هيام .. الأميرة الناجية من مجزرة الرحاب
الساعة تشير الى الخامسة من فجر ذلك اليوم التموزي القائض ، عندما رن التلفون في غرفة الوصي على عرش العراق الأمير عبد الأله ، صحت زوجة الوصي الأميرة هيام من نومها فوجدت الوصي يتكلم مع أحد الضباط ، وبدأ الأرتباك على وجهه الذي أصفر ، ثم جلس على كرسي يدخن ، ولما سألته : ماذا حدث؟ أجابها بأعلى صوته : أنقلاب.
والأميرة هيام ، هي أبنة أمير ربيعة الشيخ محمد حبيب ، الزوجة الثالثة للأمير عبد الأله الذي كان يتمنى أن يرزقه الله بولد ، لكنه لم يرزق بالرغم من زيجاته الثلاث.
كان زواجه الأول من ملك حفظي ، وهي مصرية الجنسية ، تزوجها عام 1935 وطلقها في العام نفسه ،
ثم تزوج من فائزة كمال الطرابلسي ، مصرية الجنسية أيضا ، تزوجها في عام 1948 وطلقها في عام 1950 .
أما هيام فقد تزوجها في عام 1956 وكانت على ذمته حتى صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958 ، حين وقعت مجزرة قصر الرحاب ، وقتلت العائلة المالكة بأجمعها ، نجت هيام من هذه المجزرة بأعجوبة.
روى الشريف حسين أن الامير عبد الاله اخبره بأنه رأى هيام مرة في قصر الرحاب يوم جائت مع امها لزيارة الاميرة عبدية ، فظن بأن هاجر ومديحة الداغستاني مع الاميرة في غرفتها ، فدخل كعادته ليسلم عليهن ولكنه فوجئ بهيام وأمها حيث كانت حرم محمد الحبيب أمير ربيعة كثيرة التردد على قصر الرحاب ، فهيام سمراء طويلة ذات وجه جميل وشعر طويل ، حلوة عدا أنفها الكبير بعض الشيء .
في عام 1955 ذهب الشريف حسين وأحمد مختار بابان وآخرون الى الحسينية في لواء الكوت ، لخطبة هيام من والدها للأمير عبد الاله ويقال أن والدها لم يكن راضيا في نفسه من زواج الامير لأبنته لأنه كان ينوي تزويجها من أبن عمها قيس بن علي الحبيب ، بينما هي ترفض الزاوج منه لكنه في النهاية لم يرفض طلب الامير فوافق وتزوجته .
أخذت الأميرة هيام تضرب على خدها وتصرخ (يبوووو) ، بينما خرج عبد الأله من غرفته الى أخته الأكبر عبدية ، وتحدث معها باللغة التركية وحدث جدال بينهما ، بينما بدأت الأطلاقات ترمى على القصر وقذائف المدفعية تقصف غرف الطابق العلوي الذي أمتلأ بالدخان ، فنزلت العائلة الى الطابق السفلي ، ثم سقطت قنبلة أخرى ، فطلب عبد الأله من الجميع أن يخرجوا الى خارج القصر ، فخرجوا من الباب الخلفي لمطبخ القصر بهذا الترتيب : الملك فيصل ، ثم الملكة نفيسة ( أم عبد الأله) تحمل قرانا فوق رأس الملك فيصل الثاني ، ثم الأميرة عابدية ، ثم ألأمير عبد الأله ، ومن بعده زوجته هيام ، ثم خدم القصر.
التفت عبد الأله الى الخلف فشاهد زوجته هيام وهي بملابس النوم وكانت مرتديه فستان النوم الستن الشفاف ، فصرخ بها بأعلى صوته: أرجعي ألبسي ملابسك، فامتثلت للأمر ورجعت ولبست وخرجت بسرعه فشاهدت الطباخ التركي في الباب وقال لها تريثي سيدتي ، فلم تسمع كلامه وأندفعت نحو الرتل الملكي وهو بجانب شجيرات الياس ومحاذي الى النافورة ، وهنا حدث الرمي فسقط كل من عبد الاله ونفيسه وعبديه والملك والخادمة رازقيه والصغير اليتيم جعفر ومرافق الملك ثابت يونس والطباخ التركي الذي التحق بالرتل بعد ان شاهد هيام متجهه لهم .
وعند أنتهاء الرمي ، تفحصوا المغدورين فوجدوهم أمواتا ماعدا الخادمه رازقيه والأميرة هيام التي أصيبت بطلقه في ساقها وبالتحديد في الفخذ ، فسقطت على الأرض ، سألها أحد العسكريين المهاجمين لقصر الرحاب : أنتي منو؟
فردت عليه الأميرة هيام : أنا سعاد نافع ، ثم دخلت في غيبوبة.
(سعاد نافع : قريبة الأميرة هيام ، وهي أبنة نافع الساعاتي و زوجة المحامي ناجي جواد الساعاتي).
كان المحامي شاكر جميل يستمع الى الراديو في منزله الكائن في المنصور، وصوت لم يألفه من قبل يذيع بيان الثورة ، ويدعو المواطنين الى الذهاب الى قصر الرحاب و أسقاط الملكية ، أسرع في أصطحاب شقيقه في سيارته الفولكس واكن التي أوقفها في الجهة المقابلة لقصرالرحاب ووقف مع جموع المتفرجين وهم يشاهدون الحصار العسكري الذي ضرب على القصر والساكنين فيه ، وبعد نصف ساعة من القصف المدفعي و رشقات الرشاشة خرج ثلاثة عسكريين يساعدون جريحا ويطلبون المساعدة في تأمين سيارة لنقل المصاب الى المستشفى لكن دون جدوى ، حيث كان الشارع خاليا من المشاة والسيارات ، وتكررت نداءات الأستغاثة ، فتوجه المحامي شاكر جميل بسيارته نحوهم و أصعد الشخص المصاب ، وكانت أمرأة ، تحت حراسة أثنين من العرفاء أحدهما عربي والأخر كردي ، وجلس الثلاثة في الحوض الخلفي ، بينما جلس شقيق المحامي بالمقعد الأمامي.
أنطلق بسيارته مسرعا الى مستشفى الكرخ في محلة الجعيفر ، وعند وصوله اليها وجد أبوابها مازالت مغلقة مما أضطره الى الذهاب الى مستشفى الشعب في جانب الرصافة ، وعند وصوله الى جسر الصرافية الحديدي وجده مغلقا بوجه السيارات بسبب الكتل البشرية التي كانت تروم العبور من الرصافة والآعظمية بأتجاه الكرخ في طريقها الى قصر الرحاب، و عند الجسر هجم عليهم جمع من المواطنين ، فصاح بهم المحامي ( يابه هاي زوجتي وكنا واقفين واصيبت بطلقه) فلم يصدقوه وقالوا انها من العائلة المالكة وهجموا لغرض سحلها ، عندها سحب العريف الكردي بندقيته وبدأ بأطلاق النار فوق رؤوسهم فتفرقوا ، وتمكن المحامي من أجتياز الجسر وأيصال المرأة الى المستشفى ، وعرضت على الطبيب الخفر، حيث بينت له أنها كانت واقفة مع جمهور المتفرجين في الحارثية وأصيبت برصاصة طائشة ، أمر الطبيب الخفر بمعالجتها وأبقائها في المستشفى تحت المشاهدة المستمرة ، وخصصت لها غرفة بأسم سعاد نافع ، ثم عاد شاكر جميل بالعريفين الى قصر الرحاب.
رجع شاكر جميل مجددا الى المستشفى ،حيث شكرته الأميرة هيام على ما قام به وقالت له انا زوجة عبد الاله بنت امير ربيعه وأعطته وصف دار والدها في بارك السعدون ، فلم يتمكن من الاستدلال عليه ، فطلبت منه الأميرة الذهاب الى بيت صديقتها نجاة في محلة البتاويين ، والتي بدورها سوف تدله على بيت أهلها في محلة السعدون كي يتدبروا أمر أخراجها من المستشفى ، وبعد نصف ساعة ، تم الوصول الى بيت أهلها ، وأصطحب والدتها الى المستشفى ، وأستكمل أجراءات خروجها على مسؤوليتها الشخصية ، وخرجت الأميرة هيام بسلام و امان.
تزوجت الأميرة هيام بعد ذلك من أبن عمها قيس بعد مقتل عبد الأله بالرغم من رفضها السابق له ، وعاشت حياتها في مدينة ديترويت ، ثم أكملت ما بقي من عمرها في عمان في كنف الملك حسين بن طلال.
تروي الأميرة بديعة في مذكراتها ، في عام 2001 أتصل بي كبير الأمناء في القصر الملكي في عمان ، وأخبرني أن هيام قد توفيت.
1072 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع