يوم سقط الرئيس الفرنسي ديشانيل من القطار مرتديا بيجاما ولم يتعرف عليه أحد

              

سقوط رئيس فرنسا بول ديشانيل من القطار تسبب له بموجة عارمة من السخرية في جميع أنحاء البلاد (وكالات)

استقل رئيس الجمهورية الفرنسية بول ديشانيل القطار الرئاسي حوالي الساعة التاسعة والثلث مساء يوم 23 مايو/أيار 1920 من محطة "غار دي ليون" في باريس متوجها إلى مونبريسون، ليحضر افتتاح النصب التذكاري هناك بعد نحو 24 ساعة.

وفي ذلك اليوم استمر القطار الرئاسي في التحرك طوال الليل، ولم يلاحظ أحد اختفاء الرئيس الذي طلب عدم إزعاجه، في حين تم "القبض" على رئيس الدولة بعد أن سقط من نافذة مقصورته، من قبل أحد عمال سكك الحديد الذي ظن في البداية أنه شخص مخمور يدعي أنه الرئيس.

سقوط مفاجئ
وقالت مجلة لوبوان (Le Point) الفرنسية، حسب تقرير مشترك بين فريدريك لوينو وغويندولين دوس سانتوس، إن الرئيس غادر "مقصورة الصالة" واتجه إلى الغرفة الصغيرة المعدة له، وطلب من خادمه ترك نافذتيها مغلقتين رغم الحرارة الشديدة لأنه يشعر ببعض الزكام، ثم تناول حبة دواء للنوم، وأعطى تعليمات بعدم إيقاظه قبل السابعة صباحا، إلا أن حرارة خانقة أيقظته بعد ساعة، فقرر فتح إحدى النافذتين اللتين تفتحان نحو الأسفل لإعطاء الرئيس فرصة مصافحة الأشخاص الذين يأتون لانتظاره في المحطات دون الحاجة إلى النزول من القطار.

خفض ديشانيل الجزء السفلي من النافذة وحاول رفع الجزء العلوي منها فلم يطاوعه فدفعه بقوة، لترتفع النافذة فجأة، فيقع خارج القطار الذي كان يتحرك ببطء، فسقط الرئيس على أرض مغطاة بالعشب، مما خفف من اصطدامه بالأرض لحسن الحظ، فوقف مترنحا على قدميه، واتجه نحو ضوء رآه بعيدا في وقت اختفى القطار عن الأنظار.


في هذا الوقت، كان عامل السكة الحديد أندريه رادو يمشي على طول المسار عائدا من موقع بناء كان يشرف عليه، فرأى رجلا يمشي بتردد، ولما اقترب منه فاجأه أن الدماء تلطخ وجهه، وأنه يرتدي بيجامة رمادية فاتحة، وقدميه حافيتين فظنه شخصا مخمورا، وصاح به "من يتحرك هناك؟" فأجاب الغريب "أصبت بجراح أنا السيد ديشانيل" فظن أنه يهزأ به فرد متهكما "تعني الرئيس. لماذا لم تقل إنك كائن فضائي سقط من صحن طائر؟".

  

القطار استمر في التحرك طول الليل دون أن يلحظ أحد اختفاء الرئيس الفرنسي الذي طلب عدم إزعاجه (الجزيرة -تعبيرية)

الرئيس الجريح
عندما رأى عامل السكك الحديد الرجل مصابا في وجهه، أخذه إلى منزل البواب داريو لمعالجته، قائلا "هذا الجريح يقول إنه السيد ديشانيل. ربما يكون يعاني من الهذيان" ورغم ذلك بدأت زوجة داريو بتنظيف جروح ديشانيل، في الوقت الذي انطلق فيه رادو لإعلام درك كوربيل، مرورا بالدكتور غيومو ليأتي لفحص المصاب، كما أبلغ محطة مونتارجيس أن "رجلا يطلق على نفسه السيد ديشانيل سقط من القطار الرئاسي" ولكن المحطة لم تبعث الرسالة إلى نائب المحافظ حتى الساعة الخامسة صباحا.

في هذه الأثناء، وضع البواب وزوجته الرئيس لينام في سريرهما، وقد أكد الدكتور غيومو وسط دهشة الجميع أنه فعلا الرئيس ديشانيل، ليأتي نائب محافظ مونتارجيس في الصباح إلى البيت الصغير لنقله إلى مقره، ليتلقى حقنة تيتانوس. وشكر الرئيس مضيفيه بحرارة قبل المغادرة، وقالت زوجة البواب التي استضافته للصحافة "عرفت أنه رجل نبيل لأن لديه أقداما نظيفة".

سرير فارغ
في هذه الأثناء، استمر القطار الرئاسي في التحرك طول الليل، دون أن يلحظ أحد اختفاء الرئيس الذي طلب عدم إزعاجه، وعندما توقفت القافلة حوالي الساعة الخامسة والربع صباحا في سان جيرمان دي فوسيه، قدم أحد الوكلاء لمفتش خدمة القطارات رسالة فيها "قيل إن فردا يدعي أنه السيد ديشانيل قد سقط من القطار الرئاسي". لم يستطيع الرجل تصديق ما يقرأه، فظن أولا أن راكبا هو الذي سقط وانتحل شخصية الرئيس، ولكنه دخل جميع المقصورات وفحص جميع النوافذ، فوجد جميع المسافرين الـ 53 في أماكنهم.

لم يبق إلا غرفة ديشانيل ولكن المفتش لم يجرؤ على طرق بابها، فغادر القطار المحطة، ولكن برقية جديدة في روان، أكدت أن الذي سقط هو الرئيس بالفعل، وعندها تجرأ خادم ديشانيل والسكرتير الخاص على طرق باب مقصورته، ثم دخلا واكتشفا السرير الفارغ والنافذة المفتوحة.

موجة من السخرية
سارع نائب حاكم مونتارجيس لإبلاغ باريس، فاستقل ميليران، رئيس مجلس الإدارة، وزوجة ديشانيل، القطار السريع وأعيد الرئيس إلى الإليزيه في نفس المساء، إلا أن هذه المغامرة تسببت لرئيس الجمهورية في موجة عارمة من السخرية في جميع أنحاء البلاد، بين المغنين ورسامي الكاريكاتير، فالصحافة حولت الرئيس إلى رجل مجنون، لتردد خلفهم فرنسا كلها "لم ينس بيجامته. إنه أمر مدهش".

انتهت الحملة الرهيبة -كما يقول الكاتبان- بتدمير ديشانيل الهش نفسيا، خاصة أن انتخابه للرئاسة قبل بضعة أشهر أدى إلى انتقاله من حالة من الإثارة الشديدة إلى حالة من الهدوء الذي أعقب الانتخابات، مما يوحي بالسلوك النموذجي للوهن العصبي.

غير أن أكثر الشائعات جنونا كانت تلك التي انتشرت في باريس لتقول إنه يستحم في أحواض قصر الإليزيه مع البط، وتلك التي تقول إنه كان يوقع وثائق رسمية باسم فرسن جتوريكس (زعيم من الغال أعدم سنة 46 قبل الميلاد في السجن بعهد يوليوس قيصر) أو نابليون بونابرت، وهي شائعات لا أساس لها من الصحة، كما يقول الكاتبان.

اكتئاب حاد
تسبب حادث القطار الذي تعرض له الرئيس ديشانيل باكتئاب حاد، لم يعد معه قادرًا على رئاسة الاحتفالات الكبرى مثل احتفال 14 يوليو/تموز، ولم يعد يشعر بالقدرة على أداء مهمته، فقدم استقالته لأول مرة بعد أسابيع قليلة من سقوطه، لكن ميليران تمكن من حمله على سحبها، ليمضي الصيف في رامبوييه من أجل التعافي، ولم يعد قادرا على التوقيع على الوثائق المقدمة له، ولا يمكنه تحملها.

قدم استقالته للمرة الثانية في 21 سبتمبر/أيلول، وكتب إلى الجمعية الوطنية "حالتي الصحية لم تعد تسمح لي بتولي المناصب العليا التي منحتني إياها ثقتكم" ثم تقاعد في مركز صحي في رويل، قبل أن يتعافى وينتخب سيناتورا في 9 يناير/كانون الثاني 1921 في الجولة الأولى، ليتوفى بسبب ذات الجنب (التهاب غشاء الجنب، وهو الغشاء الذي يغطي الرئتين ويبطن تجويف الصدر الداخلي) في 28 أبريل/نيسان 1922.

المصدر : لوبوان

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

639 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع