لقاء مع الشاعر و العازف السوري محمد صلاح الدين أبو عيسى
إعداد و حوار:آمنة وناس -تونس
السلام عليكم
وعليكم السلام والإكرام على الأهل الكرام عزيزتي....زرتِ أهلاً وحللت سهلاً
يترجّل بين اثنين، حرف و لحن من العمق نابعين، يرويهما بإحساس طالما سألناه إلى أين، ليأخذنا رحلة في ربوع عالمين، واقع و حلم لذاته عاشقين، إرادته و الأمل خليلين، يزرعا الحاضر ليقطفا له وردتين، شعر و موسيقى لروحه حليفين، ليمنحاه جناحين، فتحلّق بهما ابتسامة و تروي لنا بريق عينين، ليؤكد لنا أنه إنسان هويته ولدت مرتين، من رحم وطن له الولاء ليوم الدين، و من مخاض أدب و فن منحاه اسمين، هو الشاعر و العازف السوري محمد صلاح الدين أبو عيسى.
مرحبا بك سيدي
زرتِ أهلاً وحللت سهلاً غاليتي،مسرور جداً بهذا الإطراء الجميل النابع من قلب شغوف وفكر مرهف وصادق..
س إلى أين تأخذنا أنفاس الإنسان "محمد صلاح الدين أبو عيسى" عبر اللحن و الحرف ؟
ج لطالما كان هدفي ورسالتي التي وددت أن تصل لقلب كل متابع أو قارئ أو مستمع هي مفعمة بالحب والتسامح والسمو،لأن أجمل وأرقّ رسالة تهدف إليها القصيدة أو يوصلها اللحن هي الحب....لأنّه الشعور الحقّ والذي يملأ القلوب راحة كما الموسيقى على سبيل المثال المقام الرائع والمريح ''راحة الأرواح"، وإلى العقل السكينة والطمأنينة والتاني...لأنهما وسيلتان أساسيتان لتصفية البال وتهدئة الأحوال وعلى هذا الغرار الشعر والموسيقى يساهمان في تنمية الإنسان تنمية حقيقية متكاملة،آملاً أن أتابع في هذا النفس في مسيرة تطوير نفسي لتطوير الآخرين وإيصال الهدف والمنال منّي للمتلقي.
س ما طعم النشيد الذي يتبضّعه، من دواخلك، الحرف و الوتر؟
ج نارنج دمشقيّ كما هو مزروع في روحي حصراً،الفرح والتسامح والحب ...أطعّم وتري بالنارنج الدمشقيّ قبيل أن أعزف أي نوتة،لأن نكهته تعادل عطور فرنسا وأضواء لندن...كما أنكّه القصيدة بياسمين دمشقي مزروع على أرصفة قلبي العتيقة كأرصفة أمي دمشق، روحي التي تتسامى في الثانية مرّات، بفضل ما ذكرت سابقا.
س عندما يغيب إحساس العازف "محمد صلاح الدين أبو عيسى" في عرض التقاسيم، ما شمائل شفرة الصمت التي يهتدي إليها الشاعر "محمد صلاح الدين أبو عيسى" ليلاقي ذاك الإحساس؟
ج الشعر والموسيقى سلسلة واحدة متوحّدة، لكن، لا يمكنني القيام بواحدة دون الأخرى ومن هذا المنحى أقول
عندما يضوج وتري ينبع حبري من قلمي، فيسترسل مدادي بالكتابة ليترجم خمائل روحي أبيات وأوزان أشبه هذه الحالة بشرفتين متقابلتين عليها عاشقين أثنين متلوّعين يرسل الواحد منهم قبلة متعبة ليستقبلها الآخر بهمّة وحب.
لطالما أحبُّ الحرف الهادئ والبسيط لإيصال مختلجاتي الداخليّة بنغم بسيط وبحر بسيط.
س "عندما نعزف الموسيقى نصبح نحن الموسيقي"، هذا العمق الملتحم بخلجات الفنان الموسيقي السوري "سليم شحود"، كيف يستطعمه العازف "محمد صلاح الدين أبو عيسى"؟
ج طبعاً أستاذي وصديقي الأكثر من غالي سليم شحّود، هو موسيقيّ سامي النفس ورفيع المستوى وعالي الريتم الموسيقي إطلاقا. فسواء كان المتلقي موسيقي أم سمّيع سيستمتع أولا لقوّة التكنيك الذي يتمتع به في تعامله مع الآلة وثانياً لروحانية التعامل معها، وأنا أؤكّد على الروحانية في التعامل مع الآلة لأنها هي الوسيلة الأرقى والأجود لإيصال النغم السليم والفهيم، وأنا أستمتع موسيقياً جداً عندما يجعل الآلة تخاطبني وأفهمها ببساطة وسموّ.
س يقول الشاعر اللبناني "جبران خليل جبران" "دع روحك تحلق بعقلك إلى ذرى العاطفة، حتى تصدح بالنغم"، إلى أين عبر عاطفة العازف "محمد صلاح الدين أو عيسى"، بين "الأنا" والترانيم؟
ج روحي تسبح في هذه الترّهة كما تسمو نفس القدّيس الناسك في صلاته، وفي هذه الحالة نكون في قمة التسامي الروحاني، ولكن تختلف الطريقة التي نصل بها لتلك النشوة، فطريقتي تختلف عن طريقة أبي، تختلف عن طريقة ذاك القديس الناسك، لطالما أصل وأحلّق إلى سموات العاطفة النقيّة وأسعى جاهداً لذلك لأنها تعتبر في قمة جبل السعادة، العاطفة الصّرفة النقية التي تحدثت عنا، وفي ثغرات هذا الجبل توجد نغمات من قصيدي ولحني تسهّل عليّ الوصول للقمة، وبينما أصل أجمّع من الثغرات حروفي ونوتي لأصنع عندما أصل أجمل الألحان وأبهى الأبيات....جبران خليل جبران هو كجرعة المورفين أثناء التفكير باليأس....حقيقةً لهو القديس الحقً في معبد الشعر والفن والجمال.
س بين الشعر، الفن و الجمال، كيف يحلّق الإنسان "محمد صلاح الدين أبو عيسى"؟
ج الجواب أبسط مما نتوقع....أحلّق بأجنحة الموسيقى والشعر،لا يمكننا فصل هذين الركنين الأساسيين عن حياة الإنسان الشاب محمد ص.أبو عيسى..فهي الأجنحة المثلى والزاد الأهمّ للتحليق في فضاءات الجمال، فلطالما أكون كالنحلة...أحط على ضفة كلّ من الشعر والفن والجمال، أرتشف من رحيق الحب والاهتمام....وأطير...وأحلق حيثما تسمو النفس البشرية..
س"نحن الشباب حصون المجد نحرسها، ونحرس العلم و الأقلام و الكتبا"، ما ملامح هذا الدور، و إلى متى معه؟
ج ملامحه تقصّيتها انطلاقاً من واقع شبابنا الحالي المتدهور الذي لا يبشر بنور آتٍ، وطبعاً لا ألقي على عاتقهم أيّ مسؤولية، فمن النادر أن يفهمهم أحد او يقدر مشاعرهم، ففي هذا العمر بالتحديد، أي مرحلة الشباب بالمجمل جميع مكنونات العمر من عاطفة وقوّة وحب تُختزَن فيه لذلك علينا تكريس جلّ اهتمامنا لمراقبتهم ومساندتهم، وما كان هذا البيت إلا واحد من أبيات القصيدة التي تعجّ بحوافز الشباب...لكي يآمنوا بقدراتهم إيماناً مطلقا، مؤكدّاً بأن الشباب هم حرّاس المجد للأبد وسيبقون يرسمون الأَرَب بحب وبقوة...
س الورق الممزق بالألم، كيف السبيل لرتقه، و الشعور، به الوجع ألم؟
ج بالمجمل عندما نستخدم الورق للبوح نفرّغ داخلنا بمداد أسود على بياض، نمزّق الورقة وكأنها مسحة رسول على قلب كافر كما يقول المثل....عزيزتي الورق يشعر بما يباح فيه ويتأثّر جدا وكثيرا إذا شعر لثانية أنه يستخدم لغرض ليس له.....بالمختصر أقول لكي نشفي الورق، والمعنى عميق جداً في هذه العبارة، علينا أن نعالج أرواحنا التي تهلكه.
س عندما يتبعثر المعنى في دواخل الشاعر "محمد صلاح الدين أبو عيسى"، كيف تهتدي له الذات بين مشاركة و مصاحبة؟
ح لحظات البعثرة هذه وإن تتوه عمّا تكتب أو تبوح، لحظات واجب تواجدها في نفس الإنسان الشاعر لأنها غالباً ما تؤدي إلى سبيل أجمل وأعذب من الذي كان يهتدي إليه للتعبير، في هذه الحالات على الصعيد الشخصي أركب زورقي الورقي لأجول في أرجاء بحور الشعر، منه البسيط الذي يبسط أملي فيه، ومنه الوافر الذي أتوه فيه بانتقاء حرفي وشكله إلى آخره من البحور...وحيثما يرسى زورقي أرسى أنا وحرفي وأستلّ يراعي ليخلط في البحر مداده.
س عندما يمتطي الشاعر "محمد صلاح الدين أبو عيسى" القصيدة، كيف يكبح جموحها؟
ج للأمانة، أنا لم أحاول قط أن أكبح جماح قصيدتي!! أترك الخيل والخيّال يجولون كما يحبّوا في ساحات الحب والأدب والروحانية حصراً، وبإمكاننا القول أنها تكبح ذاتها بذاتها لأنها أساسا ل تتمرد خارج الساحات التي ذكرت سابقا.
س أي الترانيم تضرب مضمار الوجدان عندما تعزفك المحبة؟
ج هي ذكرى من أحب ومن سأحب ومدى مصداقية الذي أقدمه، هي أجلّ الترانيم التي تراودني.
س كيف يتصفّح الإنسان "محمد صلاح الدين أبو عيسى" الأمس، في مجالسته لخواطر اليوم؟
ج أتصفحه من خلال حروفي ونغماتي،أقيّم مدى نشاطي في الأيام السابقات والأيام الحالية وأراجع الأسباب....أتصفحها بقلب مليء بالحب ومتقبّل بشكل كبير للنقد الذاتي أراقب اليوم بشغف بحار ينتظر ميناء الغد.
س تعتقد الفنانة الموسيقية السورية "لمى عرنوق" بأن " الموسيقى هي التي توصلنا إلى نشوة الحلم، وتأخذنا إلى جميع المحطات لنمر بها مشبعين أرواحنا وأحاسيسنا، هي الدواء لكل داء"، إلى كم من سفر يتخللك هذا المعتقد و كيف تتأبط أريجته؟
ج كما قالت السيدة أم كلثوم "المغنى حياة الروح...يسمعه العليل تشفيه"، فعلاً هناك قوة ليست طبيعية تمتلكنا عند سماع الموسيقى أو العمل بها،كتلك النشوة التي تصيب أي شخص فينا عندما يسمع أم كلثوم وهي تسترسل بالآه مثلاً، الموسيقى هي أداة توصلنا على ناصية الحلم وتقاتل عنا حتى تهيئ لنا البر الآمن للإبداع، أوفق السيدة لمى عرنوق على ما قالته تماماً فهي خير مثال عن الموسيقى النقية التي تشهدها بلدي.
س أريد النهوض باكرا، ليغتسل حلمي بصهيل الفجر، ما حدود انصهار هذه الرؤية عبر جنان الحالم "محمد صلاح الدين أبو عيسى"؟
ج سأرمز في قولً صغير فقط...بأني أحب الولادة في كل شيء...حتى حلمي أحب أن أراه مولوداً بين الحين والآخر..
س همس لي العود، بأن للأرض ابتسامة ميلاد، كيف تجادل هذا العبور؟
ج بما أن العود همس....فهو حكماً ماكر....لأن السرّ فيه الأرض ميلادها يقتصر على ميلاد الحياة وميلاد الحياة يقتصر على ميلاد الحب في النفوس...وهنا تقع الطامّة فعلا، إلى جانب ذلك، فالعود غنّى كثيراً لكي تحيى الأرض و تحيى الحياة، فقال للأرض "الأرض بتتكلم عربيé تقول الله، وهنا أعطاها الأمل وأعطاها الكرامة وقدسية الإنسان وخصوصيته كما خصّها بالدفاع قائلاً "الأرض لنا وأنت أخي" مصرّ جداً على وقوفه بجانب الأرض انطلاقاً من إيمانه الكامل بميلاد سعيد بهيج يهيّج الحب من جديد في نفوس البشر.. العود والأرض صديقين يا عزيزتي...العود وأي شيء فيه حياة...أصدقاء..
س سألت الطريق، عن الصديق، قال: هو الذي تذرف عينه دمعتك، و يرسم ثغره بسمتك، إلى أي انطلاق تعتقد أنه أصاب من الحقيقة مرمى؟
ج كما رنّمت فيروز في إحدى أغانيه "ودايماً بالآخر في آخر في وقت فراق"، إلى حد ما من الممكن أن تكون صحيحة لكن لا أعتقد أنّ هنالك خليل يرافقك الطريق كلّه على عكس مثلاً آلتك، على سبيل المثال، الأكورديون لا أظنه مثلاً في وقت حاجتك سيتحجج بأنه مشغول، فهو دائماً في حضنك تحضنه ويحتويك ويترجم رسائلك وأحاسيسك كما العود إلى جانب طبعاً حاجتنا للنفس البشرية، لكن الآلة الموسيقية تجيد الصداقة أكثر، ونحن بحاجة للاثنين أخيرا.
س"سورية المجد شدي العزم واصطبري، نور فجرك من آفاقنا اقتربا"، أين هي سوريا، بين المواطن، الإنسان، الصديق، "محمد صلاح الدين أبو عيسى"؟
ج في القلب....والله عندما نتكلم عن سوريا، ودعيني أخصص عمومّ سوريا كلها بكلمة دمشق تذرف عيناي حباً لجنابها الشريف،هنا فعلاً تختلج الكلمات ففعلاً، أين محمد بين المواطن الحريص والإنسان الرحيم والصديق الذي يودّ أن يعانق طرقات دمشق بأكملها، العمر كله و جلّ سنيّ حياته القادمات دمشق الساحرة التي قالها نزار في جميع قصائده...فتغزّل فيها وقدسها وصادقها و...و لكن، عندما وصل إلى الحد الذي عجز فيه عن أن يوصل مدى حبه لها قال يا شام... يا شامة الدنيا وبهجتها....يا من بحزنك أوجعت الأزاميلا، وددت لو زرعوني فيك مأذنة أو علقوني على الأبواب قنديلا، أجمل من هكذا تعبير، يصمت الحرف ....وأنا بكامل ملكاتي أقولها....راهباً لدمشق.
س لماذا تسألك سوريا عن الغد؟
ج ربما نوعا من الدعوى للوقوف بجانبها...ربما عوزها للأمل، ربما تثق بحبي لها.
س متى يقول السوري "محمد صلاح الدين أبو عيسى" يهمس لي القدر بأن الأقدام ستصل يوما ما؟
دائماً يراودني هذا الشعور عندما أسعى لعملٍ معيّن أو عندما أرى خطوة جديدة ثقافيّة... بلدنا بلد الإرادة والإبداع والتعايش والأقدام الهدّارة كثيرة جداً...و أخيرا حكماً مصيرها الوصول وكما قالت جوليا بطرس"إذا مش هلق يوما ما"
شكرا لك الشاعر و العازف محمد صلاح الدين على حسن تواصلك و رقي لفظك، و إلى لقاء آخر إن شاء الله
كَبرت جداً بك وبوقتك الثمين الذي أهديتيه إليّ وعطرتِه بأريج المحبة والتفاهم والصدق والبساطة....شكراً لك عزيزتي
520 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع