مجموعة من أبطال القوة الجوية العراقية البطلة
ابطال ومواقف /3 شهدائنا في عليين عند ربهم يرزقون
اتسم التخطيط لاعمال سلاحنا الجوي السابق بالدفاع التعرضي أوالهجومي احياناً اخرى وفق متطلبات الموقف الاستراتيجي العام ،
ومفهوم الدفاع التعرضي لايعني الدفاع الثبات وانتظار بدء العدو هجومه وبالتالي تبدأ عملياتنا الجوية ،ولكن يعني درء الخطر قبل وقوعه ومهاجمة بعضاً من اهداف العدو المهمة قبل ان يبدأ هجومه المرتقف ، وهذا ما لم يحصل في حرب الخليج الثانية بل اعتمد الدفاع الساكن او الثابت مما انعكس على تدمير اكثر من 50% من اسلحتنا الجوية ، والموضوع طويل قد تسنح فرصة لشرحه وتبيانه في مناسبة اخرى انشاء الله .
منذ اليوم الأول للعدوان الثلاثيني على العراق في 16/17 كانون الثاني (يناير)1991 والقوة الجوية تطمح برد ضرباته الاولى بأسرع ما يمكن وقد طلبت ذلك شخصياً من قائد القوة الجوية على افتراض أن العدو مشغول في هذه الأيام بتسديد ضرباته الجوية على منشأتنا الحيوية وسلاحنا الجوي ، كان جوابه سيكون ذلك في الوقت المناسب عندما يأمر السيد رئيس الجمهورية ، كنت اجيبه اي تاخير سيكون ليس بصالحنا علماً ان قيادة القوة الجوية والدفاع الجوي كانت قد خططت لبعض الحركات الجوية المقابلة ضد القوات المعادية في دول الخليج العربي قبل او اثناء هجومها على منشآتنا الحيوية .
المهمة
في 22 ك2 91 استدعاني قائد القوة الجوية مع الأخ اللواء الطيار الركن محمد نبيل أحمد مدير الحركات الجوية لغرض تنفيذ ضربتين جويتين ضد منشآت نفطية سعودية في البقيق وراس تنوره ، على أن تكلف طائرات ( الميراج ف1 ) المتواجدة في قاعدة ابي عبيدة ( الكوت ) الجوية بهذا الواجب ، وقد كلف العميد الطيار الركن ( ه .ع.أ ) مدير شعبة الخطط في مديرية الحركات الجويه بالتواجد في القاعدة المذكورة لاتخاذ اللازم ، وهناك اختير كلا من الرائد الطيار علي حسين فاضل والنقيب الطيار محمد سليم احمد من السرب 89 ميراج ف /1 متعدد المهام لهذه المهمة .
في 23 ك 2 1991 وفي أثناء تهيئة طائرات الضربة الجوية تعرضت قاعدة أبي عبيدة الجوية إلى عدد من الغارات الجوية في موقع طائرات الضربة داخل الملاجئ المحصنة ومع ذلك فقد أقلعت طائرات الضربة بعد جهد جهيد إلا أن الواجب لم ينفذ بسبب رداءة الأحوال الجوية أثناء خط الرحلة الذي حال دون السماح بالارضاع الجوي وبهذا عادت الطائرات أدراجها إلى القاعدة وأجل تنفيذ الواجب إلى اليوم التالي ، ( وكان هذا خطاً كبيراً يفترض عدم التنفيذ او تاجيل الامر فتره من الزمن او الغاؤه ) لكون العدو قد ايقن امكانية الطيران من هذه القاعدة بسهوله .
في الموعد المحدد من يوم 24 ك 2 1991 تم تنفيذ الواجب ولكن الطائرات لم تعد لاسقاطها من قبل طائرات ف /15 السعودية قد يكون أثناء تنفيذ الواجب أم بعده أو قبله هذا ما لم نستطيع أن نتكهن به في حينه .
بعد أن اطلع السيد رئيس الجمهورية على رسالة تقرير المهمة في 24 ك2 1991 علق سيادته ما يلي ( يكتفي بالذي حصل وحتى أشعار آخر وطالب قيادة القوة الجوية تحليل الموضوع – الملحق المرفق).
معاضل ومعوقات التنفيذ
كنا في غرفة عمليات قيادة القوة الجوية على اتصال دائم مع آمر قاعدة أبي عبيدة الجوية وضابط ركن الخطط حول تنفيذ الواجب المشار أليه وتبين حدوث العديد من المعاضل بعد أن شعر العدو بنية التنفيذ أوجزها بما يلي:-
* حصول العدو على تفوق جوي فوق معظم قواعدنا الجوية.
* تعرضت قاعدة أبي عبيدة الجوية في اليوم المقرر لتنفيذ المهمة الى (7) غارات جوية معادية داخل القاعدة ، تسببت هذه الغارات تدمير طائرتين من الطائرات المخصصة للواجب وتم تجهيز طائرتين اخريين بدلاً منهما.
* غارة معادية أخرى بعد أكمال تجهيز الطائرات للواجب تسبب عنها تدمير طائرة ثالثة من طائرات الواجب وظهور الحاجة إلى بعض الجوانب الفنية يجب جلبها من قاعدة صدام (القيارة ) الجوية ( بعتبارها القاعدة الام لاسراب الميراج ف /1 تقع ضمن محافظة نينوى ) فضلاًعن قطع التيار الكهربائي لملاجئ الطائرات مما ادى إلى صعوبة حركتها وبهذا اجل الواجب إلى اليوم التالي24 ك 1 1991 الساعة 0617 .
* لم يتم تنفيذ الواجب في التوقيت أعلاه بسبب كثرة القنابر العنقودية حول ملاجئ طائرات الضربة حيث تعمد العدو تلغيم هذه المنطقة مما حدد حركة الفنيين لأتمام مستلزمات الواجب وأجل إلى الساعة 1145 من اليوم نفسه … أستمرت طائرات الواجب باتجاه اهدافها ولم تعد.
لقد كانت قصة تنفيذ هذا الواجب بحد ذاتها إحدى ملاحم التضحية والفداء ونكران الذات لااقول انه بمثابة واجب انتحاري لكنه كذلك من معطيات الواقع التعبوي وموازين القوى الجوية وقد اطر ذلك احد طياري الواجب بوصيته لزوجته بان الواجب حتم عليه ان يكون شهيده وكان شبه متاكد من عدم عودته وفعلا حصل ذلك ولا اخفي احد كنا جميعاً متيقنين من ذلك ايضاً ولكن ما باليد حيله وامر التنفيذ قد صدر من قبل رئيس الجمهورية شخصياً وهو على اطلاع بمجريات ومعوقات التنفيذ دقيقه بدقيقه وسبق ان طرح على سيادته قبل ذلك ان خسائرنا في مثل هذه المهام ستكون كبيرة .
اما ابطالنا في هذه الملحمة الرائد الطيار علي حسين فاضل والنقيب الطيار محمد سليم أحمد من السرب 89 ميراج متعدد المهام الذين لم تثنيهم المعاضل الفنية وغيرها لتنفيذ واجبهم المحدد أنهم يعلمون جيداً بأن طيار الهجوم الأرضي قد لا يعود ثانية إلى أخوانه واحبائه واهله فهذا هو الطريق الذي أختاروه عندما تقدموا للانتماء لسلاح الجو بصفة طيارين مقاتلين ، ان المعضلات التي تطرقت لها آنفاً جعلت من الطائرات تطير وهي بصلاحية طيران بالحدود الدنيا لانسمح بها عادةً اثناء التدريب تسبب عنها ظهور بعض الأعطال المهمة بعد الطيران مباشرة ( في الجو ) وقد تبين لنا بعد أن استفسرنا عن ذلك أن الطيارين والفنيين تحملوا هذه المسؤولية من أجل تنفيذ الواجب الذي تأجل تنفيذه أكثر من مرة وأن أي تأجيل ثالث أو رابع يعني عدم تنفيذه نهائياً ( بسبب زيادة الأعباء والأعطال الفنية والإدارية وغيرها وعدم التنفيذ قد يفسر في غير صالحهم ) وهذا لا يرضيهم (المقصود الطيارين والفنيين ) لما يتركه في قرارات نفوسهم من أثر غير طيب وهم الأبطال الذين نفذوا أصعب الواجبات وضربوا أروع الأمثلة في الشهادة والتضحية في الذود عن حياض الوطن في حربنا مع ايران وكان لهم الدور الرئيسي في تحقيق النصر بهذه الحرب مما اكسبهم ثقة قيادتهم والعالم كله ، يقول أللواء الطيار الركن (ه .ع .أ) (أنه في الظروف التي سبقت تنفيذ الواجب كان الرائد الطيار علي حسين فاضل قائد التشكيل يصر على الطيران وكلما تسقط تنفجر قنبرة قرب طائرته يقول أيضاً سنطير ولايهمنا قنابلهم ... لقد كان طيرانهم اعجوبة لا يمكن تصورها وعليه في أثناء الطيران ظهرت أعطال عديدة إلا إن أعضاء التشكيل أصروا هذه المرة على اكمال تنفيذ المهمة ومهما كانت النتائج وتوكلوا على الله فهو حسبهم )...
لقد تابعت وسائل دفاعاتنا الجوية سير خط طائرات الضربة أثناء الارضاع الجوي وعودة الطائرات المرضعة إلى القاعدة ، واستمرت وسائلنا بمتابعة تشكيل الضربة بعد ان اتجه جنوباً باتجاه الحدود الكويتية ومن ثم عبرت جزيرة بوبيان باتجاه الخليج العربي بارتفاع اقل من ( 50 ) متر وسرعة اكثر من 900 كم بالساعة ووصلوا الى جزيرة عرابي السعودية واصبحوا غير بعيدين عن الاهداف المخططة لهم ، وهنا اقلع تشكيل من طائرات ف /15 من احد القواعد الجوية السعودية باتجاه طائرتي التشكيل واطلقت اول صواريخها نوع ( ام رام ) جو – جو من مسافة اكثر من 45 كم وتم اصابة الطائرة الاولى لتشكيل الضربة واسقطها دون ان يتمكن الطيار من القذف , استمرت الطائرة الثانية نحو هدافها ولم يثنيه استشهاد زميله وهنا سدد نفس الطيار على الطائرة الثانية واطلق عليها الصاروخ الثاني من مسافة ( 30 ) كم حسب ماجاء بتقرير الطيار السعودي .
استشهد الاثنان في مياه الخليج العربي دفاعا عن العراق وقدموا درسا بالشهادة لايملكها الا القليلين من ابطال الطيران في العالم ، وقد نقل لي احد الطيارين المصاحبين للشهيد علي حسين فاضل ما جاء بجزء من وصيته الى زوجته التي سلمها له قبل الطيران يقول لها (بانه مكلف بواجب استشهادي دفاعا عن العراق وان هذا الواجب هو من صميم عمله ووصيته لها بتربية اولاده على نفس النهج وعلى نفس الاخلاق للدفاع عن بلدهم في المستقبل فيما لو حدث أي اعتداء على العراق ....) باقي الوصية تحوي من العبر الشيء الكثير ولا يتسنى ذكر كافة تفاصيلها الشخصية والمعنوية لكنها وضعت في متحف القوة الجوية الذي نهب وحرق بعد الاحتلال الاثم للعراق .
البلد الذي فيه هكذا رجال لايمكن ان يُهان واملنا بالله كبير وبكل العراقيين النجباء الشرفاء وهنا يجب القول نحن لانعلم هوية الشهيدين من أي مذهب او من أي طائفة لاننا تربينا كعراقيين حبنا والتزامنا وولاءنا للعراق وليس لغيره سائلا الله العزيز القدير ان يلهم اهل شهدائنا الصبر والسلوان وان يسكنهم فسيح جناته انه سميع مجيب .
في الختام لزاماً علينا ان نقول في سفر قوتنا الجوية ودفاعنا الجوي في حروبها مع الكيان الصهيوني وايران وحرب الخليج الثانية أمثلة كثيرة حية استطاع الطيار المقاتل العراقي أن يثبت للعالم اجمع من خلالها أنه من أشجع الطيارين في العالم صبراً ودقةً وتفانياً من أجل تنفيذ الواجب مهما كانت الاسباب وبدون غرور .
مع تقديري للجميع .
المرفقات: نسخة اصلية من تقرير المهمة الموجز الموجه للسيد رئيس الجمهورية
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثانية ..النقر على الرابط أدناه:
http://www.algardenia.com/qosesmenaldakera/6239-2013-09-06-10-01-58.html
644 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع