العربي الجديد/ماهر منصور:نعت الفنانة أمينة رزق في تصريح للتلفزيون الكويتي رحيل الفنان عبد الحليم حافظ (1977)، وختمت كلماتها: "فقدنا بالأمس، سيدة الغناء أم كلثوم، ثم فريد الأطرش واليوم عبد الحليم.. ثلاثة كواكب لن يجود لنا الزمن بأمثالهم".
فيما بعد، تبدو مقولة الراحلة رزق، أشبه بنبوءة تتحقق. فبعد هذا الجيل الفني الذي ضم الثلاثة ومعهم محمد عبد الوهاب ونجاة الصغيرة وشادية وأسمهان وفايزة أحمد ووردة الجزائرية وآخرون. أصيب الزمن بعقم فني، وما عاد لينجب من أهل الغناء إلاّ أصحاب الأنفاس القصيرة.
في ذلك الزمن، ستدخل فتاة سورية اسمها فايزة أحمد عالم الغناء عبر الإذاعة المصرية، لتلتقي بعدها، بالموسيقار محمد الموجي وآخرين، ومعهم سيبزغ نجمها وستدخل منافسة مع الفنانة وردة الجزائرية وتالياً مع مواطنتها ميادة الحناوي الصاعدتين إلى جوار النجوم.
سيلمع نجم فيروز إلى جانب صباح في لبنان، وسيقارن صوتهما بجرأة الغناء مع وديع الصافي، حينها سيؤكد الرحابنة قدرتهم على تقديم أسطورة لبنانية اسمها فيروز. فيما ستحلق صباح لتتنقل بين لون وآخر في الغناء وتصنع أسطورتها هي الأخرى. لكن الاثنتان ستدركان أنّهما ليستا الوحيدتين في الساحة، فهناك نجاح سلام وأخريات.
كيفما قلبت صفحة من صفحات ذلك الزمن، ستجدها تذخر بأساطين الغناء، يتعاونون حيناً ويتنافسون ويتخاصمون كثيراً، ولكن ودّهم أو خصامهم في كل مرة سيترك صداه الفني في المكتبة الموسيقية العربية. وفي كل مرة نستذكر هؤلاء، سنجد أنفسنا أمام السؤال ذاته، أي عدالة تلك، جمعت كل هذه الأساطين الفنية في زمن واحد، فيما يصاب زماننا بالعقم!
صيف عام 1964، ستغني أم كلثوم حتى الثالثة صباحاً، وسيصعد العندليب إلى المسرح بعدها، وسيعترف أنها جرأة أن يغني المرء بعد الست ولكنه سيقول أنه لا يعرف إن كان الغناء الآن شرفاً له أم مقلباً؟ وكان وقتها يعبر عن غضبه من تأخر أم كلثوم بالغناء وصعوده في وقت يكاد يفتقد الجمهور فيه التركيز.
بعد تلك الحادثة بسنوات، وفي حوار مع الإذاعة السورية سيهاجم الموسيقار فريد الأطرش أم كلثوم، التي تمتنع عن الغناء من ألحانه، وسيكشف أنّ الست تحمّست لواحد من تلك الألحان، ولكنّها عدّلت عنه لاحقاً، لأنّ هناك من أقنعها بذلك، خشية أن يقارن ما يقدّمه لها من ألحان مع ما قدّم لها من قبل، وقتها كان الأطرش يقصد مقارنة ألحانه مع ألحان عباقرة الموسيقا العربية من أمثال الموجي والسنباطي وعبد الوهاب وآخرين ممن غنّت لهم أم كلثوم.
تلك الصراعات، كانت غيض من فيض غرق به الوسط الفني وقتها.. كم سيبدو مثيراً اكتشاف أنّها كانت كلّما احتدمت، أي الصراعات، كلما ارتفع رصيد المكتبة الموسيقية العربية بأهم الألحان والأغاني الخالدة، ذلك الاكتشاف سيبدو مؤلماً أيضاً ونجن نشهد صراعات فنية في زماننا كلما احتدمت كلما ازدادت الأغنية عرياً وصفاقة وكيداً.
فيما مضى كان أهل الفن يتصارعون على القيمة والجودة وصفاء ذهن المستمع، واليوم يتصارع أهل الفن على ملكية أغنية "تي رش رش".
932 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع