اللواء الملاح الركن المتقاعد
فيصل حمادي غضبان
خطوات الهيمنه من الردع إلى الإذعان والاستسلام
———————————
1. المقدمة :حين تتدرج الهيمنة في ابتلاع خصومها كما تفعل النار بالهشيم… ببطء، ثم دفعة واحدة.لا تبدأ بغزو بل بظلٍ طويلٍ من الخوف.تُسيطر الدولة العظمى كما يعلو الموج على الساحل، لا تبادر بإسقاطه مرة واحدة بل يُتدرج الضغط حتى يضعف وربما ينهار .عندها تحبو السيطرة من الردع إلى المنع ثم الإرغام حتى الإذعان والاستسلام الكامل .في عصر الهيمنه الذكية العدو لايحتاج أن يُحتل بالكامل بل يكفي التحكم بمراكز القرار.. عندما يكون جوهر الصراع يراوح بين حرب للهيمنه وكسر الارادات او يرغب ان يكون مجرد مسرح دموي مفتوح لا نهايه له تستنزف فيه المصالح لاعادة رسم الخريطة كما ماهو مطلوب …للايضاح أكثر يتطلب ان نتسلسل بسلم السيطرة وكما يلي :
إ. الردع (Deterrence) هو زرع الخوف في قلب الخصم دون ان تلمسه بالقول اذا تحركت ستندم من خلال استعراض القوة هو التهديد الذي يمنع الفعل قبل وقوعه انسجاماً مع ما يجري اليوم يبرز سؤال جوهري هل ان الحرب الإمريكية الاسرائليه ضد ايران تهدف للهيمنة الاقليميه واعادة ضبط النفوذ الواقع يقول نعم .لمنع إيران من التحول إلى قوة نووية.مع تقييد تمددها في العراق ولبنان واليمن.كما يهدف الى تأمين الخليج العربي وممرات الطاقة الاخرى .مع فرض شرق أوسط جديد يخضع للتوازن الأمريكي الإسرائيلي.من خلال ( ضربات محسوبة، عقوبات اقتصادية، تحالفات عسكرية ) .وإضعاف الحلفاء الإقليمين لايران في المنطقة حقيقة الامر ان الهدف الأبعد هو إعادة إيران إلى “الحظيرة الدولية” بشروط واشنطن . كما حصل مع ليبيا في عام 2003.أ ذ كانت حرب كسر إرادات يلاحظ ان هذاالمسار يبدو أكثر صدقاً في اللحظة الراهنة.لأن الطرفين يعلمان أن النصر العسكري الكامل مستحيل.ولأنهما يسعيان لفرض الإرادة على الخصم دون الانزلاق لحرب شاملة.حيث إيران لا تسعى للنصر، بل للثبات. وأمريكا لا تسعى للغزو، بل للإخضاع.هذا ما يجعل الحرب تبدو وكأنها منازلة نَفَس طويل، كل طرف يريد أن يُرهق الآخر حتى يسقط بالكلمة، لا بالقنبلة. مع استنزاف مفتوح والحسم مؤجل .
ب. المنع ( Denial ) هو حرمان العدو من ادوات الحركة من منطلق يجب ان لا تهاجمه بل أمنعه من ان لا يتنفس .. من خلال الحصار الاقتصادي وحجب التكنلوجيا مع الحرب السيبرانية ..واجعله يخاف الحرب اكثر مما يريد النصر ومن الشواهد التي سببت الحرب اليوم برنامج ايران النووي ..وابرز مافيها المنع الخفي باغتيال العلماء بالسعي الى جعل الخصم يخاف الحرب أكثر مما يريد النصر.
ج . الإرغام (Compellence) هو إجبار العدو على أن يفعل ما يرفضه عندما لا يمكنك منعه بل تستطيع دفعه للركوع.من خلال العقوبات الخانقة.والعمليات العسكرية المحدودة.والضغط على الحلفاء.مع الابتزاز الدبلوماسي. كما حصل في غزو العراق للكويت .
د . الإذعان والاستسلام (Submission) هو عندما يتحول الخصم إلى تابع ليس المهم أن يسقط… بل أن ينهض وهو ينظر إليك انت سيده. اهم ادواته إعادة تشكيل النظام السياسي.فرض معاهدات طويلة الأمد.توجيه الجيوش والسلاح.لغرض السيطرة على القرار السيادي. كما حصل مع ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية .
2. الخلاصة : الوصف اعلاه يوضح خطوات السيطرة أبتداءً من الردع إلى الهيمنة فالاستسلام مع تطور أدوات الحروب الحديثة يستعرض البحث تطوّر مفهوم السيطرة العسكرية والسياسية من مرحلة الردع التقليدي إلى الهيمنة المركّبة التي لا تكتفي بمنع الخصم من الهجوم، بل تسعى إلى كسر إرادته وتطويعه نفسياً واستراتيجياً، وصولاً إلى حالة الاستسلام الخاضع دون حرب شاملة.في البداية، شكّل الردع النووي والنظام الدولي ثنائي القطب خلال الحرب الباردة مظلة توازن قلق بين القوى. لكن هذا الردع كان قائماً على افتراض عقلاني متبادل يمنع الانزلاق إلى الحرب الكاملة.ومع انتهاء الحرب الباردة، بدأت أدوات الردع التقليدي تتآكل،وظهرت استراتيجيات الهيمنة الجديدة التي تدمج بين الضربات الاستباقية المحدودة،والحرب النفسية والإعلامية، مع العقوبات الاقتصادية الخانقة،والتفوق التكنولوجي في الفضاء السيبراني والمسيرات والأسلحة الذكية.لم تعد الغاية منع الحرب بل إخضاع الخصم دون قتال مباشر أو بحرب مختلطة متعددة الأبعاد. هذا الانتقال تجسد بوضوح في حروب الجيل الرابع والخامس، حيث أصبحت الدول تُهزم دون أن تُحتل، وتُجبر على الامتثال أو التفكك بفعل الضغط المركب لا الصواريخ وحدها.الاستسلام اليوم لم يعد بالمعنى العسكري المباشر، بل هو استسلام سياسي مقنّع باتفاقات مذلّة،أو تفكك داخلي بتغذية الانقسامات،أو تحييد القوة عبر نزع الشرعية والعزلة الدولية.الهيمنة الحديثة لا تسعى لسحق الجيوش بل لسحق المعنى والهوية الوطنية، عبر معادلة امنحني قرارك، وخذ سيادتك الشكلية وهي تستند إلى تراكم أدوات التطويع التدريجي حتى لا يشعر الخصم أنه يُهزم فعلياً. كان الردع عتبة لمنع،الهيمنة أصبح اليوم بوابة لإخضاع الخصم .،أما الاستسلام في سياقه اليوم يعبر عن حالة نفسية قبل أن يكون واقعاً جغرافياً بل اهم أدوات السيطرة الكبرى حيث تبدأ بالتحذير، وتمضي نحو الخنق… حتى يُطأطئ العدو رأسه دون طلقة واحدة.”الهيمنة لا تُبنى بالصراخ، بل بمنظومة متدرجة من الأدوات، تقترب بهدوء،.ليس سحق العدو، بل إعادة برمجته.”حين يتصرف كما تريد، ويعادي من تعادي، ويشتري سلاحك، ويحارب بأوامرك.العدو لا يُقهر بإلقائه أرضًا… بل بإقناعه أن الأرض ليست له..
3. مع ماتقدم اعلاه والفكرة التي نتجت من سياسات استخدام القوة لتحقيق اهداف يسعى اليها الاطراف المتصارعه وكما نشاهده اليوم مايجري في المنطقة والذي ينذر الى ماهو اخطر لاسباب منها واقعي واخرى مصطنعه لغاية في نفس يعقوب السؤال المهم هل ان الضربة الأمريكية بطائرات B-2 على المواقع النووية الإيرانية، حققت اهدافها ..الرواية المتداولة تقول عكس ذلك أن صحت قد تفتح أبواباً عسكرية وسياسية لن تعرف تداعياتها….
4. السؤال تحت اي سلم من درجات الهيمنه حين وقعت الضربة الامريكية وباستخدام اقوى ادوات القوة مثل القاذفة الشبحية B2 ولو أيقنا باحتمالية الفشل لان كثير من المنشآت مثل فوردو تقع داخل الجبال أو في أعماق الأرض. مع ان طائرة B-2 تحمل قنابل خارقة للتحصينات (GBU-57) لكنها ربما تعجز ان تخترق كامل العمق إذا لم تكن الضربة مركّزة أو متكررة. ومحتمل تبنت ايران تعبئة الخداع الدفاعي.بأحتمالية إخلاء المواقع أو فعّلت أنظمة التمويه قبل الضربة. وبث معلومات استخبارية مغلوطة أو مُضلَّلة قد تكون أوصلت الطائرات لأهداف “فارغة”.
وربما تكون الضربة مقيدة سياسياً، الغرض منها “إيصال رسالة” لا التدمير الكامل، بناءً على تفاهمات مع أطراف (كالصين أو دول الخليج).وقد أرادت واشنطن تفادي إشعال حرب قد تتوسع في المنطقة.مع ردود فعل دولية
مع توقع أن التدمير الشامل قد يدفع إيران لإعلان الخروج النهائي من معاهدة حظر الانتشار النووي وبدء الكشف فوراً عن ما هو مخفي.
5 .التداعيات المحتملة ان صح ادعاء الفشل ..تسجل نقطة لصالح إيران باعتبار ذلك انتصارًا رمزيًا كبيرًا توظفه داخليًا وخارجيًا حيث يسعى الحرس الثوري ان يصور الأمر على انه فشل تكنلوجي أمريكي أمام الصمود الإيراني.الاخطر من ذلك قد تسبب تصعيد غير مباشرعندما إيران ترد عبر الوكلاء دون اعلانها عن تهديد مباشر في الخليج، والبحر الأحمر، وقواعد أمريكية جميعها قد تشهد هجمات انتقامية غير رسمية. كما ان تداعيات فشل الضربه قد تخلق أزمة ثقة داخل إسرائيل التي راهنت على الضربة الأمريكية، ستشعر أن واشنطن لم تذهب بعيدًا بما يكفي.مما يدفعها لتفكير بضربات إسرائيلية منفردة، دون دعم أمريكي. والاهم من ذلك ربما احتمالية الفشل قد تفتح الباب لتفاوض جديد من موقع قوة إيرانيةقد يؤدي إلى جولة مفاوضات نووية جديدة، لكن هذه المرة بشروط . تُعزز روايتها بأنها الصخرة التي تصدّت لأمواج التحدي التي تمثلها أمريكا واسرائيل .
6 . السؤال الاخر يفتح بوابة واسعة للمقارنة التاريخية والاستشراف الاستراتيجي. عندما وصف الاعلام اليوم ما هو متوقع عن اعادة فصل حرب الناقلات نعم، “حرب الناقلات” مصطلح وُلد في الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية، تحديدًا حين بدأ العراق بشنّ هجمات جوية على السفن الإيرانية وناقلات النفط في الخليج العربي، في محاولة لخنق اقتصاد إيران عبر الخليج.وأصبح المصطلح جزءًا من القاموس الإعلامي والسياسي والعسكري في الشرق الأوسط،بل والعالم.حرب الناقلات” كانت
بدايتها عام 1984 مع “الهجوم الجوي العراقي على ناقلات النفط في عمق الخليج الهدف منها شلّ قدرة إيران على تصدير النفط كان الرد الإيراني استهداف ناقلات نفط خليجية وخاصة الكويتية مما تسبب بتدخل أمريكي مباشر، ورفع الأعلام الأمريكية على ناقلات النفط الخليجية.تداول المصطلح بشكل مكثف في الإعلام العربي والغربي.هل تتكرر الأحداث اليوم المعطيات الحالية توحي بعودة مشهد مشابه، لكن بشكل مختلف من حيث القدرة واستخدام التطور التكنولوجي .
7 . أنصافاً للتاريخ يتطلب استعراض جز ء يسير لاحداث الماضي واهمها حرب الناقلات المصطلح المتداول اليوم والمرشح للحصول في الخليج العربي في هذه الازمة .. سوف اتطرق لمختصر يسير من ذلك الجهد البطولي للقوة الجوية العراقيه ..حرب الناقلات صفحة مهمة في الحرب مع ايران ١٩٨٠-١٩٨٨ استمدت اهميتها من خلال المهام التي نفذتها القوة الجويه في مياه الخليج العربي اتجاه الاهداف البحريه الثابته المتمثله بموانئ تصدير النفط الايرانيه والاهداف المتحركة المتمثله بناقلات النفط والسفن التجاريه الاخرى..بعد ان تولدت قناعات بان الحرب لن تتوقف بمدى قريب وان العمليات البرية لن تتمكن لوحدها ان تحسم ذلك بل شراستها وسعة مسارح عملياتها لن ينتج الا خسائر فادحة بالارواح وهدراً بالمال..مما زاد من تأييد استراتيجية ايجاد سلاح جوي له قدرة التاثير وامكانية الوصول واطالة الاهداف البحرية في عمق الخليج العربي لتحجيم الشريان الاقتصادي الذي يغذي امدادات الحرب والمتمثل بالنفط انتاجا وتصديراً ومدى انعكاسات ذلك على الاقتصاد المحلي والاقليمي والعالمي مما يحرك سعي المستفيدين الدوليين للحفاظ على مصالحهم في المنطقة قد يكون عامل ضاغط لايقاف الحرب.قبل الحرب العقيدة الجوية لن تتبنى مفهوم العمليات البحرية بشكلها الواسع لانها صممت على مهمة الدفاع والمواجهه مع العدو الصهيوني كعدو رئيسي للعراق والامة العربيه وكان ذلك واضحاً في استخدام القوة الجوية في حرب ١٩٦٧ و ١٩٧٣ مما أجل التفكير ان تخطط القوة الجوية لاقتناء طائرات ذات مهام بحريه تضاف لقدرتها القتاليه .وللحاجة العملياتية استورد العراق طائرات الميراج من فرنسا وطائرات B6D من الصين وقد اثبتت فعلياتها في القتال ليلاً ونهاراً ولكن الابرز عندما شرع المهندسون العراقيون بتحوير طائرة نقل الشخصيات المهمة VIP نوع ڤالكون الفرنسية حيث تم تحويرها الى طائرة هجوميه تحمل صاروخين أگزوزيت سميت الطائرة ( اليرموك ) استطاعت تدمير الفرقاطة الامريكية ( ستارك ) قتل في الحادث ٦٧ جندي وضابط امريكي . تم تسوية الامر سياسيا حيث اعتبرت قيادة الاسطول الخامس الحادث خطأ عسكري غير مقصود في بيئة عمليات معقدة..اما السبب الحقيقي لذلك هو بعد ان اعتبر العراق الجزء الشمالي للخليج العربي منطقة قتل حيث كانت الفرقاطة ستارك تتواجد هناك..سئل احد ضباط البحرية في الاسطول الخامس الامريكي كيف هوجمت الفرقاطة ستارك اجاب انها كانت في المكان والتوقيت الخطأ
( it was in wrong place and time )
سطر صقور القوه الجوية العراقية ملحمة النار والسرعة، حيث كانت الأجنحة لا تُقاتل فقط بالحديد، بل بعقيدة وطن لا يقبل الانكسار .
٢٣ حزيران ٢٠٢٥
703 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع