يوسف علي خان
فنانون غيبوا وشردوا كغيرهم من اصحاب المواهب العراقيين وما اكثرهم وفي جميع المجالات بل وظهر منهم العديد من العباقرة والعلماء ... ف ((علي )) هو علي ابن اسماعيل الامام من سكنة الاعظمية محلة السفينة تعرفت على والده في بداية الخمسينات من القرن الماضي عندما كان طفلا صغيرا لم يتجاوز الاربع سنوات واصبحت صديقا ملا زما لوالده ....
حيث افتتح والده مجلسه في احدى غرف الدار المجنبة قرب الباب واطلق على هذه الغرفة (( بالتكية الخالدية )) حيث بدانا نجتمع كل يوم خميس بشكل منتظم انا وبعض الاصدقاء عندما كنا قد الفنا فرقة موسيقية وكنا انذاك طلاب في مختلف الكليات وبعض طلاب معهد الفنون الجميلة الذي كان الدوام فيه مسائيا فقط ومن ضمنهم حسام الجلبي قائد الاركسترا العراقية وفوزي ناجي عازف القانون وهاشم الاندنوسي عازف العود وصائب امين حيث كان اسماعيل الامام والد علي يمتلك صوتا رخيما كما كان قاريء مقام عراقي من الطراز الاول فنبدا جلساتنا بقراءة المقام من قبل والد علي يرافقه المطرب ربيع الهنداوي الشخصية الفريدة وذو الصوت الشذي وكنا نحن نعزف لهؤلاء المطربين كما كان يحضر جلساتنا العديد من قراء المقام المشهورين في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي ويشاركونا الجلسات بقراءة المقام العراقي فقد كانت تلك الغرفة مدرسة متكاملة للمقام العراقي وقد كان علي الامام الطفل العبقري يشاركنا في الضرب على الرق وهو بهذه السن الصغيرة التي لم تتجاوز الاربع سنين وقد اصبح وخلال عدة اشهر من احسن عازفي الطبلة وتفوق في العزف على هذه الالة الشعبية حتى على عازف الطبلة انذاك في الاذاعة العراقية سامي عبد الاحد ويتبارى معه.... واستمر يعزف على الطبلة معنا حتى اصبح في سن الثمانية حيث بدا يمسك بالعود الموجود في الغرفة ويسالني عن طريقة العزف فارشده وعلمته كيف يمسك العود واسماء الاوتار وبعض المعلومات عن النوتات والسلم الموسيقي ثم تطورت معه في تعريفه بالمقامات فكان يتلقاها بشغف ويتعلمها حتى بدا يعزف بعض القطع خلال ثلاثة اشهر ثم اصبح عازف جيد خلال سنة فقط واستمر معنا يعزف الطبلة معنا لاننا لم يكن لدينا من يضبط الوزن غيره واستمررنا على تلك الحال حتى افترقت عنهم بالسفر خارج العراق قبل ثورة 14 تموز سنة1958 غير ان ((على دخل معهد الفنون الجميلة وتخرج منها بتفوق وعين عازف للعود في التلفزيون العراقي ثم عين مدرس في نفس المعهد غير ان الضروف القسرية اضطرته لمغادرة العراق وعلمت بانه متواجد الان في تونس يدرس في احد معاهدها الموسيقية فا فتقد العراق اكبر عازف للعود واستاذ كبير للموسيقى الشرقية ..وإن ما يميز علي الامام عن غيره من العازفين الماهرين العراقيين هو طريقته بالعزف وروحيته الشرقية الطربية الصميمة التي فيها حلاوة النغم ونعومة الريشة وتردداتها السريعة التي تختلف عما درج عليه معهد الفنون الجميلة من تدريسه العزف على العود بطريقة تقنية تسمى 8788 والتي تقيد العازف بتكنيك يفقده حلاوة العزف وطربيته حيث اطلق على عازفي المعهد بعازفي التكنيك ومع انهم يعزفون القطع الصعبة تقنيا والتي في معظمها من مؤلفات الشريف محي الدين حيدر العميد الاول للمعهد ومؤسسه وهو موسيقار عظيم وابن عم ملك العراق الملك فيصل الاول غير ان قطعه هذه تصلح كتمارين صعبة تقوي ملكة العزف وتزيد المهارة فيه لكنها ليست قطع موسيقية طربية شرقية .. وعلى عكس ما تميز به العزف المصري الذي اعتمد التطريب بغض النظر عن التكنيك وهذا هو وجه الخلاف بين العزف العراقي عن طريقة العزف المصري فمن يستمع الى الموسيقي العراقي ((نصير شمة ) يشعر بهذا الفرق البين بين العزف العراقي والعزف المصري فقد اعتمد (نصير شمة) على التكنيك مع محاولاته عزف بعض القطع الغنائية العراقية او المصرية ولا ينكر بانه عازف قدير غير ان عزفه يفتقد الى حلاوة عزف علي الامام بحلاوة الريشة والاسلوب الرائع الممتع ... ولكن مع كل ما يمكن أن يقال بصدد علي الامام فقد افتقده العراق لللاسف الشديد في الوقت الذي يكون العراق بامس الحاجة له ولامثاله من عظماء الفن او العلم الذين تستغلهم غيرنا من الدول وتستفاد من خبراتهم العظيمة التي يقدموها لهم والتي خسرناها نحن والى ابد الابدين ...
781 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع