بيروت ـ زهرة مرعي: دائماً تبحر الفنانة سحر طه في بحث فني متميز وخاص بها وحدها. جديدها هذه المرة تمثل في إبحار مع الشعر النسوي الصوفي. فيه وجدت ضالتها فلحنت وغنت وأطلقت سي دي 'أعشقك أنت'.
ليست المرة الأولى التي تقارب فيها سحر طه الشعر الصوفي، فهي كثيراً ما شدت به على خشبة المسرح، إنما للمرة الأولى تحفظه في سي دي. قد يستغرب البعض هذا المنحى الفني لكن معروف أن سحر طه تبحث في الفن عن رضا الذات أولاً.
معها كان هذا الحوار:
ما هي أهداف لقائك الفني قصائد من الشعر النسوي الصوفي؟
ـ في سنة 1999 وعند صدور كتاب المستوحد للراحل رياض فاخوري لحنت بعض قصائده، وعقدت أمسيات غناء كثيرة في لبنان وخارجه تلقيت فيها تشجيعاً كبيراً، وبخاصة من فاخوري نفسه. أحببت بقوة الغناء الصوفي خاصة وإني مجبولة تاريخياً بالشجن العراقي. ومن ثم كانت أمسيات شعر صوفي لابن عربي، الحلاّج، ابن الفارض، جنيد وآخرين. إنما فكرة الشعر الصوفي النسوي جاءت بعد لقائي مع الدكتور سامي مكارم الذي وضع كتاب عاشقات الله. وفي هذا الكتاب نماذج لتسع نساء كتبن الشعر الصوفي في القرن الثاني الهجري. جذبتني فكرة غناء الشعر النسائي الصوفي. وفي كتاب سامي مكارم أن شيخ المتصوفين ابن عربي يرى الشعر الصوفي قد بدأ من النساء المتصوفات. وأن المتصوفون تعلموا نهج التصوف على يد نساء.
هل كان التصوف على صلة بواقعة سياسية أم دينية معينة؟
ـ بدأ الشعر الصوفي والعشق الإلهي بعد مئة عام على الإسلام مع النساء اللواتي عانين من العبودية، وجاءهن العشق الإلهي للتعبير عن مكنوناتهن، وتحررهن وحبهن للإله.
بماذا يتميز الشعر النسوي الصوفي عن الذكوري؟
ـ هو منهج أسسته تلك النسوة في حب الإله والوصول إلى رضاه، وكل من جاء بعدهن وبعد ابن عربي كان له النهج نفسه. ولاحقاً كانت طرق صوفية متعددة.
كم ترك هذا الشعر الصوفي النسوي بنفسك من أثر حتى قررت تلحينه؟
ـ هو شعر ينضح بالفطرة في التعبير عن الحب الإلهي. شعر لم يدخل في المصطلحات الصوفية الصعبة. في التعبير الصوفي ما هو دنيوي إنما في الباطن هو تعبير عن عشق الإله. مصطلحات الخمر والنشوة ليست سوى مضامين استخدمها المتصفون للتقرب من الإله. تناولت أربع عابدات من كتاب عاشقات الله لسامي مكارم. تأتي حيونة في طليعة تلك العابدات، وهي أستاذة رابعة العدوية وهي من علّمها النهج صوفي والزهد والكتابة. لكننا نعرف رابعة العدوية لغزارة إنتاجها رغم كونها عاشت مع الكثير من المتصوفات في العقد الثاني للهجرة. كذلك كانت حيونة أستاذة ميمونة وريحانة. وفي سي دي 'أعشقك أنت' أربع متصوفات من العصر الحديث وهنّ عاتقة الخزرجي، لميعة عباس عمارة، باسمة بطولي وهدى نعماني. وهكذا كانت لي اختيارات نسوية صوفية من القرن الثاني الهجري والقرن العشرين وتاريخنا الحديث. تدرج هذا الشعر من الفطرة، ووصل مع رابعة العدوية إلى مصطلحات النشوة وغيرها. ولعاتقة الخزرجي في عصرنا الحديث قصيدة مباشرة في حب الإله. وتعبر لميعة عباس عمارة بنفس صوفي أكثر من كونها صوفية. ومن هدى نعماني اخترت قصيدة أبشري التي تحكي المرأة التي أطلق سراحها. ومن باسمة بطولي اخترت روحية التصوف وليس التصوف بحد ذاته.
من بغداديات إلى أعشقك أنت. لماذا تبحرين في النسق الموسيقي الصعب؟
ـ هو عشق للفولكلور العراقي لأني نشأت عليه. كذلك لبغداد في داخلي حب لا يضاهى. فيها شربت الفن، وتمتعت بالتراث الذي خلّفه لنا الكبار من مغنيين ومغنيات. بداياتي كانت مع مختلف أنواع الموسيقى من كلاسيك وطرب، أدوار وموشحات. وكان تركيزي تالياً على اللون العراقي منذ بداية تسعينيات القرن الماضي بتشجيع من الجمهور اللبناني الذي أحبني من خلال جذوري. وفي الحقيقة أني في غنائي للون العراقي كنت اشعر بصدق الأداء. أنظر إلى سي دي أعشقك أنت على أنه ولادة جديدة لي، واختمار لكافة تجاربي السابقة. كل ما قمت به سابقاً كان تجارب وتمارين خولتني للوصول إلى أعشقك أنت. مع هذا العمل اعتبرت نفسي محترفة وملحنة. لي أكثر من 40 أغنية تلحيناً وغناء من فولكلور وقصائد كما ودعت بغداد، إنما تلحيني للقصائد الصوفية سمح لي باعتبار نفسي ملحنة، رغم أن ما غنيته ولحنته سابقاً أثار إعجاب الجمهور. قبل الآن كنت أقول بأني أقدم الأفكار اللحنية التي تنتابني.
ما الذي ميز لحنك الصوفي حتى منحت ذاتك صفة ملحنة؟
ـ الاختلاف كبير بين اللحن الصوفي والشعبي لجهة الإيقاعات. في اللحن الشعبي ما هو راقص وسريع، النغمة بسيطة وتتيح للناس حفظها بسرعة. إيقاعات اللحن الصوفي تميل نحو البطء، مع ريتم متكرر. هو لحن روحاني يرقص الروح لدى سماعه ويدفعها للتمايل. الغناء الصوفي بعيد عن الاستعراض اللحني، ويتضمن كثيراً من تلوين المقامات. في سماع اللحن الصوفي نحتاج لسكون وراحة. أعشقك أنت سي دي مخصص لكل من يرغب بالاختلاء بنفسه. وهذا ما يميز اللحن الصوفي عن الفولكلوري والشعبي.
كونك مسكونة بالنغمة والإيقاع العراقي نسألك كم يقترب اللحن الصوفي من الهنك الموسيقي العراقي؟
ـ المقام العراقي يتضمن الكثير من القصائد الصوفية. وحتى نمط غناء المقام العراقي يقترب من الصوفي على صعيد الموسيقى، وذلك رغم اعتماده على استعراض الطاقات والدرجات في الصوت، لكنه كذلك يتضمن الشجن. النفس الصوفي في العراق يختلف عنه في تركيا حيث التنورة والدراويش والنغم المونوتوني. الغناء الصوفي الذي قدمته يتضمن تنويعاً تعبيرياً وليس تطريبياً.
في تصديك للقصيدة الصوفية هل استنرت برأي يشير لك أين أصبت وأين يمكنك تطوير تجربتك؟
ـ في خياري الفني أطرح ما أحبه. ومن ثم استفتي جمهوري والمحيطين بي لأقف على رأيهم فيما أحبوا أو لم يحبوا. كانت لي حفلاتي الواسعة في غناء التصوف منها في دمشق مع الدكتور سامي مكارم، وفي معهد سرفانتس الاسباني. كما أحييت الكثير من الحفلات الصوفية حين كانت بيروت عاصمة للثقافة العربية. رأي الجمهور يأتي بالدرجة الأولى بالنسبة لي، خاصة مع ندرة وجود الناقد الموسيقي المختص.
هل بدأ يتوسع جمهور الغناء الصوفي في لبنان؟
ـ هو في ازدياد لكنه ليس بحجم جمهور الحفلات التجارية. ولا شك أنه سيتطور أكثر. في حفلاتي أتلقى الكثير من التنويه الذي يقول بعمق التأثر بهذا الفن. منهم من يقول أبكيتنا. ومنهم من يقول أصبتنا بقشعريرة. المسألة التي انطلق منها أني أقدم الفن الذي أحبه بغض النظر عن أي رأي. الموسيقى التي أقدمها هي علاجي الخاص، وما أقدمه هو لي بالدرجة الأولى. حبي للموسيقى يدفعني لتقديمها. لو وجدت الجهات المنتجة لهذا النوع من الفن كما هي موجودة في دعم الغناء التجاري لوصل بصورة أكبر للناس. في المهرجانات الكبيرة في لبنان حيث تستدعى الفرق الصوفية من تركيا وإيران كما عابد عازرية وغيره يحتشد الجمهور. السبب أن هذه الحفلات لها الإعلان الذي يروج لها. كان حظي جميلاً مع الصندوق العربي للثقافة والفنون فهم ساهموا بإنتاج أعشقك أنت، بغير ذلك لما تمكنت من التسجيل.
تركت بلاد الرافدين منذ زمن بعيد ومازال نبضه الفني يسكنك ألم تتضافر ثقافات أخرى بالدخول إلى مزاجك الموسيقي؟
ـ استمرار الألم العراقي يجعلني أعيش في أجواء وطني ككل والموسيقي بشكل خاص. الشجن العراقي يسري في دمي ولست استطيع عنه انفكاكاً. رغم ذلك في أرشيفي أغنيات راقصة من ألحاني، وهي كثيرة. بخلاف قصيدة ودعت بغداد الوجدانية أغنياتي الأخرى فرحة وراقصة. لي ألحان وضعت على إيقاع الدبكة العراقية. لكن الشجن يسكنني. ربما غادرته إلى التصوف، فلم تكن المسافات إذاً طويلة.
كم تعبر الأغنية العربية الحاضرة عن عصرها برأيك؟
ـ نحن نحتاج إلى كلمات تواكب الحضارة إلى حد ما. لكن الظاهر أن شعراء عصرنا لم يتمكنوا من مواكبة الثورة على صعيد المعلوماتية في كتابة الأغنية. نحن نعيش مع مصطلحات الفايسبوك ووسائط التواصل جميعها، لكننا لم نعبر عنها على صعيد الأغنية. فلنسمي أغنية عبرت عن هذا الواقع؟ ربما لم يواكب الشعراء العصر لانعدام علاقتهم بالتطور الحاصل. السؤال لماذا لا نتعلم من القدماء؟ ففي بداية ظهور السينما في مصر غنى سيد درويش 'حرج عليَ بابا ما أروح السيما.. وأقابلك فين'؟ هي جملة معبرة عن مجتمع وحضارة. من يعشقون يلتقون في السينما. فأين نحن من ثورة التكنولوجيا؟
لكن سابين قبل سنوات إبعتلي إيميل وطمني؟
ـ أنا مع هذا النوع من الغناء. يجب على الفن أن يواكب العصر الذي يعيشه.
395 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع