حرب احتلال العراق ٢٠٠٣ /الحلقة الثالثة
حركة القوات في المنطقة الجنوبية الوسطى
27 / 3 / 2018
استكمالا لما سبق في الجزئيين الاول والثاني من كتاب (حرب احتلال العراق 2003 ) من انتصارات حققها الجيش النظامي العراقي والقوات شبه العسكرية في جنوب العراق ، نستذكر في هذا الجزء الادوار المهمة لقواتنا المسلحة في ظل التفوق الهائل للقوات الغازية .
قوات التحالف
تقدمت قوات الفيلق الخامس الامريكي بعد اختراق الحدود العراقية الكويتية بالاندفاع شمالا باتجاه محافظة ذي قار (الناصرية) ومنها تفرعت الى فرعين رئيسيين ( قوة ضغط المباشر ) وقوة ( الاحاطة والتطويق ) مع تجنب المرور بالمدن الرئيسة بل الاكتفاء بمحاصرتها وأسقاطها مع استمرار القصف الجوي والصاروخي لبغداد وكما يأتي : -
قوة الضغط المباشر 20 آذار /مارس 2003
- تقدمت قوه من عناصر الفرقة الثالثة الالية (المارينز ) باتجاه الناصرية وتعرضت لقتال شرس اوقعها خسائر جسيمة بالأرواح والمعدات ومع ذلك نجحت قوات التحالف من الاستيلاء على جسرين على نهر الفرات الا ان القوات العراقية نجحت في استردادهما .
- في 21 / 3 أقامت قوات التحالف عدد من الجسور الميدانية على نهر الفرات رغم القتال الشديد بين الجانبين مما ادى الى وقوع خسائر واسرى في صفوف القوات الامريكية ، ادى ذلك الى تكثيف الاسناد الجوي سواء بالمقاتلات او طائرات الهليكوبتر المقاتلة بغرض احكام السيطرة حول الناصرية ومنع القوات شبه العسكرية من التدخل الا ان تدخلها كان بشكل جزئي في يوم 22 / 3 .
- في يوم 23 / 3 تمكنت عناصر من الفرقة الاولى ( مارينز ) عبور نهر الفرات تمهيداً للتقدم باتجاه الشطرة .
قوة الاحاطة والتطويق
- تقدمت عناصر الفيلق الخامس الامريكي من التقدم باتجاه الناصرية وتخطت المقاومة فيها ووصلت الى المثنى ( السماوة ) يوم 21 /3 / 2003 .
- نجحت الفرقة الثالثة ، والفرقة الاولى مارينز من الفيلق الخامس والفرقة 101 خلال يومي 22 ، 23 ، الوصول الى النجف وتم تطويق المدينة وعزلها دون دخولها بسبب الدروع البشرية التي شكلها ابناء المحافظة .
العاصفة الرملية
- عواصف رملية كثيفة وانخفاض شديد بمدى الرؤيا ادى الى صعوبة عمل القوات البرية والجوية نتج عنه بطئ في تقدم القوات ، وضمن اساليب الحرب النفسية صرح الجنرال (تومي فرانكس) بان قواته ستأخذ وقفة تعبويه لمدة ثلاثة ايام بغرض أعادة التنظيم لحين و صول قوات إضافية اخرى لكن بعد فترة قصيرة ظهرت القوات الامريكية على مشارف كربلاء التي تبعد (80 كلم عن بغداد ) .
(في مثل هذ الظرف كان المفروض بالقوات العراقية وهي ترى التقدم السريع لقوات التحالف التدخل والتأثير على رؤوس الارتال المتوقفة لعدم تمكن اسنادها جواً بسبب مدى الرؤيا المنخفض جداً ، الا ان مواقعها حول المدن منعها من أتخاذ اي اجراء يهدد القوات الامريكية كان يمكن لهذا الاجراء ان يؤثر على نتيجة المعركة بعد تأخيرها ...وتأكيدا لرايي كان الرئيس صدام حسين شخصيا يوجه الفدائيين والمقاومة العراقية من استهداف رؤوس الارتال لأرباك خطط العدو ).
القوات العراقية
في صباح يوم 21 / 3 / 2003 اندفعت القوات البريطانية تساندها قوات امريكية تجاه حقول الرميلة الشمالي ومحاولة المحمولين جواً السيطرة على مطار البصرة للتأثير على القطعات العراقية التي تدافع عن البصرة والاحاطة بها من الشمال والتأثير على قطعات الفرقة المدرعة السادسة ، وقد تمكنت القطعات البريطانية من السيطرة على مطار البصرة ووصلت الى الحافة الجنوبية لحقول نفط الرميلة الشمالي ، تصدى لهم لواء مغاوير الاول من الفيلق الثالث وقاتلهم ببسالة ولم يسمح لهم الدخول الى الرميلة الشمالي رغم التفوق الكبير لقوات العدو وقواته الجوية .
الايام 20و 21 و22 آذار 2003 قاتلت الفرقة الالية/ 51 ومعها جيش الحزب ولواء من جيش القدس قوات الاحتلال في مناطق جنوب غرب وجنوب البصرة ، خاصة حقول الرميلة الجنوبي والبرجسية ولدريهميه وام قصر والزبير قاتلت بكل رجولة وشموخ ولم تسمح لهم بالمرور سريعاً والوصول الى البصرة وتوقف العدو ودخل مع الفرقة في معارك برية كبيرة لكنها غير متوازنة نظراً للتفوق الفني الواضح للعدو بعد فرضة سيادة جوية مطلقة على العمليات الجنوبية (1) .
- لم تواجه القوات العراقية قوة الاحاطة والتطويق بعد عبورها الحدود العراقية الكويتية بكثافة من الحركة لانعدام الغطاء الجوي العراقي وقلة القوات البرية وانكشاف المنطقة لكنها اكتفت ببعض الهجمات المحدودة وحرب العصابات ضد جوانب ومؤخرات قوات التحالف بإسناد فدائيو صدام وجيش القدس رغم اهمية مواجهة هذه القوات باعتبارها قوة الضربة الرئيسة تجاه العاصمة بغداد .
- دافعت قوات الفرقة / 11 العراقية باستماته عن مدينة الناصرية ونجحت في القيام بهجوم مقابل استعادت فيه جسري نهر الفرات وبعد مواجهتها بزخم عالي من قوات التحالف اضطرت الى تدميرهما ، كما اسقطت طائرة أباتشي أمريكية يوم 23 اذار ، وقد استمر دفاعها هذا لأكثر من سبعة ايام بعد ان صبوا عليهم مختلف الاسلحة الفتاكة.
فعاليات يوم 23 عمليات
- كما قاتلت القوات العراقية قتالا شديداً بالدفاع عن مدينة النجف ساندها في ذلك القوات شبه العسكرية من الفدائيين وجيش القدس ومليشيات حزب البعث العربي الاشتراكي وقد أستشهد القائد الحزبي المسؤول عن هذه المدينة (الرفيق نايف شنداخ ومستشاره العسكري اللواء الركن زيد جواد ) وهم يواجهون القوات الامريكية .
- كما دافعت القوات العراقية دفاعاً مستميتاً عن مدينة المثنى ( السماوة ) لكنها لم تنجح في منع قوات التحالف من عبور النهر ومسك راس جسر مهم في هذه المنطقة .
- الرئيس العراقي يشيد عبر خطابه في 24 أذار بأداء القوات المسلحة والحزب وجيش القدس والفدائيين والفرقتين 11 ، 51 وبعض الالوية والافواج واللواء البحري في ام قصر بالأسماء.
- تمكنت وسائل دفاعنا الجوي من إصابة طائرة بريطانية الا انها سقطت قرب الاراضي الكويتية العراقية ، كما اعلن عن فقدان طائرتين امريكية بسبب العواصف الترابية الشديدة .
المقاومة العراقية
في 23 و24 / 3 / 2003 اشتد دور المقاومة العراقية الباسلة في محافظتي البصرة والناصرية وكان لها الاثر البالغ على خطط ونوايا العدو التي كانت تستهدف الوصول الى بغداد يوم 25 /3 ولغاية 30/ 3 بعد دفعها بتعزيزات كبيرة أخرى باتجاه البصرة والناصرية ( تم سحبها من الارتال الرئيسة المتوجهة الى بغداد ) وعليه توقفت الارتال الامريكية الامامية في السماوة والرحبة للفترة من 23 – 30 /3 لكون قطعاتهم لا تكفي للاستمرار بالحركة باتجاه بغداد ويجب عليهم اكمال عملياتهم في البصرة والناصرية قبل بغداد ، مما اضطروا الى تغيير خططهم بعد صمود العراقيين الابطال من ابناء البصرة والناصرية تساندهم قوات الفيلق الثالث والقوة البحرية (2) .
الاتجاه الاستراتيجي الشمالي
قوات التحالف
لم يشهد هذا الاتجاه تزامناً مع الاتجاهات الجنوبية والوسطية كما مقرر له في خطة الهجوم لغاية يوم 27 آذار 2003 بسبب ممانعة تركيا من استخدام اراضيها للتحشد وهذ موقف مشهود من تركيا تستحق الشكر عليه ناهيك انها لم تعلن عنه مسبقا مما اربك القوات الامريكية ايما ارباك ازعج حكومة الكويت ذلك وفورا صرح مسؤول كويتي باستعدادها لاستقبال الفرقة الرابعة الجبلية بدلا من تركيا ، لذلك عدلت الخطة الامريكية في هذا الاتجاه بتكوين تحشد قتالي محدود من اللواءين 173 ، و 194 المظليين بالتعاون مع عناصر من القوات الخاصة والمليشيات الكردية (البيشمركة ) التابعة الى الحزبين الوطني الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الكردستاني ،(في هذا الصدد تم الاستيلاء على عدد من القواعد الجوية والمطارات الثانوية واراضي النزول في المنطقة وتهيئتها لنقل القوات والتجهيزات الامريكية ، ثم عزل مدينتي كركوك والموصل والاستيلاء على آبار النفط وشل فاعلية منظمات جماعة أنصار الاسلام الكردية صاحب هذه الاعمال أسناد جوي مركز للأيام 21 ،22 ،23،24 آذار/ مارس 2003 .
عمليات الانزال الجوي للقوات المحمولة جدا في مطار حرير شمال العراق
القوات العراقية
تعرضت مقرات الفيالق الاول والثاني والخامس في مسارح العمليات الوسطى والشمالية وبعض مقرات الفرق المرتبطة بهم لقصف جوي غير اعتيادي ، علماً ان جميع المقرات انفاً متروكة وتم إشغال المقرات البديلة غير المعلومة للعدو وعملائه .
وقد أستمر تمسك القوات العراقية بمواضعها الدفاعية ولم تقم بأية أعمال قتالية رغم تفوقها العددي على قوات التحالف في هذا الاتجاه ورغم سوء الاحوال الجوية ويرجح السبب كما تدعي القيادة العراقية الى عدم توفر غطاء جوي عراقي أضافة الى مسؤولية ادارة المعركة وفقا لخطة اعدت مسبقاً دون الاشارة الى امكانية التغييرات في المواقف والمستجدات خاصة منح قادة المناطق صلاحية اتخاذ القرار المناسب لا مركزيا وفقا لتصورهم الاني مما ضيع فرصة ذهبية مهمة لقيادتي الفيلق الاول والخامس في استغلال المستجدات وتأخر وصول القوات الامريكية حتى 27 أذار 2003 وضعف قوات (البيشمركة) التي كانت تنتظر وصولها ثم سوء الاحوال الجوية في كل ارجاء العراق القيام بأجراء تعديل على الخطة يمكن ان تربك المحتل لحد كبير جداً في الاتجاهات الاخرى بل حتى يزيد من حجم خسائره وعليه لم يتم أتخاذ موقف مغاير للخطة الموضوعة وهو الدفاع عن المدن فقط وكان المفروض اجراء تداخل في صفحات القتال بناءً على قواعد العلم العسكري ومبادئ الحرب ، كالقيام مثلا تخطي المواضع الدفاعية الموضوعة الى العمق الشمالي والتمسك ببعض المحافظات الشمالية وارباك خطط العدو في الجنوب لان على ما يبدوا ان القيادة العراقية كان في اعتقادها ان العدو سيهاجم بزخم عالي من شمال العراق وحدث العكس لكنها لم تتحذ اي اجراء نتيجةً لذلك مما جعل العدو مطمئناً لعدم التبدل هذا . ( الراي الذي ممكن ان يقال في مثل هكذا ظروف ان تبادر القيادة العراقية فورا بتعديل ولو جزئي لخططها الدفاعية والاستفادة من العواصف الترابية الشديدة وضعف مدى الرؤيا الى الصفر التي استمرت 3 ايام ، وقد يكون الباري العزيز القدير هيئها للقيادة العراقية لكي تتخذ اجراء مناسب لكونها عواصف رملية غير مسبوقة سابقاً احالت النهار ليلا قاتما ، بالقيام بدفاع تعرضي على المحاور الجنوبية والوسطى والشمالية لتعديل ميزان القوى الذي اصبح شبه متعادل في هكذا ظروف لكننا لم نلاحظ اي تعديل بل استفاد من الامر القوات الامريكية حيث زادت من زحفها باتجاه كربلاء والنجف )(3).
الاتجاه الاستراتيجي الغربي
قوات التحالف
تواجدت مسبقاً عناصر خلف الخطوط من العملاء الامريكان وحلفائهم والبعض الاخر من العراقيين العسكريين ممن كانوا في المعارضة بشهادة اللواء محمد عبد الله الشهواني ( رئيس المخابرات في حكومة الاحتلال ) حيث أكد ان حوالي 400 عنصر عراقي ومعهم أمريكان من الفرقة 82 ( المجوقلة ) انتشروا في الصحراء الغربية العراقية قبل بدء شن الحرب قاموا بممارسة انشطتها بشكل علني أحياناً باستخدام عجلات استطلاع خفيفة وطائرات هليكوبتر لتثبيت أجهزت الدلالة والاتصالات تمهيداً لإنزالات جوية لاحقة في هذه المنطقة ، ففي 21 آذار( مارس ) قامت القوات الامريكية بعملية أنزال جوي من الفرقة 82 تم بموجبه الاستيلاء على منطقة الرطبة و قاعدة الوليد وسعد الجويتين والمطارات الثانوية التابعة لهما ، كما قامت هذه القوات الاستيلاء على مدينة القائم وعانه وحديثه وسيطرة على مداخل الحدود السورية والاردنية الى العراق للإحباط اية عمليات أسناد او تسلل اليهما ، وتمكنوا من السيطرة الكاملة على سد حديثة واندفاع بعض قطعاتهم المجهزة بمدرعات ( برادلي) باتجاه مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين وتمكنوا بعد أقل من يومين من احتلال ميدان التدريب التعبوي الخاص لتدريب قطعات الصنف المدرع في الثرثار ، وقد تصدى لهم مقاتلون من صنف الدروع بعدد قليل استشهد البعض منهم واسر البعض الاخر، كذلك سيطر العدو على معظم مناطق عكاشات / الرطبة / الكيلو 160 / المحمديات ، وقد اشتبك معهم في ضواحي مدينة الرمادي مقاتلو اللواء المدرع ابن الوليد وفرقة جيش القدس في الانبار وعدد من مقاتلي الحزب ، ولم يتمكن العدو في بادئ الامر الوصول الى الرمادي، واستمرت المعارك بين العراقيين والغزاة والعملاء للفترة من 20 / 3 / 2003 – 10 / 4 / 2003 ، الا ان انهيارات دفاعات بغداد واحتلالها من قبل العدو الامريكي ادى الى التأثير السلبي على معنويات العموم في القوات المسلحة (4) .
دخول مجاميع من القوات الخاصة البريطانية والاسترالية غرب العراق في 17/ 3 / 2003
القوات العراقية
لقد ابلى اللواء الركن محمد ثميل جرباوي قائد قاطع الانبار مثالا حياً في القتال ودفاعاً مستميتاً عن محافظة الانبار ،وشارك في التصدي للعدو معه حشد العشائر والحزب وجيش القدس بقيادة اللواء الركن إسماعيل الراوي ورديفه العميد الركن سمير العكيدي.
على العموم كانت الاعمال القتالية للقوات العراقية ليست ذات قيمة تعبوية في المنطقة واسعة الانتشار لافتقارها الى الغطاء الجوي لكونها اراضي صحراوية مكشوفة لا تصلح لعمل القوات أضافة الى ذلك لا تواجد قوات نظامية منتشرة فيها سوى لواءين مشاة آلي للدفاع عن الرمادي والنجف أضافة الى القوات شبه العسكرية المشار اليها داخل وحول المدن الرئيسة والتي هي الاخرى لا تستطيع الحركة و العمل في مثل هذه الظروف وعليه تم احتلال ثلث مساحة العراق في المنطقة الغربية بالأيام الاولى من المعركة ، في هذه الاثناء صرح الرئيس الشهيد صدام حسين بما يلي ( لا تهتموا اذا احتلت المناطق الفارغة من اراضيكم .!!!!..) .
المراجع
1). الفريق الركن ياسين فليح المعيني مصدر سابق .
2).المصدر نفسه.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/terathwatareck/34682-2018-03-22-09-19-50.html
3198 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع