه يا تالة.
تالة : لا تقلق يا ابي. نحن نعرف عنوان البيت بالسيدية. سوف نداهمهم بانفسنا. وانا ساقتص منهم جميعاً الواحد تلو الآخر.
مثنى : إذاً دعينا نذهب الى هناك على الفور.
امسك مثنى بعصاً غليضة تستعمل كمضرب في لعبة البيسبول لكي يتسلح بها وخرج مع تالة فركبا السيارة. صارت ابنته تالة تتابع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على هاتفها الخلوي وراحت تعطي الارشادات لوالدها كي يتنقل بشوارع السيدية حتى وصلا الى شارع قطر الندى. قالت،
تالة : استدر بالشارع الموالي يا ابي.
استدار مثنى بالسيارة ودخلا الشارع. وعندما وصلا العنوان المطلوب هالهم ما رأوا. فالبيت الذي سبق وان راوه في اليوم السابق قد احترق تماماً وتحول الى كتلة سوداء متفحمة. كان رجال الاطفاء قد انتهوا للتو من اطفاء الحريق فيه فذهب مثنى الى احدهم وسأله،
مثنى : هل وجدتم اي جثث بداخل البيت؟
رجل الاطفاء : كلا سيدي، البيت كان فارغاً.
مثنى : ما سبب الحريق؟
رجل الاطفاء : يبدو ان انبوبة غاز قد انفجرت وحدها بعد ان وقع ماس كهربائي.
مثنى : شكراً اخي.
هنا اخرج مثنى هاتفه من جيبه واتصل بالمقدم عبد الغني فسمعه يقول،
المقدم عبد الغني : ما الامر يا سيد مثنى؟ هل انت بخير؟
مثنى : كلا حضرة المقدم. لقد خطفوا ابن اختي فلاح وقد حرقوا المكان الذي احتجزوه فيه.
المقدم عبد الغني : الم اطلب منكم ان تتركوا الامر للشرطة كي تقوم بمهمتها؟
مثنى : اجل كما فعلتم في المرة الماضية فدفع اولادي الثمن. بعدها خرج المجرمون من السجن دون عقاب. الا تعلم ان المجرمين معاذ وقصي لم يقضيا يوماً واحداً بالسجن لانهما كما اخبرتك يختبئان ببيت في السيدية؟
المقدم عبد الغني : اعدك باننا سنقوم بواجبنا على احسن وجه هذه المرة. لا تقلق سيد مثنى. سنقف لهم بالمرصاد. سنجد لك ابن اختك فلاح. انا قادم الآن.
مثنى : شكراً لتعاونك سيادة المقدم.
رجع مثنى الى ابنته وأخبرها بما قاله رجل الاطفاء وما قاله المقدم عبد الغني فحزنت كثيراً لانهم فقدوا الاثر الوحيد الذي سيمكنهم من تعقب المجرمين. ركبا السيارة وعادا الى بيتهما وهما في غاية الحزن ولم يتكلما كلمة واحدة حتى وصلا. دخلا البيت فقال مثنى،
مثنى : سارقد قليلاً لانني اشعر بالارهاق.
تالة : وانا ساذهب الى حديقة المنزل لاتمرن قليلاً.
استلقى مثنى على سريره وحاول ان ينام ولكن لم يغمض له جفن وذلك بسبب اصوات الضربات التي كانت تصدرها ابنته على كيس الملاكمة بالحديقة. لقد كانت تتدرب كثيراً بلا هوادة وكأنها تريد الانتقام من الكيس وكلما ضربته بقبضتها كان يصدر اصواتاً تشبه انفجارات القنابل. وكلما تمنى ابوها ان تتوقف من شدة التعب لكن ضرباتها صارت اقوى واسرع من سابقاتها حتى صرخ باعلى صوته وقال،
مثنى : تــــــــــــــالة، كفاك يا تالة، ادخلي الى الداخل.
توقفت ابنته عن التمرين ودخلت وهي مغطاة بالعرق من اعلى رأسها حتى اخمص قدمها سألت،
تالة : ما الامر؟ ماذا تريد مني يا ابي؟ انا جداً غاضبة لاننا فقدنا آخر دليل يدلنا على الخاطفين وسيقتلون فلاح. انا اردت ان استنزف غضبي الذي يغلي واصبه بكيس الملاكمة.
مثنى : استهدي بالرحمان وانتظري. لقد خطرت لي فكرة كي نخرج من عنق الزجاجة. الا بعثتِ لي بصورة ابن عمتك التي ارسلت الى هاتفكِ؟
تالة : اجل يا ابي فوراً ولكن لماذا؟
مثنى : ساحاول ان اجد فيها اي دليل يرشدنا الى المكان الذي ارسلت منه الصورة.
تالة : يا لك من عبقري يا ابي. هل تقصد الميتا داتا meta data؟
مثنى : اجل ساحاول ان اعثر على المكان من خلالها.
ضغطت على زر هاتفها فارسلت الصورة من هاتفها الى هاتف والدها. دخل والدها مكتبه وفتح حاسوبه النقال ثم نقل الصورة الى الحاسوب. بدأ يتفحص معلومات الـ (ميتا داتا) لكنه صار يلعن ويشتم من جديد فسألته ابنته قائلة،
تالة : ما الامر يا ابي؟ لماذا انت غاضب؟ الم تجد العنوان؟
مثنى : الصورة لم تؤخذ عن طريق هاتف خلوي لذلك فانها لا تحتوي على ميتا داتا meta data.
تالة : عليهم اللعنة. وماذا سنفعل إذاً يا ابي؟
مثنى : انا متأكد من انهم سيتصلون بنا مرة ثانية.
تالة : ما الذي يجعلك متاكد من ذلك؟
مثنى : لا أعلم لكنني اشعر انهم سيتصلون بنا من جديد.
تالة : اتمنى ذلك.
مثنى : اما الآن فسأحاول ان اتفحص الصورة التي ارسلتيها بدقة كبيرة علني اجد اي دليل اتمكن من خلاله التعرف على المكان الذي اخذت فيه الصورة. لذلك ارجوكِ اتركيني وحدي يا حبيبتي.
خرجت تالة وتوجهت للحمام لتأخذ دوشاً سريعاً. وعندما قارب الوقت من الثالثة ظهراً سمعت اباها يناديها باعلى صوته ويقول، "تالة، تالة تعالي يا تالة، اسرعي". دخلت تالة مكتب والدها وسألت،
تالة : هل وجدت شيئاً؟
مثنى : اجل، انظري، احد الخاطفين بالصورة كان يمسك هاتفه النقال فعملت عليه (زووم) وقربت كثيراً على يده لاتعرف على بعض المعلومات من على هاتفه. لكنني بدلاً من ذلك لاحظت شيئاً آخر مهم. وجد على ظهر يده وشماً. وعندما اخذت الوشم ونظفته من الشوائب (البكسيل) باستعمال الفوتوشوب وضعته على خلفية بيضاء وكبرته فاصبح واضحاً جداً انظري،
** الوشم
نظرت تالة على شاشة الحاسوب وفتحت فمها تعجباً قالت،
تالة : يا الهي، انه... انه... انا متأكدة انني رأيت ذلك الوشم...
مثنى : اجل حبيبتي اجل، انا ايضاً رأيت ذلك الوشم على يد سائق سيارة والد المجرم قصي عندما كان بالمحكمة الذي كان اسمه... اسمه...
تالة : والد قصي كان اسمه ياسين اللامي. اليس كذلك؟
مثنى : اجل حبيبتي كان اسمه ياسين اللامي.
تالة : إذاً دعنا نراقب ذلك الوغد يا ابي، ما رأيك؟
مثنى : انا اتفق معك ولكن يجب ان نغير سيارتنا لانهم بلا شك صاروا يتعرفون عليها جيداً.
تالة : لماذا لا نستلف سيارة عمتي نزيهة؟
مثنى : ساهاتفها الآن وأطلب منها السيارة.
وبعد ساعتين ركب مثنى وتالة سيارة عمتها نزيهة وانطلقا بها الى المسبح حيث يكمن مكتب والد قصي. وقفا على مسافة 100 متر عن المكتب كي لا يثيرا حفيظة من يراقبونهم. بقيا لاكثر من ثلاث ساعات يتربصون ويترصدون وينتظرون حتى صاحت تالة قائلة،
تالة : انظر يا ابي. لقد خرجوا من المكتب الآن.
مثنى : اجل، اجل ها هو السائق يفتح الباب الخلفي لسيده ياسين اللامي. يجب ان نتبعهم ونرى الى اين سيذهبون.
تالة : اسرع، ارتدي نظارتك السوداء وقبعتك (الكاسكيتة) كي لا يتعرفان عليك.
بدأ مثنى يتتبع السيارة التي يقودها السائق (ابو وشم) كما صار يسميه مثنى. وبعد ان تنقلا في مناطق بغداد المزدحمة، وقفت امام دائرة السفر والجنسية فنزل منها السائق والتف حول السيارة ليفتح الباب لسيده. نزل ياسين اللامي ودخل مبنى الدائرة بينما بقي السائق ينتظره في الخارج. بقي السائق ساكناً بداخل سيارته لاكثر من ساعة حتى عاد ياسين اللامي فخرج السائق وفتح له الباب فينطلقا بشوارع بغداد من جديد ليدخلا منطقة المنصور. وقفت السيارة امام احد المنازل الفخمة التي كانت اشبه بقصور الملوك. نزل ياسين اللامي من السيارة بينما عاد سائقه وركب السيارة وحده لينطلق بها من جديد فسأل مثنى ابنته،
مثنى : ما رأيك يا تالة، هل نبقى نراقب ياسين اللامي بداخل بيته ام نتتبع السائق؟
تالة : لا طبعاً دعنا نتتبع السائق فقد عرفنا مكان بيت رئيس العصابة. وبقي ان نعرف الى اين سيذهب السائق.
مثنى : تفكيرك سليم. ساتبعه الآن.
ادار مثنى محرك السيارة وصار يتتبع السائق من بعيد لاكثر من ساعة كاملة حتى دخل في الخط السريع فدخل مثنى ورائه وظل يتتبعه حتى خرج من الخط السريع ودخل على قرية صغيرة ليتوجه نحو سوق الخضار. صار السائق يتبضع من هناك ثم عاد لسيارته حاملاً اكياس بلاستيكية كثيرة وضعها بحقيبة السيارة الخلفي ثم واصل السير. اوقف السيارة امام بيت كبير معزول ليس بجواره منازل اخرى. اغلق السيارة عن طريق جهاز التحكم عن بعد ودخل البوابة وبيده المقتنيات في الاكياس البلاستيكية. نزل مثنى وتالة من السيارة ببطئ شديد واحكما اغلاقها ثم سارا صوب المنزل الذي دخل فيه السائق (ابو وشم). تسلقت تالة الجدار بسهولة ودخلت حديقة البيت ثم فتحت البوابة الخارجية لوالدها. هنا قال،
مثنى : من الآن فصاعداً سوف لن نتكلم فيما بيننا. سنكتفي بلغة الاشارة فقط مفهوم؟
اومأت برأسها واشارت له بكف يدها كي يقودها. سار مثنى نحو مبنى الدار تتبعه ابنته تالة حتى وصلا احدى الشبابيك التي كان على ما يبدو شباك لمطبخ فانحنيا للاسفل كي لا يراهما احد وسمعا الحوار التالي من خلال الشباك،
الاول : هل احضرت معك اللحم؟
الثاني : اجل كذلك جلبت الكثير من الخضار التي طلبتها مني. واشتريت الفواكل.
نظرت تالة الى والدها وهي تبتسم لانه قال (فواكل) بدلاً من فواكه. ابتسم هو الآخر ووضع سبابته امام شفتيه المغلقتين كي يذكرها بعدم الكلام او اصدار اي صوت ليستمعا المزيد فسمع صوت احدهم يقول،
الثاني : الى متى سنبقى نخدم هذا السافل فلاح الجالس بالداخل؟ لماذا لا نقطع رأسه ونرتاح؟
الاول : نحن لا نبادر بالقرار. بل ننفذ فقط ما امرنا به العم ابو قصي. وابو قصي امرنا بان نبقيه حياً هنا بهذا البيت بعد ان اكتشفوا مقرنا بالسيدية فاضطررنا الى أن نحرقه كي نزيل كل الآثار ورائنا.
الاول : أذاً انا ساقوم بطبخ الطعام الآن وانت اذهب الى الحيوان فلاح واسقه الماء لانني لم اعطيه أي ماء منذ الصباح الباكر وقد طلبه مني اكثر من مرة.
الثاني : سوف تقتله من العطش يا مجنون.
الاول : دعه يموت، الى جهنم وبئس المصير.
الثاني : لا، لايمكننا فعل ذلك. يجب ان نبقيه حياً حتى يقرر العم ابو قصي مصيره.
خرج احدهم من المطبخ فاشارت تالة لاباها براحات يدها بمعنا ابقى انت هنا وراقب من في المطبخ بينما ساتابع انا الرجل. سارت تالة بحذر شديد حتى رأت شباكاً آخراً يطل على غرفة الاستقبال فشاهدت المجرم يخترقه ويسير باتجاه احدى الابواب المغلقة فتبعته وهي تسير بالتوازي معه حتى وصلت الى الشباك المطل على تلك الغرفة التي دخلها لترى ابن عمتها فلاح مكبلاً هناك. رفعت رأسها قليلاً لتلقي نظرة افضل من الشباك فرأت فلاح جالساً على كرسي خشبي وقد ربطت يداه وارجله بالكرسي. رجعت الى والدها وهمست باذنه قائلةً،
تالة : لقد علمت مكان ابن عمتي فلاح يا ابي. اتبعني.
رجعت تالة الى شباك الغرفة التي احتجز فيها ابن عمتها فلاح وسار خلفها مثنى. نظر مثنى من الشباك ليرى المجرم (ابو وشم) يسقي فلاح بالماء. نظر الى ابنته وفتح يديه بمعنى، (ماذا سنفعل الآن؟). اومأت براسها ثم اشارت لابيها كي يتبعها فتبعها حتى وصلا الباب الرئيسي للبيت. اقتربت من الباب خلسة وامسكت بالمقبض وادارته برفق حتى انفتح معها بسهولة دون ان يصدر اي صوت. نظرت في عين اباها واشارت له كي يهيء عصاه للقتال. دخلت ببطئ شديد ومشت بداخل البيت حتى سمعت طرقعة الاوني بداخل المطبخ. اشارت لاباها براحة يداها المفتوحتان كي يتجمد بمكانه بينما ستقوم هي بمهاجمة المجرم الذي في المطبخ. دخلت المطبخ فشاهدها المجرم وهو يطبخ. فتح فمه وصرخ باعلى صوته لكن تالة بادرت بركلة ركلة دائرية واحدة كنست بها قدميه فسقط على الارض تبعتها بركلة اخرى على رأسه ليغيب عن الوعي. وبتلك اللحظة سمعت اباها مثنى يناديها ويستغيث بصوت مرتفع ويقول، "تالة، تالة، تعالي".
خرجت تالة من المطبخ فرأت (ابو وشم) يمسك بابوها من الخلف وقد وضع خنجراً على رقبته فنظر اليها وقال،
ابو وشم : خطوة واحدة منك يا عاهرة وسوف اذبح ابوكِ.
تالة : اجل ستذبحه لا محال لكنني سافجر رأسك بركلة واحدة فتخسر حياتك.
ابو وشم : حسناً سابدأ انا اولاً.
باشر بتحريك الخنجر على رقبة مثنى بتلك اللحظة وضع المجرم الثاني الذي كان فاقداً للوعي بالمطبخ جهاز الصعق الكهربائي (التيزر) على رقبة تالة فسقطت مغشياً عليها. امسك ابو وشم مثنى وقال لصاحبه،
ابو وشم : احسنت يا سردار لقد اتيت بالوقت المناسب.
سردار : هذه العاهرة ركلتني برأسي ففقدت الوعي لكنني استرديت وعيي بعدها.
ابو وشم : انها طفلة صغيرة فكيف تتمكن منك وانت تدعي بانك بطل بالمصارعة الحرة. الم تقل انك كنت تنازل عدنان القيسي؟
سردار : لقد فاجأتني ابنة الكلب لانها تسللت عليّ من الخلف.
ابو وشم : بل قل انها تمكنت منك لانك جبان ولا تستطيع ان تقاتل طفلة هاهاهاها.
سردار : بامكانك ان تضحك كما يحلو لك ولكن ما اقوله لك هو الحق. والآن ماذا سنفعل يا عبقري؟
ابو وشم : سنضعهم جميعاً بالغرفة مع الكلب الآخر فلاح وسوف نتصل بالعم ابو قصي لنخبره بما جرى هنا كي يتخذ قرار اعدامهم جميعاً. فقد كنا بواحد واصبحنا الآن بثلاثة.
حمل (سردار) تالة التي كانت غائبة عن الوعي من على الارض وادخلها الغرفة ثم اجلسها على كرسي خشبي الى جانب ابن عمتها فلاح وربط ايديها على اذرع الكرسي. بعدها جاء زميله (ابو وشم) وسحب مثنى وادخله الى داخل الغرفة وصارا يبحثان عن مكان ليربطونه به بسبب عدم وجود المزيد من الكراسي بالغرفة فقال سردار،
سردار : ساذهب الى غرفة الاستقبال لاجلب كرسي ثالث من هناك كي نربط الاب. نظر ابو وشم حوله فرأى حبلاً يبعد عنه مسافة مترين فقط فهدد مثنى وقال له،
ابو وشم : ابقى جامداً بمكانك يا ابن الكلب ولا تتحرك ساعود فوراً.
ترك مثنى وسار بعيداً ليجلب الحبل كي يربط يد مثنى. لكن مثنى تصرف بسرعة ورفع طفاية سجائر زجاجية ثقيلة كانت الى جانبه وانهال بها على رأس ابو وشم ليسقط مغشياً عليه ارضاً. فسمع ابنته تقول،
تالة : احسنت يا بابا، تعال وفك وثاقي.
مثنى : ليس بعد يا تالة انتظري. ساتخلص من المجرم الآخر اولاً لانه سيعود باي لحظة.
وقف خلف الباب وبيده طفاية السجائر الثقيلة وتأهب ليضربه. فور دخول المجرم الغرفة انهال عليه بضربة قوية واحدة على رأسه اسقطته ارضاً لكنه لم يفقد الوعي هذه المرة بل بقي يصرخ كاضباع. عاد مثنى وضربه ثانية وثالثة ورابعة حتى توقف عن الصراخ وفقد الوعي. ركض مثنى الى ابنته وفك وثاقها من على الكرسي ثم فك وثاق فلاح فاحتضن فلاح خاله وقبّله وقال،
فلاح : شكراً لك يا خالي. انا آسف لانهم امسكوا بي عندما كنت اراقب البيت في السيدية وجعلوا مني اداة للمساومة.
مثنى : لا عليك يا فلاح. لقد فزنا عليهم بالنهاية. وسوف نقوم بربطهم جيداً ثم...
قاطع حديثه رنين هاتف نقال. نظر حوله حتى اكتشف ان الصوت يأتي من جيب ابو وشم فركضت تالة اليه واخرجت الهاتف من جيبه. رأت الاسم (العم ابو قصي) على الشاشة. فتحت الخط ووضعت صوت السماعة مفتوح للجميع فسمعت صوتاً يقول،
ابو قصي : الو حسين؟
تالة : كلا يا مجرم يا ابو المسطول. انا تالة.
ابو قصي : ومن تكونين يا ساقطة؟ هل انت احدى العاهرات التي جاؤوا بك حسين وسردار ليتسلوا معهم؟
تالة : كلا يا سافل يا قذر. انا اخت ضحاياكم كريم وحليم الذي قام ابنك قصي بقتلهم. انا التي ساكون السبب في انهائك وانهاء اجرامك يا نذل.
ابو قصي : اقسم بحياة السيد ومعزته، سانهيكم جميعاً.
اغلق الخط معها فقال مثنى،
مثنى : هيا يا اولاد، دعونا نهرب من هنا فالمجرمون قادمون لا محال.
تالة : كم انت مخطئ يا ابي. انا لم اتي الى هنا كي احرر ابن عمتي فلاح فقط. انا هنا لان القضاء العراقي لم يقتص من أولئك السفلة المسطولين السفلة الذين قتلوا اخواني. انا هنا لالقن الجميع درساً لن ينسوه ابداً.
فلاح : انا اتفق مع تالة يا خالي. فانا قد عانيت الكثير من الاهانات اثناء فترة اختطافي. ويجب ان نقتص منهم جميعاً.
مثنى : إذاً كما يقول المثل العراقي (اليوم لو دمي لو لگمة تمن) سابقى واقاتل معكم حتى وإن متنا جميعاً ونحن نقاتل.
فلاح : ما هي الخطة إذاً يا خالي؟
مثنى : اولاً سنربط هذان البغلان حسين وسردار على الكراسي لكننا سوف لن نكمم افواههم لكي يقوما بالصراخ والاستغاثة عندما يصل رئيسهم ابو قصي خارج الدار فيستدرجونه. اما انا وتالة فسنتوزع كالتالي، انا ساكون على باب غرفة الاستقبال لاقف امام الباب الرئيسي الذي سيدخل منه ابو قصي كي استدرجه فيسير مع عصابته نحوي. تالة ستقف خلف الباب الرئيسي لتغلقه ورائهم بعد ان يدخلوا فينحصرون بداخل البيت ولكي نمنعهم من الهروب الى الخارج من جديد. وقتها ستستفرد بهم (البركان). وانت يا فلاح سوف تبقى بعيداً بالقرب من الشباك وتصور المعركة برمتها بالهاتف. لكنك ستتدخل فقط وقت اللزوم. مهمتك الاهم هي التصوير.
فلاح : خطة ممتازة. وماذا عن الاسلحة؟
تالة : انا لا احتاج لاسلحة. سامزقهم بيدي العاريتين. هل نسيت من اكون؟ انا البركان يا ابن عمتي.
فلاح : اجل سيكون منظراً رائعاً وانت تمسحين الارض بكرامتهم.
مثنى : اما انا فساجمع مسدسات الخنازير سردار وحسين (ابو وشم) الآن ثم احتفظ بواحداً منها وابقي الثاني قريباً مني للاحتياط. حتى إذا سولت نفس احد المجرمين فسأطلق عليه النار.
فلاح : خطة موفقة يا خالي. والسؤال هو، هل تستطيع استعمال السلاح يا خالو؟
مثنى : عيب عليك ان تسألني مثل هذا السؤال، فانا استعمل الاسلحة منذ طفولتي، لا تقلق.
بقي مثنى وفلاح وتالة يهيئون الفخاخ في مسرح المعركة بداخل البيت ليستقبلوا العصابة التي لا يعرف عددها بعد. وبعد اكثر من ساعة ونصف سمعوا صوت سيارة تقترب من البيت فنادى مثنى الجميع وطلب منهم الاستعداد ليأخذوا مواقعهم كما خططوا له. سمعوا خطوات الاشرار تقترب حتى رفسوا الباب الخارجي بقوة ودخلوا ممسكين باسلحتهم الرشاشة. بعد ان دخلوا جميعاً الى الداخل، اغلقت تالة الباب ورائهم فاستداروا خلفهم ليواجهوها. نادت تالة على والدها وفلاح وقالت، "دعوني اتعامل مع هذه القمامة واربي فيهم الاخلاق الحميدة". بعدها رمقت رئيس العصابة ياسين اللامي وبصحبته فايق الكعبي بنظرة حقد وقالت لياسين،
تالة : اهذا كل ما قدّرك الله عليه؟ تأتي هنا مع صاحبك فايق الغائط واثنان من الرجال كي تواجهوني يا اغبياء؟
بدأ ياسين وفايق يضحكان بصوت عالٍ جداً ثم التفت الى رجاله وقال لهم، "ارمو اسلحتكم ارضاً يا رجال. يبدو اننا اخطأنا ودخلنا حضانة اطفال بدلاً من وجهتنا الاصلية. انا الآن ساضع تلك الطفلة على حجري لأصفع مؤخرتها كي لا تقحم انفها في أعمال الكبار".
وضع الرجال اسلحتهم على الارض كما امرهم وهم يقهقون بصوت عالٍ. كان مثنى قلق جداً على ابنته لكن فلاح نظر بوجه خاله بكل ثقة وغمز له بمعنى لا تخف على تالة يا خالي. هنا سمعا تالة تقول لياسين،
تالة : اليوم ساحقق العدالة التي لم يتمكن القضاء المرتشي من تحقيقها. اليوم ساسقي دم اخواني الشهداء كريم وحليم الذين راحوا ضحية اجرامكم وطمعكم وخستكم وقذارتكم يا خنازير.
ياسين : يبدو ان اهلك نسوا كيف يربوكِ بالشكل الصحيح فتركوك من دون اخلاق. ساربيك انا كما ينبغي يا وقحة يا سافلة يا ابنة الكلب.
اندفع ياسين نحوها ورفع يده ليصفعها لكنها ابعدت رأسها للخلف فذهبت صفعته سدىً. عاد وصفعها مرة ثانية فسحبت رأسها من جديد فحصل ما حصل بالمرة الاولى هنا هجم عليها بسرعة فائقة لكنها لكمته على وجهه بقبضتها الحديدية وهي تبتسم. فامسك بوجهه من شدة الالم. وعندما رأى باقي الرجال ما فعلت تالة بياسين انحنوا للارض كي يلتقطوا اسلحتهم لكن مثنى سحب طارق المسدس الذي بيده ووجهه صوبهم ليهز بسبابته بيده اليسرى بكل برود وراح يطقطق بفمه بمعنى، "لا تفعلوا ذلك، وإلا!" فتجمدوا باماكنهم خوفاً من الموت. هنا اصدر رئيسهم ياسين امراً وقال، "هيا يا شباب دعنا نلقن تلك الطفلة درساً كي لا تلعب (توكي) مع الكبار". هجم المجرمون على تالة هجمة جماعية واحدة لكن تالة تملصت منهم بسهولة وباتت تتحرك بشكل خفيف جداً كما لو كانت راقصة باليه تتنقل من مجرم لآخر وهي في قمة السعادة تلكم هذا وتركل ذاك وتنطح الآخر برأسه وتركل الآخر بمؤخرته فجعلت منهم اضحوكة لابوها وابن عمتها. وعندما علم ياسين انه بات يخوض معركة خاسرة مع ند اقوى منه بكثير. قرر ان ينحني ليلتقط سلاحه من الارض حتى يحسم الامر معها لكن مثنى اطلق رصاصة واحدة على السقف ليحذره من فعل ذلك. فعدل عن اخذ السلاح ووقف من جديد. بتلك اللحظة الحاسمة جائته ركلة شديدة على وجهه. بقيت تالة تركل افراد العصابة بقدمها وتلكمهم بقبضتها الفولاذية المؤلمة حتى صارت الدماء تسيل منهم جميعاً كالانهار وبدأ الرجال يتساقطون من حولها كقطع الدومينو فانكفأ جميع الرجال على الارض دون حراك ما عدى ياسين الذي بقي وحده صامداً يقاتل رغم تلقيه الضربات الموجعة. اندفعت نحوه تالة في سعيها لانهاء النزال ولكمته لكمة قوية جعلته يركع على الارض. هنا ابتعدت عنه مسافة مترين ثم ركضت صوبه وقفزت بالهواء لتركله ركلة قوية على وجهه فانطلق الدم وصار ينفر من فمه كالحنفية ثم أنكفأ على وجهه ارضاً الى جانب باقي رجاله. نظرت الى والدها وابن عمتها ثم نفضت يدها وكانها قامت بتنظيف البيت من القمامة وقالت، "الآن اشعر انني قد اتممت المهمة".
ركض فلاح ومثنى واحتضنا تالة وقبلاها من رأسها وصارا يسيران فوق الرجال الممدين على الارض. نظر فلاح الى خاله وقال،
فلاح : آن الاوان كي تتصل بالشرطة يا خالي حتى يأتوا ويقوموا بازالة القمامة من هنا.
تالة : لا، لا توقف. لا تفعل ذلك يا ابي. سننتظر قليلاً حتى يستيقظوا من غفوتهم كي اقوم بضربهم من جديد.
مثنى : كلا يا حبيبتي كفاك ضرباً. لقد قمت بما يجب وحطمتيهم معنوياً وجسدياً ولم تبقي عظمة واحدة في جسدهم الا وكسرتيها بل وطحنتيها طحناً. دعينا نسلمهم للشرطة ليقدموهم للمحاكمة.
تالة : اي محاكمة هذه؟ الا تعلم ان العدالة مفقودة في بلدنا؟ دعني انفذ عليهم حكم الاعدام الآن ارجوك يا ابي.
مثنى : لا يا حبيبتي. نحن لسنا مجرمين. دعي العدالة تأخذ مجراها.
تالة : ولو اني كنت اريد الانتقام من هؤلاء الأوغاد لكنني ساطيعك والبي طلبك يا ابي رغم مضاضة الامر.
ركلت ياسين الذين كان بالقرب منها دون حراك للمرة الاخيرة كي تشفي غليلها.
مثنى : لم يعد هناك داعي لضربهم اكثر من ذلك فقد يموت احدهم وينقلب نصرك الى كارثة فينتهي بك الامر الى السجن.
تالة : ولو انني لم اشفي غليلي بعد وانتقم للمرحومين اخواني ولكن كما تشاء يا ابي، ساتركهم وامري الى الله.
اخرج مثنى هاتفه من جيبه واتصل بمركز الشرطة ليكلم المقدم عبد الغني. اجابه المقدم وقال،
المقدم عبد الغني : ما ورائك سيد مثنى؟
مثنى : العصابة التي اختطفت ابن اختي فلاح والتي أحرقت ذلك البيت في السيدية لتمحوا الاثار ورائها صارت الآن في قبضتنا.
المقدم عبد الغني : اين انت الآن؟ حدد لي مكانك وابعث بموقعك على الهاتف.
مثنى : سيصلك الموقع فوراً. نحن بانتظارك، ولا تنسى ان تبعث معك منظفين كي يكنسوا القمامة من هذا المكان. فالرائحة اصبحت لا تطاق.
انهى المكالمة مع الضابط وقال لابنته،
مثنى : سيحضر رجال الشرطة بعد قليل وعلى رأسهم المقدم عبد الغني.
تالة : انا متأكدة من انهم سيفلتون من العدالة هذه المرة ايضاً عندما يمتثلون امام المحكمة.
مثنى : هذا لا يهم يا حبيبتي. فانت قمت بالواجب على احسن وجه وعاقبتيهم واهنتِ كرامتهم وحطمت رجولتهم بشكل لا يصدق بحيث انهم لن يفكروا بايذاء اي احد لمدة طويلة. خصوصاً واننا وثقّنا الجريمة بالتسجيل الذي قام بتصويره ابن عمتك فلاح. وإن افلتوا من العقاب ثانيةً فنحن لدينا مواقع التواصل الاجتماعية. سنفضحهم ونعريهم امام الجميع فننشر الفديو بكل تفاصيل المعركة.
<< بعد مرور شهرين <<
قامت الشرطة بالتحقيق المكثف هذه المرة تحت قيادة المقدم عبد الغني شخصياً واستجواب جميع الاطراف. ومن خلال التحريات، عثروا على الوكر الذي كان يختلي به الاولاد معاذ وقصي (شقة الأنس) ووجدوا بداخلها كمية كبيرة من حبوب الكرستال (الچكليت) التي كان الاولاد يستعملونها اثناء خلوتهم. وبعد انتهاء جلسات المحاكمة وقف الجميع بخشوع ليستمعوا الى قرار المحكمة حين حكم القاضي بحبس كل من، معاذ فايق الكعبي وقصي ياسين اللامي بسجن الاحداث لسنة اضافية حتى تصبح المدة الاجمالية 3 سنوات مع رفع تقرير بحالة حبسهم للمحكمة كل 6 اشهر كي لا تتكرر اللعبة السابقة فيتملصوا من العقاب. كذلك حكم على فايق الكعبي وياسين اللامي بالسجن لمدة ثلاثة اشهر وغرامة مالية قدرها 50 مليون دينار عراقي لكل واحد منهما تقدم للعائلة المنكوبة كتعويض.
وقفت تالة تبكي بحرقة وقالت،
تالة : لم يحكم القاضي عليهم بالاعدام يا ابي. الم اقل لك باننا اخطأنا بعدم بعثهم الى جهنم وقمنا بكل سهولة على تسليمهم للشرطة كي يفلتوا من العقاب من جديد؟
مثنى : حبيبتي. هذه المرة ستُنَفّذْ عليهم الاحكام بشكل صحيح ليس كما حصل بالمرة السابقة يبدو ان القاضي نزيه هذه المرة. اما العقوبة الحقيقية فقد نالوها منك انتِ لانك قمت بمعاقبتهم كما يجب وبشكل كامل حطمت عظامهم وكبريائهم ومعنوياتهم لتمرغين انوفهم في التراب. سوف لن ينسوا ما فعلت بهم في حياتهم لأن فتاة شابة سلبت منهم كل شيء. انا متأكد انك لا ترغبين ان تصبحي قاتلة. ففنك هو الدفاع عن النفس لا قتل النفس.
تالة : انت على حق يا ابي. والآن لدي اقتراح.
مثنى : ما هو يا عمري؟
تالة : دعنا نذهب الى الموصل لنجلب امي من هناك. فكما تعلم، العم حامد يقول بانها بدأت تتحسن كثيراً وصارت تتكلم وتأكل حتى بالامس ضحكت على نكتة سردها عمّار.
مثنى : اجل حبيبتي. ستفرح اكثر عندما نبشرها بما تلقى المجرمون من عقاب على يدك يا بركان.
... تمت ...ِ
547 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع