ما دلالة ان يهتف جنود من الجيش السوري الجديد باسم غزة؟ لماذا ذكرتني الحادثة بما حصل مع القوات المصرية في حفر الباطن ١٩٩١؟

 د. سعد ناجي جواد*

ما دلالة ان يهتف جنود من الجيش السوري الجديد باسم غزة؟ لماذا ذكرتني الحادثة بما حصل مع القوات المصرية في حفر الباطن 1991؟

تفاجأ الجميع بما جرى اثناء الاستعراض العسكري السوري بمناسبة سقوط النظام السابق ووصول المعارضة إلى الحكم. ففي ذلك الاستعراض، الذي افتقر إلى الضبط العسكري الدقيق في بعض الأحيان، ظهرت بعض الوحدات وهي تتغنى باسم غزة : “غزة غزة.. غزة شعار.. نصر وثبات.. ليل ونهار.. طالعلك يا عدوي طالع.. طالعلك من جبل النار.. أعملك من دمي ذخيرة.. وأعمل من دمك أنهار”. سبب المفاجئة ان اسم فلسطين وغزة كان قد غاب عن الإعلام السوري وحديث المسؤولين الجدد منذ سنة تماما، واستعيض عنها بأحاديث تدل على الرغبة في التفاهم مع العدو او مع واشنطن. وفجاءة جاءت هذه الأهازيج، المصحوبة بتصفيق وأغاريد الجماهير، لتفاجئ العرب والفلسطينيين (والاهم الصهاينة)، خاصة وانها أشارت إلى الكيان الإسرائيلي على انها العدو. وكدليل على قلق إسرائيل من هذه الحادثة اعلن وزير خارجيتها (جدعون ساعر) بان الفجوة بين إسرائيل وسوريا قد اتسعت عما كانت عليه قبل اسابيع وانه حصل ابتعاد عن التقدم في تحقيق اتفاق امني بين الطرفين. بالتأكيد ان هذه الهتافات قد أسعدت الكثير من العرب في هذا الزمن الرديء، حتى وان كانت مجرد كلمات.

هناك من يقول ان ما حدث (الهتافات) لم يكن عفويا وانما جاء مدبرا من قبل جهة رسمية، بعد ان شعر النظام الجديد بان دولة الاحتلال مصرة على (إحراجه وحتى إهانته) عن طريق تدمير مقومات الدولة السورية واستباحة أراضيها والإصرار على التوسع داخلها والاعتداء على مواطنيها واعتقال او اغتيال من ترغب منهم، ورفض الانسحاب من الأراضي التي سيطر عليها، كل ذلك على الرغم من كل الإشارات الإيجابية التي صدرت عن الادارة السورية الجديدة تجاه دولة الاحتلال، او تجاه الولايات المتحدة، وزيارة الرئيس الشرع ووزير خارجيته لواشنطن وعقد اجتماعات مع الرئيس ترامب والكونغرس والوزراء الاهم في الادارة الامريكية، وإعطاء التطمينات لهم بان سوريا ستكون جزءا من ما تطلق عليه واشنطن (محور او تحالف مكافحة الارهاب)، مما اكسب النظام مديح ودعم ترامب وادارته، الذي كانت سابقا تصنف الجهة التي تقود الحكم في سوريا بانها إرهابية. وحتى لو قبلنا جدلا بنظرية الترتيب المسبق لعملية الهتافات فان هناك دلالات يجب ان لا تمر مرور الكرام على كل متابع وفي مقدمتها ان النظام الجديد قد اكتشف ان كل حساباته، وكل ما اعتقد انه سيحميه وسيضمن له الاستمرار في الحكم بدعم أمريكي وقبول اسرائيلي، على اساس انه أقصى نظاما معاد للغرب وأخرج ايران من الساحة السورية وقلص النفوذ الروسي، قد اثبت فشله، وان نوايا اسرائيل العدوانية والتوسعية ظلت كما هي وبل اصبحت بلا حدود. وانها (اسرائيل) لا يمكن ان تتوقف عن توسعاتها إلا إذا وجدت من يقف بوجهها ويشعرها بانها لا يمكن ان تستمر بضرب القوانين والأعراف الدولية عرض الحائط. كما ان كل محاولات النظام الجديد لإعطاء صورة غير حقيقية عن الشعب السوري وتجذر الروح العروبية الوطنية في نفوس ومشاعر الغالبية منه، او تصويره بانه بعد الذي كل الذي مر به اصبح يرغب في التطبيع مع دولة الاحتلال، قد فشلت فشلا كبيرا، ولهذا لجاءت الادارة الجديدة إلى اثارة واستثمار الحقيقة التاريخية التي تقول ان سوريا، هي ماتزال كما كان يطلق عليها، قلب العروبة النابض، وان الروح الوطنية العروبية لدى الغالبية العظمى من شعبها ما تزال كما هي. واخيرا والاهم ان ما حدث، وخاصة ردة فعل الجماهير التي كانت تحضر الاحتفالية تثبت البون الشاسع بين الأنظمة وبين الشعب العربي في كل مكان، أنظمة تقبل بالتطبيع وشعب عربي يرفضه، أنظمة قابلة بوجود الاحتلال وشعب مازالت غالبيته في كل الوطن العربي تدعم من يقاومه، وهذه حقيقة لم تتغير منذ ان اصرت بريطانيا والولايات المتحدة على زرع كيان غريب في قلب الامة العربية واطلقت عليه اسم اسرائيل في عام 1948.
هذا الحدث ذكرني بحادثة اخرى قد تكون مشابهة جرت في نهاية القرن الماضي وبالذات في عام 1991. في ذلك العام نجحت الولايات المتحدة في تشكيل تحالف دولي بحجة العمل على اخراج القوات العراقية من الكويت، (والهدف الحقيقي كان لتدمير العراق). وكان من ضمن هذا التحالف قوات عربية، قيل انها كانت الاكثر اندفاعا في مهاجمة القوات والأراضي العراقية لإرضاء الولايات المتحدة والأنظمة التي ارسلتها، ومن بينها كان هناك قوات مصرية. المرحوم محمد حسنين هيكل يروي قصة تبقى ذات دلالة، وتشبه ما حصل قبل ايام في سورية، يقول فيها ان افراد القوة المصرية المشاركة في الحرب والمرابطة في حفر الباطن في الأراضي السعودية، عندما سمعوا ان العراق أطلق صواريخ باتجاه تل ابيب نسوا مهمتهم والتحريض الكبير الذي زُرِع فيهم، وبدأوا يكبرون ويهللون، وظلت عبارة الله اكبر تصدح عالية كلما سمعوا بان رشقة صواريخ عراقية قد اطلقت تجاه فلسطين المحتلة. الاكثر من ذلك ان واشنطن اصرت على كبح جماح اسرائيل التي ارادت الرد على الصواريخ العراقية بنفسها خشية ان تقوم انتفاضة شعبية تُفشِل مهمة التحالف ومخططات الولايات المتحدة انذاك.

واخيرًا فان العبرة من الحادثتين تقول انه مهما حاولت الولايات المتحدة وإسرائيل وكل من يتحالف معهما، وكل محاولات بعض الأنظمة لحرف الشعور العربي الوطني الأصيل، وإظهاره بانه سئم الصراع مع الاحتلال واصبح راضيا بوجوده. قد اثبت فشلها، ان هذا المشاعر والاحاسيس الحقيقية والمترسخة في النفوس لا بد وان تعبر عن نفسها في اللحظة الحاسمة. وان على الحكومة السورية الفتية ان تدرك ان الاعتماد على الولايات المتحدة وإسرائيل لن يجد نفعا، لأنه وحسب قول احد الرؤوساء السابقين، الذين تعرضوا للغدر الامريكي (المتغطي بالأمريكان عريان)، وان الاعتماد على الشعوب هو الذي يحمي الأنظمة، وان انتزاع الأراضي السورية المحتلة لن يتم باتفاقات امنية مع عدو لا يفكر إلا بالتوسع والقتل والتدمير لكل ما هو عربي، وانما من خلال العمل على اعادة هيبة وقيمة الدولة السورية.
حمى الله سوريا الحبيبة الموحدة وشعبها الأصيل من كل سوء.
*كاتب واكاديمي عراقي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1299 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع