قبرص ، معماري وخزاف كبيران،الجزء الثاني
معاذ الالوسي وفالانتينوس هم إعلام كبار في العمارة العراقية وفن الخزف العراقي ، جمعتهما غربة الاول الطويلة وعودة الثاني الى موطنه بعد غربة جميلة في بغداد ، لقد كتب الكثير عن معاذ الالوسي وهو معروف بالنسبة للكثيرين في بغداد والعراق والشرق الاوسط وحتى في العالم ، لكن فالانتينوس اقل شهرة في بغداد والعراق والشرق الاوسط ، وأكثر شهرة في قبرص واليونان ، ويقتصر من يعرفه على طبقة المثقفين والفنانين في العراق ،والذي غادرنا معظمهم ولم يبقى الا القليل ،يعتبر فالانتينوس من مؤسسي فرع السيراميك في معهد الفنون الجميلة في الخمسينيات ، وحيث وصل بغداد سنة ١٩٥٦ ، ومع الفنان الكبير المرحوم سعد شاكر ومن ثم فرع السيراميك في أكاديمية الفنون الجميلة ، تكلم عن هذا الفرع وعن طلابه وعن أصدقاءه في بغداد ، وقد كان متألما لفقدان الفنان الكبير المرحوم محمد مهر الدين وتألم اكثر عندما أخبرته بوفاة الفنان الكبير ياسين شاكر ،تكلم بكل فخر عن طلابه وأصدقاؤه وهو يسميهم بالالقاب ، السامرايي والخفاجي ، وعن طارق ابراهيم والمرحومة نهى الراضي والمرحومة السعودي وغيرهم ، لا يزال يتكلم بلهجة بغدادية أصيلة ، واستعمل مفردات شبه منقرضة اليوم ، مثل اسكملي ، مو ييزي عاد ،الخ ،
وهو يتذكر كل أصدقاءه من الفنانين والمثقفين وهم المرحومين جواد سليم وفايق حسن وحافظ الدروبي وإسماعيل الشيخلي وفرج عبو وسوالف نزيهة سليم ، وجبرا ابراهيم جبرا ورفعت الجادرجي ومحمد عبد الوهاب وأمين رؤوف الأمين ود خليل الالوسي ود خالد القصاب ود نوري مصطفى بهجت ود قتيبة الشيخ نوري وغيرهم ، لقد عاش وأنتج هؤلاء النخبة كل شي جميل في زمن جميل ،وكانت تعتبر فترة الخمسينيات في العراق هي الفترة الذهبية ، وكيف كان المعماريون العراقيون من أمثال رفعت الجادرجي والمرحوم محمد مكية والمرحوم قحطان عوني وقحطان المدفعي وهشام منير وغيرهم يستعينون بالفنانين من نحاتين وخزافين ،لتكملة مشاريعهم وتطعيمها ، ولا تزال كثير من تلك الاعمال موجودة في أبنية ودور في بغداد ولكنها تعاني الاهمال لأسباب كثيرة !
تكلم بفرح عن تلك الأيام وبحزن شديد عن هذه الأيام وحيث لا مجال للمقارنة بكل شي .
فالانتينوس يعيش في شقة كبيرة بدون جدران هي طابق ثاني من بناء قديم ، مفتوحة وبدون جدران ، ويوجد فيها المطبخ والمشغل وغرفة النوم ، ويمكن الخروج منها الى سطح كبير فيه زرع كثير وإشغال كثيرة غير منجزة ومواد لعمل الخزف ، وطاولة صغيرة للجلوس ومرافق صحية في اخر السطح هي الوحيدة في هذا الحيّز السكني !!
يعاني الاستاذ فالانتينوس من أمراض عديدة وضعف في النظر ، ولكنه يملك طاقة عمل وإنتاج كبيرة ورغم اقترابه من عتبة التسعين عاما ،
كما اسلفت في مقالي السابق ،توجد لديه جدارية كبيرة في مطار هرمز لارنكا وفي مدخل المطار ، وهو شخصية يعتز بها اهل قبرص وحكومتها ومثقفيها وفي كل مدنها .
ادعو من الله ان يطيل بعمر الاستاذ فالانتينوس الذي ابى الا ان يخدمنا بنفسه ورغم عمره ،وفي زياراتنا له في مسكنه ،وأرجو ان أكون قي كتبت هذا التعريف والمقالة البسيطة عنه، وهو الشخصية التي خدمت وعلمت أبناء العراق والعراق لمدة تقارب الأربعة عقود من الزمن ، وعلما هو يحمل الجواز العراقي والجنسية العراقية ايضا .
الشخصية الثانية هو المعماري العراقي معاذ الالوسي ، وهو الخال العزيز ايضا ، معاذ الالوسي هو خال وصديق بالنسبة لي وللكثيرين ، شخصية بغدادية ترفض بإصرار التخلي عن بغداد وحتى في داره التي في قبرص ،هي تطوير لدار قديمة في بغداد ، تزوج معاذ الالوسي من السيدة الفاضلة ام بكر ، وهي من عايلة ألمانية عريقة في مدينة فرانكفورت ووالدها وشقيقتها رحمهم الله ، من الصيادلة المعروفين في تلك المدينة ، أتت ام بكرواسمها سوزان ميركل الى بغداد سنة ١٩٦١ ، وسكنت بغداد الى حين مغادرة الاستاذ معاذ الى بيروت سنة ١٩٧٤ ، ومن ثم الى قبرص في سنة ١٩٨٢ والى اليوم ، تتكلم لغة بغدادية تحسد عليها وتتذكر أمثال باللغة الدارجة ، انا لا تذكرها ، وتطبخ أطيب اكل عراقي وأفضل من كثير وكثير من العراقيات ،في احد المرات وهي جالسة بالسيارة جنب الخال ، أتى صاحب ماطورسيكل بجنب السيارة واخرج صوت من الاكزوز ، اخرجت رأسها من الجامة ، وهي تصيح (قزل القرط ، بومة ابن البومة ) ، وانا اضحك والقبرصي ابو الماطور لم يفتهم وراح ويطبه مرض كولتها !!!!!
سكنت انا في المكتب الهندسي للخال ، وهو استوديو للرسم والنحت والتصوير ايضا ، ويطل على البحر مباشرة ، وتحيط به كل وسائل الراحة للأعزب مثلي ، من مطاعم وبارات وكازينوهات وغيرها من الامور ، بيت الخال معاذ يبعد حوالي عشرة دقايق من المشي في ازقة جميلة ،وهو ليس على البحر ،
تلك الأزقة تحوي عدد من البيوت الجميلة لمعماريين قبارصة وتتسم بالبساطة والجمال ، اما ازقة قبرص وليماسول فهي بمنتهى النظافة وكأنها ليست ازقة عامة بل داخل منازل خاصة . في استوديو معاذ لوحات جميلة منها لوحة رسمها بعد احتلال العراق ونهب المتاحف ، حازت على جايزة وكان قد رسمها سنة ٢٠٠٣ ، لم يقصر الخال العزيز والعزيزة ام بكر معي في كل شي ورغم تقدم العمر بهما وسكنهم لوحدهم ، وبعد ان استقر ابنهم الوحيد الدكتور المعماري بكر الالوسي في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة كونه خريج جامعة بيركيلي واعماله في جنوب شرق اسيا وقل وقت الزيارات بسبب العمل والبعد ، ولكن السكايب والفايبر حل جزء كبير من المشكلة ، ودايما أقول الله يساعد الآباء والامهات على هذا التشتت وخصوصا للإعمار المتقدمة منهم ! وهذه أصبحت حالة عامة نعاني منها جميعا !!!!!
اول يوم وصولي وقد كانوا بالانتظار لي في المحطة ، كانت ام بكر قد حضرت لنا تشريب بامية من الزين مع حكاكة بتمن العنبر وعكوس لحم !!!!وبعد الغذاء وصلت بالكوة للسكن بسبب التخمة !!
في الأماسي ياتي الخال وحده لأخذي الى غاليريهات الفنون في ليماسول ، او الى مطعم تراثي يقدم المصقعة ، او الى حفلة جاز يقدمها شباب وطلاب ، او الى ميخانه قبرصية والشي الوحيد انها مختلطة وتضم عدد كبير من العجايز !!!!!!
انتهت اثنتا عشر يوما في تلك الجزيرة الجميلة بطبيعتها وناسها وأكلها وبصحبة أعز الناس والاصدقاء وحيث يسكن قبرص الدكتور وليد خدوري وعدد اقليل اخر من العراقيين ،، أرجو ان أكون قد أوفيت بالقليل عن تلك الرحلة وسأزود الاخ جلال چرمگا ببعض الصور التي التقطتها مع كل امتناني وشكري له مقدما وتحياتي لكل القرّاء الاعزاء .
للراغبين الأطلاع على الحلقة الأولى..
http://www.algardenia.com/mochtaratt/17609-2015-07-04-22-31-35.html
1175 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع