المحكومون بالاعدام في مصر 1924
حوادث جنائية سياسية من سوح القضاء المصري:
الاعدام لقتلة الضابط البريطاني السير لي ستاك
يوم حكم القضاء المصري بالاعدام على مجموعة من الاشخاص فى مقتل الضابط البريطاني السردار " السير لي ستاك" وتبدو صورهم بعد النطق بالحكم وخروجهم من المحكمة.
عشرة آلاف جنيه لمن يرشد البوليس عن العصابة
قصة مقتل أكبر ضابط بالجيش الإنجليزي في مصر سنة 1924:
يوم الخميس 20 نوفمبر عام 1924، تم إطلاق الرصاص على السردار حيث قامت مجموعة بالقاء قنبلة واطلاق 7 رصاصات على السردار الذي اصيب بجرح خطر في بطنه مع إصابة الياور (اي الحارس الشخصي) والسائق، واعلنت السلطات حينها مكافأة 10 آلاف جنيه لمن يرشد البوليس إلى الفاعلين.
الخبر كما نشر في جريدة «الأهرام»، عن مقتل السير لي ستاك:
بدأت القصة في الثانية بعد ظُهر الأربعاء، 19 نوفمبر 1924، وبينما كان السير لي ستاك، سردار الجيش المصري، حاكم عام السودان، عائدًا في سيارته من مكتبه بوزارة الحربية، قُرب شارع قصر العيني، بالقاهرة، إلى مسكنه بالزمالك، أطلق عليه الرصاص، 5 أشخاص كانوا متربصين لهُ في سيارة بشارع الطرقة الغربي، الذي تغيّر اسمه بعد ذلك إلى شارع إسماعيل باشا أباظة.
أُصيب السردار إصابات بالغة، كما أصيب البكباشي، كامبل، وسائق سيارته وجندي آخر توفى متأثرًا بجراحه في منتصف ليل يوم 20 نوفمبر 1924.
أعلنت الحكومة المصرية فيما بعد مكافأة 10 آلاف جنيه لمن يُرشد عن الجُناه، وزيدت المكافأة بعد ذلك إلى عشرين ألف جنيه.
بعنوانٍ آخر، كتبت الصحيفة في صدر صفحتها الأولى: «الجمعة 21 نوفمبر، مات السردار عند منتصف الليل متأثرًا بجراحه- تحت هذا العنوان الرئيسي أثبتت (الأهرام) نص بيان آخر من سعد باشا زغلول موجه للأمة وصف فيه الواقعة بأنها من أشد الفظائع وأشنعها ومن أسوءها أثرا على سمعة البلاد وشهرتها، وناشد المصريين بأن كل من يعرف شيئا عليه أن يقدمه إلى إدارة الأمن العام، وليعلم كل فرد أن هذه تعد عملا وطنيا وخدمة جليلة للبلاد.. ويعلمون أن الالتجاء إلى العنف والإجرام أكبر خيانة للوطن ولقضيته المقدسة»، كان ذلك هو الخبر الثاني للأهرام، بعد الأول، للتأكيد على وفاة السردار.
وفيما بعد، تابعت «الأهرام» أيضًا تحقيقات الجريمة فتم القبض على سائق السيارة الأجرة التي كان يستقلها الجناة الذي ذكر أنهم ركبوا بصفتهم ركابا عاديين، كما نوه بيان النائب العمومي بشجاعة جندي كان قريبا من موقع الحادث وطارد مرتكبي الحادث الذين أطلقوا عليه النيران فأصابته رصاصتان في يده ورأسه، تابعوا بعدها سيرهم إلى شارع موصل إلى دائرة السيدة زينب حيث تفرقوا، وفقًا للمقال الذي كتبهُ، دكتور يونان لبيب رزق، سنة 2000، بعنوان «يوميات حادث حزين».
وحسب أرشيف «الأهرام»، يوم السبت،22 نوفمبر، «تقدم التحقيق في قضية اغتيال السردار- باعتراف سائق السيارة- القبض على أحد أفراد العصابة- بعد 48 ساعة عانى خلالها محمود صالح محمود، وكان الدليل الذي واجهوه بهِ، وجود جنيه زائد عن الإيرادات بحساب عداد السيارة، حيثُ اضطر في النهاية السائق، بعد التعذيب للاعتراف بأن الجناة قد منحوه إياه».
استنكر سعد زغلول والذي كان رئيسًا لأول وزارة جاءت إلى الحكم، تطبيقًا لدستور 1923، قائلاً: «إنّ الرصاصات التى قتلت السردار، هي رصاصات في صدري»، وبعد عام من الحادث، علّق الزعيم عليه قائلاً: «حدثت في بلادنا حوادث هامة، سببت انقلابات كبيرة، وأكبر هذه الحوادث أثرًا وأسوءها شؤمًا، هو حادث قتل السير لي ستاك، سردار الجيش المصري، هجمت هذه النازلة على البلاد، فأزعجتها وهزّت أرجاءها هزًا عنيفًا، وكُنتُ أول المهزومين بهجومها، وأول المتطيرين من شرها».
وأضاف: «أشد الناس اعتقادًا بتدبيرها ضد وزارة كُنت أقوم بالإشراف عليها، ونية الدساسين معقودة على إسقاطها، ولو أدى الأمر إلى تخريب البلاد وتدميرها، وقد استنكرها الناس عمومًا، وأظهروا بكل الوسائل، استنكارها، واشتدّ سخطهم على من دبروها وكُنا أشدهم سخطًا عليها، وأسفًا منها، لشعورنا بأننا نحنُ المقصودين بها، ولأنّها ألمت بنا، والأمن سائد، والراحة شاملة، والهم مُنصرف إلى تمشية العلاقات الخارجية، وإصلاح الأحوال الداخلية، والأمة والبرلمان والحكومة على أتم اتفاق على السير بالأمور في طريق التقدُم والكمال».
وفي صباح السبت 22 نوفمبر 1924، تم تشييع جنازة السردار، وبعدها اتجه اللورد اللنبي، المندوب السامي البريطاني، إلى رئاسة مجلس الوزراء في مظاهرة عسكرية، يتقدمه 250 جنديًا بريطانيًا من حملة الرماح، ويتبعه 250 آخرون، وقابل الزعيم سعد زغلول.
قدّمت وزارة الشعب فيما بعد استقالتها، وقبلها الملك، فيما حاولت وزارة أحمد باشا زيور، الوزارة التى تلتها، تركيز كل قواها لتعقب هؤلاء، خاصة وقد تولى وزارة الداخلية سياسي صارم هو إسماعيل صدقي باشا، وعلى الرغم من ذلك فقد استغرق الأمر وقتا طويلا استخدمت فيه سلطات الأمن كل الأساليب الجائزة وغير الجائزة.
وكان يتم القبض علي المشتبه فيهم دون ضابط أو رابط حتى إن جريدة «التايمز» كتبت تبرر ذلك بأن التحقيقات في القضايا الماضية قد أظهرت أن الاعتقال المنعي كان خير وسيلة لإخماد التشكيلات الجنائية، ومما هو جدير بالذكر أن حملة القتل كانت تنقطع انقطاعا تاما في أثناء تلك الاعتقالات.
وبجانب المتهمين أيضًا، وضع حزب الوفد في قفص الاتهام، حيثُ قبض على عدد من النواب، أبرزهم: محمود فهمي النقراشي، عبد الرحمن فهمي، فضلا عن بعض زعاماته الشابة مثل إبراهيم عبدالهادي، الأمر الذي أدى إلى استنفار قوى المقاومة عند الحزب الكبير وتطوع عشرات من محاميه للدفاع عن هؤلاء.
وفيما بعد، طلب أحد المعتقلين، محمود إسماعيل أفندي، الموظف بوزارة الأوقاف، مقابلة وزير الداخلية شخصيا حيث أدلى له ببعض البيانات، علي حد تعبير «الأهرام»، تم في أعقابها القبض على أربعة أشخاص وتعقب شخصين آخرين فيما يشبه مطاردات الأفلام البوليسية، وكانا بيت القصيد- على حد توصيف الجريدة.
كان الرجلان هما الأخوين عبدالحميد وعبدالفتاح عنايت، اللذان ركبا يوم الاثنين، 2 فبراير عام 1925، القطار المتوجه من الإسكندرية إلى مرسى مطروح سعيا للهروب إلى طرابلس الغرب، بينما كان رجال البوليس في سائر عرباته، وتمكنوا من إيقافه قبل الوصول إلى محطة الغربانيات بثلاثة كيلومترات، وبعد القبض عليهما ضبط معهما مسدسات ورصاص من نفس النوع الذي أطلق على السردار.
ومضى أكثر من ثلاثة أشهر قبل أن تقدم النيابة المتهمين للمحكمة، وبلغوا تسعة أشخاص، أولهم «عبدالفتاح عنايت» الطالب بمدرسة الحقوق 22 سنة، «عبدالحميد عنايت» الطالب بمدرسة المعلمين، 19 سنة، «إبراهيم موسى»، 31 سنة، «محمود راشد أفندي» مساعد مهندس تنظيم مصر، 33 سنة، «إبراهيم محمد البراد»، 22 سنة، «راغب حسن النجار» بمصلحة التلغراف، 23 سنة، «شفيق أفندي منصور» المحامي وعمره 37 سنة، «محمود إسماعيل أفندي» الموظف بالأوقاف، وأخيرا «محمود صالح محمود» سائق السيارة الأجرة التي هرب فيها الجناة.
وقد سجلت الأهرام أكثر من ملاحظة حول مجموعة المتهمين، وفقًا لمقال «يوميات حادث حزين»، منها أنها ضمت شقيقين، ومنها ثانيا أن أحدهم وهو شفيق منصور المحامي كان وثيق الصلة بالوفد حتي إنه رشحه مرتين في الانتخابات وفاز فيهما، غير أن المسؤولين في الحزب الكبير حرصوا طوال الوقت على التأكيد على الحط من هذه العلاقة.
وثالثًا أن اتهام هؤلاء بارتكاب خمس جرائم قتل قبل حادثة السردار راح ضحيتها حسن عبد الرازق باشا وإسماعيل زهدي بك، المستر براون من وزارة المعارف، موظف إنجليزي آخر من وزارة الزراعة، كيف مفتش البوليس، والمستر روبسون، ومنها أخيرا أن أحدا من المحامين لم يقبل الدفاع عن موظف الأوقاف لاعترافه على زملائه.
علّق مراسل الأهرام في المحكمة التي عقدت أولى جلساتها في 12 مايو على المتهمين فقال إن عبدالفتاح عنايت شاب أنيق الملبس بهي الطلعة، أما إبراهيم موسي فرجل كابح اللحية كالح الوجه، وتوقف عند شفيق منصور الذي رآه كاسف البال كئيب النفس مسترسلا في البكاء
نظمت جلسات المحاكمة على نحو غير مسبوق، منع أخذ صور فوتوغرافية أو عمل رسومات بالمحكمة، غير مصرح بأخذ عصي أو شماسي، تذاكر الدخول للمحكمة شخصية محض ولا يجوز إعطاؤها للغير، وقد جرى في أولى الجلسات استجواب المتهمين فاعترف بعضهم في طليعتهم عبد الفتاح وعبدالحميد عنايت بأنهم قد فعلوها، ولم يعترض شفيق منصور على ما جاء في اعترافاته أمام النيابة، غير أن آخرين قد أنكروا أية صلة لهم بالحادث حتى إن أحدهم، محمود راشد، أجاب عن تهمة رمي القنبلة بأنه لا يستطيع ذبح فرخة!!!
وكان الشقيقان عنايت، المتهمان الرئيسيان في القضية، قد عانيا كثيرا بعد أن طلق أبوهما أمهما وتزوج بأخرى، مما أدى إلى أن أصبحا مرضى بجنون الوطنية- على حد قول محاميهما.
وبعد شهادات مسهبة ومرافعات طويلة من النيابة والدفاع، وفي العاشرة من صباح يوم الأحد، 7 يونيو عام 1925، وبعد إحضار المتهمين إلى قاعة المحكمة صدر الحكم بإعدام المتهمين الثمانية الأوائل بالإعدام شنقا، أما السائق محمود صالح فقد حكم عليه بالحبس سنتين مع الشغل، ويقول مراسل «الأهرام» إنه بعد سماع المحكوم عليهم بالحكم تولاهم ذهول واضطراب وبدأ عبد الفتاح عنايت وأخوه يصيحان معا «الإعدام أنا وأخي نقتل» بينما أخذ إبراهيم موسى يصيح «والله أنا مظلوم والله أنا مظلوم».
دانيال البرزى
1476 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع