مـعركة هندرين ١٠ مايس ١٩٦٦
القسم الأول
تمهيد
ما كانت معركة هندرين لتحضى بهذا الأهتمام لولا الظروف السياسية والعسكرية وضخامة القطعات العسكرية العراقية التي شاركت في حملة 1966م،وما كتبه عنها السيد جواد ملا، الذي قال أنه رئيس الإتحاد الوطني الكورد ستاني في تركيا في صحيفة القدس العربي عدد 3808 في 15-12-2000م، مستنداً الى ما نشر في كتاب شليمون نكديموا ’الموساد في شمال العراق ومناطق أخرى‘،والذي ضم تقارير بعض ضباط الموساد الذين عملوا في إيران وشمال العراق والذين خصوها بالكثير من المديح والتوصيفات االخيالية حتى أعتبروها كـ’معركة قلعة ‘ديان بيان فو-1956م ‘،التي أنهت الوجود الفرنسي في الهند الصينية وجنوب شرق أسيا ،ولكنها ستظل كأحدى معارك أو صفحة من صفحات الصراع العربي الكوردي في وعلى العراق . وأعتذر وبشدة لتأخري بتقديم القصة الحقيقية لمعركة هندرين لأسباب عديدة منها إنشغالي بكتب ترجمتها وهي جاهزة للنشر و لأنشغالي بالطبعة الثانية لكتابي عن حرب تشرين ولظروف صحية شدية القسوة وأشياء أخرى .
الغاية
رواية قصة معركة ’’جبل هندرين التي عشت أحداثها كاملة ‘‘.
ولقد خاض جحفل لواء المشاة الجبلي الرابع في فرقة المشاة الجبلية الثانية ، ’’لمش جبلي/4،أو بعض أفواجه معاركاً أكبر وأقسى منها حتى و أذكر على سبيل المثال معارك جبل أسـمعيل ’يسمال‘ على يمين نهر ’نال باريس‘، و معركة جبل هيرزلة، على يسار نهر نال باريس والمقابلة لـ’’جبل قاية – وما أدراك ما قاية‘‘فهي كمنارة شاهقة في منطقتها ، ومعركة مدخل مضيق بنجوين الليلية ، و معارك’’قرة داغ‘‘ وما أشرسها من معركة من جهة قضاء جمجمال و اأخرى وبنفس الأسم من جهة السليمانية وفيها’’معركة الربــيئة الرقم ’8‘ وهوسة..... محلاها لو جانت مرة ‘‘، ومعارك قرى طالبان يمين وشمال شرق قضاء جمجمال وهن خمس أوسبعة قرى بنفس الأسم ومعركة، طاسلوجة المطلة على قرية ’چرمگا‘ أو قرية شيخ إبراهيم چرمگا وعلى طريق سليمانية - دوكان من جهة، وعلى الزاب الصغير من جهة أخرى. ومعركة’نهر شيلغا ‘عام 1965م، الجاف في قضاء ألتون كوبري،حيث زارنا يومها وزير الدفاع لواء ركن عبد العزيز العقيلي.
- كنا نسير وخلال معركة ’نهر شيلغا‘على نيسم لا يتسع لمرور أكثر من شخص واحد في بعض أقسامه وعلى حافة قطع حاد ،وكان معنا المرحوم الشيخ محمد عبد العزيز من شيوخ العبيد و غيرهم . ساعد الله جحفل لمش/ 4، لما خاضه من معارك حتى بات من المألوف أننا وحين عودتنا وكالعادة أفواجاً متفرقة إلى كركوك وبعد أن يقال لنا....’بأننا سنحضى هذه المرة بإجازة نرتاح فيها لشهر على الأقل وإعادة التنظيم وتلافي النواقص ‘،حتى أذا وصلنا معسكر خالد في كركوك،نفاجئ وبعد يومين أو ثلاثة بواجب جديد ،أو قد نجد في إستقبالنا ضابط من مقر اللواء- و ذات مرة كان في إستقبالنا مقدم اللواء رائد ركن حازم مصباح الأمين بنفسه لأهمية وسرعة الواجب ليسألنا.....
- كم سيارة حمل سنحتاج لواجب يوم غد في قاطع ما .....لايعلمه الأن إلا مقر اللواء
- أي ليلة أستراحة واحدة و بالكاد نستطيع الذهاب إلى حمام السوق ،في قلعة كركوك لننفض قذارات شهر أو إثنين من المعارك والتجوال الغبي . فكم من معركة خضنا لفتح طريق كركوك - سليمانية في مضيق بازيان ‘. ومعركة‘ آغجلر’ و’توكل ‘و قرية عسكر( موطن ومولد المغفور له فريق ركن جعفر العسكري أب ومؤسس الجيش العراقي بحق . وموطن عضو القيادة الكوردية علي العسكري).
1. كان جحفل لواءنا نوعاً من القوات الخاصة ’’حمال ألوية جواب أودية ‘ وكثير منهن أكبر كثيراً من معركة هندرين .أما معركة هندرين فلشهرتها أسباب أهمها :
أ. عند تسلم أيامها لواء ركن عبد العزيز العقيلي -الذي كان أمراً للواء مشاة جبلي/4،حتى يوم 14تموز 1958م،- منصب وزير الدفاع بدأت بعض الصحف العراقية تتحدث عن نواياه وعزمه لإنهاء حركة ’التمرد‘الكوردي مرة واحدة والى الأبد وذلك بإحتلال مقر قائد الحركة الكوردية ملا مصطفى برزاني في ناحية ’كلالة‘، على طريق أربيل– راوندوز – رايات.وهي منطقة جبلية عصية ويصعب الوصول اليها حتى .
ب. وفاة رئيس الجمهورية عبد السلام عارف في حادث سقوط السمتية التي كانت تقله في ساعات الليل الأولى من قضاء القرنة عند عودته ليلاً الى مدينة البصرة التي كان يزورها صحبة عدد من وزراءه.
ت.كان من خسر المعركة أحد أفضل ألوية المشاة الجبلية وهو جحفل لمش جبلي/4، الذي عرف ببسالة وشجاعة ممتازتين و لكن لكل قدرة حدود و لكل رجل طاقة محدودة للتحمل ولعل معركة أو هزيمة هندرين هذه كانت صرخة صامتة للمش جبلي/4، أن كفى وأتقوا الله يا قادة الجيش العراقي الأشاوس فقد أتعبتم بل وأهلكتم هذا اللواء هذا وكأن ليس في العراق قطعات جبلية غيره .
2. القضية الكورديه
أ.وفي العراق حصراّ- على جانب كبير من الصعوبة ومن يرّ غير ذلك فهو وفي أحسن الأحوال يتهم كل الأنظمة التي توالت على حكم العراق من جهة والقيادات الكوردية معها ومنذ تأسيس العراق عام 1923م وحتى الأن بقصر النظر و سوء التدبير بل و حتى اكثر من ذلك.
ب.الملاحظ أن كل نظام جديد و على الأخص في العهد الجمهوري كان و حال تسلمه السلطة يلزم نفسه بالتوصل وخلال بضعة أشهر الى حل مرضِ وسلمي وسعيد للقضية وسيعيد الى العراق وشماله الغالي بالذات السلام الدائم ويحقق الأخوة العربية الكوردية بل وكأنه –أي النظام العراقي الثوري الجديد - لم يسع الى السلطه إلى لأجل ذلك .
ت.ثم وبعد بضعة أشهر يندلع القتال مجدداّ وتعود إذاعة وصحف بغداد لترديد النعوت القديمة والجاهزة على الدوام ضد ’الجيب العميل‘ و ’العصاة الخونة‘، الانفصالين، عملاء الغرب والصهيونية الخ .. الخ.
3.من السهل تعقيب ذلك منذ مرحلة حكم الزعيم عبد الكريم قاسم ونظام حزب البعث بعد إنقلاب شباط /1963م،وبعده نظام عبد السلام عارف وأخيه عبد الرحمن وبعدهما نظاما أحمد حسن البكر وصدام حسين اللذان ما كانا استثناءً بل قد تمادي صدام حسين كعادته في التطرف حدّ إستخدام الأسلحة الكيمياويه ضد الشعب الـكوردي وداخل الحدود العراقية، وسبق لي وقلت في مقال سابق.....أن ’لو تسلم منصب رئاسة الجمهوريه في العراق كوردي لوجد نفسه وبعد بضعة أشهر أمام أمرين :
أ. محاربة الأكراد .......أو
ب. الأستقالة.
4.يذكر المؤرخ العـسكري البريطاني ’ميجر‘ أيجور أو بلانس في مقدمة كتابة ’ثورة الكورد‘أن ما من حل نهائي للقضية الكوردية ...’ما دام شمال العراق مكون من جبال وسهول
أ. فمتى ما شعر الأكراد بالقوة انحدروا من الجبل وأحتلوا السهول و المدن والقصبات، فينتبة النظام في بغداد فيركز أو يحشد قواه لإجبارهم على تسلق الجبال ثانية وهكـذا دواليك...‘‘.
ب.وهذا يعني و بعبارة أخرى أن مطالب وشروط الطرفين أما صعـبة الإدراك أو أنها تتغير حسب مقتضى الحال وصعوداً وأكثر حدة وتطرفاً من الجانبين في كل مرة. والأقوى يستأسد دائما في مطالبه.
ت.والنتيجة الأكيدة لكل جولة مواقف وحسابات جديدة و إزهاق المزيد من الأرواح و تدمير الكثير من العمران وإنفاق المزيد من ملايين بل مئات الملايين من الدولارات (بعد شطب الدينار العراقي من قوائم العملات المعترف بها و المتداولة) ويعم الخراب والطرق في المضمار الحضاري
ث. ولايمكن وبصراحة فهم إصرار الطرفين على مواصلة القتال وبهذا الشكل الدموي والإصرار دون التنبه لعدم جدواه وأنه بلا نهاية ذات جدوى ولا لعدوانيته الشديدة ولا لنتائجة المدمرة وعلى جميع المستويات من قتل ودمار وتعريض العراق وشعبه لويلات صارخة من أجل غايات عبثية .
ج.أنا لا أقول لننسى حقوقنا القومية ولا أراضينا السليبة ولا لنتخلى عن الكرامة والوحدة بل لنفهم أن الجهل والأمية لن تبنيا وطنا ولا تصنعا حضارة وما زال يصح فينا ونحن في القرن الواحد والعشرين شعار (إفتح مدرسة تغلق سجنا) .،وألا بد في النهاية من الإحتكام الى العقل والمنطق و لو حتى بالأستعانة أو توسيط طرف أو أطراف مقبولة من الطرفين .
5 .ولعل أهم ما قادني إلى كتابة هذه الورقة نقطة أو قضية عسكرية عن الجيش العراقي،أثارها السيد جواد ملا( رئيس المؤتمر الوطني الكورد ستاني في تركيا) في القدس العربي عدد 3808 في 15-12-2000م، حول’معركة هندرين‘ أوما أسماه بـمعركة ’ديان بيان فو كوردستان ‘،والهزيمة النكراء للجيش العراقي.....ومضيفاً بعد ......’’علماً أنه كانت القوات العراقية تزيد على ثلاثين ’30‘ الف عسكري عراقي مقابل أقل من ثلاثة الاف كوردي‘.
أ.كما وصفها ’محمد إحسان ‘،في كتابة ’ كوردستان ودوامة الحرب‘ و نقلا عن كتاب ’رينيه موريس كردستان الموت ‘.بأنها ’هزيمة عسكرية لا مثيل لها في تاريخ الجيش العراقي ص- 60 ‘.
ب.كذلك كتاب ’الموساد في شمال العراق‘،لـ’ شليمون نكديمون‘،وهو مترجم من العبرية وعنوانه بالأنكليزية A Hopless Hope ،والذي لم ينسى مؤلفه أن يذكر تلك ’الهزيمة النكراء التي حلت بالجيش العراقي‘، و ......كان قائد الثوا ر الأكراد في المعركة: فاخر محمد البرزاني ( لعله يقصد فاخر ميرگه سوري) الذي أرسل قوة قوامها ’ثلاثين مقاتلاً ..‘تحت أمرة ’الرقيب يونس‘ بحركة إلتفاف واسعة بهدف إحتلال مقر قيادة اللواء والإمساك بقائده حيا لأسباب نفسية وأستخبارية ، ص -53،
ت. وقد قامت القوة بذلك، بيد أنها لم تستطع إلقاء القبض على ( أمر اللواء) حياً،ولولا ذلك لما تمكن أمر اللواء من الهرب. وقد قٌتل الرقيب، المطارِد..!؟،أي رقيب يونس وهو على بعد عشرات الأمتار فقط من إلقاء الـقبض على أمر اللواء .
ث.أستغرقت المعركة ساعه كاملة لم يبق في نهايتها أي جندي من جنود العدو على قيد الحياة بإستثناء خمسة أسرى وبعض الجنود الذين تمكنوا من الفرار( ص 154) .
ج.ففي جوهر وسياقات عمليات الهجوم في حرب العصابات أن تبدأ تعرضها وحال سنوح الفرصة بزج عدد قليل من مقاتليها خوف الوقوع في كمين أولاً ثم للإستطلاع وفهم الموقف عن قرب، ومن ثم تبدأ تضخ أو تزج بالمزيد من مقاتليها حتى نهاية الشوط والذي غالباً ما تحدده هي ولأسباب عديدة لعل أهمها وصول نجدات للقوات النظامية أو نجاحها بإستعادة السيطرة على الموقف . ولم أفهم سبب توقف عناصر الحركة الكوردية من عن مطاردة السرايا والربايا التي أنسحبت من على سفوح جبل هندرين ولا أجدد أي مبرر لذلك.
ح. وبالمقابل لمّ لمْ يحاول قادة العملية في حينه ولا حتى مجرد التفكير بإستعادة المواضع التي خسرناه بهجوم مقابل تشنه في نفس اليوم أو الليلة بعد ما أتضح لهم ألا نية للطرف الأخر بمواصلة العملية ومضاعفة إنتصاره بالغ السهولة .
6.لعل الرئيس عبد الرحمن عارف رحمه الله لم يشأ أن يبدأ عهده بمعركة أو حملة عسكرية لما عرف عنه من طيبة وروح مسالمة أو لعل بعض مستشاريه أشاروا عليه بإعطاء السلام مع الأخوة الكورد دفعة ود أخوي .
أ.وكنت بصدد جمع المصادر لتوفير أكبر قدر من المعلومات من جهة و للحـصـول على خريطة لميدان المعركة تظهر فيها العوارض الأرضية العديدة والمهمة ( وكلها جبال شاهقة وكما سيرد وصفها) تحيط حوض وسهل ديانا وقضاء ’راوندوز‘، في محافظه أربيل.لإشارة ولما أولاه الأستاذ جواد ملا انف الذكر.
ب.كذلك لإشارة نقيب صحفي العراق الأسبق فيصل حسون في ’شهادات عـلى هامش التاريخ‘ نشرت في صحيفة ’القدس العربي، ‘ وفترة تولي العقيلي ،والذي يَنسِب إليه كتاب الموساد في العراق عبارة وضعت في غلاف الصـفحة الأخيرة تقول لقد ’’بدأت تتبلور في شمال العراق إسرائيل ثانية ‘‘.
ت.أما ما دفعني أكثر بعد للتعجيل بالكتابة عن معركة هندرين كصفحة في تأريخ الجيش العراقي،فهو مشاركتي الفعلية فيها وكأحد أمري سرايا الفوج الأول لمش جبلي/4، ولأعبرعن تقديري الكبير بهذا اللواء والذي خدمت في أفواجه الثلاث رغم أنني من ضباط الصنف المدرع ولكن بسبب نقلي الى وحدات ذلك اللواء الجبلي كلما غضب علي حكام بغداد فأُنقل وكعقوبة لي من ضابط درع إلى وحدات المشاة الجبلية والى جحفل لمش جبلي/ 4،بالذات.
القسم الثاني
معركة هندرين 8- 10 مايس 1966
الموقف السياسي:
1.عمر القضية الكوردية في العراق أطول من عمر العراق الحديث و الذي أبتدأ بتأسيس الدولة العراقية عام 1923م ،وتجنبا للإطالة سأمر سريعاً على بعض جوانبها في العهد الجمهوري تمهيدا للوصول إلى حملة عام 1966م ومعركة هندرين.
أ.أولت النظم السياسية/الانقلابية في العراق الحركة الكوردية أهمية خاصة في برامجها، وكانت على الأغلب تبدأ عهدها أو حال سيطرتها على الحكم بإطلاق الوعود بإنصاف الأخوة الأكراد، أو(شعبنا في الشمال) أو منطقة الحكم الذاتي فيما بعد بما ينسجم وتطلعات الشعب الكوردي القومية ،ثم وبعد أشهر تطول أو تقصر، ينتهي شهر العسل ويحتكم الطرفان إلى السلاح ويعلو هدير المدافع وقصف الطائرات وتتراجع الجهود و الوسا طات السلمية- دون أن تموت- بين مد وجزر أو حتى وقوع إنقلاب عسـكري جديد.
ب.عملت بل ونجحت الحكومة العراقية عام 1947م،وبعد أن يأست من التوصل الى حل على وضع حد لتمرد البرزانيين بقيادة ملا مصطفى برزاني وضمنت موافقة الحكومتين التركية و الإيرانية مقدماً بغلق حدوديهما بوجه البرزانيين الذين لم يجدوا أمامهم سوى الأتحاد السوفيتي حيث أقاموا حيث سٌمحَ حتى عام 1958م .
ت.وبعد ثورة،إنقلاب14تموز1958م،أصدرالحزب الديمقراطي الكوردستاني (البارتي) في 16تموز 1958م،بياناً دعى فيه الى ’...تقوية الحركة التحررية للشعب العربي وتحرير العراق من الحكم الملكي وقيام نظام جمهوري حر يكون ضمانة للأعتراف بحقوق الشعب الكوردي ‘.
ث. ثم قابل وفد الحزب برئاسة سكرتيره أبراهيم أحمد يوم 27/تموز، الزعيم عبد الكرين قاسم وأنتهز الفرصة بعرض مطالب حزبه والتركيز على حقوق الكورد المضطهدين وعلى وجود قوميتين عربية وكوردية في العراق ولفت النظر الى أن أي تقدم للعراق في علاقاته مع دول عربية يجب أن يرافقه توسيع في حقوق الكورد القومية بحيث تكون لكل خطوة تخطوها القومية العربية نحو أهدافها أقتراب بنفس الوقت للقومية الكوردية من أهدافها.
ج.أرسل ملا مصطفى برزاني رئيس حزب البارتي رسالة من براغ عاصمة (جيكوسلوفاكيا )سابقاً عبر فيها عن دعمه للجمهورية وطلب العفوعنه ومن معه، فوافق الزعيم عبد الكريم قاسم على طلبه كما وافق على سفر وفد الى براغ لمرافقة ملا مصطفى في عودته الى العراق ،و حين أقترح عليه بعض الضباط التريث حتى يستتب أمن الثورة ،ردَ الزعيم عبد الكريم قاسم بقوله ’كفى الأكراد ما أصابهم‘‘ .
ح.جرى إستقبال شعبي حافل لقيادة وعناصر الثورة الكوردية ( وهم ما بين’ 400- 700‘ على إختلاف الروايات وحضي ملا مصطفى البرزاني بمكانة خاصة جداً فخصص لسكناه دار دار نوري السعيد كما كانت تعرف علي نهر دجلة وفي واحدة من أجمل بقاع بغداد .
خ.وتوج الزعيم عبد الكريم قاسم مساعيه في إزالة ما لحق الكورد من ظلم في العهد الملكي فأقر دستوريا أنهم شركاء في جمهورية العراق ’ جمهورية العرب والكورد والتركمان والقوميات المتأخية الأخرى‘... لكن وفي عام 1961م ،علمنا أن ملا مصطفى برزاني ،قد تسلل إلى شمال العرا ق وإلى بلدته ’برزان‘بعد أن بات من المتعذر عليه حتى رؤية الزعيم عبد الكريم قاسم .
2.وفي عام 1961م ،بدأنا نسمع أن حكومة بغداد والقيادة الكوردية بدأتأ بتحشيد قواتهما وأن الصراع المسلح ليس بعيداً ما لم يعلو صوت الحكمة والمنطق - وما كان أضيعهما في عراق الرافدين.وتؤكد بعض المصادر ومنها ما ورد في الهامش ’4‘ أعلاه كما يمكن تلخيص الصراع بيين عبد الكريم قاسم وملا مصطفى برزاني ، أن الزعيم قاسم كان البادئ بمد يد العون الى ملا مصطفى الذي بات عليه أن يساند الزعيم في مواجهة القوى القومية العراقية التي عارضت حكمه جملة وتفصيلاً ،أما ملا مصطفى فقد أنتظر من صديقه الزعيم عبد الكريم قاسم أن يطلق يده حاكماً مطلقاً ليفعل ما يشاء في شمال العراق بما في ذلك تصفية أعداءه وعلى رأسهم الشيخ أحمد الزيباري الذي أعترف ملا مصطفى أمام الزعيم عبد الكريم قاسم بتصفيته بعد أن وصفه بـ’الخائن‘،وفي تناقض كهذا لا يمكن أن يستمر الصفاء في العرقات .
أ.لم يكن من الصعب القول أن ما رآه الزعيم عبد الكريم قاسم في حقوق الكورد هو الحد الأعلى الذي بوسعه الذهاب إليه بينما لا يمثل ذلك من وجهة نظر الطرف الأخر سوى أقل من الحد الأدنى الذي يمكنهم قبوله و لو على مضض أو مرحلياً على الأقل، وأن حقوق الشعوب ليست هبة أو من عطايا السلطة لبعـض رعاياها.
ب .وإزاء تزايد أستعراض القوى قرر’متصرف‘، لواء أربيل العميد بدر الدين علي ،في مايس أو حزيران 1961م،البدء بتوجيه قوات من الشرطة المحلية ضد ما وصف بـ’’تجمعات مسلحة تحاول العبث بالأمن في ضواحي أربيل ونواحيها‘‘، مستنداً في ذلك للصلاحيات التي يخولها قانون إدارة الألوية (لمتصرفي الألوية ) بفرض وإستتباب الأمن ولكن ليس بدون موافقة مسبقة من الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان يمسك بكل السلطات بيديه.
ت .في يوم 9/ أيلول 1961م، شن لواء مش جبلي/3، بقيادة عميد مشاة علي العاملي،أول عملية عسكرية ضد الكورد في العهد الجمهوري لفتح طريق كركوك –السليمانية الذي قطعه الكورد في مضيق بازيان ، فكانت الشرارة الأولي التي لا تنطفئ إلا لتعود من جديد حتى يقضي الله أمر كان مفعولا ويعلو صوت الحكمة والمنطق.
ث.توقفت العمليات العسكرية بعد معركة مضيق بازيان الموجعة والتي شتت أنصار الحركة الكوردية الى العام التالي 1962م، وبعدها شن الزعيم عبد الكريم قاسم حملة شعواء ثانية وقد نقلت فرقة المشاة/1،من الديوانية الى الموصل وتولى مقرها الأشراف وإدارة العمليات في محافظتي الموصل ودهوك،.
قوة وعنفوان الحركة الكوردية
3. أسجل هنا ملاحظة أو سؤال خطر على بالي منذ سنين ليست قليلة وعجزت حتى الأن عن العثور على أجابة مقنعة له وخلاصته :
أ.كانت الثورة أو التمرد الكوردي في شمال العراق ينحصر في منطقة محدودة وصغيرة حتى كـ’قصبة برزان‘-وهي أخطرهن وأكثرهن تكراراً -أو قضاء عقرة أو الشيخان أو راوندوز أو’ أغاوات بيشدر‘ في قضاء ’قلعة دزة‘ أو بين العشائر نفسها كالبرواري والزيبار و(العشائر السبعة )والهركية و الصوفية وغيرهم .
ب.أما بعد أيلول 1961م ، وبعد فترة هدوء أستمرت طوال العام ثم بدأت العمليات العسكرية تمتد وتدريجياً من لواء (محافظة) ديالى في شرق العراق وحتى بلدة عين زالة في محافظة الموصل شمال غرب العراق،و كانت جميع الطرق الرئيسية وهي بحدود ثمانية طرق من والى الموصل تغلق ليلاً لصعوبة توفير الأمن للسابلة المدنية والعسكرية على جميع الطرق في المنطقة الشمالية ليلاً.وكنت قد نقلت ايامها كأمر فصيل إنضباط لموقع أومعسكر الموصل .
ت.و لا أريد التقليل من وعي وقدرات الشعب الكوردي في العراق ولا إستحالة حدوث شيئ كهذا ولكن تركيزي على كيفية حدوث ذلك ومراحله وسياقاته .
ث.كان ملا مصطفى برزاني قد أطلق شعارا ظل شديد التمسك به حتى النهاية وهو.....’الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي للأكراد‘- وكم كنا و ما نزال بحاجة شديدة لتحقيق ذلك فعلاً – .
ج.لم يكن ملا مصطفى معنياً بغير أكراد العراق فهو لايهتم بأكراد تركيا وإيران لإسباب لم يكشف عنها ولكن ذلك إن صح فله دلالات .كما جاء في مذكرات بعض الصهاينة قولٌ لإحدهم وفي معرض أستعراضه لتعند وصلابة ملا مصطفى بأنه ’ يرى أن حقوق الأكراد لن تتحق دون تعاون بغداد‘‘. وقد تجددت هذه الإتصالات و المساعي والمفاوضات ولكن دون طائل،إذ من الصعوبة بمكان كسر التعادل أو الخروج كما يبدو من بين براثن وسلاسل قطبي الحد الأعلى و آعلى ما يمكن لحكومة بغداد الموافقة عليه، والحد الأدنى الذي يقبل به الطرف الكوردي.
ح .أعتقد أن للمرحوم ملامصطفى مكانة هامة في تأريخ العراق و القضية الكوردية ولو تفهمت الأنظمة العراقية بعض مواقفه وتوجهاته لربما تغير تأريخ العراق وتأريخ القضية الكوردية وفيما يلي بعض مما نشر عن ملا مصطفى:
أولاً . يطالب بالحكم الذاتي للإكراد وبالديمقراطية للعراق،على أن تظل الشؤون الخارجية والعسكرية بيد حكومة مختلطة .
ثانياً .أن فكرة كوردستان الكبرى لم تخطر بباله ولم يحلم بها .
ثالثاً .لا علاقة بالثورة في شمال العراق بتركيا وإيران وأننا لا نحارب حكومتي تركيا وإيران،وسيكون الأكراد في الدولتين بحال أفضل لو أنهم حلوا مشاكلهم معهما .
4 .حين سقط نظام عبد الكريم قاسم في إنقلاب/ثورة حزب البعث العربي في 8/شباط/1963م.وكان حزب البعث قد أجرى إتصالات مسبقة وخاصة كما يبدو مع بعض القيادات الكوردية مع وعود بالوصول إلى حل يضمن لهم الكثير مما يطمحون اليه .
ح.وقد لخص موقف بغداد بعبارة قالها أمامنا رئيس أركان الجيـش المرحوم الفريق طاهر يحي في محطة قطار’باب الشيخ‘ في بغداد في 9/4/ 1963م، في وداع كتيبة دبابات خالد التي كنت أحد منسبيها ،فقال ’قلت لملا مصطفى‘، لدي عشرة ملايين دينار،‘ فأما أن تقبلها لإعمار ما خربته حملات عبد الكريم قاسم أو سنشتري بها أسلـحه وأعتدة لحملات أتية ....‘‘.
خ .ومع بداية نيسان1963م، بدأت حملة عسكرية مدوية وأتخذت طابعاً شديد الخشونة (جيش وقوات مشتركة وقوات عشائرية و حملات إذاعية و أناشيد حماسية وكأننا في حرب مع المغول أو التتر) و بعد أن كان الزعيم عبد الكريم قاسم قد أكتفى بقطعات الفرقتين (الثانية الجبلية و الفرقة الأولى مشاة سهول)، حشدت بغداد معظم قطعات الجيش وفي حسبانها أن ينتهي التمرد أو العصيان خلال أسابيع،إلا أن حكم حزب البعث أنتهى في تشرين الثاني 1963م.
4.ثم تسلم عبد السلام عارف أواخر عام 1963م، السلطة الكاملة ودخل في هدنة مع الثورة الكوردية، ولكن لبضعة أشهر فقط فهو أو عهده ليسا أستثناءً ،وظلت القطعات العسكرية في معسكرات شتوية موزعة في شمال العراق. مع إبقاء سيطرتها على القمم ومفارق الطرق والمضائق المهمة حيث أنتشرت الربايا العسكرية بحجوم وأسلحة مختلفة وحسب أهمية وسعة المـكان.
أ.في ربيع أو بداية صيف 1964م، تم سحب بعض قطعات فق مش جبلية/2 ،إلى معسكراتها الدائمة، اللواء/3، في أربيل،ولواء/ 4، في كركوك ،ولواء/5،في الموصل،لإعادة التنظيم والتدريب، والراحة. ونفذ لواء مشاه جبلي/4،مناهج تدريب مكثفه أعدها وأشرف عليها عميد ركن زكي حسن حلمي أمر اللواء الرابع آنذاك.
ب.وفي يوم 1/ نيسان- 1965م، زار الرئيس عبد السلام عارف بعض قطعات كركوك والقى خطبة حماسية في قاطع اللواء الرابع وكعادته أسترسل في الحديث بلهجته العامية عن ضرورة فرض الأستقرار والأمن في ربوع الشمال الحبيبة ثم سأل بعض القريبين منه من الجنود عن فطورهم الصباحي لذلك اليوم، وهل هم سعداء بالإضافات الجديدة؟ فقد قرر سيادته إضافة الحليب والبيض والفواكه إلى أرزاق ضباط الصف.
ت.وبعد أن ترك كركوك تحركت القطعات إلى نقاط إنطلاق أو أماكن تجمعها الأمامية قرب مواقع مهامهم المقبلة،وكان نصيب اللواء/4،القاطع الممتد ما بين كركوك والسلـيمانية. ومن الأخيرة باتجاه شمال شرق نحو قضائي بنجوين وحلبجة، و شرقا نحـو ناحية وحوض وسد دوكان، وقلعة دزه، ورانية، وكويسنجق، ثم أضيف إليه واجب أخر في سلسلة جبل (قرداغ) شديدة الوعورة والقريبة جداً من السليمانية وأستمر على هذه الحال حتى الشتاء دون توقف هذه المرة.
5. بعد تسلم لواء ركن عبد العزيز العقيلي وزاره الدفاع أعلن صراحة عن عزمه على إنهاء التمرد الكردي إلى الأبد وانه سيذهب بنفسه إلى الشمال للإشراف على تنفيذ الخطط التي أمر بإعدادها ، ومن بين ما وصل أسماعنا أنه سبق له وأن أعلن عن إستعداده –أو أنه أبلغ- الرئيس جمال عبد الناصر ضرورة أن ينزل -أي العقيلي -إلى الشارع ويشتم عبد الناصر من أجل الحصول على تأييد ايران وحلف السنتو له بضرب مصطفى البرزاني وكأن السياسة الدولية مجرد أحلام وأماني وأن إيران والحلف المركزي ’السنتو‘ سيصدقون أقوال العقيلي أو يوافقوه لسواد عينيه فقط .
أ. وذات يوم من صيف عام 1965م، هبط علينا في الفوج الأول لمشجبلي/4، سمتية كانت تقل لواء عبد العزيز العقيلي ومعه لواء ركن إبراهيم الأنصاري قائد الفرقة الثانية في قاطع نهـر شلغا شمال شرق طريق كركوك - التون كوبري- أربيل،واذا به يقول وبشيء من العصبية الطفولية.... ’ لماذا هذا التوقف - تحركوا أجمعوهم (الثوار الأكراد) من هنا ومن هنا، وهو يؤشر بيديه،لا تظلوا ساكتين‘.
ب.كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها ’العقيلي‘ عن قرب كقائد عسكري، فلم أصدق ما أرى وأسمع فقد كان على عكس ما سبق وأن عرف عنه،وعن شخصيته القوية وخبراته ،فلا حول ولا قوة الا بالله ومع ذلك فلا يجوز الحكم على إنسان مثله من نظرة واحدة.
ت. فماذا يريد هذا الرجل؟ أم .....هل هكذا تدار العمليات في الحروب الجبلية. ولو أن سيادته جمع الآمرين وحتى الشباب فيهم وحاول معرفة أراءهم وهمومهم ومقترحاتهم لكان أكثر واقــعية وتدبيرا، ولكنها الأبراج العاجية التي يكره الكثيرون منا النزول منها. أم كأن الصراع في العراق مسرحية من فصل واحد فما أن يسدل الستار عليها حتى يفتح بنفس المشاهد ولكن مع ممثلين ومخرجين جدد والنتيجة معروفة ، إزهاق المزيد من الأرواح، وتبديد ثروة بلد يعد من أثرى بلدان العالم يقطنه أفقر شعوب العالم، و ليذهب عمران البلد وتقدمه وحضارته إلى الجحيم.
6. أما الأسباب فهي وعلى كثرتها معروفه، وما من طريق للخـوض فيها الآن، وإختصاراً أذكر يوم كنت ملحقا عسكريا في لندن أني أستدعيت لمقابلة مسؤول كبير في أستخبارات وزارة الدفاع البريطانية وقد عاجلني بسؤال :
- متى تنتهي حربكم ضد الأكراد.....؟.
فقلت:
- ومتى تنتهي حربكم في إيرلندا؟؟ فقال
- أتعر ف عمر القضية الإيرلندية ...أربعمائة عاماً.فقلت
- ويبدو أنكم تريدون إضافة أربعمائة أخرى .ثم أضفت قائلاً
- يا سيدي لست سياسياً ولا مخولاً الخوض في الشؤون السياسية ناهيك عن الوصول إلى قرارات فيها، ولكنـي أوكد لك أستعدادي للحصول على موافقة رئيس جمهورية العراق الرئيس أحمد حسن البكر على أي حل تتستطيع إقناع القيادة الكوردية به.
- فرد علي وبالمقابل قائلاً أنه.... سيقبل أي حل أستطيع إقناع ثوار إيرلندا الشمالية على قبوله.
أ.الغريب في منهج وزير الدفاع العقيلي كان إعلانه المسبق عن مخططه ومواقع الضربات أو الحملات التي سيوجهها وهي قطعاً على مقر ملا مصطفى البرزاني في ’كلالة ‘أولا وللسيطرة على الجزء الممتد من راوندوز إلى الحدود الإيرانية من الطريق الاستراتيجي أيام الحرب الباردة (روسيا-ايران -العراق- سورية والابيض المتوسط) لقطع خطوط إمداد الحركة الكوردية من ايران والغرب بل وحتى من دول غير الغرب ولا أستثني بعض الدول العربية وفي فترات وأشكال مختلفة.
ب. أما بلدة برزان فقد أعتبرت منطقه حياد إذ هي دار إقامة الشيخ أحمد برزاني الشقيق الأكبر لملا مصطفى ولم يعلن شيخ أحمد التمرد على حكومة بغداد كما أحترمت بغداد بدورها حياده هذا،وأحترمه أخيه ملا مصطفى أيضا.
ت.والملفت للنظر انه وإلى جانب العمليات العسكرية فقد كانت الإتصالات المباشرة ووساطات مستمرة بين الطرفين وأحياناً بين بعض الأحزاب و الحركات السياسية العراقية التي كان لها مواقفها الخاصة من القضية الكوردية، ومن أشهر تلك الاتصالات ما تولاه السيد قاسم حسن سفير عبد الكريم قاسم إلى الهند وجيكوسلوفاكيا، و سفيره في مهام خاصة.
وكذلك ما يقال عن دور الوسطاء السادة فؤاد عارف وكمال طاهر وبابا على و عبد الكريم القرني ومكرم الطالباني و غيرهم .
معركة هندرين
7.وصف الارض وساحة العمليات
أ.قاطع أو مساحه العمليات عبارة عن حوض بيضوي واسع تحيط به جبال شاهقة على كامل محيطه، فبعد إجتياز قضاء شقلاوة يمر الطريق العام أسفل أو جنوب جبل حرير ( 4500) قدم عن مستوى سطح البحر ثم يجتاز هذا الجبل في مضيق سبيلك لينحدر بعدها إلى وادي (آلانه) و(ناحية خليفان) ومضيق (كلي علي بيك) وهو من أوعر المضايق الجبلية في المنطقة بل وفي العالم.
ب.يبدأ الحوض البيضاوي أنف الذكر بعد الخروج من المدخل الشمالي لمضيق (كلى على بيك) فتنفتح المنطقة فيما يعرف بسهل (ديانا)، فهناك و على اليمين جبل كورك (6978) قدم ثم وبعده وإلى اليمين جبل هندرين الواسع الجبهة والمتعدد القمم، وأعلاهن (8724) قدم وإلى يسار المضيق جبل زوزك (5000) قدم، وإلى شماله قمة (سر حسن) الشهيرة (8264) قدم وهي أعلى قمة ترى في المنطقة وتشرف على القاطع كله و إلى يسار هما مجموعة مرتفعات اطلق عليها أسم (ظهر السمكة) وبعدها جبل ‘قلندر 6024 ’قدم ويسيطر على طريق ميركه سور وهو مقر حزب العمال الكوردي التركي بي بي كي في المنطقة حتى الأن ، بعده نعود يسارا إلى مضيق ( كلى على بيك) من جهته اليسرى حيث جبل نواخين- 6791 قدم، لنغلق الدائرة أو الحوض البيضاوي،.
ت.ويمر وسط هذا الحوض و من الجـنوب الغربي إلى الشمال الشرقي جزء من طريق راوندوز– رايات الدولي أنف الذكر والمـقترب الرئيسي للاتحاد السوفيتي السابق إلى البحر الأبيض المتوسط،
صورة بالاقمار الصناعية لقاطع عمليات راوندوز حيث تظهر عارضة هندرين وزوزك بوضوح
ث .لذلك حُدِدَت مهمه الجيش العراقي في حسابات الغرب أو حلف بغداد بالاحتفاظ بفرقتي مشاه جبليتين تتوليان عرقلة تقدم القوات السوفيتية لمدة ’48‘ ساعة لحين وصول القوات الأميركية لتسلم مسؤوليه القتال .
ج.تقدم أرض الـقاطع ومضائقه و مساعدات هائلة للجانب المدافع وتجعل مهمة أختراقه بهـجوم مباشر في غاية الصعوبة و البطء، أما في عراق اليوم فقد تحول هذا المحور إلى طريق إمداد رئيسي بل وأساسي للحركة الكوردية إذ كانت تتدفق عليه المساعدات الإيرانية والغربية و الإسرائيلية إن صدقنا ما ورد في كتاب (الموساد في شمال العراق).
ح. وبالذات ما يخص منها وصول مدافع (25 رطل ) من إيران ومداها القتالي’ 7.5- 8كم‘ ومدافع هاون 4.2 عقده التي أستخدمها الأكراد أيام معركة هندرين في القاطع وبضراوة لقصف القطعات العسكرية المحتشدة في حوض وسـهل ديانا قبل معركه هندرين. وكان الراصد المدفعي الكوردي (ضابط رصد أمامي) يدخل على شبكة الوحدات التي تتعرض للقصف ويطلب منهم رأيــهم في دقة الرمي كما يطلب منهم - ساخراً- تصحيح معلومات الخريطة كي تكون الإصابات أكثر دقة.
8.أما جبل(عارضة)هندرين،فهو وبالإضافة إلى وعورته وكون قمته أعلى قمم الحوض ’8724‘، قدم،ويمتاز بإتساعه وعرض جبهته من ناحية، و يبدو للناظر اليه من بعيد وكأنه قطعة واحدة تقريباً ويتدرج صعوداً من السفح أو حضيض الجبل عند مدينة راوندوز، وحتى قمته الجرداء أنفة الذكر، فلا توجد أو لا تبدو للناطرفي هذا القاطع لا قمم متقابلة ولا وديان ولا قطـوع تحول أو تقسم الجبل إلى عدة جبال، بل يظل قطعة واحدة فإما أن تكون في، أو تسيطر على قمته العليا، أو تتقبل الكثير من المخاطر.
أ. يضاف إلى كل ذلك أن الجبل مُشجِر، بل وكثيف الشجرجداً في الكثير من أقسامه وحين تتسلقه ستجد كثرة الطيات أو التموجات الأرضية بحيث يتحدد الرصد وحرية العمل إلى حد كبير، مما يسهل على المقاتلين الأكراد الأقتراب كثيراً من الربايا العسكرية دون أن يراهم أو يحس بهم أحد.
ب.يتصل هندرين من جانبه الأيمن مع جبل ’كورك‘ عبر عارضة ( بيخال) التي تشكل نقطه إقتراب إلى الجبلين معا وكذلك قصبة أو قضاء راوندوز من جهة، ومضيق ’كلي علي بيك‘ وطريق ’هاملتن ‘ الشهير، إلا أن كورك وبيخال وراوندوز كلها كانت خارج ميدان المعركة.هناك عدة قرى وبلدات صغيرة أهمها ناحية ديانا و(بافستيان) و(باليكان) وقلعة ( كورباشا)ومن العوارض المهمة كذلك (وادي الموت) أو(روبار راوندوز).
خطه العمليات
9.أطلق المقر العام (دائرة الأركان العامة) الاسم الرمزي (توكلنا على الله) على خطة العمليات وهي من (خمسة) صفحات كانت معركه هندرين و معركة جبل (زوزك)هما من أهداف الصفحة الأولى، وتتوالى الصفحات حتى الحدود العراقية- الإيرانية.
وخصص جبل هندرين هدفاً للمش جبلي/ 4، وجبل ’زوزك‘ للمش جبلي/5،بقيادة المرحوم عقيد سعيد حمو .
أ.خصصت قطعات الفرقتين الجبلية الثانية والاولى ( مشاة سهول) كقوة أساسيه وأمامية لإحتلال القمم والأهداف المهمة ومن ثم تسليمها لقوات أخرى لتتقدم هي من جديد لإحتلال أهداف الصفحة الثانية، وقد خصص رتل من مشاة السهول للتقدم على الطريق الرئيس لتطهيره والسيطرة عليه ولتأمين تدفق الأسناد الإداري للقوات التي على القمم .
ب.وقد أكد لنا مصدر موثوق جداً وضابط برتبة كبيرة أن الخطة بكاملها قد وصلت إلى السلطات التركية ، فتولت الحكومة التركية إبلاغ العراق بذلك إلا أن وزارة الدفاع العراقية – وكما قيل لنا -أصرت على متابعة تنفيذ الخطة حتى بعد إنكشافها، وهذا امر غريب ومحير جداً.
التنفيذ.
10.كان المقرر بدء عملية توكلنا على الله ‘‘أواسط شهر نيسان، إلا أن وفاة الرئيس عبد السلام عارف يوم 13 نيسان 1966م،أدت إلى تأجيلها لإنشغال الدولة بأختيار الرئيـس الجديد. حتى اذا تولي لواء عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية بدأ الحديث مجددا عن تنفيذ الخطة،وكان لهذه التأجيلات المتكررة وإن لبـضعه أيام أثر بالغ السوء على معنويات القطعات المقاتلة و التي خلص بعضها على الأقل إلى إستنتاج، بل وقناعة تامة بعدم جدية الأمر الذي بات أقرب الى المهزلة، مما يعني أن المسألة قد تتأجل ثانية وثالثة، وقد ينتهي الأمر دون قتال بعد أن أصبحت الأهداف والمحاور حديث المجالس.
أ,يوم 6 أو 7 مايس على الأكثر، وعذرا فأني اكتب من الذاكرة وبعد 67 عاما، عقد أمر لمش جبلي/4،عقيد ركن خالد حسن فريد مؤتمرا للضباط الآمرين في اللواء (حتى مستوى أمر سرية مشاة/ أمر بطرية مدفعية) أوما يعرف بمؤتمر التنسيق لمناقشه أخيرة لخطة’’العمليات و إحكام النهايات السائبة أو معالجة النواقص وأجابة طلبات الساعات الأخيرة‘‘.
ب.عقد المؤتمر في الهواء الطلق ،وبعد أستعراض أمر اللواء للموقف وتحديد واجبات الأفواج كما يلي:
ت.الواجب: يحتل جحفل لواء المشاة الجبلي/4، جبل هندرين في الساعة كذا يوم 5-8-1966
ث.المقدمه الاولى-من فوج الثالث(ف-3) لإحتلال قمة هندرين الجرداء (8724) قدم على أن تحتل سراياه مواضع دفاعية حصينة ( ربايا)
ج.القدمه الثانيه -من (ف-1) لمش ج/ 4،وتتقدم خلف القدمة الأولى وتحتل القمة الثانية (8000) قدم أسفل أو قبل الأولى بمسافه 1 - 1.5 كم.
ح.القدمة الثالثة - من الفوج الأول لواء المشاة الأول خلف القدمة الثانية وتحتل مواضع دفاعيه على السفح.
خ.بعدها الأسناد المدفعي والإسناد القتالي والإداري وغير ذلك مما تحتويه عاده فقرات أوامر الحركات( القتال) ولم أتوسع في ذلك اختصاراً.
11 .وبعد أن انهى أمر اللواء عرضه طالب الحضور بأية أسئلة ولا أذكر الآن من سأل قبلي أو بعدي واذكر سؤالي له بالذات؟
صورة بالأقمار الصناعية لنفس المنطقة
- سيدي، جبل هندرين وكما نراه الآن بجبهة عريضة للغاية وهو مشجر بشكل كثيف وان إحتلال موضع دفاعي بجبهة سرية واحدة أشبه بوضع قلم رصاص على لوح أو سبورة مدرسية بعرض 2.5 – 3 متر (قلت أنا خيمة ‘80’ باوند وبنفس الغرض ؟. فرد علي سيادته :
- ماذا تقترح يا سليم؟
قلت - وكحد أدنى ياسيدي يجب أن يكون الموضع الدفاعي بجبهة سريتي مشاة على الأقل للسيطرة على جانبي الطريق الذي سيغدو طريق الإدامة الرئيسي وللسيطرة على مساحة كافيه من الجبل، ولا تنسى ياسيدي الجبل كثيف الشجر مما يحدد كثيراً من الرصد والرؤيا .
فرد علي أمر اللواء
-أنا لا أناقش أمري سرايا يا سليم، وبوسعك مناقشه ذلك مع أمر فوجكم عند إصداره أوامره.
أ. لم أرد احتراما له ولمعرفة سابقة له إذ كان أمراً للواء المدرع/6، وكنت أيامها أمر سرية دبابات في أحدى كتائب اللواء . لأن سياقات العمل توجب على كل قائد أو أمر التعامل وبخصوص أوامر القتال ومؤتمرات مناقشتها مع قدمتين أدنى منه، وكأمر لواء فمن مسؤوليته النزول إلى مستوى أمري الأفواج وأمري السرايا والدخول معهم في كل تفاصيل ما يجري أو أية مشاكل يسألونه معالجتها أو مقترحات يطرحونها، ولكنني آثرت الصمت و تجنب الخوض في مناقشات لا جدوى منها ما دام القرار النهائي له والآمر الأعلى على حق دائما وأبدا.
ب.ولكن تذكرت القاعدة التي تقول (قل كلامك وامض). وقد كررت عرض وجهة نظري بهشاشة الموقع الدفاعي وضيق جبهته مع عقيد مزهر عبيد الدجيلي رحمه الله الذي كان أمراً لفوجنا وقد نقل إلى منصب امر لواء المشاة الجبلي الثالث وقد جاء لوداعنا قبل معركة هندرين لكنه حاول تهوين المسالة فقلت له- أنى مسؤول عن حياة كل من تحت قيادتي ، في سريتي التي أقودها وهم بحدود مائة مقاتل أو لأن منطق الأشياء يفرض وكحد ادني الحل الذي اقترحت.
ت.تحدد يوم 8-5-1966 موعدا لإحتلال جبل هندرين وفي الساعات الأولى، من ذلك اليوم تقدم الفوج/3، من لوائنا وبعد بضعة ساعات تقدمت سرايا فوجنا وكانت سريتي (السرية الثالثة) هي الأولى ،وعند أو خلف ٌثكنة أو قلعة راوندوز أجتمع بنا أمر الفوج مقدم ركن محمد رجب لتحديد أهداف السرايا، إلا أن نظرة واحدة إلى الجبل تجعلك تدرك صعوبة تمييز المسافات أو أين تضع هذه السرية أو تلك. وصادف أن رأيت دخانا في أحدى ثغرات أو زوايا الجبل فقلت لآمر الفوج:
ث.سأصل يا سيدي إلى تلك النار، فإن كانت أرضاً مرتفعة نسبيا، و على حافة واد عريض أو قطع كبير فسأحتل موضعي الدفاعي عل حافته القريبة ، أما إن كانت مجرد طية أرضية أو وادي قليل العمق فسأعبر إلى الجانب الآخر أو الحافة البعيدة ،فوافق.
ج .وانطلقت بسريتي التي إنفتحت على شكل فصائل وحضائر لتغطية أكبر ما يمكن من الجبهة، وواصلنا السير حوالي90 دقيقة أو ساعتين على أمل الوصول إلى النار أو الوادي، حتى إذا تصورت أنى ذهبت إلى أبعد مما يجب قررت التوقف عند أول مكان يصلح للتعسكر والمراباة. وهكذا وبعد بضعه دقائق وجدت ما أريد عند قطعة أرض تكثر فيها الصخور مع فسحة أو أكثر لبناء ربايا وقتية وسريعة.
12.بعد ساعات وصلنا أمر الفوج على بغل ركوب، وقبل أن يرد على تحيتي قال لي:
أ.لقد ذهبت الى أبعد من هدفك كثيراً ، كنت أريد أن تكون سريتك الأخيرة في الترتيب’أي الأسفل‘، أما الآن فسأدفع سرية واحدة أمامك فقط ،و تركنا بعد إستراحة قصيرة عائداً إلى مقره.
ب.واصلنا عمليات التحصين وإنشاء الربايا ومحيطها الدفاعي الصخري ( جدار من الـصخور بأرتفاع المتر تقريباً) وأماكن النوم ونقاط الحراسة. ثم بدأت جولة أستطلاع أوتفقد المنطقة القريبة المحيطة بنا.
ت . كان إلى يسارنا إنحدارٌ شديد وينتهي بعد بضعة مئات من الأقدام إلى هضبة صغيرة مستوية ولاحظنا وجود ربيئة عسكرية خالية، وحين سألنا عنها قيل أنها (ربيئة شيوعيين) ولا أدري متى أخلوها كما لا أعرف عن تاريخها شيئاً، وواصلنا أعمالنا المعتادة حتى حلول الظلام.
12. يوم 9/ مايس 1966:
أ.تابعنا أعمال التحصين التي لا تنتهى، ثم تجولت ثانية في المنطقة لتحديد مواقع السرايا أو الربايا الأخرى ومقر الفوج والأسلحة الساندة، و كان أهم ما يشغلني في الأيام الأولى وبعد ترصين الربايا عادة أمر تحديد أخطر أو أهم طرق إقتراب المقاتلين الكورد ( العصاة كما كانت تسميتهم المتداولة في الوحدات العسكرية) .وفي منطقة مشجرة كالتي نحن فيها كان من السهل تقرب الـ’بيشمركة‘ بسهولة بالغة سيما إن أرتدوا الزي أو الملابس المحلية أوتظاهروا بانهم من أهل قرى الجبل القريبة.
ب. كانت السرية الرابعة أقرب السرايا إليّ كما تشرف مواضعها عل مواضع سريتي مما يعني أنها توفر حماية كافية لي وقد نسقت مع أمرها م. أول كمال علي موضوع الإسناد الناري المتبادل بيننا.
ت.وقبيل الظهيرة أو بعدها بقليل إنصب علينا أو نحونا وابلاً من نيران مدفع هاون’ 4.2/عقدة ‘،وسقطت أول قنابرها إلى الشمال من مواضع سريتي ،ثم جاءت الأخرى إلى الشرق من ذلك قليلا، أما الثالثة فقد كانت أكثر قرباً من مواضع سريتي وحيث كنت أتجول ساعتها وسط أجمة كثيفة من الأشجار.
ث.كان صوت إنفجار’القنبرة ‘ ولقربه ولكثرة الصخور شديد القوة وقد كنا نسمع أولاً صوت إنطلاق (قنبرة الهاون) حال خروجها من فوهة المدفع، ثم وبعد ثوان معدودات نسمع أزيزها وهي تنحدر بسرعه هائلة نحو مواضعـنا، ومع شحوب الضياء أخر النهار كنا نرى الوميض المنبعث من فوهة المدفع بعد انطلاق القنبرة، كان مدفع الهاون خلف جبل زوزك،الى شمال غربنا . لم تحدث إصابات ولكن شده الصوت والانفجار كانا مرعبان.
ج.حوالي الظهر أو قبله بقليل، وصل إلى مواضع الفوج الثالث أمر لمش جبلي/4،عقيد ركن خالد حسن فريد وصحبته أحد ضباط ركنه وبعد تفقد مواضع الفوج وإستراحة قصيره قرر العودة إلى مقره.
ح. بعد ذلك بقليل مرً من أمامنا جثمان المرحوم م. ثاني عباس زيدان السامرائي من الفوج/3 ،من لواءنا ومن أعز أصدقائي ،الذي أستشهد بطلق ناري من قناص فأدى إلى إستشهاده فوراً،. وكان من أشجع وأثقف الضباط رحمه الله
خ. عند نزول امر لمش جبلي/4،رجاه أمر الفوج الثالث مقدم ركن إبراهيم كامل كوثر أن يسمح له بمرافقته للـذهاب إلى راوندوز للراحة و الأستحمام كي يغتسل من وعناء السفر والتسلـق بعد سنوات طويلة قضاءها في الأركان العامة وعين بمنصبه الحالي كشرط من شروط الخدمة كي لا يفوته الترفيع الى رتبة عقيد.
14. يوم 10 مايس 1966م.
أ.بدأ اليوم كغيره، كما واصلنا في السرية/3،أعمالنا المعتادة وواصلت التجوال في المناطق المجاورة، لا سيما الصخور الكبيرة والقريبة،
وقد لفت نظري قرب بعضها أنواعا من الزنابق لم أرى لها مثيلا في العراق، وقد فكرت أن آخذ بعضها معي لزراعتها في بغداد.
ب.كانت قوافل الإدامة (نقليه البغال) تتحرك صعودا ونزولا لإيصال ما تحتاجه السرايا الأمامية من مستلزمات الإدامة والشؤون الإدارية ( اللوجستية)،وفي حوالي العاشرة والنصف صباحا أو الحاديه عشره سمعنا رشقات من نيران البنادق والرشاشات لبضعة دقائق، أعقبها صمت ثم رشقات أخرى بعدها لبضعة دقائق أخرى، فما الذي يحدث يا ترى؟ لم نأبه لذلك فهو وغيره من الأمور المعتادة في العمليات القتالية في المناطق الجبلية.
ت.بعد ذلك ساد المنطقة هدوء غريب، حتى قوافل الإدامة توقفت هي الأخرى كالسكون الذي يسبق العاصفة، وتؤكد كتب التدريب العسكري و تعاليم الميدان أن سكون الجبهة لا يقل خطورة عن أحتدام القتال وان المعلومات السلبية (لا جديد .. لا اثر للعدو .. لا يوجد شئ) تثير قلقا أكثر، فان تعرف مكان عدوك فقد تعرف ما سيفعله بعد قليل أو ما قد يفعله غدا حتى ، أما وسط الصمت فلن تعرف ما قد يحدث أو من أين ومتى؟. أمرت الجميع باليقظة وارتداء كامل تجهيزات القتال وزيادة الرصد وان لا يترك احدهم سلاحه.
ث..بعد الظهر بقليل، وبعد تناول وجبه الغداء عادت أصوات الرشقات النارية ...ولعلعة أصوات البنادق والرشاشات ومدافع الهاون... أستمر ذلك بعدها ... لدقائق أخرى ثم عاد تبادل النيران أشد كثافه ودون توقف.
ج.حوالي الثالثة ظهرا (الساعة 15:00) بدأنا نرى جنودا يتراكضون إلى الأسفل ... بإتجاه راوندوز، وما كانوا بأعداد كبيرة، ولأن موضع سريتي كان أبعد قليلا إلى اليسار ما كنت لأتصور أن ما نراه هو بداية إنسحاب بعض الفصائل الأمامية، ومع مرور الدقائق كانت أعداد الفارين نزلاً تتزايد، لماذا لا يخبرنا أحد بما يجري؟ هنا.
15.جاءني نداء على جهاز اللاسلكي/ 105، الروسـي ووزنه بضعة كيلوغرامات إلا أنه من أفضل أجهزة اللاسلكي للوحدات الصغيرة كالفصيل والسرية وربما الفوج حتى. كان النداء من ملازم أول كمال أمر السرية الرابعة في فوجنا، وكان حماسياُ بشدة من بدايته.
- نحن سنصمد حتى النهاية، ورجال السرية الرابعة أبطال تعاهدوا على الصمود حتى النهاية ...وكلنا فداء للوطن.
-عزيزي على ... خير إن شاء الله، ولكن ما الذي يحدث؟.
- نحن لا يهمنا شئ ... نحن أبطال
- أخ على، بارك الله فيك وهذا أملنا جميعا بكم، ولكن قل لي ما وراء ذلك، فليست هذه أول معركة ولا أول موقف قاس، دقائق وينتهي كل شيء.
أ.هل كان ملازم أول كمال يعرف شيئا لا أعرفه، ولكن الذي أدريه تماماً هو أنني لم أفهم الأسباب التي دفعته لهذا الحماس الشـديد. إلا أن أعداد الراحلين إلى رواندوز تتزايد. فأرسلت نائب عريف لطيف حمه عزيز من مقر السرية وكنت أأتمنه على سلاحي الشخصي وهو أخ بل وأكثر من أخ كوردي وشجاع جداً.
- لطيف أذهب إلى طريق السابلة البشرية وأسأل من تراه عما يجري؟ جاءني بعد قليل وقال لي هامساً
- سيدي سألت ضابط صف وجنوده وكانوا مرعوبين ويجرون بسرعه ويرفضون الإجابة على أي سؤال... أمسكت بعضهم لأعر ف منه ما يجري... يقولون إن رجالا كالشياطين، عيونهم غائره و سوالف أو جدائل شعورهم كجدائل الدراويش ...أصابعهم كالمخالب ... أشكال مخيفه يحملون سيوفا وبنادق ... وبالعشرات .... فقلت له
ب.كفى كاكة لطيف الجبن والرعب يحولان حتى الغزلان إلى أسودٌ كاسرة . وقدرت أن بعض الفصائل الأمامية ومن التي على الأطراف بالذات تعرضت إلى رمايات شديدة ومركزة،وربما تعرضت إلى هجوم لبعض الشجعان والأنتحاريين فلاذت -أي تلك الفصائل بالفرار- وستتدخل مقرات السرايا ومقر الفوج لإيقاف هذا الانهيار، إلا أن الذي حدث كان عكس ذلك فالفرار أو الهزيمة مرض شديد العدوى، والخوف مرض خطير وقاتل ...... كما قال خبير الحرب لبيد بن الصمة ( لا يرد منهزم شي )...وفي أمثال العرب الشهيرة
-’’....إنجِ سعد فقد هلك سعيد ‘‘، ولهذ المثل قصة أخرى.
ت.بدأ القصف أو الأسناد الناري أو المدفعي،وتولت مدافع كتيبة الميدان/4، وآمرها مقدم نجـدت قاسم مقصود ( ابن اللواء قاسم مقصود قائد فرقه المشاة/1)،) كانت نيران مدافع الكتيبة مشتتة بل تساقط بعضها على مواضعنا البائسة، ولم يكن معنا ضابط رصد أمامي للسيطرة على وتوجيه الإسناد الناري فقلت لعامل جهاز اللاسلكي في مقر السرية نائب عريف مخابر على الشطري وهو من أكفء ضباط صف مخابرة الفوج ولم يفارقني طول قيادتي للسرية/3،في الفوج لما يقرب من سنتين،فقلت له:.
ث.يا علي بلغ مقر الفوج بزيادة مدى النيران لـ 500 يرد وإلى اليمين 200 يرد، فجاءنا الرد المدفعي سريعاً -بقنبلة مدفع سقطت داخل مواضع سريتي، ولحسن الحظ وقعت خلف صخرة كبيرة وإلا...... .!؟،ولفت نظري أن دويها كان أكبر من صوت قنبلة مدفع ’’25 رطل‘‘ ولعلها كانت من مدفع قوس 131/ملم إيرانية المصدر ولم يسمح لي الموقف بالتوقف طويلا عند ذلك.
- نائب عريف علي ....زد المدى إلى (700) يرد
- يا سيدي لا أحد يرد على.....!!
- إذن أتصل بالبطرية الخفيفة/5،(مدافع هاون 4.2 عقدة) و أمرها مقدم مدفعي قيس إسماعيل حقي (أبو سندس)
- سيدي لا جواب ..... لم يٌعد الإرسال عندي مسموعاً، وأحتاج إلى بطاريات جديدة،فقلت بما يشبه السخرية ... ’’أذن أطلب ملازم ( فريق ركن زين العابدين أخي وصديقي ليساعدك).
ج.(نحن إذن دون اتصال مع الآخرين، لسنا معزولين بعد فالسرايا الأخرى ومقر الفوج قريبون منا، ولكنها إحدى مفاجئات الحرب أو أضطرامها وحين تتداخل المواقف مع بعضها البعض friction كما يقول جنرال كلا وزفتز).
- صرخت به كي يسمع الآخرون في الربيئة ... قل لهم أقطعوا الرمي فلا نريد أن تقتلنا قنابلهم.
ح.ثم طلبت من أحد ضباط الصف ولعله لنائب عريف مفتاح رحيم أو عريف الفصيل/7،بريس مهدي أن يذهب إلى السرية الرابعة ليطلب منهم بطارية (نضيده) لجهاز اللاسلكي ولو على سبيل الإعارة المؤقتة.... فرد على قائلاً ......لقد انسحبت السرية الرابعة ياسيدي!!.
خ.قلت مع نفسي تلك طامة كبرى لأن مواضعها كانت تسيطر وتحمي مواضعي بل وتسد طريقي إلى الأمام أو إلى اليمين، وأن إحتلال المقاتلين الكورد لمواقع السرية/4،جبلية يعني موتنا الأكيد.
- متى انسحبت السرية الرابعة؟ (وكان أمرها ، قد وعدني أنه لن ينسحب حتى لو سقطت جنار قلعة)
- منذ ساعة أو أكثر.
16.واكذب لو قلت كم كانت الساعة آنذاك وما كنت لأعرف ذلك ليس الأن بل وحتى في حينها لتسارع الأحداث بشكل يقطع كل علاقتنا أو تواصلنا بتفاصيل كهذه، ثم ومن الذي يهمه سوى التاريخ العسكري أن يعرف إن كانت الساعة الثالثة أو الرابعة مساءً أو فجراً أو من يوم أمس أو غد!!!!! ، كما لم يعد مهما لنا أيضا إنسحاب تلك السرية الرابعة الميمون قبل ساعة أو قبل عشر دقائق.
أ.أجريت مع نفسي حساب أو تقدير موقف ذهني سريع خلاصته... لسنا في موقف حرج، بل لم تتعرض سريتي بعد لأية خسائر أو عزل أو قطع طريق. بل لقد مرت علينا مواقف أشد صعوبة من هذه في (كلي زنتة) في سلسله (قره داغ) قرب السليمانية وفي ( قمة هيرزلة) و ( نال باريس) و (كاني سبيكة) على طريق بنجوين وغيرها وغيرهن ولكنها جميعا حيث كنت أشرف على ما حولي وأعرف أي’ مسالك يأتيني منها الخطر‘.
ب.أما هنا فبوسع المنحدرين من أعلى من مقاتلي الأكراد مهاجمتي حتى بدحرجة بعض الصخور،فلم أتردد كثيراً في اتخاذ قراري إصدار أمري للسرية بالإنسحاب ... الفصيل السابع أولا... ثم الفصيل التاسع ثم الفصيل الثامن .وانسحبت الفصائل بانتظام تام .
ت. بل وأذكر ساعتها أن مراسلي الجندي حمد حمود عبد الكريم كان قد أصيب بطلق ناري في ذراعه الأيمن فجائني مستأذناً الإنسحاب للتداوي فأذنت له ،فقال لي
- سيدي هل أحمل معي حقيبتك اليدوية !!؟. فعبست بوجهه وقلت له خير شكو بالك فسكت وكان بمنتهى الأدب لو أراه الأن لقبلت جبينه .
ث.ولن أنسى الطريقة المنتظمة والرائعة التي انسحب بها الفصيل الثامن وأمره وكالة العريف توفيق احمد، وهو كردي، إذ انسحبت حضائره الثلاثة يسند بعضها البعض وكان هو مع الحضيرة الأخيرة وكأنه في تمرين زمن السلم أو في ساحة تدريب الفوج في معسكر خالد ليمد الله في عمرك أو يرحمك يا أخي عريف توفيق أحمد ويرحم أمر فصيلك وصديقي وأخي ملازم علي يوسف النقيب أمر الفصيل الذي كان يومها في إجازة.
ج.خسائرنا قتيل واحد، جندي ما زلت أذكر شكله، وان كنت قد أنسيت أسمه فقد حاول المسكين الفرار قبل أن يحل دوره بالإنسحاب وما أن أدار ظهره لنا حتى جاءته إطلاقه بين كتفيه فخر صريعاً على وجهه وجندي جريح حملناه معنا حتى مقر الفوج. ومنذ ذلك اليوم بت أكرر على مسامع من تحت قيادتي إن في الجبن قوة مغناطيسية رهيبة تجتذب إطلاقات وشظايا قنابر العدو. من هنا جاء فخر المقاتلين إن مصارعهم إصابات في الصدور والوجوه لا على الأعقاب ولا في الظهر: ولسنا على الأعقاب تدمي كلومنا (جراحنا).
17.شمل الإنسحاب الفوجين الأول والثالث من جحفل لمش جبلي/4، و وصلنا في إنسحابنا حتى فوج القدمة،الثالثة (المؤخرة) وهو الفوج الأول لواء المشاة الأول وآمره مقدم ركن (عقيد ركن) زاهد إسماعيل. وهناك وجدنا أمر فوجنا مقدم ركن محمد رجب ومساعده وأمري السرايا الثلاثة الآخرين وقد تظاهر أمر فوجنا انه كان يريد الإنتحار، بل ومد يده للإمساك بإحدى البنادق لهذا الغرض إلا أن المرحوم مقدم ركن زاهد إسماعيل كان أسرع منه فأمسك بها قبله، فقلت لمساعد فوجنا ملازم عادل مصطاف القيسي أن يساعد أمره فيما يريد وليعطه مسدسي لينتحر إن أراد، فهذا أفضل ما بوسعه أن يفعله في موقف كهذا.
أ.طلب مقدم ركن زاهد من أمر فوجنا البقاء معه في مواضعه ريثما نعيد تنظيم الفوج و تأمين إسناد ناري كافي فبوسعنا إستعادة مواضعنا، ولا أذكر ماذا كان جوابه.
ب. لكن وبعد قليل فهمنا إننا سنواصل إنحدارنا العسكري إلى الأسفل وحتى (الهاوية)أو حامية راوندوز وحيث أستقبلنا الأخ مقدم قيس إسماعيل حقي وم. أول ملاح حارث لطفي الوفي أمر سرية المقر في فوجنا، رحمهما الله، وهو من القوة الجوية وعوقب مثلي بالنقل إلى فوج مشاة جبلي، وقد أعيد إلى القوة الجوية ووصل فيها رتبه لواء ركن ملاح .
ت.صباح اليوم التالي 11-5-1966م،جمعت مراتب سريتي للتأكد من أعدادهم و سلامتهم وكان الكثيرين منهم دون سلاح أو مصاب برضوض أو كدمات ( لا إصابات قتال وإطلاقات) فأبلغتهم– لمعرفه حالتهم المعنوية) أننا سنعود هذه الليلة لاستعاده مواضعنا التي خسرناها فأكدوا وبعضهم بالهتاف استعدادهم التام لأي واجب.
18.توقفت العمليات وبسبب هزيمة أو إنسحاب فوجان من جحفل لمش جبلي/4،أولأن الرئيس عبد الرحمن عارف رحمه الله لم يرد بدء عهده بخوض أوتصحيح معركة خاطئة أو ربما لتأكده و والأركان العامة من ضحالة وسوء تقدير وزير الدفاع عبد العزيز العقيلي ومخططه وتدابيره بل وكشفه لنواياه بطريقة غير معقولة بل وشديدة الخطورة حقاً على سلامة جميع القطعات التي كانت ستشارك في العملية.
أ. ولا ادري ما الذي قادني أيامها إلى خيمة تخص المقر الأمامي لفق مش /1،حيث وجدت فيها نقيب ركن (أم .م ) فسألني عن أسباب هذه الهزيمة النكراء فقلت:
- جبهة هندرين تستحق فوجا بكامله (موضع دفاعي بجبهة أربعة سرايا )وخطتكم أختزلتها إلى سرية واحدة فقط، ناهيك عن كثافه الأشجار.
- أتريد يا سليم إنتقاد خطه المقر العام؟
- خطة المقر العام ياسيدي من خمسة صفحات،وقد ذابت القوة المخصصة في الصفحة الأولى.
- وما أدراك؟
- الخريطة الكبيرة خلفك والوان الصفحات
ب.هنا تدخل ضابط ركن برتبه رائد أو مقدم غاب أسمه عني الآن فقال وبلهجه القادة العظام وكبار المفكرين العسكريين:
- أعرف أن الجبان يلتصق بالأرض لا يرفع رأسه فلماذا لم يبقوا خلف الصخور؟
- سيدي أي جبن وأي إلتصاق بالأرض، كيف تستطيع الصمود إذا كان عدوك فوق رأسك ويحتل كل المواقع التي تحميه فتظل تحت في القاع ...!!؟.
- ولكننا أكثر قوة ولدينا إسناد ناري كبير.
- ألا تعرف يا سيدي أن سرايانا الأمامية توقفت قبل الوصول إلى القمة العليا للجبل بمسافه (1 – 1.5 كم)
- ولماذا لم يحتلوا القمة؟
ب.وتسألني أنا يا سيدي؟ ولكني أوكد لك أن ليس من لواء مشاة آخر أشجع ولا اكثر خبرة في الحروب الجبلية من لمش جبلي/4، ......فتركنا متشاغلا بأوراق كانت بيده.
ت.بعده جرى أسكان فوجنا على الطريق العام في منطقة قرب قرية خليفان–لا في معسكرها الشتائي- ووزعت السرايا والفصائل والحضائر على الشقوق – خطوط تجمع مياه الأمطار- وأية أرض مستوية. والغريب أن التجهيزات والخيم والمعدات الأخرى وحتى الأسلحة التي فقدت جرى تعويضها بسرعة.
ث.وبتنا ليلتنا الأولى كيفما أتفق ووسط تلك الشقوق في التلال التي على يمين طريق كلي علي بيك – مضيق سبيلك. وفي الصباح أيقظني مراسلي حوالي 10:00،صباحاً قائلاً:لقد حضر العديد من القادة و الضباط فأسرعت بعد حلاقة سريعة الى الطريق العام حيث توقفوا وضمت هيئة التحقيق أو تحري الحقائق من الأركان العامة على ما اذكر لواء ركن سعدون حسين الذي سبق له وان قاد لمش جبلي/4، عام 1963م،وعميد ركن عبد الجبارالأسدي قائد فق مش جبلي/4،
وبطبيعة الحال قائد فق مش/1،لواء ركن زكي حسين حلمي وأمر لمش جبلي/4،عقيد ركن خالد حسن فريد ومقدم ركن شفيق الدراجي مدير الاستخـبارات العسكرية وأمر فوجنا مقدم ركن محمد رجب وآخرين لا أذكرهم رحمهم الله جميعاً.
ج .ويبدو أنني كنت عابس الوجه جداً وربما بسبب أثار النوم فما إن رأني لواء ركن زكي حسين حلمي حتى بادرني بالقول :
- يا سليم لم يوافق لواء ركن أبراهيم [فيصل الأنصاري قائد فق مش جبلية/2] على نقلك الى الفرقة الأولى ؟؟.
– فأجبته ودون أن أدري كيف ..... قائلاً
- سيدي هنا مقدم ركن لا أستطيع التفاهم معه لا لواء ركن .فرد علي قائلاً
- من هو؟،
قلت – مدير الأستخبارات ،فألتفت اليه لواء ركن زكي مستفسراً؟،
-فرد عليه مدير الأستخبارات أنه لا يدري
ج. فقلت سيدي كلما قدمت طلباً لإعادتي الى الصنف المدرع ترفض الأستخبارات الطلب. وتريدون منا أن نقاتل .
-أشار الي مدير الأستخبارات فأتجهت نحوه وأوجزت له مشكلتي وهي العودة الى الصنف المدرع فقد كنت وما زلت أحب ذلك الصنف فرحب بي إذ سبق له وأن عمل كمقدم لواء في لمش جبلي/4.
ح.ثم عرجت على حالتي وكيف أن مديرية الاستخبارات ترفض حتى مجرد النظر في أي طلب أتقدم به لإ عادتي إلى الوحدات المدرعة كما ذكرته بأني ما زلت تحت وطأة كفالة مصرفية بمبلغ ’خمسمائة ‘ دينار عراقي للحضور أمام أية جهة عسكريه وحين الطلب.
خ. أكد لي المرحوم شفيق الدراجي انه سينظر في طلبي هذه المرة على ضوء ما سيتضح له من حقائق والملاحظات التي أبداها الآمرون أمامه و كان عند وعده. ثطلب مني مراجعته في المديرية عند قدومي الى بغداد في أجازة وكان عند حسن الظن به وقد سهل إصدار أمر نقلي أو إعادتي الى الصنف المدرع بعد تعليقه الذي قرأته على طلب نقلي بقوله ... ’ لا مانع لدينا من إعادته الى الصنف المدرع لما لمسته من رضى أمر اللواء و قائد الفرقة [رحمهم الله سبحانه] عنه.
19.تقرر أعادة فوجي لمش جبلي/4، إلى كركوك لإعادة التنظيم والتدريب والراحة باستثناء سريتي فقد اصر لواء ركن زكي حلمي على إبقائها في القاطع ووضعها في إحدى اصعب المناطق وهي قمة ( سر يشمه) على جبل نواخين (5000) قدم وتطل على المدخل الجنوبي لمضيق ( كلي علي بيك ) وعلى الطريق المتجه الى برزان من الناحية الأخرى ولشدة وعورتها كنا نضطر في مراحل التسلق الأخيرة للتشبث بالأيدي والأصابع للوصول اليها ،حتى اذا نشرت قوائم المقبولين في كليه الأركان من الضباط و كنت منهم أُعِدتُ و سريتي إلى كركوك .
أ.فور وصولنا معسكر لمش جبلي/4، في معسكر مررت للسلام على أمر الفوج الجديد وهو مقدم ركن إسماعيل تايه النعيمي الذي تلقاني بترحيب جيد تشوبه الرسميات وفور جلوسي وبعد كلمات ترحيبية بادر قائلاً
- سليم تهياً كي تندرب ونأخذ بثأرنا
ب ولا أدري كيف أو لماذا أستفزتني العبارة ربما بسسب طريقة لفظها أو أني فوجئت بفكرة العار والمذلة وضرورة إستعادة الشرف الريف من الأذى فقلت وبشيئ من الحدة والأستغراب :
- يطالب بالثأر من أهين وديست كرامته التي فقدها ولم يحسن عليها أو أرتكب خطاً ...ولم أفعل ما يستوجب الثأر
- ولحسن الحظ كان حاضراً ساعتها رائد أو مقدم ركن عبد الرحمن آل سردار رحمه الله فتدخل مخاطباً أمر الفوج
- أبوخالد ،كان موقف نقيب سليم ، جيداً في معركة هندرين وغيرها .و هي شهادة حققت غرضها إذ غير مقدم ركن إسماعيل تايه لهجته فقال و كأنه يختتم اللقاء والحديث .
- على بركة الله وبعد غد أريدك والسرية الساعة 07:30،أمام مقر الفوج إذ سنبداً تمرينا في التقدم ومعالجة مقاومات وغيرها .
-فأديت التحية وعدت الى غرفتي .
20. الفرقة الجبلية/2،ومعركة هندرين .
أ.كنت وفي أول أجازة لي بعد معركه هندرين قد ألتقيت مع نقيب نزار عبد الكريم الخزرجي مرافق قائد فق مش جبلية/2، وكنا في نفس الدورة في الكلية العسكرية الملكية في بغداد فأخبرني أن المعلومات التي وصلت الفرقة عن إنسحاب’هزيمة‘ هندرين تشير إلى مؤامرة نفذها ضباط بعثيون وشيوعيون ، فأكدت له ألا صحة لذلك أبدا وان لواء الرابع لا يستحق أي لوم على ما جرى فقال لي:
ب.هل أنت على إستعداد لإيضاح ذلك للقائد ( وكان عمه) فذهبنا إلى مقر الفرقة حيث أخبر السيد القائد عن وصولي وعما أحمله من وجهة نظر عن معركه هندرين،وأمام السيد القائد لواء ركن إبراهيم فيصل الأنصاري قلت:
أولاً.كان أمرا السريتين الأماميتين ومن فوجينا/1،و3، برتبه م. ثاني، لم يتما سنه واحدة في الخدمة بعد وذكرت له اسم ملازم خالد ناجي وكيل أمر السرية الأولى في فوجنا على سبيل المثال وكان الأخر ضابط إحتياط، كما ذكرت له خبر نزول أمر الفوج الثالث إلى راوندوز قبل التأكد من إكمال الوصول إلى الهدف، كما لم يتم ذلك الفوج إحتلال القمة الجرداء التي تسيطر تماما على مواضعنا الأمامية.
ثانياً .سعة الجبهة وهشاشة مواضع الفوجين.
ثالثاً.توالى وكثرة الواجبات والمعارك على لواء الرابع منذ نيسان 1965م ،وحتى الان ودون راحة، وبعد أنجازنا الواجبات الصعبة نسلم الأهداف إلى الوحدات الأخرى لنكلف بغيرها،ومباشرة أحيانا–و واجبات أصعب.
رابعاً.وكل ذلك أدى الى إجهاد وحدات لمش جبلي/4، وخفض كفائتها القتالية مع نقص تدريب من إلتحقوا خلال هذا العام والذي قبله . وقد ذكرت له أن بعض الجنود شاركوا في معارك صعبة حتى دون أن يطلق أحدهم إطلاقة واحدة من بندقيته. وأضطررنا أحياناً لتعليمه كيفية إطلاق النار وذلك لن يوفر حتى الحد الأدني من التدريب على الرمي .
5.الإسناد الناري السيئ أوبالغ السوء فكأنهم نسوا إعداد خطة نارية.رغم ما عرف عن كفاءة كتيبة مدفعية الميدان/4، الشهيرة ولكنه الإجهاد والألحاح الشديدين .
22. رواية فريق ركن نزار الخزرجي لمعركة هندرين [الثانية].
أ. لن أناقش ولن أعترض على مقدمة فريق ركن نزار عن ردود الفعل في قيادة قوة الميدان ومقر فق مش جبلي/2،على اإنسحاب من جبل هندرين التي عشت أحداثها ولا عن أراءه عن القضية الكوردية وقد أجاد في ذلك .
ب.ولكني أؤكد أن ما قاله عن معركة أو إستعادة مواضعنا في جبل هندرين عار عن الصحة ولم أر أو اسمع لا بهجوم مغاوير الفرقة ولا متى حدث ذلك وإلا لماذا أستثنيت سريتي من المشاركة .
ت.أكرر هنا أنه قد جرى سحب الفوجين الأول والثالث -عدى سريتي – الى كركوك لإعادة التنظيم .
21.أخيرا وفي يوم 29/حزيران (يونيو)1966م،أصدر رئيس الوزراء دكتور عبد الرحمن البزاز بيانه الشهير بالأعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي وقد تولى وفد رسمي من بغداد زيارة المرحوم ملا مصطفى برزاني لتسليمه النص الرسمي للبيان
وقد التقى الوفد في (كلاله) بالمرحوم ادريس البرزاني الذي ابلغهم رغبة والده بالسماح لقطعات الجيش العراقي بإخلاء جثث قتلى اللواء الرابع وتم القرار و لأسباب إنسانيه ولأننا جميعا بحمد الله مسلمين، على إرسال سرية مشاة دون سلاح لإخلاء الجثث وكان عددها (30) جثة لضابطين أحدهما على ما اذكر ملازم ثاني من الفوج الأول لواء المشاة الرابع ولكنه من الموصل هو المرحوم صباح الصوفي، والـ 28 الأخرى لضباط صف وجنود من اللواء الرابع.
خاتمة ودروس مستنبطة
ختاما أود التأكيد على أن ما دفعني إلى كتابة هذه الورقة هي الحقيقة كقضيه أصبحت في ذمة الزمن والتأريخ العسكري ولا أريد الدخول مفصلاً في موضوع القضية الكورديه بل كلما أرجوه وحتى اليوم :
1. أن ندرك عرباً وأكراداً أن علينا العيش أخوة في هذا الوطن الغالي وأن الحل العسكري مستحيل ولن يستطيع أي طرف فرض حلوله على الأخر . وأن القتال سوف لن يؤدي إلا الى المزيد من الضحايا والخراب والدمار للإقليم والفقر والجوع والتأخر لكل العراق .
2. الكتمان والسرية والمباغتة من مبادئ جميع أنواع الحروب ومنة ينسى ذلك سيرى بعينه ما حدث على سفوح هندرين في مايس 1966م.
3. أن الجندي نفس بشرية لا ماكنة بلا مشاعر وأن التدريب هم أننا عاجزون حتى عن مجرد التفكير فقط أن يعلو صوت الحكمة و المنطق وحقوق الشعوب وان لا تترك للجغرافية وحدها التحكم في التاريخ حاضره ومستقبله وأن نصل في معادلة الحد الأعلى من وجهه نظر حكومة بغداد والحد الأدنى من وجهه نظر قياده الثورة الكورديه إلى ما ينسجم وتـريخ امتد في عمق التاريخ والجغرافية لألاف السنين. كما أود أن اعبر هنا وبكل إمتنان عن إعتزازي الكبير والكبير جدا بلواء المشاة الجبلي الرابع ورجاله البواسل والذين وأشهد الله على ذلك لم أرى طول حياتي في الخدمة العسكرية من هم أشجع في الحرب، واذكر بالذات أولئك البواسل في السرية الثالثة من الفوج الأول فقد تعلمت منهم الكثير في تقحم الموت، والشجاعة والإندفاع والاستهانة بالموت دفاعا عن معنى الرجولة والبطولة،وإن انسى فلن انسى أبناء محافظتي (ذي قار) و ( ميسان) ومازلت اذكر الكثير من أسمائهم واشد ما يحيرني اليوم صمتهم الذي طال على الضيم المخيم على العراق الحبيب ، فهم كما قال شاعر العرب الأكبر المرحوم محمد مهدي الجواهري (من معدن زاه و مجتمع ردي).
4. بعض مصادر المقالة
أ.مرتضى الحصيني ،كردستان قصة ولادة دولة .
ب.د .سعد ناجي جواد ،العراق والمسألة الكردية ،دار لام ،لندن 1990م.
ت.دان أدمز شمدت ،رحلة الى رجال شجعان .دار أراس ،منشورات الجمل ط1،2012م.
ث. عمار علي السمر،شمال العراق 1958-1970م،المركز العربي ل\لبحاث ودراسة السياسات،المنطقة الدبلوماسية –الدفنة ص.ب10277،قطر.
-----------
١.لا أعتقد أن حملة أو معركة قد تعرضت للتشويه والتزوير قدر ما تحملته معركة هندرين هذه في شمال العراق وأنا على إستعداد تام لمناقشة أحداثها مع اي إنسان عاش أحداثها أو وصلته بشكل وثق به .
٢. وكل هذه المعارك كانت أكبر وأشد شراسة من معركة هندرين .أما الأهزوجة ’الهوسة ‘الحماسية فقد أنطلقت عفو الخاطر في بداية الحركات عام 1964م في معركة جبل قرداغ في عهد الرئيس عبد السلام عارف .
٣.سأل الرئيس جمل عبد الناصر وفداً عراقياً ضم عبد الرحمن البزاز وعبد الرزاق محي الدين ووزير الدفاع :كيف تحلون مشاكلكم في شمال العراق فأجاب وزير الدفا ـع بقدرته القضاء على التمرد الكوردي في الشمال خلال عشرة أيام .وحين سأله الرئيس عن كيفية ذلك رد وزير الدفاع العراقي ’عندما أقف أمام الراديو فأشتمك أمام الشعب وبعدها سوف يقبل علي كل هذا الشعب ويساندني ،وعندئذٍ ساسحق البرزا ني وأقضي عليه .دانا أدمز’رحلة الى رجال شجعان في كوردستان ‘ص- 238،هامش رقم -2، نقلاً عن معن شناع العجلي كتاب ’ماذا في شمال العراق ‘1968م.
٤.لقد شنت القوات البريطانية حملات عديدة وأكثرها بسلاح الجو ضد القبائل العر ـبية والكوردية حتى قبل تشكيل الحكم الوطني وفي عام 1917م،أستخدمت الغازات السامة في شمال العراق وبأمر وزير المستعمرات البريطانية ونستون شيرشيل الذ ـي قال قال لن يفـعل الغاز السام أكثر مما تفعله البندقية كما أن ليدل هارت وهوأحد أشهر مفكري بريطانيا –والغرب –العسكريين أيد ذلك .
٥.Pavel Sydoplatov,Special Task: The Unwanted witness –A Soviet Memoris Spy –master.
عن حياة ملا مصطفى برزاني وأنصاره في ضيافة الأتحاد السوفيتي .عن مرتضى عبد الرحيم الحصيني ، ’ كردستان قصة ولادة دولة‘مرطز الجنوب للدراسات والتخطيط الأستراتيجي ،ناصرية –السراي خلف بناية البلدية .1978م.
٦.عمار علي السمر،’شمال العراق 1958-1975م‘. المركز العربي للأبحاث ودراسة السيا ـسات.
٧.تأريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري .ج1ص206-208.
٨.وصف ملا مصطفى بالزعيم عبد الكريم قاسم وبعد أول لقاء له أنه أسوء من نوري السعيد . داني أدمز شمدت ’رحلة الى رجال شجعان ‘ص-132.
٩. إسمعيل العارف ’ثورة 14تموز‘.
١٠. كنت أيامها برتبة م. ثاني في قطعات مقر الفرقة الجبلية/2،في كركوك.
١١.كان العميد بدرالدين على متمسك بالنهج التركي أو العثماني الشديد القسوة و قد كان أمر السرية الثالثة في الكلية العسكرية و التي كنت فيها لثلاثة سنوات تلميذاً في الدورة 34 للكلية العسكرية الملكية في معسكر الرستمية .
.لقطع الطريق العام المبلط جيدأ بين كركوك والسليمانية أختار الكورد مضيق با ـزيان لسهولة السيطرة على الطريق في جزءه المار داخل المضيق ثم يزاح أو بإزا ـلة قشط القير الأسود ويحفر نفق بعمق قدم أو أكثر وبما يكفي لوضع شاحنة كبيرة زنة 10-15 طن بالعرض على الطريق بعد أزالة إطاراتها جميعأ ليصعب تحريكها و لم يحقق لهم ذلك أكثر من عرقلة حركة الأرتال العسكرية لساعة أوإثنتين إذ كان يتم سحب شاحنة الإعاقة بالدبابات الى خارج الطريق .
١٢.تؤرخ الحركة الكوردية أو تسميه بـ’’ثورة أيلول 1961م‘‘،ولأني كنت أحد شهود الحدث الذي لم يزد عن قطع الطريق المذكور لبضعة ايام تطلبتها الأستعداد وتهيئة وتنفيذ خطة إعادة فتح الطريق .
١٣. يمكن التعرف على الكثير من أراء ومواقف المرحوم ملا مصطفى برزاني من خلال بعض الكتب التي سأذكربعضها ضمن المصادرويبدو لي أن للرجل أراء ومواقف حكيمة ومهمة جداً.
١٤.أعدت الى الصنف المدرع بعد سقوط نظام الزعيم عبد الكريم قاسم وعينت أمر سرية الدبا ـبات الأولى في كتيبة دبابات خالد،ثم أعدت الى لمش جبلي/4،في عهد عبد السلام عارف .
١٥. سبق لوزير الدفاع العقيلي وان عمل كآمر لواء مشاة جبلي/4،حتى شهر تموز 1958م،كما كان قد ألف كتابا عن تمرد برزان عام 1932م،وكان المنتظر أن يكون أكثر تفهماً وواقعية .
١٦.في 12كانون الثاني 1965م،تعرضنا لأول مرة لقصف مدفعي إيراني في جبل يطل على مخفر شرطة كاني سبيكة ،وقال ضباط مدفعية في القاطع أنها نيران مدفع قوس 131ملم .
١٧.طريق جانبي أو داخلي من بيخال الى مضيق كلي بيك دون المرور براوندوز ومدخل المضيق الشمالي أنشأه عقيد هاملت من صنف الهندسة البريطانية.
١٨.لا في قاعة أو حتى غرفة مقفلة أو حتى داخل حامية راوندوز مثلاً ، وكان هذا أسلوب شديد الغرابة ويتعارض وشروط ومستلزمات السرية 100%.
١٩.أكتفينا بما نراه أمامنا ولم يحاول أحد ولو إستطلاع بعض أقسامه أو سألنا إن كان هناك من سبق له تسلق الجبهة المواجهة لنا ؟؟؟ .
٢٠.على أن تحتل الهدف الأول أو الأدنى الى حامية راوندوز وتليها سرية مشاة/4، التي ستندفع الى أمام أو شمال مواضع سريتي .
٢١. يتألف فوج المشاة الجبلي من أربعة سرايا مشاة وسرية إسناد وسرية مقر الفوج،بينما يتألف فوج مشاة السهول من ثلاثة سرايا مقاتلة .
٢٢.في كانون الثاني 1965م،كنا في قاطع السليمانية وعلى طريقعند مخفر شرطة قبل عام
٢٣.لعله رحمه الله أول شهداء معركة هندرين .
٢٤.وكم أثبتٌ العكس وكم أوقفت من إنسحاب أو إنهيار-الهامش 19علاه، وأخرها في حربنا مع الصها ـينة عام 1973م،على الجبهة السورية.راجع كتابي عنها .
٢٥.روى لي عقيد ركن ماجد توفيق والذي كان أيامها مرافقاً للرئيس عبد الرحمن عارف رحمهما الله أنه كان يقف خلف الرئيس ساعة أن عرض عليه مقدم ركن شفيق الدراجي مدير الأستخبارات العسكرية أسماء من رشحهم للقبول في كلية الأركان وحين ذكر أسمي علق الرئيس عارف بالقول: اللي يهوس أما جنوده يستاهل القبول في كلية الأركان .وفي الكلية قال لي معلمنا مقدم ركن زاهد إسمعيل ’أن جنوداً شهدوا أنني كنت أهوس مشجعاً لهم على الصمود في المعركة ٢٦.وقد لم أكن دقيقاً بنقل نص الكلمات ولكن المعنى نفسه .
.كنت قد ترفعت الى رتبة نقيب في شهر تموز 1966م.
1149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع