صفحات مطوية من حياة الشيخ محمد رضا الشبيبي
هو محمد رضا بن جواد بن شبيب بن ابراهيم بن صقر الجزائري بن عبد العزيز بن دليهم. وهو من منطقة الجبايش في محافظة ذي قار حيث سكن جده الاعلى شبيب الذي اقترن به اسم الاسرة.ولشبيب ولدان هما محمد وموسى ، توفي الاخير دون خلف اما محمد شبيب فقد تزوج ابنة الشيخ صادق اطيمش احد رجال الادب والفكر في مدينة الشطرة.
وغادر محمد شبيب الى النجف في بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر بسبب نزاع مع عشائر المنطقة ادى الى فقدان اراضيه الزراعية ولرغبته الجامحة لدراسة العلوم الدينية. وكانت النجف في نظره المكان الانسب لكونها مركزا دينيا وفكريا توفرت فيه عناصر الجذب لاستقطاب طلاب العلوم الدينية بالاضافة الى طموحه في مركز اجتماعي عال.
تنتمي اسرة محمد رضا الشبيبي الى فخذ المواجد من عشيرة بني أسد المعروفة التي تقطن الجبايش والمناطق المجاورة لها، وهذا ما يؤكد ارومتها العربية العربية الاصلية فن مجموعات الناس الموجود هناك منذ ادوار ما قبل التاريخ استطاعت ان تحافظ على عنصريتها واصلها القديم الذي نجده اليوم اذ بقي الاختلاط محصورا فيها ومقتصرا عليها فقط.
نشأ جواد والد محمد رضا الشبيبي في كنف جده لامه صادق اطيمش وتعلم القراءة والكتابة ومبادىء الادب. وعلى ما يبدو ان الوسط الثقافي الذي ترعرع فيه بعد جده للسفر الى بغداد ومن ثم الى النجف ليستقر فيها ويستقي من علومها.وبدا نجم محمد جواد يتألق في النجف بسرعة وذلك بسبب علمه وفضله وخلقه ، فقد قال عنه العارفون انه كان من اشياخ الكتاب وفحول الشعراء تعبر عن مقامه المحمود في صناعة الكتابة مقاماته التي يعلو لها البديع.
ولد محمد رضا الابن الاكبر لجواد الشبيبي يوم الاثنين المصادف للسادس من ايار/مايو 1889 في حي البراق احد احياء النجف القديمة وكانت والدة الشبيبي بهية بنت مهدي تنتمي الى اسرة طريحي النجفية المعروفة وقد انجبت فضلا عن محمد رضا محمد باقر (1890-1960 ) احد ابرز مثقفي العراق المعروفين ومن كبار مفكري ثورة العشرين ومحمد جعفر ومحمد علي والشاعر محمد حسين ومحمد رشاد.
نشأ محمد رضا في حي البراق بالنجف ليقضي فيها شطرا من حياته مع صبيتها ويدخل في احد كتاتيب النجف لتعلم القراءة والكتابة وحفظ الايات القرآنية على يد سيدة فاضلة تعرف باسم (مريم البراقية) وكان ذلك عند السنة الخامسة من عمره ليتعلم بعدها الخط على يد الشيخ هادي مصير احد خطاطي النجف المعروفين انذاك.
كانت بداية تعلم الشبيبي هذه لا تختلف عن بداية اقرانه فالكتاتيب هي التي كانت تقوم بدور مؤسسات التعليم ولم تكن المدارس منتشرة آنذاك وحتى عندما فتحت المدارس الحديثة ، فقد كانت حكرا لابناء الموظفين والقلة القليلة من ابناء المتصلين بهم من وجهاء ذلك الزمان. ومن هنا نرى ان محمد رضا الشبيبي قد اكمل مراحل تعلمه الاولى على طريقة الدراسة التقليدية في النجف فضلا عن الرعاية التي اولاها اياها والده.
الا ان الشبيبي لم يستمر في اكمال مراحل الدراسة النجفية التقليدية الثلاث بل انقطع عنها بعد ان اجتاز المرحلة الاولى منها اي المقدمات ليتجه اتجاها خاصا به بعد ان احس بالنفور منها بسبب ما لمسه من جمود وتقيد فيها فاتجه الى الدراسة الحرة والتفكير المجرد.
ومن هنا تحول الوالد محمد جواد الشبيبي الى المعلم الاول لابنه البكر والى موجهه فقد أرشد ( ولده) فلذة كبده محمد رضا في وصية خاصة خطها بقلمه وكتبها باسلوبه في اليوم السادس من تموز/يوليو سنة 1904 وكان الولد يبلغ من العمر خمس عشرة سنة جاء فيها" جد للعلم فيه يظهر جدك، والى العمل ، بما تعلم فذلك رشدك واتق الله خير تقاته وثق منه بالتسديد وتوكل عليه ولا تعتمد على مخلوق في شيء ، فأمر الخلق اليه واستعمل احسن السلوك وتودد الى القوم الذين يتودد اليهم ابوك ولا تهتم بأمر المعاش فان أباك قد فارق أباه وهو ابن سبعة أيام فدبره الله على ما رأيت. وامك امك احسن خدمتها فقد ربتك صغيرا وخدمتك كبيرا ولئن مكنك الله واني لارجو ذلك فلا تجعل على يدها يدا ولا تقدم عليها احدا اخوتك اخوتك احسن تربيتهم وادبهم وكما يرضي الله واهل الورع".
وكان محمد رضا الشبيبي نفسه يعتز كثيرا بارومته العربية الاصلية. فقد كتب عن والده بخط يده انه من اسرة عربية عريقة في العلم والادب شهيرة في النبل والكرم.
يقول الشبيبي عن نفسه " كان لي ولع بتعلم اللغات ايام شباب ولكن لم اجد لغة غير العربية اجادة تامة .. اني اعرف طرفا من الفارسية ، ومن اللغات الشرقية الاخرى ومن بعض اللغات الغربية".
ويقول ايضا"إانني لا أدعي بأنني صاحب رسالة ، بل أنا ابذل جهدي في سبيل المصلحة العامة والعمل في سبيل المصلحة العامة ليس له نهاية فهو عمل باق ما بقيت الحياة وما ترددت الانفاس.
فقد عاش الشبيبي في صباه وشبابه حياة طالب علم ، منفتح الذهن ، صافي الفكرة، منشغلا بالقراءة والبحث ، يقتطع من ذلك أوقاتا للتفسح احيانا، وكان يمتلك عاطفة جياشة لم يفصح عنها غلنا الا عند وفاة زوجته التي هزته هزا، وكشفت عن كوامنه التي طالما لم يفصح عنها في اصعب لحظات حياته.
كان الشيخ محمد رضا الشبيبي سريع البديهة حلو النكتة ، لا يجامل احدا حتى اذا كان ذلك شخصا مثل نوري السعيد الذي كان يكن للشبيبي احتراما خاصا جديرا به . وكان لا يسكت عن كائن من كان اذا احس ان في كلامه ما يمس العراق من طرف خفي حتى وان كان ذلك شخصا مثل طه حسين الذي كان الشبيبي يجله لعلمه وأدبه.
تميز الشبيبي بطبع هادىء ، فكان يكضم غيظه في فورة غضبه حتى في عز أيام شبابه ، فلم يرد على أحد من منتقديه في ميدان العلم شفاهة او كتابة .
كان محمد رضا الشبيبي معتدل البنية حنطي اللون مربوعا اقرب الى الطول ، طبيعي النظر، خفيف اللحية . كان جاد المظهر متواضعا في الهيئة ، يلبس قباء بلون داكن ، وعباءة سوداء ، وعلى راسه عمامة بيضاء ، ايبدو متانقا حسب مفاهيم المجتمع يومذاك ، عرفه الجميع منذ شبابه وقورا متزنا بسيطا الى الحد الذي تجاوز فيه ثوابت ابناء طبقته،
للشيخ محمد رضا الشبيبي الشخصية العراقية الوطنية ، مواقف كثيرة معظمها طويت ولم يعرف عنها أحد من هذا الجيل، أو حتى البعض من الاجيال السابقة. فقد ولد الشبيبي عام 1887 وتوفي عام 1975 ،ولم يمك من حطاب الدنيا شيئا لا مال ولا عقار فقد كان بيته مرهونا يوم وفاته بمبلغ ثلاثة آلاف دينار.
شغل الشيخ محمد رضا الشبيبي خلال حياته مناصب سياسية، وثقافية، وتربوية في الدولة العراقية، منها مناصب وزارية وخاصة وزارة المعارف، كما كان عضوا في مجلس الاعيان .ويقود المعارضة فيه.فهو متأثر برأي الكواكبي في أن التربية هي اداة لتقويم الخلق ولسمو الروح.وان التربية يجب ان تكون اداة لمحاربة الشرور والاستبداد. وفي اطار التربية لدى الشبيبي يتعدى المدرسة ويتعدى الجيل الناشيء ، بل انها اداة اصلاح للجميع من اجل المجتمع المنشود لا يستثني منها احدا.
ويرى الشبيبي في حجر الام المدرسة الصغيرة التي تربيك على قدر استعدادك ثم ياتي دور الاب ثم الاسرة في تربية الطفل . اما تربية العقل وتثقيف الشعور هما وظيفة المدرسة والاستاذ في نظره. فيقول " نحن نريد للطلاب ملكات تجعلهم يقرأون ويكتبون وينشئون ويخطبون".
فقد ساهم الشبيبي في بناء الدولة العراقية بعد أن أختير لمقابلة الشريف حسين بن علي في مكة، ونقل له مطالب الشعب العراقي للتخلص من الاحتلال البريطاني . هذه المطالب التي بعث بها الشريف حسين بدوره الى نجله الامير فيصل الذي كان يشارك في مؤتمر الصلح بباريس عام 1919 ليعرضها على المؤتمر هناك.كما شارك الشبيبي في الحرب العالمية الاولى الى جانب الجيش العثماني ضد القوات البريطانية في العراق.
لم يعرف الشبيبي للتعصب معنى أيا كان شكله قوميا أم دينيا أم طائفيا ،
مما جعل الجميع يتحدثون اليه بملء الحرية في تبادل الرأي بعيدا عن الغرور والكبرياء. وهو الى ذلك كان وفيا للجميع للقريب والصديق والجار والبعيد. وقد تجلى وفاؤه في حبه للنجف الذي كاد ان يكون عشقا لا يجاريه عشق الوطن. وكان ذلك ضربا من ضروب الوفاء الجليل لمسقط رأسه حيث عاش أيام صباه وشبابه وحيث تعلم وعلّم وحيث ساهم في الحياة السياسية والادبية مساهمة فعالة.فمنذ ايام شبابه جمع الكتب والمخطوطات النادرة واولاها اهتماما خاصا وكان من الذين يحضرون باستمرار مزاد الكتب الذي كان يجري كل خميس وجمعة في قيصرية علي اغا بالنجف فتجمعت لدية طائفة كبيرة من رسائل وكتب ومخطوطات نفيسة. وقد تمع لديه ما يربو على سبعة الاف مجلد بين مخطوط ومطبوع.
لم يتناقض اباؤه مع تواضعه ووفائه اذ لم يكن فيه اي قدر من التعالي ، فقد جاء اباء الشبيبي من كونه مجبولا على معاداة الذل والهوان والاستبداد فهو لم يكن من النوع الذي يرضيه " مشروع ضيم موردا" او يقبل بـ" مرتغ ذل مرعى" كما ورد في خماسية له تحمل عنوان " نفثة مصدور" نشرها في عز شبابه.
كان الشيخ الشبيبي يعرف ان لكل مقال مقام مما جعله انسانا ممتعا ، اما تقواه وادبه الجم وسلوكه القويم فلم يكن لاي منها حد او حدود، ولم ينجذب لمغريات الحياة ولا لمجلس السمر التي كان يرتادها العديد من معاصريه في مجال الشعر. ولم يكن ضعيفا امام المال بل انه جرب الحاجة اليه مرارا في حياته وربما كان ذلك احد اسباب عدم ميله للرحلات، ومن المنطلق نفسه لم يتخذ من الادب والعلم حرفة تدرّ المال عليه.وفي هذا المجال يقول الشبيبي في احدى قصائده:
المال مأرب كل في صناعته بئس الصناعة لا كانت ولا الأرب
يستعجلون من الاغراض اعجلها أين التطوع في الأعمال والقرب
يقيض الله رزقا غير محتسب اذا مضى عمل في الله محتسب
كان الشيخ الشبيبي من المطالبين بالحرية والدستورية وضد الاستبداد لذلك نراه وقف موقفا مساندا لحركة الاتحاد والترقي في تركيا عام 1908 ووقف معها بحماس حاله حال اي مثقف عربي آخر ، اذ علق عليها آمالا كبيرة بانها تؤدي الى انعتاق العراق من مشكلاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تفاقمت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني 1876 – 1908 . لكن سرعان ما اصيب الشبيبي مثل اقرانه الوطنيين بخيبة امل كبيرة من سياسة الاتحاديين التي انصبت في اتجاه قومي متعصب معاد للطموحات المشروعة للشعوب غير التركية الداخلة في الامبراطورية العثمانية. فقد نقض الاتحاديون عهودهم التي قطعوها للعرب وللقوميات الاخرةى بشأن منحم حقوقهم القومية وبدأوا يتبعون سياسة اطثر ديكتاتورية مما سبق عهدهم واقاموا نظاما مركزيا جعلوا من سياسة التتريك احد اهدافه المركزية. مما زعزع الثقة بهم. وانتقل الشبيبي الى الخندق المعادي للاتحاديين.
كما تأثر بافكار جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا التحررية الاصلاحية التي كانت تصل الى العراق بصورة خاصة عن طريق مجلتي " العروة الوثقى" و" المنار" وغيرهما.اذ كان الشبيبي على اتصال وثيق بالصحافة العربية ولا سيما بـ" مجلات مصر وسوريا" التي وجدت طريقها الى العراق فالنجف في تلك المرحلة. وكان اكثر العراقيين نشرا فيها.
يقول الدكتور عبد الرزاق محي الدين رئيس المجمع العلمي العراقي السابق الذي زامل الشبيبي على مدى سنوات " ان الشبيبي واقرانه كانوا يقرأون بلهفة وشوق ما في صفحات المجلات والجرائد العربية من ابحاث ومقالات ، فبدأوا عن طريقها يقرأون آثار الافغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وشبلي شميل واليازجي والبستاني وغيرهم فتلقوا افكارهم ".
كما ان الشيخ الشبيبي تأثر بتجربة الثورة الدستورية في ايران عام 1905 اذ كانت النجف على اتصال بتلك الثورة التي فرضت الدستور والبرلمان على الشاه بعد اقل من عام على انطلاقتهابحكم سيل الزوار الايرانيين الى العتبات المقدسة في العراق الذين تحولوا الى اشبه بمراسلين ينقلون انباء الثورة واخبار تطوراتها ووقائعها.كما كان الشبيبي معجبا بمدحت باشا وبافكاره واصلاحاته.
الشبيبي ضابطا في الجيش العثماني
--------------------------------
والشيخ الشبيبي يتحدث عن نفسه حينما كان ضابطا احتياطا ضمن القوات العثمانية ببغداد، ومشاركته القتال معها ضد القوات البريطانية التي دخلت العراق عند الحرب العالمية الاولى عام 1914 ، في حديث له مع جريدة الزمان البغدادية لصاحبها النائب عن مدينة الموصل توفيق السمعاني وذلك في عددها الصادر بتاريخ 6/1/1957 فيقول"كنا من طلاب مدرسة ضباط الاحتياط التي انشئت في بغداد، عقب اعلان الحرب العالمية الاولى، وكانت المدرسة مكونة من صف واحد، قسّم الى شعب أربع، وكان عميد هذه المدرسة، ضابط تركي من صنف أركان الحرب أسمه- عادل بيك- وأختير المدرسون كلهم من الضباط الاتراك، ولا أنسى أن بعضهم من الالبانيين، وأبناء الاستانة من الاتراك، وكان من زملائنا في مدرسة ضباط الاحتياط ،الاستاذان نصرة الفارسي وناجي شوكت وغيرهما. أما مكان المدرسة المذكورة فهو متصرفية بغداد بالقرب من القشلة . وكانت قبل ذلك مدرسة لطلاب الحقوق في بغداد .كنا نتدرب يومذاك تدريبا عنيفا على استخدام الاسلحة الحديثة في ضواحي بغداد . والواقع ان بعض رجال الادارة والجيش من الاتراك، لم يكونوا مرتاحين الى اندماج الشباب العراقي في هذه المدرسة، وتلقي الثقافة العسكرية، فلذلك حاولوا فصل العناصر العراقية البحتة، من البقاء في المدرسة المذكورة، وارسالهم الى الوحدات العسكرية المحاربة على حدود المملكة التركية في آسيا الصغرى، والاناضول، ثم سوي الامر بيننا وبين ولاة الامور، وأعفي من أعفي من الخدمة العسكرية".
ويضيف الشيخ الشبيبي" وقد التحق بمقر القائد العام للحملة العسكرية الكبيرة، التي جهزت لاسترداد البصرة المحتلة، من قبل القوات البريطانية، وهو يومئذ شخص أسمه- عسكري بيك- من كبار قادة الجيش التركي، وقد انتحر عقيب فشل الخطة المرسومة لاسترداد البصرة، في معركة الشعيبة الطاحنة. وقد شهدنا المعركة في الخطوط الامامية، وعاصرنا بكثير من الوقائع والغلطات العسكرية والادارية، التي أرتكبتها السلطات المسؤولة في ذلك الحين، وفي مقدمتها فقدان الاستخبارات والمعلومات الصحيحة، عن متانة مركز الانكليز المحتلين ومواقعهم العسكرية في الشعيبة، فان القيادة العسكرية التركية أخطأت في ظنها بضعف شبكة الحصون والمعاقل، التي أقامها الجيش البريطاني في الدفاع عن البصرة، وقد ثابرنا على هجومنا نحوا من أربعين ساعة، وأستطاعت بعض فرق الجيش التركي، أن تحتل بعض الخطوط الامامية من معاقل الشعيبة، ولكن الانكليز قاموا بهجوم مقابل عنيف، أسترجعوا فيه تلك الخنادق الامامية، التي أحتلها الجيش التركي"
ويواصل الشيخ الشبيبي" ومن ثم تجلت أمام القيادة التركية العامة الحقيقة المرة، وهي متانة المعاقل والخنادق، التي تحتلها الجيوش البريطانية، فأتخذ القائد العام – عسكري بيك- قرارا بالانسحاب من الشعيبة الى الشمال، ولكن الانكليز أنتهزوا هذه الفرصة فقاموا بهجوم مقابل عنيف أضطرنا الى التقهقر بغير انتظام.
وتشتت الجيش التركي ومن يؤازره من المجاهدين العراقيين، وقد أشرف الانكليز على ضبط المقر العام للقائد التركي وأسره، ومن معه من أركان حربه، ولكنه آثر الانتحار على الوقوع في الأسر. وقد وقعت هذه الحادثة في الغابة الغبياء الواقعة في ضواحي مدينة الزبير، وتسمى البرجسية، وهي غابة قوامها شجر الاثل والطرماء، وكانت صالحة للتستر والتنكر من الوجهة العسكرية"
وعن التحاقه بمقر الجيش التركي ببغداد يتحدث الشيخ الشبيبي فيقول" تركنا الدراسة في مدرسة( احتياط ضباطي) والتحقنا أولا ببعثة عسكرية بعثت الى الجبهة الشرقية من حدود العراق، لمفاوضة بعض أمراء الاكراد الذين يحتلون بعض المواقع الاستراتيجية المهمة بالنسبة الى الجبهة التركية، بين الكوت والعمارة، وكان ضمن هذه البعثة عدد من الضباط الاتراك ومن البغداديين، وكان مراد بيك شقيق حكمت سليمان يشغل منصبا ممتازا في البعثة المذكورة، وقد أقلتنا باخرة من بغداد بين المظاهرات الشعبية الصاخبة لتوديعنا، وأتجهت بنا الى الكوت، وكانت بعثتنا تقابل بالترحاب والحفاوة والمظاهرات، في الجهات الواقعة بين بغداد وحتى كوت الامارة . وبعد أن مكثنا في الكوت بضعة أيام تحركنا الى- وادي بادراية- والى بلدة – بدرة- عن طريق هور – الشويكة- و- جصان- ومن بدرة ذهبنا الى مخيمات أمراء الاكراد التي كانت هي المقصد في هذه الحركة، وكانت هذه المخيمات مضروبة على واد غزير المياه في ذلك الحين هو – وادي باكسايا- ومكثنا بضع ليال في ضيافة أمير الاكراد هناك، الى أن تأكدنا من حسن موقفه، الى جانب الدولة العثمانية، والجبهة العسكرية التركية في مواقعها المعروفة الواقعة بين الكوت والعمارة".
لقاء الشيخ الشبيبي بالشريف حسين
-------------------------------
وعن لقائه بالشريف حسين بن علي ملك الحجاز بمكة المكرمة يتحدث الشيخ الشبيبي لصحيفة الزمان البغدادية الصادرة في 1/3 / 1958
فيقول" في أواسط سنة 1919 غادرت العراق الى الحجاز، عن طريق البادية، فوصلت الى مكة يوم الخامس من شهر ذي الحجة 1337 هجرية، وقد أتصل بالملك من قبل ذلك نبأ وصولي الى البلد الحرام، فأرسل اليّ أثنين من الضباط المنتسبين الى المرافقين في القصر، وأبلغوني بأن الحسين بن علي مرتاح ومهتم بهذه الزيارة، وأنه يرغب بمقابلتي في اليوم التالي.
وفي الوقت المحدد ذهبت الى القصر، فاستقبلنا بعض المرافقين من الضباط ، ثم دعيت بعد الاستراحة في مكتبه الى الغرفة الخاصة بالملك، وهي على غاية من البساطة في أثاثها ومرافقها، وقد وجدته رحمه الله منفردا في المجلس، فسلمت عليه ورد من ناحيته ردا حسنا، ونهض قائما فدنوت منه، ولاحظت أن على مكتبه منظارا يتطلع به طلع المدينة من شرفة الغرفة، وبادرني بالسؤال عن الاوضاع في العراق، فوصفت له الحالة الراهنة في ذلك الحين، ولا أنسى أنني قلت له أن العراقيين علقوا على الثورة العربية الكبرى آمالا جساما، وأنهم واثقون بأن استقلال العراق وحريته وسيادته في مقدمة ما يشغل بال الدولة الهاشمية، وأنكم معنيون بتحقيق أمانيهم، كعنايتكم بأماني أبناء الجزيرة العربية نفسها.
فقال لي: أجل وسأضحي بكل ما عزّ وهان، حتى عرشي في سبيل انتزاع حقوق العرب من الطامعين والمستغلين، الى غير ذلك، مما ترك في نفسي أبلغ الاثر، ثم ناولني كتابا بهذا المعنى صادرا بتوقيعه. وقد فعل رحمه الله، فان الانكليز أبعدوه الى قبرص بعدما جربوا منه صلابة العود وقوة الشكيمة.واطلعناه على توتر العلاقات الشديد بين الشعب العراقي والسلطات العسكرية البريطانية المحتلة، وأكدنا له أن الشعب العراقي ينوء بأعباء ثقله من حكم المحتلين وسياساتهم الاستعمارية الغاشمة، وجبروت الحكام السياسيين وطغيانهم، وجلهم من ضباط الجيش البريطاني المحتل، بعضهم شباب أغرار لاخبرة لهم بشؤون العراق ولا بالشؤون العربية، ولا يفرقون بين سكان الغابات والادغال الافريقية وبين سكان ضفاف الرافدين. اذ كانت هذه السياسة الاستعمارية الرعناء، وهذا الجهل المطبق والطغيان مؤذنين بالانفجار ،ونشوء ثورة عامة لا مفر منها في البلاد، ضد تعسف السلطات المحتلة.
قلت له: جلالة الملك ان الانفجار وشيك في العراق، اذا استمرت السلطات الانكليزية المحتلة على تسويفها ومماطلتها في الوفاء للامة العربية، بحقوقها المقطوعة، وقد حملت اليكم بعض الوثائق الخطيرة في هذا الشأن، ثم دفعت اليه مجموعة من تلك الوثائق المذيلة بتواقيع زعماء العراق وذوي الحل والعقد والمكانة في تلك البلاد، وقد تضمنت نتيجة الاستفتاء الذي أجرته السلطات البريطانية المحتلة في بلادنا، وخلاصتها أن العراقيين يطالبون بالسيادة والاستقلال السياسي التام. وأن تكون في البلاد حكومة ديمقراطية دستورية حرة. وقد لاحظت فور انتهاء الحديث التأثر البالغ على ملامح الحسين بن علي .وقال لي: كيف جرى الاستفتاء؟ هل أقدمت عليه السلطات البريطانية؟ فقلت: نعم جرى هذا الاستفتاء بعد أن القت الحرب العامة أوزارها، ووقع على بنود الهدنة بين الحلفاء وتركيا واذيع البيان المشهور، من قبل الدول المتحالفة الكبرى وهي الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا، وقد منحت الشعوب في هذ البيان حق تقرير المصير، لذلك انتهز العراقيون هذه الفرصة فأجمعت كلمتهم تقريبا على المطالبة بحقهم والتحرر والانعتاق.
وعند ذلك دخل اثنان من الامراء، لا أنسى أن أحدهما كان الامير عبد الله اذاك فقال لي : أنت تعلم أن الامير فيصل قد بارحنا الى فرنسا لتمثيل المملكة الهاشمية في مؤتمر الصلح، وقد كلف بالدفاع عن حقوق العرب كافة، طبقا للعهود والمواثيق التي حصلنا عليها قبيل أعلان الثورة. ولما كانت هذه الوثائق التي حصلنا عليها قبيل أعلان الثورة ، ولما كانت هذه الوثائق التي حملتموها من العراق ثمينة جدا ولا غنى لنا عنها في المطالبة بالحقوق، فسنرسلها اليه فورا ، وهكذا كان فانني علمت بعد مغادرتي الحجاز والوصول الى دمشق، أن الوثائق المذكورة وصلت الى الامير فيصل، اذ ذاك الذي كان قد أتجه الى الغرب الى لندن وباريس ومثّل الحكومة الهاشمية الحجازية في مؤتمر فرساي مطالبا بالعهود المقطوعة لوالده ملك العرب، فقد ظهر بعد ذلك ما ظهر من غدر الحلفاء وخيانتهم، وأعتبار بلاد العرب نهبا مقسما بينهم. فكانت سوريا من حصة فرنسا، وكان العراق وبعض الاقطار العربية من حصة الانكليز. وأن الملك فيصل أدخل مطالب العراق في مقدمة مطالب العرب أستنادا اليها.ولم أمكث طويلا في الحجاز، وبارحت تلك البلاد المقدسة الى الشام، وواجهت هناك قادة الثورة العربية، وجلهم من الضباط العراقيين، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، حتى حدث ما حدث في الشام بين الحكومة الهاشمية وبين السلطات الفرنسية المسؤولة عن الساحل، بعد أن عاد الملك فيصل الى الشام من أوروبا فتأكدت ذلك منه ثم تتابعت الاحداث، وتآمر الحلفاء على نكث عهودهم، وكان ما كان من عدوان الفرنسيين على المملكة الهاشمية في الشام واحتلال البلاد، وغادر الملك فيصل دمشق بعد فاجعة ميسلون التي أندحر فيها السوريون، وأحتل الفرنسيون العاصمة، ودخلها جيش السنغال الاسود دخول الظافر، ولاحظنا أن جيش الاحتلال يتألف من وحدات مختلفة واجناس متعددة، منهم فرقة مراكشية مشهورة لها أزياء خاصة وفرقة مختلفة من أجناس شتى. كنت على أتصال دائم وأنا في الشام بأخواننا المواطنين فطلبت اليهم التريث، الى حين اعداد العدة لمناجزة الناكثين بالعهود، غير أن أخواننا لم يطيقوا الصبر، فأعلنوا الثورة تلك الثورة المجيدة على السلطات البريطانية المحتلة، وأستبسلت عشيرة الظوالم بقيادة زعيمها شعلان بطل وقائع الرميثة، فكانت ثورة عامة على السلطات المحتلة الغادرة، أكرهت الانكليز على تغيير سياستهم تجاه العراق تغييرا أساسيا، ومنحهم قسطا من السيادة والاستقلال. ووافتنا الانباء بمجريات الثورة المعروفة بـ( ثورة العشرين) ومن ذلك يفهم من أن كلا من الثورة العربية والعراقية قامت على مبادىء نبيلة، وهي طلب الحرية والاستقلال، والتمتع بما تتمتع به الامم الناهضة، من الحقوق. وقد عاد الملك فيصل من أوروبا الى مكة في أعقاب الثورة العراقية، حيث كان فيها رهط من قادة الثورة وزعاماتها، فعرف كل واحد منهم للاخر، وكان الملك فيصل هو المرشح الاول ليكون الوازع في هذه البلاد. وافق على ذلك والده الملك حسين بن علي، كما اقترن الامر بموافقة الحكومة البريطانية.
وتعددت الاجتماعات بين قادة الثورة العراقية، وهم في الحجاز وبين الملك فيصل، وكانت علامات الاستفهام تتراقص على شفاههم، ولذلك قصدوا في احدى العشايا الامير فيصل، اذ ذاك ووجهوا اليه هذا السؤال: هل قطع لكم وعد بالاستقلال التام لاتشوبه شائبة أم قطع لكم بعض الشؤون السياسية؟ فأجابهم الامير فيصل : جئتكم بالاستقلال مع نظام يسمى نظام الانتداب المؤقت، وهو نظام سينتهي بدخول الدولة العراقية الى حضيرة عصبة الامم. فساوربعض اولئك العراقيين ما ساورهم من القلق، وبعد ذلك دعي قادة الثورة الى جلسة خاصة ترأسها ملك العرب الحسين بن علي، وقال لهم فيما قال : هيا مع ملككم الى بلادكم . ولم تمض على هذا الاجتماع مدة قريبة حتى رست في ميناء جدة بارجة حربية من قطع الاسطول البريطاني، فأقلت الامير فيصل وأكثر أولئك القادة الى البصرة، وأستقبل العراقيون مقدم الامير فيصل بحفاوة بالغة معروفة في التاريخ، وتلا ما تلاه من الحوادث التاريخية المعروفة" .
مشروع مد المياه من العراق الى السعودية
-------------------------------------
مشروع مد المياه من العراق الى السعودية عدلت الحكومة السعودية عنه الذي يكلف 20 مليون دينار انذاك ، وذلك بعد ان اظهرت دراسة للخبراء الجيولوجيين تؤكد وجود مياه جوفية غزيرة في الرياض وما جاورها بنحو 400 الف كيلومتر مربع.
وكان العلامة الشيخ محمد رضا الشبيبي قد تنبأ بوجود هذه المياه الجوفية الغزيرة، منذ اوائل العشرينات من القرن الماضي حينما قام بالزيارة هذه المعروفة الى قلب الجزيرة ،والتقى عندها الشريف حسين في مكة المكرمة.
اذ كان من نتائج زيارة العاهل السعودي الملك سعود بن عبد العزيز، الى بغداد للفترة من 11-18 ايار /مايس 1957 ان تلقت الحكومة العراقية طلبا سعوديا لتزويد الرياض بالمياه. وفورا عقد مجلس الوزراء برئاسة نوري السعيد جلسة لدرس الطلب ووافق عليه مع ابداء الاستعداد لشتى التسهيلات والمساعدات لانجاز هذا المشروع الحيوي. الذي يقتصر على مد انابيب المياه من العراق الى الرياض. وهذا المشروع سبق ان طرح اثناء اجتماع الملك فيصل الاول بالملك عبد العزيز آل سعود سنة 1931 حينما كان نوري السعيد رئيسا للوزراء . ولكن حال دون تنفيذ المشروع، قصر الامكانات المالية في المملكتين حينذاك. ولكن في عام 1957 خرج المشروع من جديد ونوري السعيد على راس الوزارة ايضا لذلك قابل الطلب بمنتهى السرور والابتهاج، وسارع الى عقد اجتماع لمجلس الوزراء للموافقة عليه . الا انه كما قلنا فقد عدلت العربية السعودية عن انجازه لظهور المياه الجوفية في المملكة السعودية.
الشبيبي ونوري السعيد
--------------------
عن نوري السعيد يتحدث الشيخ محمد رضا الشبيبي فيقول " في أحد الايام وحينها كنت وزيرا للمعارف، صرخت بوجه نوري السعيد في المجلس، وقلت له أنت دكتاتور. فقال لي نوري السعيد ( اذا أنا ذهبت وجاءت من بعدي حكومة أخرى ستعرف من هو الدكتاتور)
ويضيف الشيخ الشبيبي" وفعلا لم تمض سنوات بعد هذه الواقعة الا وأبتلينا بما قاله نوري السعيد، فقد حدث الانقلاب العسكري، الذي قام به عبد الكريم قاسم 1958 . ففي يوم من الايام كنت جالسا في بيتي، واذا بطارق يطرق عليّ الباب، فخرجت لارى جمعا من الشباب الثوري، وهم يقولون لي أن ابنتك متهمة ،وانها مناهضة للشيوعية وللحزب الشيوعي الحاكم. قلت وماذا تريدون منها؟ قالوا نريد أن تأتي معنا لنسالها بعض الاسئلة. قلت لهم أصبروا حتى أخبرها بذلك وأغلقت الباب، ثم أتصلت بالهاتف برئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، وقبل كل شيء أخبرته بقصة نوري السعيد وما قاله لي، ثم قلت لقاسم خبر الذين جاءوا الى بيتنا وهم لا زالوا أمام الباب ينتظرون الفريسة. قال لي رئيس الوزراء أصبر قليلا فاني سأبعث عددا من رجال الشرطة لتفريقهم . ثم قلت له الان فهمت كلام نوري السعيد مالذي صنعتم بالبلد؟ ويقول الشبيبي أغلق قاسم التلفون ، ولم يمر سوى دقائق حتى جاءت مفرزة من الشرطة، فأحاطوا بهؤلاء الشباب ثم فرقوهم عن الدار".
موقف الشبيبي من حكومة الايوبي
------------------------------
وحينما استقالت حكومة نوري السعيد وشكل علي جودت الايوبي حكومة جديدة تحدث الشيخ محمد رضا الشبيبي عضو مجلس الاعيان بكلمة القاها في اجتماع مجلس الاعيان بتاريخ 25/6/1957 طالب فيها حكومة الايوبي باطلاق سراح المعتقلين واعادة الاساتذة والطلاب المعتقلين الذين تم اعتقالهم اثناء الحكومة السابقة – حكومة نوري السعيد- على اثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وطالب الشبيبي ايضا من الايوبي تقديم بيان سياسته او عن خطوطها العامة وقال ان الحكومة السابقة اي حكومة نوري السعيد لم تتمتع بتأييد كاف من الشعب حتى استقالت.
وتحدث الشيخ الشبيبي عن الارادة الملكية بقبول استقالة الوزارة السابقة وتأليف وزارة جديدة برئاسة الايوبي فقال لقد تليت الارادة الملكية بشأن استقالة الوزارة السابقة وتاليف الوزارة الجديدة وقد كانت هناك عادة جارية في كثير من الحوادث المشابهة للحادثة المذكورة بان تتقدم الحكومة ببيان شفهي او غير شفهي عن خطوط السياسة العامة التي تتبعها . فيسرنا ان يزود مجلس الاعيان بهذه المناسبة ببعض البيانات من قبل فخامة رئيس الوزراء عن سياسته التي يتبعها في هذا الدور.
ورد الايوبي قائلا: أرجو من العين المحترم – يقصد الشيخ الشبيبي- ان يعطينا فرصة قصيرة حتى نقدم للمجلس العالي ببياننا الذي يطلبه في فرصة قريبة ان شاء الله. وهنا تحدث الشيخ الشبيبي مرة أخرى وقال" أنا والمجلس لانبخل في منح الوزارة، أو فخامة رئيسها فرصة قصيرة أو طويلة حسبما يشاء للادلاء ببيانه، ولكن هل يمنح فخامته المجلس فرصة أخرى لان المجلس على أهبة انتهاء دورته، ولا أظن أن هناك مجالا لأن يجتمع المجلس مرة أخرى، للاصغاء الى البيان السياسي، أو المنهج الذي يتقدم ببيانه أو لم يشأ؟ ولكني أقول ان طلب الفرصة بمناسبة انتهاء الدورة لا يسفر عن نتيجة.
ورد الايوبي قائلا : هذا الامر عائد الى المجلس فاذا اجتمع فأنا حاضر للادلاء بالبيان واذا لم يجتمع فأنا حاضر أيضا . وهنا تحدث الشيخ الشبيبي مرة أخرى وقال : طبعا نحن نشكر فخامة رئيس الوزراء، ولكن هناك أمور يجب تنويرنا هذا اليوم ، نبذة عن المفاوضات المالية التي دارت بين الوفد العراقي والوفد الاردني، ولكن لم تقترن هذه المفاوضات بنتيجة حاسمة، فيسرنا لو تتقدم الحكومة بايضاح واف عن هذه المرحلة التي توصلت اليها لمفاوضات، وما هو القرار الذي اتخذ بهذا الشأن؟
وأضاف الشبيبي .: قلت ان الامر متروك لفخامة رئيس الوزراء، اذا أراد أن يدلي أولا يدلي بشيء عن سياسة وزارته في هذه الجلسة، وما دام فخامته فضل الا يدلي ببيان عن السؤال الذي وجهته بشأن المرحلة التي وصلت اليها المفاوضات، وددت أن أعلق على حادث استقالة الوزارة السابقة ومجيء الوزارة الجديدة، فليس من الموافق أن يمر مثل هذا الحادث بدون بيان أو تعليق أو ايضاح أو بحث في البرلمان . وبناءا على هذا أرغب في أن أتحدث بصورة موجزة خلاصتها تعليقا على الحادث السياسي المذكور في هذا البلد. أخيرا استقالت الوزارة السابقة بعد أن طولبت في الواقع أكثر من مرة بان تنسحب أو تستقيل، سواء داخل المجلس أو خارجه غير انها لم تعر هذه المطالبات التي طولبت بها اذنا صاغية، فبقيت في دست الحكم ولي أن أقول انها لم تتمتع كحكومة عراقية، لم تتمتع سياستها بتأييد كاف من الشعب حتى استقالت.
اننا لا نريد أن نخوض في أو نبحث التفاصيل التي أدت الى هذا الحادث، الا أن الشعب العراقي لم يمنح الوزارة المستقيلة ثقة تامة، وانما نود أن نشير الى نقاط مهمة، ونطالب الحكومة الحاضرة، أن تعنى بها.فالوزارة المستقيلة جاءت الى الحكم كما يعلم الكل لغرض معين هو ابرام ميثاق بغداد، وقد ابرم .ولكن ما حدث بعد ذلك من تضييق على كثير من احرار البلاد ومواطنيها النخلصين بحجج ما انزل الله بها من سلطان مثل تهم الشيوعية او تهم غيرها حتى ادى ذلك الى اعتقال عدد غير قليل من المعنيين بالسياسة وزج غير واحد منهم ومن غيرهم في السجون والمعتقلات واجراء التحقيق معهم واحالتهم للمجالس العرفية الى غير ذلك من الاساتذة وهيئات التدريس العليا وفصل عدد غير قليل من من طلاب المدارس العليا وغير العليا وبمناسبة الاشارة الى هذه الامور نرجو الوزارة الحاضرة اذا اقتضت المصلحة كما تراها ان تعني بهذه الاجراءات التي اعلنت عنها هنا ان الشعب تردد كثيرا او امتنع عن منح تلك الوزارة المستقيلة الثقة المطلوبة . أقول:
1 – اطلاق سراح جميع المعتقلين الذين اعتقلوا في تلك الظروف.
2 - اعادة المفصولين من الاساتذة والمدرسين والطلاب الى وظائفهم والى مدارسهم.
وقال الشيخ الشبيبي: نعم استقالت الوزارة السابقة وأود أن أشير الى ناحية اقتصادية وضعت تلك الوزارة سياستها في ناحية واحدة وهي انها صرفت جملة غير قليلة من عائدات النفط في هذه البلاد ، وهي عائدات كثيرة ونفقات طائلة على وجه لا أراه انه أدى أو سيؤدي في المستقبل الى رفع مستوى معيشة الشعب العراقي.
واضاف الشيخ الشبيبي : وهذه العائدات كما لا تخفى أصبحت تكون الجزء الاكبر من ميزانية الدولة . وقد لاحظنا أن الوزارة المستقيلة اتكلت اتكالا تاما على عائدات النفط اي انها اتكلت على مورد واحد من موارد الدولة بينما لا يخلو مثل هذا الاشكال على مورد واحد من موارد الخزينة من خطر لان البلاد زراعية مثل كل شيء ولا نذيع سرا اذا قلنا اننا لا نملك من شؤون النفط شيئا يطمئننا على اننا نستطيع الاحتفاظ بمثل هذه العائدات دائما، فلولا لا سامح الله على شؤون النفط طارىء كما وقع أخيرا وذهب قسم من العائدات أو كله فماذا تصنع البلاد مع انها عودت على عائدات لم تألفها في السابق؟ مع ان هناك مقاييس للصرف العام والصرف الخاص جرت على اساس ميزانية لا تقل عن 100 مليون ديناربعد ان كانت ومنذ مدة غير بعيدة لا تزيد عن ربع هذا المبلغ.
وقال الشيخ الشبيبي: استخلص من هذا أمرا واحدا هو أن عناية الحكومة وسياستها يجب أن ترمي الى تنمية جميع موارد البلاد والا تتكل الدولة على مورد معين قد يكون يوما ما في كفة القدر مثلا الموارد الزراعية والطبيعية والاقتصادية من البلاد وغيرها ونحن نرى وضعنا الزراعي . وكما قلت ان البلاد زراعية – يتأخر- سنة بعد أخرى ويسوء وان حالة المزارعين والفلاحين لا يغبطون عليها وان واردات الخزينة من هذه الناحية تتضاءل سنة بعد أخرى. ولهذه المناسبة أقول ان سياسة الوزارة المستقيلة جديرة بالمناقشة والحساب من هذه الناحية وطالما حاسبناها وناقشناها على تردي الاوضاع الاقتصادية في البلاد لذلك رجونا الوزارة الجديدة ان تعير هذه النواحي اهتمامها وان توافي المجلس بالخطة التي تتبعها في الاصلاح العام بالبلاد.
احمد مختار بابان
وتحدث احمد مختار بابان وزير الدفاع وقال: من حق العين المحترم الشيخ الشبيبي ان ينتقد ويلوم على ما تعلمون ان معاليه قد استنفذ خلال مدة حكم الوزارة السابقة كل ما عنده من اعتراضات واحتجاجات وبيانات وقد اجيب عليها من قبل فخامة رئيس الوزراء المستقيل والوزراء في ذلك الوقت . وقد تكون كثير من تلك الاعتراضات في الحقيقة على غير حق وقد تكون على حق في اعتقاده هو، ولا يمكن ان يكون كل ما يقول او يعترض على صواب.
وانا مع احترامي لعقيدة كل شخص ومبدئية الشخص ، وبالنظر لما هو معروف عن معالي الشيخ الشبيبي من حرص على التقاليد البرلمانية .
وقال بابان: كنت اتمنى وانا احمل له كل احترام ان يتجنب توجيه اللوم للوزارة السابقة في الوقت الذي استنفذ ما عنده وفي وقت فخامة الرئيس السابق غير موجود فيه.
واضاف بابان: لقد قال معالي الشيخ ان الوزارة السابقة لم تكن كاسبة ثقة الشعب . ولا ادري من أين جاء معاليه بهذا؟ وكيف يقرر ثقة الشعب وحده؟ وكيف يتكلم وحده باسم جميع الشعب؟ انا لا اعتقد بان ذلك صحيحا.
ان لمعالي الشيخ عقيدته بما يشاء وقد يكون هو لا يثق بالوزارة السابقة ولكن لا ادري من أين جاء بقوله ان الشعب جميعه لم يثق بالوزارة السابقة ونحن ندري بان ثقة الشعب تمثل في مجلس الامة وان ما بينه معاليه لا يرضاه المجلس باجمعه.
وهنا رد الشيخ محمد رضا الشبيبي عضو مجلس الاعيان على كلام احمد مختار بابان وزير الدفاع قائلا: ان أيضا احترم شخص معالي وزير الدفاع واحترام ارء كل ذي رأي يبدي. وقد انفرد معاليه بالدفاع عن سياسة الوزارة السابقة وقال أو ادعى بانني استنفذت كل شيء في معارضتها وهذه الدعوة غريبة جدا . فهل يمكن لعضو في هذا المجلس ان يستنفذ كل ما عنده من أين علم ذلك؟ فان الذي قلته هو جزء مما يجب أن يقال ان كان في الماضي او في المستقبل. والقول بانني استنفذت كل ما عندي قولا لا اوافق عليه ولا يستطيع معاليه ان يؤيد هذه الدعوى او يبرهن عليها لان المرء مسؤول عما في نفسه . واما القول ان ملاحظاتي في السابق والحاضر لم تكن في محلها فاني اترك الحكم لذوي الضمائر الحية هذه في البلاد.
الشبيبي.. الشيخ المعارض
------------------------
وحينما قدمت مجموعة من القوى السياسية العراقي مذكرة رسمية الى حكومة السيد علي جودت الايوبي في 11/8/1957 تضمنت المذكرة ازالة اثار الاحكام العرفية، واتخاذ الاجراءات اللازمة للافراج عن المحكومين في القضايا السياسية، وفي مقدمتهم الاستاذ كامل الجادرجي زعيم الحزب الوطني الديمقراطي، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وكذلك اعادة النظر في فصل الاساتذة والطلاب ورد حقوقهم اليهم، بسبب وقوفهم ضد سياسة حكومة نوري السعيد اثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وأخيرا افساح المجال لحرية التنظيم الحزبي والنقابات واطلاق حرية الصحافة في العراق، ورفع المنع الذي استمر حقبة طويلة على دخول بعض الصحف العربية. فقد ردت الحكومة على هذه المذكرة على لسان خليل ابراهيم مدير التوجيه والاذاعة العام خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في 22/8/1957 قائلا" ان الحكومة تنظر بعين العطف الى قضية السيد كامل الجادرجي وأن 209 من الطلاب الراسبين في صفوفهم دعوا لخدمة العلم فسقط منهم بالفحص الطبي ودفع القسم الاخر البدل النقدي وبقي منه 49 من أصل 443893 طالبا في العراق . كما أن الطلاب المفصولين أتخذت التدابير اللازمة لاعادتهم الى مدارسهم، وأن الحكومة سعت لايجاد حل القضية الاساتذة الذين فصلوا، كما وانها على استعداد للنظر في طلبات تأليف الاحزاب السياسية.
وقال خليل " لا يخفى عليكم ان الذين حكمت عليهم المحاكم العرفية العسكرية، لا تستطيع الحكومة اطلاق سراحهم بمجرد أمر اداري، لان هذه الاحكام صدرت من محكمة لا بمجرد أمر اداري، وأن الاحكام التي صدرت وفق القانون لا يمكن أن تنقض الا بقانون. وليس هناك من المحكومين السياسيين سوى السيد كامل الجادرجي. والحكومة لا تستطيع اطلاق سراحه بأمر من رئيس الوزراء، أو وزير الداخلية، وانما بموجب صدور تشريع أو عفو . والحكومة تنظر بعين العطف الى هذا الموضوع، وهي ماضية في درسه من جميع نواحيه، وعندما يحين الوقت المناسب لا تتأخر عن اتخاذ الاجراءات القانونية لاطلاق سراحه باصدار عفو أو شيء قانوني آخر.
أما فيما يتعلق بالاساتذة الذين فصلواكما يقول خليل ابراهيم، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد، فلحسن الحظ لم يبالغ أحد في عددهم وقد حاولت الحكومة أن تجد حلا لاعادتهم، حتى أنها رجعت الى ديوان التدوين القانوني ولم تجد مع الاسف هذا الحل. ولم يبق لديها سوى استصدار قانون خاص .والقانون يتطلب ابرامه من مجلس الامة، ولعل الحكومة اذا رأت من المناسب التقدم بهذا القانون تتقدم به عند افتتاح المجلس.
أما افساح المجال للتنظيم الحزبي والنقابي، فهناك نقابات للعمال، وأما التنظيم الحزبي، فان قانون الجمعيات موجود، وقد رحبت الحكومة بمن يتقدم بطلب رسمي لتأليف جميعة سياسية، ولكن منذ تشكيل الوزارة الحاضرة حتى الان لم يتقدم أحد بطلب رسمي لتأليف حزب سياسي، وانما هناك مجرد اشاعات تتناقلها الصحف، والحكومة على استعداد للنظر في الطلبات التي تردها بهذا الشأن.
أما فيما يتعلق باطلاق حرية الصحافة، فانتم أعرف مني، اذا كنتم أحرارا فيما تكتبون أم لا وتستطيعون الجواب بانفسكم . وأريد أن أتساءل وأنتم تنشرون خطب عبد الناصر، وخطب المعارضة في لبنان وخطب المسؤولين في سوريا . أريد أن أتساءل ما اذا كانت هناك صحيفة سورية أو مصرية، تنشر خطابا أو تصريحا لرئيس وزراء العراق.
أما منع بعض الصحف من الدخول الى العراق، فهو اجراء ليس بجديد فهناك قانون منع وسائل الدعاية المضرة في العراق، وهو ساري المفعول منذ سنوات، والحكومات المتعاقبة قائمة بتطبيقه لحفظ أمن الدولة وصيانة أخلاق الناس، فهي لا تمنع دخول الصحف لغرض سياسي، فقط بل انها تمنع الصحف والمجلات الخلاعية والشيوعية والمضللة، وهذا الاجراء لم تلجأ له هذه الوزارة أو الوزارة التي سبقتها بل تلجأ اليه كل حكومة وكل دولة.
الشيخ محمد رضا الشبيبي من جانبه رد على بيان الحكومة العراقية حول مذكرة القوى السياسية الى الحكومة، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده في مبنى مجلس الامة في 26/8/1957 فقال" ان نظام الدولة هو نظام ديمقراطي، خوّل العراقيين مراقبة السلطات الاجرائية ومناقشتها الحساب . وقد كفل القانون الاساس للعراق حق الرأي والفكر والقول والكتابة والخطابة في حدود القانون. والطبقة الواعية من أبناء العراق حريصة جدا على ممارسة هذا الحق، الذي يفيد الحكومة والشعب معا من ممارسته . غير أن بعض الحكومات المسؤولة في الماضي أولت هذه النصوص الدستورية وغيرها من النصوص القانونية، في بعض الاحيان فعمدت الى تقييد الحريات الدستورية، وقد جئنا بمذكرتنا، التي قدمت الى فخامة السيد علي جودت الايوبي رئيس الوزراء، مطالبين باطلاق تلك الحريات من عقالها، الى غير ذلك من المطالب العادلة الضرورية.
وأشار الشيخ الشبيبي الى وزارة الايوبي فقال انها وزارة مؤقتة وانها استمرار للوزارة السابقة معتدة بسياستها ملزمة بالمحافظة على ما تركه عهدها المليء بالشذوذ من آثار . وبالرغم من ذلك فقد لقيت الوزارة القائمة الكثير من التشجيع، لعلها تقدم على احداث تبديل ذي بال في السياسة العامة داخلا وخارجا.
لقد مضى نحو شهرين من الانتظار وارتأى فريق من المواطنين المعنيين بالشؤون العامة على اختلاف وجهات نظرهم السياسية، تقديم مذكرة، تهيب بفخامة رئيس الوزراء أن يعمل على وضع حد لتحمل وزارته مسؤولية استمرار تلك الاوضاع، بما فيها من أغلال مقيدة لحقوق الشعب وهادرة لجريات أبنائه .
وقد دعت المذكرة كما قال الشيخ الشبيبي الى ازالة آثار الاحكام العرفية واتخاذ جميع التدابير اللازمة لاعادة الحياة الدستورية الى نصابها. وعبرت المذكرة تعبيرا واضحا عن شعور الشعب ومطالبه العاجلة فلقيت تأييدا شاملا تردد صداه في مختلف أرجاء العراق، بل كانت موضع اهتمام الواعين في أرجاء الوطن العربي، فدعمتها الصحافة العربية الحرة لما تضمنته من مطالب حيوية عادلة، فكان على الوزارة القائمة أن تولي تلك المطالب العناية بحسن التنفيذ، ولم يكن ليخطر على بال أن تلجأ الى اسلوب أثار الدهشة، اذ أطلقت العنان للمتحدث الرسمي باسم الوزارة السابقة ليكون الناطق باسمها، المكلف بتلافي تقصيرها في عدم الرد على المذكرة على حد تعبيره.
ثم أشار الشيخ الشبيبي الى بيان الحكومة والذي أدلى به مدير التوجيه والاذاعة ، الذي قال ان الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية استندت الى احكام القانون، والذي أعرفه أن ليس هناك من المحكومين غير السيد كامل الجادرجي، والحكومة لا تستطيع أن تطلق سراحه بمجرد أمر من وزير الداخلية أو رئيس الوزراء، وانما يجب أن يصدر تشريع أو عفو بذلك ولا تزال الوزارة حديثة التشكيل.
وقال الشبيبي نقول الوزارة قد دخلت شهرها الثالث من حكمها، دون أن تعالج الامر، وأن أضفاء صفة العصمة على الاحكام العرفية، مما يتنافى مع نص المادة 120 من القانون الاساس، التي أعتبرت القائمين بتنفيذها معرضين للتبعة القانونية، التي يترتب على أعمالهم الى أن يصدر قانون باعفائهم، كما تتنافى الصفة المذكورة مع الواقع اذ أن الوزارة السابقة استغلت الادارة العرفية لخدمة أغراضها الخاصة، والانتقام من معارضيها، وخصوصا السياسيين وملاحقة الكثير من المواطنين للبطش بهم وأرهاب غيرهم.
ووقال الشيخ الشبيبي :ليس صحيحا أن الاستاذ كامل الجادرجي هو الوحيد الذي حكم في قضية سياسية عن طريق الحكم العرفي . أما تنصل الوزارة من مسؤولية أستصدار العفو والقاء ذلكم على عاتق جهاز غير مسؤول، فأمر يتنافى مع نظام الحكم المقرر في البلاد، الذي نص على المسؤولية الوزارية، مما يجعل الوزارة وحدها هي المسؤولة عن اتخاذ جميع الاجراءات اللازمة، للافراج عن المحكومين في القضايا السياسية.
2- تطرق مدير التوجيه الى مقارنة من لحقهم الحيف من الطلاب بالنسبة الى مجموع الطلبة في العراق، وخرج من هذه المقارنة بأن عدد المعاقبين قليل، كأن الجور لا يكون جورا حتى يعم الجميع. هذا عدا عن المغالطات الاخرى في اقوال مدير التوجيه، اذ سيق في الواقع عدد من غير الخاضعين للتدريب الى معسكرات وقد كبل كل منهم بالحديد وكأنه مجرم يدفع الى السجن، وذلك دون التفات الى عدم توافر شروط الالزام بالتدريب بالنسبة لهم.
3- تساءل المتحدث الرسمي هل يستحق ذلك كل هذه الهوسة الطويلة العريضة في العرائض والبرقيات، وتلك لهجة في لغة الدواوين والبيانات الرسمية، لا نرى من المناسب الرد عليها، بل يحسن أن نمر بها بدون تعليق.
4- وبلغ المتحدث الرسمي الذروة في المغالطة حين أشار الى التنظيم الحزبي والنقابي، فزعم أن الحكومة لم يقدم اليها أي طلب رسمي لتأليف حزب، وما ينشر في الصحف بهذا الصدد مجرد شائعات، بينما يجب أن يعلم أن للهيئة المؤسسة لحزب المؤتمر الوطني، طلبا ما زال قائما لدى مجلس الوزراء من 16 تموز من السنة الماضية 1956 وقد سارت الوزارة القائمة في هذا الامر وعلى نهج الوزارة السابقة، وأبقت الطلب المذكور معلقا دون بت. واذا كان هذا شأنها في حرية احترام التنظيم الحزبي، فكيف يطمئن المواطنون الى تقدمها لاي طلب باجازة تنظيم حزبي أو نقابي، بل أن الوزارة القائمة لم تخرج عن خطة الوزارة السابقة، ولو بمنح اجازة واحدة باصدار جريدة جديدة على كثرة الطلبات المقدمة اليها.
5- ولم يفت المتحدث الرسمي في معرض الرد على المذكرة أن يتطرق الى الحريات في سوريا ومصر، ويزعم تقييدها هناك لعدم نشرها بيانات الحكومة العراقية، وكأن التعريض ببلاد عربية أخرى فرض يحرص مدير التوجيه على الا يسقط من حسابه حتى في معرض الرد على مذكرة عالجت الشؤون الداخلية فدعت الى اطلاق حرية دخول الصحافة العربية، لا من حق المواطنين في العراق الاطلاع عليها وليس فيها في واقع الامر ما يمس أمن الدولة، وانما مارس مدير التوجيه منذ عهد الوزارة السابقة صلاحيات مطلقة في منع الصحف العربية الحرة من دخول العراق لخلق جو من القطيعة مع سائر البلاد العربية مما يتنافى مع ما دعا اليه رئيس الوزارة القائمة من تصفية الجو العربي.
وأضاف الشيخ الشبيبي " هذا ولا نريد أن نتطرق الى نقاط أخرى من مغالطات الرد الرسمي لافتضاح امرها، وانما نرجو أن يوفق فخامة رئيس الوزراء الى أن يعمل شيئا يخالف ما انطوى عليه بيان المتحدث الرسمي، لاستمرار عهد الوزارة السابقة خلال فترة حكم الوزارة القائمة الان، وأن لا يدع فخامته مجالا لتلبيد غيوم جديدة تتراكم الى جانب الغيوم القديمة التي كانت مخيمة على العلاقات العربية.
واختتم الشيخ الشبيبي تصريحه قائلا" وختاما لابد لنا من القول بأن مطالب المواطنين الموقعين على المذكرة السياسية لا تزال قائمة، وهم يصرون على مطالبة المسؤولين باتخاذ ما يلزم، من الاجراءات لتحقيقها وفي مقدمة ذلك ما يتعلق منها بالحريات الدستورية، واطلاقها من عقالها، طبقا للمفاهيم والنظم الديمقراطية، والاقدام على تصفية آثار الاحكام العرفية.
موقف الشبيبي من ميثاق بغداد
---------------------------
ثم تطرق الشيخ محمد رضا الشبيبي الى ميثاق بغدادالذي ضم كل من تركيا وايران وباكستان وبريطانيا عام 1955 وقال" ان هذا الميثاق خوّل الدول المنضّمة اليه، التدخل في شؤوننا الداخلية، وقد بلغنا أن هناك تفكيرا في تحرير هذه البلدان من هذا الميثاق، وسمعنا أيضا بأن بعض الدول المنضّمة الى الميثاق تفكر في الخروج منه، واطلعنا على أحاديث رسمية لرؤساء هذه الدول فيا ليتهم عجلوا بالخروج من هذا الميثاق .
والقى الشبيبي أبياتا من الشعر جاء فيها
ليت هند أنجزتنا ما تعد وشفت أنفسنا مما تجد
وأستبدت مرة واحدة انما العاجز من لا يستبد
وقال الشيخ الشبيبي " انني أشكو من المرونة التي يوصف بها كثير من المسؤولين ومن المستوزرين في هذه السنوات الاربع او الخمس الاخيرة، فقد أستطاعوا حفظهم الله أن يهضموا وأن يقضموا جميع المبادىء والمناهج السياسية، فاذا لم تخنا الذاكرة نرى منهم من تعاون مع رئيس الوزراء الحالي،( المقصود عبد الوهاب مرجان الذي حل محل نوري السعيد في رئاسة الحكومة)
وقال الشبيبي" وقد تطرق معاليه اي علي جودت الايوبي- الى ذكر تعاقب الوزارات منذ استقالة وزارة فخامة نوري السعيد في حزيران الماضي - حزيران 1957 - وذكر أن أسباب هذه الاستقالة لم تعرف . وجاء بذكر وزارة فخامة الايوبي وقال عنها انها وان لم تعمل عملا اصلاحيا في الداخل أو تزيل بعض القيود، الا أنها بذلت جهدا في تنقية الجو العربي".
وأضاف الشيخ الشبيبي " ان الوزارة المرجانية جاءت الى الحكم ورئيسها معروف بالسلام، وقد حاول أن يكون حمامة السلام في أول الامر، فحدث وأكثر من الحديث عن تصفية الجو العربي، وازالة ما يعكر الصفاء، أكثر من مرة، وأعلن بأنه لا يتردد أيضا في شد الرحال الى الاقطار العربية لهذا الغرض، ولكنه في الوقت الذي يتحدث فيه بهذه الاحاديث، ظهرت منشورات وأقوال وقرارات تختلف تماما عن تلك الاحاديث وتلك السياسة. والحقيقة أن الوزارة المرجانية كانت هذه مهمتها، وكان عمرها من أقصر أعمار الوزارات في هذه البلاد، فان نجمها أفل بعد شهرين ونصف، ويحضرني في هذه المناسبة قول الشاعر
يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الاسحار
جاورت أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري
وقال الشيخ الشبيبي " على أي حال نحن نسجل لرئيس الوزارة المرجانية سلامته وحسن نيته. والذي نرجوه من هذه الوزارة اذا كانت حقيقة جادة في اجراء انتخابات ملائمة للتطور الاجتماعي والسياسي كما يقول رئيس وزرائها في بيانه المعروف، أن تطلق الحريات الدستورية والحقوق الدستورية، وأن تسمح للناس بتأليف الجمعيات وانشاء الصحف. واننا نريد أن نعرف رأي الحكومة في علاج النكسة الجديدة، التي اجتاحت العلاقات العربية، والتي على ما يبدو لنا انها أشد النكسات حتى الان ونعوذ بالله من نتائجها".
وبعدما أقر مجلس الاعيان التعديل الثالث للقانون العراقي الاساس بما ينسجم والنظام الجديد. قال الشيخ محمد رضا الشبيبي أحد أعضاء المجلس" الشيء بالشيء يذكر هذا المثل من الامثال القديمة، وقد ذكرت بهذه المناسبة ونحن ننظر في التعديل الثالث للقانون الاساس، ونحن ننظر فيه مقدما أثارت بحوث فقهية ودستورية في جلسات خاصة واراء أبداها بعض الاختصاصيين في الشؤون الدستورية .
وتساءل الشيخ الشبيبي قائلا" ألا كان من المقرر تقريبا أن ينظر في دستور الاتحاد من قبل. أقول وقد ذكرت قصة لاحدى قبائل الجاهلية في الزمن القديم، ذلك أنه كان لهذه القبيلة الجاهلة رب معبود، تتخذه من التمر وتعني كثيرا بتزويقه وتزيينه، فتجعل يده من تمر لونه أحمر وتصنع رجليه من تمر لونه أصفر، وتجعل رأسه من مختلف الوان التمور . أما العينان فتختار لهما لونا من التمور قشرة براقة لتوهم أن لها بريق العيون. وأن هذه القبيله الجاهلية، اذ مرت بها سنة خير ورفاه- وفصل الخير عند البدوي وغير البدوي- أن يتوافر الكلاء وأن تجني الكماه، كما جنيناها هذا العام ،فاذا مرت سنة من هذا القبيل سلم الرب من الاذى، وأما اذا مرت سنة مجدبة، فان ذلك الرب المسكين تعرض الى الاذى، فتثور القبيلة وتهجم على ربها وتاكله، لذلك قال الشاعر
أكلت حنيفة ربها عام التقحم والمجاعة
فما أشبهنا في مواقفنا من القانون الاساس، بين الاحترام والتقديس وبين النسيان والتعطيل، من موقف تلك القبيلة من ربها، فطورا تقدسه وطورا تهجم عليه وتأكله.
وبهذه المناسبة أقول معاذ الله أن أقول هنيئا لمن أكلوا وشربوا الدستور العراقي عاما بعد عام كانهم في مجاعة دائمة. معاذ الله ان اقول هنيئا لمن أحلّوا ما حرم الدستور وحرموا ما أحله.
وأضاف الشيخ محمد رضا الشبيبي قائلا" فالسيادة والاستقلال والحريات الدستورية، وقف على أشخاص معينين، هي نصيبهم وحدهم تقريبا، ولا نصيب في الظروف الحاضرة للشعب منها، والا قولوا لي أين المساواة في السياسة والمدنية، التي نص عليها الدستور بين العراقيين؟ هل توجد في الوقت الحاضر مساواة في الحقوق السياسية والحقوق المدنية كما وردت في القانون الاساس؟ هذا ما خطر لي عندما دخلت في منهاج هذه الجلسة هذه اللائحة.
حضرات السادة . في هذه البلاد قوم يصفون بأنهم معارضون ومظهر معارضتهم انهم يحاولون أن يناقشوا المسؤولين ويحاسبوهم، ولكني أقول بكل صراحة انها محاولات لحد هذا اليوم، لم تكن لها جدوى بنتيجة فما هو السبب؟ وما هو الداعي لعدم استجابة الحكومة لمن يوصمون بالمعارضة ؟ ولماذا لا تلتفت الحكومة الى مطالب من يوصفون بانهم معارضون؟ ولماذا لا تلتجيء الى بعض آرائهم؟ الجواب انها تدعي بانها تستند الى الاكثرية. وهذا الامر قد يصنعه رجال الحكم المسؤولون . وفيما أرى انه خلاف الواقع تماما، لان الشعب فعلا هو الاكثرية العظمى".
ثم تطرق الشيخ الشبيبي الى محاسبة الحكومة فقال" في رأيي ان الحكومات لا يعنيها ما يتقدم به محاسبوها، أو الذين يحاولون مناقشاتها . انها حكومات قصيرة النظر. لان الشعب ساكت ومنطو على نفسه من الالام والشكوى والتبرم والسخط – والسكوت في معرض الحاجة بيان- فالحكومة تسير في مثل هذه الحالة سيرا كله عثرات، ولا تشعر حتى تهب العاصفة، وعند ذلك تعرف الحكومة ما هي قيمة الاكثرية وما هو عددها. فنرجو أن نرى الحكومة دائما أبعد نظرا ".
وقال الشيخ الشبيبي " لا شك في ان الشعب العراقي شعب مخلص قدم كثيرا من الفداء والتضحية والمساعدة للدول وهو يتعلق بدولته ويحافظ على كيانها ويبذل كل ما في وسعه لتأييدها. ان رجال الحكومة يطالبون الاستعجال . فلننتقل الى الاستعجال . ماهي الدواعي لان تتقدم الحكومة الى المجلس في أواخر أيامها تطلب الاستعجال ، فالاستعجال ورطنا في كثير من المشاكل والامور الخطيرة ويقولون في أمثالهم " لا يستعجل الا من يخاف الفوت" وأن نعلم ان الحكومة لا تفوّت شيئا، وانما تريد أن تحسن صنعا بالتأني والتمحيص، خصوصا في القضايا ذات الصلة المباشرة بكياننا، وبمصالحنا وبنظام الحكم القائم في بلادنا".
واضاف الشيخ محمد رضا الشبيبي قائلا" لقد لاحظنا في هذا الدستور مواد هامة لاتخلو من الغموض، ويخشى أن تتعارض بعض المسؤوليات والصلاحيات الواردة فيه بالمسؤوليات والصلاحيات الواردة في القانون الاساس. ثم أن هناك مسؤوليات مالية ونحن نجتاز وضعا ماليا سيئا، يستند الى وضع اقتصادي أسوأ. أفلا يحسن التأني والتمحيص؟ ثم أن هناك المسؤوليات السياسية والعسكرية وأنواع المسؤوليات . فكل ما أريد أن أقوله أن هناك فرصة بين هذا الاجتماع، وبين الاجتماع الاتي الذي تمر فيه انتخابات يحسن فيها أعادة النظر بدستور الاتحاد، من هذه النواحي وأنا أحتفظ برأيي تماما، عندما ينظر في دستور الاتحاد، فاذا أتيحت للمعنيين بهذه الشؤون فرصة لتمحيصه ودرسه فيها، والا كان لي رأي آخر في الموضوع والسلام.
موقف الشيخ الشبيبي من الاتحاد العربي
-----------------------------------
وحينما تشكلت حكومة الاتحاد العربي بين العراق والاردن برئاسة نوري السعيد عقد مجلس الاعيان جلسة في 11/3/1958 لمناقشة تعديل الدستور العراقي بما ينسجم ودستور الاتحاد العربي الجديد تحدث العين الشيخ محمد رضا الشبيبي فقال " كان من الافضل وقد أصغينا الى الارادة الملكية بتاليف الوزارة الجديدة، نرى وجوه الوزارة في هذه الجلسة ،وان الصيد كل الصيد في جوف الفرا، بعد أن حضر فخامة نائب رئيس الوزراء السيد توفيق السويدي".
وأضاف الشيخ الشبيبي" هنا في هذه البلاد العزيزة للمواطنين وجهات نظر متعددة واجتهادات مختلفة في كثير من الشؤون الدولية، وكثير من الشؤون العربية، فلماذا يسمح لزيد مثلا أن يعبّر عن رأيه واجتهاده، في هذه الشؤون، ويحرم عبيد من هذا الحق؟ هل هناك سر في هذا الامر؟ أن يمنح زيد حق التعبير عن رأيه، حتى أنه يدعى أنه يعبّر عن رأي الامة في الاستهجان، وفي النقد وفي التهجم أحيانا، ويحرم الطرف الثاني. نعم لقد بلغ الامر أن فريقا من المواطنين تمتعوا بهذا الحق ومنحوا حقوقا واسعة في التعبير عن اجتهاداتهم وآرئهم وأدعوا أنهم يمثلون الامة في ذلك".
وقال الشيخ الشبيبي" اني أرجو من الحكومة الحاضرة أن تضع حدا أو نهاية لهذا الحال، سيما وأنها على أبواب أنتخابات جديدة، تكون بدون أن يتمتع المواطنون بحقوقهم وحرياتهم، والتعبير عن آرائهم ليضعوا ثقتهم بمن يريدون، وأن يحجبوا هذه الثقة عمن يريدون أن يحجبوا ثقتهم عنه"
موقف الشيخ الشبيبي من حكومة بابان
----------------------------------
وحينما شكل أحمد مختار بابان الحكومة العراقية في نهاية شهر أيار /مايس 1958 ، بعد أن تولى نوري السعيد رئاسة حكومة الاتحاد العربي، عقد مجلس الاعيان العراقي جلسة في 31ايار/مايس 1958 تحدث فيها الشيخ محمد رضا الشبيبي فقال" ان رئيس الوزراء الجديد أحمد مختار بابان، الذي تسند اليه الوزارة لاول مرة . وكان قد أسندت اليه مناصب مرموقة، فقد شغل رئاسة الديوان الملكي لمدة طويلة ومناصب وزارية عديدة، وأسندت اليه نيابة رئاسة الوزارة، الى غير ذلك، ولابد أن يكون من ذوي الخبرة في شؤون الدولة، علاوة على أنه بين الضليعين من رجال القانون، وعلاوة على أنه معروف بالدماثة ولين الجانب والعريكة، وقد أعلن منهجه وفيه عبارات لطيفة معسولة ظاهرها بديع بلا شك، وقديما قيل عليكم بالظواهر والله أعلم بالسرائر "
وأضاف الشبيبي" أنه ليس من هذا الرأي دائما، لان هذه القاعدة التي أخذ بها في أمور الشرع والدين، لايؤخذ بها في أمور السياسة لان شؤون السياسة تتطلب معرفة الظواهر والبواطن"
احتكار السلطة
------------
وتحث الشيخ الشبيبي عن الحريات الدستورية، وتساءل لماذا أصبحت المناصب الوزارية في هذه البلاد، منذ ردح طويل من الزمن، وقفا على مدرسة معينة، لا تخرج المناصب من بينها. وأشار الشيخ الشبيبي الى ما يقال عن وجود ما يسمى بالتدخل الخارجي في ذلك، وقال عن الطمأنينة والأمن والاستقرار، انها تتحقق باحترام القانون والمحافظة على كرامات الناس، وبضمان قسط من العيش المحترم للمواطنين في جميع طبقاتهم.
الشبيبي والخلافات العربية
------------------------
كانت العلاقات العربية العربية آنذاك وكالعادة كما هي عليه الان في اسوأ مراحلها، وكان الشيخ الشبيبي يدعو باستمرار الى ضرورة التضامن العربي، وتجنب الخلافات بين الاقطار العربية.وخاصة بين سوريا ولبنان وبين لبنان ومصروالعراق ومصر والاردن وسوريا.
ففي نهاية شهر اذار 1958 ناشد الشيخ محمد رضا الشبيبي الساسة العرب، ألا يدخروا وسعا أو جهدا في ازالة أسباب الخلافات القائمة آنذاك. وأضاف الشيخ الشبيبي: ان كل ما أرجوه أن يعود المعنيون بالسياسة العربية الى بذل جميع الجهود، وأتخاذ كل التدابير الممكنة لمعالجة النكسة الجديدة، التي طرأت على علاقات بعض الدول العربية ببعض، وأزالة أسباب الجفاء المؤلم، الذي أثار شماتة الشامتين وأعداء العرب في كل مكان.
ودعا الشيخ الشبيبي رؤساء الدول العربية الى أجتماع مشترك يعقد لبحث هذا الخلاف، وقال أنني أحبذ من الصميم مثل هذا الاجتماع. وقال لاشك أن جامعة الدول العربية تتأثر بهذه المجافاة، ولكن من مصلحة العرب أن تعيش الجامعة ويعيش ميثاقها، بعد اعادة النظر في ميثاقها وأصلاح ما يحتاج أصلاحه من شؤونها. وأنه حرام أن تحرم الامة من جهود بعض المؤسسات التابعة لجامعة الدول العربية كالادارة الثقافية وملحقاتها وما الى ذلك".
كان الشيخ الشبيبي يرى أن الامة العربية ومنطقة الشرق الاوسط بالذات فريسة لاطماع الشرق والغرب . كما يرى أن الحملة الغربية على سوريا آنذاك وحبك المؤامرات ضدها بهدف اسقاط نظامها. وكان الشيخ الشبيبي يدعو الى وحدة العرب وعدم السماح لتمرير مخططات الغرب والشرق ضدهم.
الشبيبي وجامعة الدول العربية
--------------------------
وعن جامعة الدول العربية كتب الشيخ الشبيبي مقالا بصحيفة الزمان بتاريخ 23/10/1957 بعنوان( الجامعة في جهودها الثقافية) جاء فيه" مهما قيل عن المجهود الذي تبذله جامعة الدول العربية في الناحيتين السياسية والاقتصادية ، ومهما قيل عن النتائج التي حققتها جامعة الدول العربية من الناحيتين المذكورتين . نقول مهما قيل في هذا الشأن فلا يسعنا مطلقا الا أن نكبر في مجهود الجامعة ثقافيا، فانه مجهود كبير حتى قال لنا بعض رجال الفكر حبذا لو أنفقت عادئات جامعة الدول العربية كلها على اللجنة الثقافية، وخصصت لها أضعاف ما تخصصه للجانها الاخرى. وأن الواقع يشهد بأن مخصصات اللجنة او الادارة الثقافية في الجامعة العربية كانت وما تزال أقل بكثير من مخصصات بعض اللجان الاخرى".
وأضاف الشيخ الشبيبي" لا يخفى أن اللجنة الثقافية المذكورة ينفق ما يخصص لها من مال على احياء التراث العربي ونشر المؤلفات القيمة وترجمة الكتب المفيدة والادارة الثقافية، وهي التي تشرف على معهد المخطوطات ومعهد الدراسات العربية العليا. ولا ينكر أن نشاط المعهدين المذكورين وخدماتهما العلمية والادبية والتربوية . وقد أنجز معهد المخطوطات تصوير مختلف المخطوطات العربية النادرة، في مختلف بلاد العالم، وما زال عاملا بصيانة ذلك التراث الثمين وحفظه من التلف واعداده لمراجعة الباحثين. وهذه المؤتمرات الثقافية المتوالية التي تدعو اليها الادارة الثقافية وتنفق عليها، ويتناوب عليها جمهرة من خيرة الاساتذة الاخصائيين في مختلف الفنون والعلوم، وتلقى فيها ما تلقى من بحوث ودراسات ومن آراء ومقترحات".
وقال الشيخ الشبيبي" ولا بد لنا القول ان المال عصب كل مجهود كبير ولذلك لا يجوز الضن على جامعة الدول العربية، وعلى اللجنة الثقافية بالمال . ونحن لا ندعي العصمة للجامعة على اختلاف لجانها ومكاتبها ولا نبرىء بعض العاملين فيها أحيانا من الخطأ والانانية. والخطأ يمكن تداركه واصلاحه وتقويمه مع الزمان ولكن التفريط بالجامعة وبملحقياتها من اللجان وخصوصا اللجنة الثقافية وبما تحققه الجامعة من النشاط الجماعي العربي في شتى المناحي جريمة لا تغتفر".
الحاجة الى زعماء مخلصين
---------------------------
وتحت عنوان ( أزمة الشرق الاوسط) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا افتتاحيا بجريدة الزمان بتاريخ 14/9/1957 جاء فيه" هذا هو الشرق الاوسط. هذا الذي اقام الدنيا واقعدها منذ أن وضعت الحرب الحقيقية أوزارها وحلّت حرب الاعصاب، أو الحرب الباردة كما يقولون.
هذا العالم يوشك أن تنطلق منه شرارة الحرب الثالثة لا قدر الله. هذه الدنيا التي تتصادم من أجلها السياسات، وتبيت المؤامرات وتدير الفتن وتتوالى المذكرات، من هذه الدولة الكبرى الى تلك ومن تلك الى هذه. وفي كل مذكرة مقترحات عن مصيرهذا الشرق الاوسط. هذه مذكرة غربية وتلك مذكرة شرقية. هذه مذكرة تقترح عدم التدخل بالقوة في شؤون الشرق المذكور، وهذه مذكرة تقول لامناص لنا من حماية هذا الحمل الوديع، ولا مفرّ لنا من الحدب عليه، حتى يقوى ويقوم على قدميه.
ماذا يعني قيام الدنيا وقعودها من أجل بلادنا نحن أبناء هذا الشرق الاوسط. هذا السؤال يقال من الجواب عنه أن ذلك يعني الضعف والتخلف والاغلال، فلو كنا أقوياء ولو كنا سادة أنفسنا، ولو كانت لدينا وسائل دعاية كافية، ولو توفرت لدينا مقومات الحياة على اختلافها من مادية ومعنوية، ولو كان لدينا زعماء وقادة مخلصون يسهرون على مصالحنا، وعلى رفاهنا وكرامتنا لكنا في غنى عن هذه الضجة الدولية القائمة حولنا.
واضاف الشيخ الشبيبي: نقول القائمة حولنا ونعني انها قائمة حول مواردنا الطبيعية وثروتنا المطمورة، تركز الصراع أخيرا حول جزء معين من أجزاء هذه المنطقة، تتناول الشرق العربي وخصوصا مصر وسوريا . ماذا أجرم هذان القطران ليوصما بما وصما، ولتخترع هذه الوصمة من أجل ضرب من التدخل السافر في شؤون هذه البلاد وتجزئتها؟ وأغراء بعضها ببعض، ونحن لا نبرىء الدول الكبرى كلها من حبك الدسائس وتنظيم المؤامرات الهدامة لهذه البلاد.
لقد أبتدعو الشيوعية ووصموا بها من أرادوا أن يوصموا من أبناء الشرق العربي. نقول ابتدعوها كستار من الدخان تتستر به نواياهم الاستعمارية ومناهضة الاحرار والمبادىء التحررية ومقاومة الوعي القومي الشامل في هذه البلاد .
لقد ابتدعوا هذه الوصمة كستار من الدخان تختفي وارءه مآسي اللاجئين ومشكلة فلسطين، وخلق دولة اسرائيل الى غير ذلك، مما يهدد كياننا ويبدد آمالنا ويزيد من تعاستنا، وحرماننا، ويمكّن هذه الدول الطامعة الغالبة من استغلال مواردنا، لا لخيرنا وتقدمنا ورفاهنا، بل لخير هذه الدول الاستعمارية.
وأكد الشيخ الشبيبي قائلا: فعلى أبناء الشرق الاوسط أن يعلموا أن تنمّر هذه الدول وتأهبها لافتراسهم سيدوم الى ما شاء الله، مالم تنهض هذه الشعوب وتفيق من سباتها وتوحد كلمتها واهدافها، وتبذل الغالي والرخيص من أجل سيادتها واستقلالها وكرامتها، والا فليس لابناء الشرق العربي أن يتظلموا وأن يعجوا بالشكوى لمن لا يسمع الا كلمة القوة ولعلعة السلاح.
ولا نبالغ والحالة هذه اذا قلنا اننا نعين هؤلاء الظالمين الطغاة على أنفسنا، ونمهد لهم السبيل لاستعبادنا اذا بقينا نقول ولا نعمل، ونكثر من الشكوى ولا ننهض، وهذه مسؤولية خطيرة ينوء بها الشرقيون، هذا اليوم.
هموم الشيخ الشبيبي الاقتصادية
-----------------------------
ولم يكتف الشيخ محمد رضا الشبيبي بالحديث عن الاقتصاد العراقي، بل كان يبدي اهتماما بالاقتصاد العربي، وضرورة استقلاله استقلالا تاما. ففي مقال افتتاحي له بجريدة الزمان بتاريخ 24/8/1957 تحت عنوان( استقلال العرب اقتصاديا) جاء فيه " صدق من قال الاستقلال الاقتصادي قبل غيره من انواع الاستقلال ولا يستثنى من ذلك الاستقلال السياسي. فاذا فقدنا نحن معشر العرب الاستقلال الاقتصادي، فقدنا الاستقلال السياسي تبعا له، لا شك في ذلك لا ننكر جرأة بعض المسؤولين المعنيين بالشؤون الاقتصادية في بعض البلاد العربية في دفاعهم عن وضع اقتصادي منهار . الم يقولوا لنا أن نظرية التوازن التجاري نظرية بالية؟ الم يعطوا للشركات الاجنبية الكبرى أكثر مما يأخذون منها؟
ما أكثر الادلة على هذه البلاد العربية تتجه الى فقدان استقلالها السياسي تبعا لفقدان استقلالها الاقتصادي، وأن بلدنا تعاني مرافقها الاقتصادية ما تعانيه من اهمال ثم تتكل على عائدات ترضح بها شركات أجنبية فقط، لهي بلدان مهددة بفقدان الحرية السياسية.
هناك ولا شك خطة اقتصادية رسمت منذ زمن بعيد، نستطيع أن نسميها سياسة التجويع والتفقير، هذه الركن الاساس لفرض سلطان الاقوياء الطامعين على بعض بلدان الشرق العربي، مستغلين حاجتها وفقرها وما تمنى به من تعاسة وحرمان. ولا عبرة بالمظاهر والصور الفارغة ولاعبرة بأن تظهر على مسرح المجتمع العربي طبقة محددة تكتنز الذهب والفضة، وتستطيع أن تتمتع بجميع أسباب الترف والرفاه، على حساب كثرة بائسة هي جمهرة الشعب العربي المنكوب، اذا أردنا أن نصون استقلالنا السياسي نحن معاشر العرب، واذا أردنا أن نحكم أنفسنا واذا أردنا أن نسود في بلاد ما، علينا أن نكافح عللنا الاجتماعية الوبيلة وعواملها وأسبابها، وفي طليعتها سياسة التفقير والتجويع وهي السياسة التي تفتك الان بكيان العرب الاجتماعي فتكا بالغا.
وطالب الشيخ الشبيبي بلدان الشرق العربي بأن تضع حدا لاستنزاف البقية الباقية من ثراوتها، وأن تتمشى على خطة من شأنها حفظ التوازن من تجارة الاستيراد والتصدير، وأن ترسم خطة أخرى ترمي الى الاكتفاء الذاتي بمحاصيل البلاد الزراعية، وتصدير ما يفضل عن الحاجة الى الاسواق الاجنبية.
وقال الشيخ الشبيبي: اننا نطالب المسؤولين أن يضعوا خطة دقيقة لمعاملة الدول المصدرة التي لها معنا صلات تجارية كبيرة، بحيث انها تصدر الينا ما قيمته عشرات الملايين . نقول اننا نطالب المسؤولين بأن يضعوا خطة أو قانونا أو تشريعا يفرض المقايضة التجارية على مثل هذه البلاد، وبموجب هذا التشريع يفرض على البلاد الاجنبية المذكورة أن تقايضنا تجاريا، فتأخذ منا كما نعطي ونأخذ منها بمقدار . وفي هذه الناحية تحل مشكلتنا الاقتصادية الكبرى، وهي مشكلة بوار المحاصيل الزراعية والمنتجات التي يراد تصديرها الى الخارج بالاثمان والاسعار التي نريد، اننا نطالب المسؤولين بوضع خطة دقيقة عملية للاصلاح الزراعي وحماية الزراع والفلاحين، على أساس تثبيت حقوقهم وتعزيز شأن الملكية الزراعية الصغيرة، وتصريف المياه الاسنة المالحة واتخاذ التدابير اللازمة لاقراض صغار الفلاحين الى غير ذلك.
واضاف الشيخ الشبيبي: وكل ما نرجوه أن ينظر المسؤولون العرب لهذه المشاريع كما لو كانت مشاريع اصلاحية مستعجلة، ومن الله التوفيق".
موقف الشبيبي من الثورة الجزائرية
-------------------------------
كان الشيخ الشبيبي من المدافعين عن حقوق الشعب العربي في بلاد المغرب العربي في نيل حقوقهم واستقلال بلدانهم وحريتها وسيادتها.
ففي مقال افتتاحي بجريدة الزمان بعددها الصادر في 8/3/1958 كتبه الشيخ محمد رضا الشبيبي هاجم فيه الاستعمار الفرنسي وأساليبه القسرية ضد الشعب الجزائري. كما أشاد بنضال الشعب الجزائري من أجل حريته واستقلاله وقال" أثارت قرصنة الفرنسيين في المغرب الادنى والاوسط والاقصى، أي في تونس والجزائر ومراكش ووحشيتهم في قصف ساقية سيدي يوسف، سخط العالم عليهم، وعلى هذا الجانب الهمجي المنحرف من الحضارة الغربية نفسها.
كما شبّه الشيخ الشبيبي ما يجري في الجزائر، كما كان يجري في محاكم التفتيش بالاندلس، وقال ان العالم اليوم يشهد ضربا من الصراع الجبار بين الحق والباطل، وبين المسلمين والدول الغربية المستعمرة، في تلك الخطوط الامامية في المغرب.
ودعا الشيخ الشبيبي الى أسداء كل معونة ممكنة لاخواننا المجاهدين هناك على شرط أن يحسن الانتفاع بها، وأن تصل الى الجهات المتاحة اليها بعيدا عن المؤثرات السياسية.
موقف الشبيبي من ثورة عمان
----------------------------
ومن وحي ثورة عمان وما تتعرض لها من هجمات مسلحة على أيدي القوات البريطانية كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا افتتاحيا في صحيفة الزمان بتاريخ 17/8/1957 بعنوان( يالها من مضيعة) جاء فيه" يالها من مضيعة، مضيعة الشعوب العربية. يالها من شعوب خيرة سلط عليها حكام غير أخيار أحيانا، غير قليلة، حكام أصبح جلهم بحجر الدامة تلعب به أصابع المستعمر من الغرب الى الشرق وبالعكس. يالها من مضيعة، مضيعة الشعوب الخيرة بأيدي حكامها. أتريد دليلا على مضيعة هذه الشعوب ؟ أتريد حجة على حطة كثير من هؤلاء الزعماء والحكام، أكثر من هذا الشقاق والفراق بين العرب، في جملة من الاقطار. يالها من مضيعة مضيعة الشعوب، شعوب تباع باثمان بخسة ،وتهدر مصالحها في سبيل الحصول على حظوظ زائلة، أو مناصب معينة.
لقد شاع الوعي بين هذه الشعوب الضائعة، في خضم السياسة الاستعمارية، ولنا العبرة بالشعوب العربية الواعية في البحرين والشارجة ودبي وعمان، وحتى القبائل العربية القاطنة على حدود الربع الخالي.
أجل لقد شاع الوعي بين هذه القبائل والشعوب، والى عسف المستعمرين وخصوصا الانكليز، والى ما الحقته سياسة الاستعمار، من بؤس وحرمان وبخس حقوق لهذه الشعوب، مرد هذه الانتفاضات الشعبية المتوالية في الاقطار التي كنا نعدها في مؤخرة الاقطار، الأهولة بالعرب الى هذا اليوم.
وتساءل الشيخ الشبيبي" أيظن الغربيون المستعمرون بأن وعيا شائعا قبل هذا الوعي سيقضي عليها بالضغط أو بالقوة أو بالرشوة مهما بلغت؟ . يالها من ظنون آثمة، هذه الاساطيل البريطانية، وهذه الجحافل التي عبئت لسحق الثورة على الاستعمار في جبال عمان.
دعوة الشبيبي للجامعة العربية
------------------------
وحينما انطلقت الثورة في عمان ضد الاحتلال البريطاني، وتعالت الاصوات لدعوة جامعة الدول العربية لعقد اجتماع، للبحث في الحالة بعمان ايد الشيخ محمد رضا الشبيبي هذه الدعوة، ووصف الحالة في عمان، بأنها أشكل حلقة من سلسلة الانتفاضات العربية على الاستعمار .،ولهذا ومن المحتم على العرب كما قال الشبيبي شعوبا وحكومات أن يبذلوا ما في وسعهم لشد أزر أحرار عمان في نضالهم.
وكان مندوب العراق آنذاك لدى هيئة الامم المتحدة الدكتور هاشم جواد- الذي اختاره الزعيم عبد الكريم قاسم وزيرا للخارجية عقب استقالة الدكتور عبد الجبار الجومرد من الخارجية - قد دعا مجلس الامن الى عقد جلسة لمناقشة العدوان البريطاني على شعب عمان.وقال جواد وهو المندوب العربي الوحيد في المجلس آنذاك انه يطلب ادراج طلبه هذا في جدول أعمال المجلس، وذلك حول العدوان البريطاني على عمان، الذي يعرض السلام العالمي للخطر ، حيث يقع تدخل مسلح ضد بلاد مستقلة فان امامة عمان تتمتع بالاستقلال منذ سنوات عديدة وفقا لمعاهدة( سيب) عام 1920 وفق المادتين 34 و 35 من ميثاق الامم المتحدة وهما اللتان تتعلقان بحق المجلس في بحث المسائل التي تهدد السلام العالمي.
نظرة الشبيبي للدين والعلم
------------------------
على الرغمن من اجلال الشيخ الشبيبي للدين النابع من ايمان المؤمن العليم وعن نشأته نشأة دينية بحتة فانه كثيرا ما كان يهاجم رجال الدين عندما كان يجدهم أصبحوا حجر عثرة في سبيل التقدم انه اراد ان يفهم القوم ان الدين ليس " عادات معطلة" بل انه" تحليل وتحريم" فتوجه اليهم في العام 1911 طالبا منهم ان لا يجعلوا " آلة التفريق دينهم" لان الدين " عن وصمة التفريق معصوم".
اجل ان الدين في نظر الشبيبي لم يكن " عادات معطلة" لذا فانه دان بقوة وقناعة التقاليد البالية والخرافات ، فهي التي ادت الى تأخر الشعب فكريا وانحطاطا ثقافيا، وهي التي كانت تؤثر سلبا على مسار النضال من اجل التحرر والانعتاق.
يضع الشبيبي مع ذلك وغير ذلك الدين في المقام الاول بالنسبة لكل شيء في حياة المجتمع، فيرفض ان يكون غير الدين محورا لكل ما فيه خيره وسؤدده، فالاخلاق عنده تستقيمبالدين، ومن دون الاخلاق يذهب العلم ذهاب الزبد. والشبيبي بذلك يربط بين الدين والعلم باسلوب صوفي مبدع، ودون ان يكون سلفيا، انه على العكس تماما من ذلك واقعي في تفكيره ، متفائل ، فهو يفكر في " اليوم والغد" بل وحتى في " ما بعد الغد"
لذلك يعد الشبيبي حقا الانموذج المعبر عن حقيقة ان العلم اداة لتهديم قلاع الظلم والاستبداد والتخلف وضمان السير نحو المستقبل الافضل فهو يريد العلم العملي لكل شيء وفي كل ميدان ومجال سوى المدارس الدينية وحدها يستثنيها من ذلك، مع العلم انه لم يفصل العلم عن الدين، فان الاول كلما بلغ به التطور ساعد اكثر على تجلي عظمة الخالق ، كما اكد في بحثه عن الاكتشافات الفلكية بل انه يذهب ابعد من ذلك بكثير حين جعل الدين والعلم اخوين ارتضيا رحما واحدا غير مقطوع ولا منفصل.فاذا كان الجهل لدى الشبيبي يعادل الموت.
كان الشبيبي
موقف الشبيبي من موجة التفرنج
-----------------------------
كان الشيخ السبيبي من أشد المعارضين لتقليد الغرب في ملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم. وظل متمسكا بالعادات والتقاليد العربية والاسلامية وأكد عليها في أكثر من مناسبة. ففي مقال افتتاحي لصحيفة الزمان بعددها الصادر يوم 22/3/1958 وتحت عنوان( موجة التفرنج والاباحية) هاجم الشبيبي فيه مقلدي الافرنج وقال أن لهم عاداتهم، ما هو حسن وما هو مستهجن في نظر غيرهم من الشعوب على الاقل، ولكل شعب عاداته وأوضاعه الخاصة. ففي هذه الفترة من تاريخ العرب والمسلمين، هجمت موجات من الاباحية والتفرنج على ديارنا، على المجتمعات التي نعيش فيها، ومن ذلك مثلا مظاهر الانغماس بالماديات والاخذ بمقاييس المادية في الحياة فقط. ومن ذلك الاسراف في التبرج وأخراج المرأة الشرقية أو العربية أو المسلمة من مملكتها، وما مملكتها الا بيتها، فأصبحت في أكثر الاحيان كريشة في مهب الريح، لا تستقر في منزلها، أو في تلك المملكة الجميلة.
وأضاف الشيخ الشبيبي" ومن العادات التي شاعت في هذا الشان، هي أن تخرج المرأة مع زوجها، وأن تدعى الى جميع ما يدعى اليه من المحافل والمجتمعات، ولو كان ذلك مخالفا لطبيعتها أو غير ملائم لوظيفتها في الحياة، وقد جرهم ذلك الى ضرب من الاختلاط الذي لاتحمد عواقبه، وهناك نوع من الاختلاط المشروع، ولكنهم لا يقفون عند حده. لقد أدت بعض هذه العادات الوافدة مع الموجات، الى ضعف الرابطة العائلية، أو انحلالها أحيانا والى اطلاق العنان، وترك الحبل على الغارب، وفقدان السيطرة والسلطة التي كانت فيما مضى من حق رب البيت وعميد الاسرة، ومن ذلك أحياء الليالي الحمراء على موائد الميسر والخمر، فمن لا يتعاطى الخمرة ومن لا يقامر ومن يؤدي الفريضة رجل رجعي، أو متأخر ومن يغار على أهله وذويه ويحرص على تنشئتهم نشأة أسلامية صالحة، لا يعد من المثقفين في نظر المتفرنجين والاباحيين .
هذه بعض ما تركته في مجتمعاتنا موجات التفرنج والاباحية واقبال نشأتنا على قشور الحضارة الغربية ومفاتنها، وعدم التمميز بين العرض والجوهر في هذه الناحية. وخلاصة القول يضيف الشيخ الشبيبي ان المسؤولية عظيمة تقع كل واحد منا، في الوقوف بوجه هذه السيول الجارفة من التحلل والاباحية.
اهتمام الشبيبي بالاقتصاد
------------------------
كان الشبيبي يبدي اهتماما للاقتصاد العرقي وخاصة القطاع الزراعي ويدعو الى تشجيع الزراعة .كما كان يقف وبصلابة ضد هجرة أبناء الريف الى المدن، ويقول ان ذلك يؤثر سلبا على الانتاج الزراعي.
وبعنوان( مرافق منسية) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا بصحيفة الزمان بعددها في 27/4/1957 قال فيه" في البلاد مرافق اقتصادية قليلة ولكنها منسية محرومة من العناية وفي مقدمتها مرافقنا الزراعية، وهذه المرافق أحق من غيرها بالحماية والتشجيع، لان العراق بلد زراعي قبل كل شيء، وقد دلت التجارب على أن الحركة التجارية في جميع الاسواق تتوقف على ازدهار المواسم الزراعية، وكثرة الطلب عليها من الخارج.
وها نحن نرى كسادا ظاهرا في الاسواق التجارية، التردي المواسم الزراعية في السنوات الاخيرة، وعدم التمكن من تصريف منتجات العراق بأسعار حسنة، ويشمل ذلك كافة المحاصيل من الحبوب والتمور وغيرها من المنتجات.
من ذلك نفهم أن مرافقنا ومحاصيلنا الزراعية بحاجة الى حماية قوية فعلى المسؤولين أن يبذلوا جهودهم، لترويج ما يصدر من العراق، والسعي الى ايجاد الاسواق الخارجية . اننا نستورد بضائع مختلفة من البلدان الاجنبية تبلغ قيمتها أكثر من مائة مليون دينار، وهي ثروة طائلة تتسرب الى تلك البلدان الاجنبية،.يجري كل ذلك من سمع المسؤولين وبصرهم ولا يحرك ذلك منهم ساكنا، لحفظ التوازن بين تجارة التصدير والاستيراد . والانكى من ذلك أن أسواقنا تغص بالكماليات من تلك الحاجيات المستوردة، ولا يقتصر الاستيراد على الضروريات، كما يجري ذلك بالبلاد نظرة عابره الى المخازن التجارية في جميع أسواق العراق، تكفي لمعرفة اننا مغبونون، واننا عالة على غيرنا.
وأضاف الشيخ الشبيبي قائلا : تناولنا هذا الموضوع أكثر من مرة ونادينا بظهور الخطر أو الغزو الاقتصادي الذي تغلغل بين ظهرانينا، وطالبنا المسؤولين بأن يلتفتوا الى ما يحيق بالبلاد، من الكوارث المعاشية في هذه الناحية، فان الزراعة تدهورت تدهورا عظيما سنة بعد أخرى، وهؤلاء عشرات الالوف من الزراع والفلاحين، يتركون الارياف، ويهاجرون من المزارع الخصبة، للاقامة في ضواحي المدن وممارسة أحط المهن، كنقل الطين والتراب في بعض المشاريع الصناعية والبنائية، وأكثرها أجنبية، ومعنى ذلك أن جمهرة الشعب العراقي أصبحوا من طبقة الفعلة أو العمال الكادحين، مقابل أجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وقال الشيخ الشبيبي" وهكذا خرب الريف وأقفر من الزراعة، وحرم من سواعد أبنائه المفتولة، فقلّ الانتاج الزراعي، وأصبح هذا الشعب عالة، يستورد المخضرات والبقول من الخارج، فضلا عن الحبوب والمواد الغذائية الاخرى.
وتساءل الشيخ الشبيبي قائلا" أفلا بعد هذه الحالة تقهقرا اقتصاديا؟ اليكم نسوق الحديث أيها المسؤولون.
نظرة الشبيبي للاقتصاد العراقي
----------------------------
وفي مقال آخر للشيخ محمد رضا الشبيبي كتبه في صحيفة الزمان بتاريخ 23/6/1957 بعنوان( أوضاعنا الاقتصادية) جاء فيه " لاتوجد لدينا مع الاسف مصلحة احصاء دقيقة، تعني فيما تعني فيه باحصاء المحاصيل الزراعية، موسما بعد موسم وسنة بعد أخرى، غير اننا مع ذلك نستطيع أن نقول ان العراق هو قطر زراعي قبل كل شيء، يعاني وضعا زراعيا لا يحسد عليه، وآية ذلك أن هذا القطر الذي كان يصدّر الى الخارج كمية لا يستهان بها من الحبوب، وخصوصا القمح أصبح يستورد الحنطة من كندا واستراليا ومن سوريا كذلك.وآية ذلك أيضا أن بعض الاقطار المجاورة التي كانت تستورد القمح من العراق، اكتفت بمحصولها من هذا الحاصل، بل أصبح في وسعها تصديره الى الاقطار الاجنبية، وهناك مشروع اتفاق ينتظر عقده بين مصر وسوريا، تصدر الاخيرة بموجبه الى الاولى مئات الالوف من أطنان القمح لكل عام، وسبب ذلك يعود الى السياسة الاقتصادية الرصينة، أو الى استغلال التربة السورية على أحسن الوجوه، والى استخدام أحدث الالات الزراعية، وأحسن المهندسين الزراعيين، وهذا التفوق الزراعي الملحوظ في هذا القطر الشقيق.
قلنا اننا نجتاز في السنوات الاخيرة مواسم زراعية لا نحسد عليها، وذلك منذ فيضان سنة 1953 حتى اليوم، وأن نكبة الفيضان المذكور، أدت الى تلف المحاصيل والاراضي الزراعية، والى هجرة المزارعين الى المدن وضواحيها لكسب العيش . وفي وسعنا أن نقول أن هؤلاء الزراع المنكوبين لم يسعفوا الاسعاف الكافي، وحرم أكثرهم من تبرعات الدولة والافراد، الذين أثارت أحساسهم الانساني نكبة الفيضان في السنة المذكورة وما بعدها.
وتساءل الشيخ الشبيبي" فاين ذهبت النقود والاعيان التي تبرع بها المتبرعون ؟ وهل نظمت قوائم التوزيع والتقسيم؟ وهل أصاب المتضررين من ذلك شيء يعتد به؟ وهل لنا أن ننتظر بيانا شافيا معززا بالارقام عن هذه الناحية؟
وأضاف الشيخ الشبيبي قائلا" نحن نجتاز سنة 1957 وقد امتازت هذه السنة ببعض الشواذ الطبيعية، فقد انحبس القطر في أولها حتى تراءى للناس شبح المحل والجدب في كل مكان وما أن جاءت أواخرها حتى تواترت الامطار على وجه لم يعهد حتى شتوات السنين المخصبة، وقد أدى ذلك الى ضرر بالغ بالمحاصيل الزراعية، خصوصا في الالوية- المحافظات – الجنوبية والاراضي الزراعية السيحية، وقد تلفت أكثر في المحاصيل هناك، وقد تساءلنا يوما ما من وزارة الزراعة وطالبناها باتخاذ التدابير الممكنة لاسعاف المنكوبين. وخلاصة القول فان الموسم الزراعي في الالوية الجنوبية ليس بالموسم الحسن، اذا لم نقل انه سيء في بعض الانحاء، وهو أمر يحتم على المسؤولين انتداب هيئات خبيرة للكشف عن مبلغ هذه الاضرار، وقد بلغنا أن بعض هذه الهيئات قد انتدبت ولكن لم يتصل بنا شيء عن نتائج بحوثها وتقاريرها حتى الان. فعسى أن تعقب ذلك عناية مبذولة لتلافي الاضرار، واسعاف المنكوبين".
الشبيبي وهجرة أبناء الريف
------------------------
كان الشيخ الشبيبي من اشد المعارضين لهجرة أبناء الريف لارضهم وزراعتهم، وانتقالهم الى المدن للعمل فيها بأحقر الاعمال.
وتحت عنوان( عيش من الزفت) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا في صحيفة الزمان بتاريخ 20/7/1957 جاء فيه" عاش العراقيون في الماضي السحيق، وهم يصنعون خبزهم مما ينتج من هذا الوادي الحبيب الذي وصف بانه- اهراء العالم- وهذه الكلمة تعني أنه اذا أقحطت الدنيا ولم يقحط العراق ما لدينا من خير.
وأضاف الشبيبي" يعيش اهراء العالم الان أحيانا عالة على غيره ويستورد خبزه العزيز من الاقطار البعيدة . هكذا عاش العراقيون حراس هذه الاهراء في ماضيهم السحيق الى أن اكتشف النفط فهجر العراقيون الارض، وتركوا الحرث والزرع في كثير من الجهات، أو حملتهم السياسة وظروفهم المعيشية القاسية على ذلك، فأصبح النفط الذي لانملكه روح الحياة في العراق، وأصبحنا كلا على آبار النفط والزفت القار الاسود.وأصبح عيشهم من ذلك الزيت المحرق والقار الملتهب . فياله من عيش وبيل.
وقال الشيخ الشبيبي" هناك من يقول ان النفط أصبح وبالا على العراق .وتساءل الشبيبي. وكيف لا يكون النفط وبالا وقد اتكلنا عليه وحده تقريبا؟ ونحن لا نملك من أمره شيئا الا هذه العائدات المعلقة بكفة القدر. ويقول هؤلاء كيف لا يكون النفط وبالا على هذه البلاد وقد اقفرت بسببه الحقول وتضاءلت الى جنبه سائر المرافق الاقتصادية من زراعة وتجارة وصناعة؟ ان نفط أمريكا وروسيا ورومانيا ونفط غيرها من البلاد جلب الخير والمير لاهلها . فلماذا نرى نفط العراق وبالا وكالوبال على اهله؟
وأضاف الشيخ الشبيبي" خبز من نفط وعيش من القار. فمتى يكون هنيئا أو مريئا مثل هذا العيش في مثل هذه البلاد؟ يصدّر النفط دائما لاننا لا نملك من أمره شيئا. أما محاصيلنا الزراعية، فما أكثر العقبات والصعاب التي تقام في سبيل تصديرها لان المحاصيل ملك الامة العراقية . لن ننخدع بتضخم العائدات النفط بالارقام والكلمات المعسولة. فالعبرة أن يعيش العراقيون احرارا مرفهين . لا أحرار بائسين خبزهم من النفط وأدامهم من القار وعيشهم من الزفت"
الريف المهجور
-------------
وتحت عنوان( ريفنا المهجور) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا في صحيفة الزمان بتاريخ 2/11/1957 جاء فيه" سنرى الريف العراقي الجميل مقفرا من سكانه، في جهات غير قليلة، فيما اذا دامت هجرة أبناء الريف الى ضواحي المدن العراقية الكبرى، أو الى الممالك المجاورة كالكويت وأنحاء خوزستان وغير ذلك. ولا معنى لهذه الهجرة الا اضمحلال كل شيء، فاذا اضمحلت الزراعة فيه اضمحلت بقية المرافق من تجارية واقتصادية تبعا لها.
وأضاف الشيخ الشبيبي" يتساءل الكثيرون عن سبب ركود الحركة التجارية في العراق، واستفحال الازمة النقدية في الاسواق ، ولو علموا أن سبب ذلك كامن في كساد سوق المنتجات الزراعية، كالحبوب وفي مقدمتها الشعير والتمور، وبقية المنتجات التي بقيت في المخازن بدون تصدير . ومعنى ذلك أن الاموال التي تتمثل في قيمة الصادرات لاوجود لها في البلاد الا نادرا ، وهذا سر جمود الحركة التجارية وركود الاسواق وسبب من أسباب هذه الازمة النقدية، التي يشعر بها كل عراقي في الوقت الحاضر".
وقال الشيخ الشبيبي" وها هنا نتساءل عن مهام المصرف المركزي، وما هو أثر جهوده في تفريج هذه الازمات؟
للعراق أموال طائلة تعد بمئات الملايين مودعة في المصارف الاجنبية وفي مقدمتها موجودات صندوق احتياطي العملة العراقية، الذي يديره البنك المركزي المسؤول عن اصدار العملة، وقوام هذه الموجودات السندات الاسترلينية المودعة في بنك انكلترا، يضاف اليها ذهب قيمته خمسة ملايين دينار، وسندات عراقية وأجنبية أخرى في حوزة البنك المركزي المذكور.
وتساءل الشيخ الشبيبي: فلماذا لا ينقل هذا المبلغ الاحتياطي الى العراق؟ ولماذا لا يودع في المصارف العراقية؟ على شكل يساعد على تحسين شؤون الصيرفة وتخفيف وطأة الضيق الناشيء عن حاجة النقود والمؤسسات المالية الى مثل هذه النقود؟ هذا عدا الحسابات المنوطة بالمصرف المركزي . ومجمل القول ان اضمحلال المرافق الزراعية واستفحال هجرة المزارع من الارياف من أقوى العوامل في هذا الركود الملحوظ".
وأضاف الشيخ الشبيبي" ولهذه الهجرة الخطرة المخيفة عواملها وأسبابها وفي مقدمتها فقر الفلاح المدقع، وعدم تخصيص قطع من الارض معينة لكل فرد من أفراد الزراع، على أساس تكوين الملكية الزراعية الصغيرة، ومن العوامل المذكورة التي تعمل على بؤس الفلاحين وتلجئهم الى الهجرة، وترك الاشتغال في الزراعة هو ضآلة الدخل الناتج أولا عن قلة الحصة التي تصيب الفلاح، من قسمة الحاصلات، وثانيا عن هبوط أسعار المنتجات الزراعية بصورة عامة . لا شك في فائدة ما انشيء حتى الان من الطرق المعبدة والجسور الحديثة، ولكن ذلك لا يغني ولا يسمن ولا يسد مفاقر الفلاح ولا يشبع الجائع، ولا يكسو العراة ولايداوي المريض، ولا يحل مشكلة من المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد. لقد آثرنا البحث في هذه النواحي أكثر من مرة وأهبنا بالمسؤولين أن يتجهوا الى معالجة هذه المشكلات، ومن ذلك درس أسباب هذه الهجرة الهائلة من الارياف وأضمحلال المرافق الزراعية للتوصل الى ايقافها عند حدها قبل خراب تلك الارياف الجميلة فعساهم فاعلون".
الاكتفاء الذاتي
-----------
وتحت عنوان ( الاكتفاء الذاتي . مكاننا منه) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا في صحيفة الزمان بتاريخ 14/12/1957 جاء فيه" محاولة الاكتفاء الذاتي بما لمنتجات البلاد وخيراتها والاعتماد على مواردها على اختلافها من زراعية وصناعية، هدف كل دولة ناهضة لا تخلو بلادنا هذه من أسس صناعية ولو كانت يدوية ، ومن ذلك صناعات النسيج والحياكة بواسطة الانوال المعروفة، التي كانت صناعة مزدهرة قبل احتكاكنا بالغرب اقتصاديا وتجاريا. وكانت هذه الصناعة- صناعة النسيج- مرتزق عشرات الالاف من الصناعة والحياكة، وأصحاب الانوال والغزالين في مختلف جهات البلاد شمالا وجنوبا. كانوا يعتمدون في هذه الصناعة على مواد اولية عراقية أو شرقية بحتة، مثل الصوف والقطن والحرير والقز والابريسم، مهرة الصناع والحاكة العمال، من أبناء هذه البلاد يزاولون تلك الاعمال بنجاح، وينتجون أنواع الاكسية والملابس والعباءات، وأغطية الرأس والفرو ويعرضونها في الاسواق المحلية أو يقومون بتصديرها الى الخارج.
وأضاف الشيخ الشبيبي" وكنا نرى القوافل البدوية تزور العراق في مواسم معينة لابتياع ما تحتاج اليه البلاد المجاورة، من تلك المصوغات والمنسوجات".
ويتساءل الشيخ الشبيبي: أين ذهبت هذه الصناعة؟ وماذا حل بأهلها؟ وبمن كانوا يعيشون على مزاولتها وممارستها؟ ويعيشون من ذلك الكسب الحلال عيشة محترمة. وحدث مثل هذه المصنوعات والمصانع في بعض البلاد العربية المجاورة . ولما زاحمتها الصناعة الغربية الالية وحاولت أن تطغي عليها وأن تكتسح الاسواق بادر الاقتصاديون الناهضون من أبناء تلك البلاد، وتذرعوا بكل الوسائل الممكنة لحماية تلك الصناعات المحلية بالعمل . وما أكتفوا بذلك بل عنوا عناية بالغة بالعمل على أن تتطور تلك الصناعات لتضاهي أحدث الصناعات الغربية، فأستطاعوا بذلك أن يحققوا شيئا من الاكتفاء الذاتي لبلادهم اقتصاديا، وأن يحافظوا على مشخصات تلك الصناعة ومميزاتها وطابعها المحلي المعروف".
وأضاف الشيخ الشبيبي" هذا ما لاحظناه في بعض الاقطار القريبة المجاورة . فأين نحن من هذه المحاولات؟ وأين نحن من هذه الجهود الاقتصادية؟ وأين نحن من السياسة العملية المثمرة في هذا الشأن؟ وأخيرا أين نحن من محاولات الاكتفاء الذاتي في شؤون الحياة الزراعية والصناعية؟.
نظرة الشبيبي للضرائب
---------------------
وكان الشيخ محمد رضا الشبيبي يندد دائما بالضرائب الباهضة المفروضة على المواطنين العراقيين، وكتب مقالا بهذا الخصوص في صحيفة الزمان بتاريخ 13 نيسان 1957 بعنوان( ألا تعدّل الضرائب؟) قال فيه" تضمن المنهاج الوزارة الحاضرة- يقصد وزارة نوري السعيد- فيما تضمن اشارة الى تخفيف الضرائب والرسوم، أو تعديلها. وها قد مرّ على الوزارة المتربعة على دست الحكم مدة تناهز الثلاث سنوات ولم يظهر منها ما يدل على تنفيذ وعدها الذي قطعته في المنهاج.
وأضاف الشيخ الشبيبي" الواقع ان القفزة التي قفزتها أرقام الواردات من النفط وهي المواد التي سدت ثغرة كبيرة من ميزانية الدولة يمكن الاعتماد عليها بتخفيف عبء المكلف العراقي، الذي ستستوفى منه الضريبة، أو ستستوفى منه الرسوم. اننا بحاجة الى تصريف حاصلاتنا وتصديرها الى الاسواق الخارجية . ولكن هناك رسم أو ضريبة تستوفى على تصدير بعض المنتجات .
وتساءل الشيخ الشبيبي . أفلا يجدر بنا أن نلغي أو نخفف عبء أمثال هذه الضرائب؟وقال هناك مكس يستوفى على مشتقات النفط، وخصوصا البنزين، مما جعل سعره باهضا. أفلا ينبغي أن ننظر في تخفيف الرسوم المستوفاة عن هذه المادة؟ واذا قيل ان أسعارها مرتفعة في بلاد أخرى مثلنا. نعم فان أسعار وقود السيارات غالية في كثير من البلدان، لكن كلفة استخراج هذه المادة والنفط عموما عندنا ضئيلة ،بالنسبة الى كلفتها في الاقطار الاخرى البعيدة. ان الشركات التي تعنى بهذه الصناعة تشتري كل طن من النفط، بأقل من ثمانية دنانير أو عشرة. وهذا السبب وحده يكفي للنظر في تعديل الرسوم، المستوفاة على هذا النوع من الوقود.
وقال الشيخ الشبيبي" هناك ضرائب ورسوم كثيرة أخرى يضيق الوقت عن ذكرها، ولكنها على كل حال جديرة باعادة النظر على أساس التعديل والتخفيض. ونحن لا ندري والحق يقال ما هي سياسة الحكومة المالية في هذه الناحية؟"
وتحذير الشبيبي من أعباء الضرائب
--------------------------------
وقال في مقال له في صحيفة الزمان بتاريخ 6/7/1957 بعنوان( أعباء الضرائب) جاء فيه"لقد فاضت أعمدة الصحف بنصوص الاسئلة والنقاش حول أسعار الوقود وأسعار النفط والدهون. فقد كان الناس يتوقعون أن تنزل السلطات المختصة على رغبة جمهرة كبيرة من الناس تطالب بخفض سعر البنزين وأسعار الدهون المنتجة في مصافي النفط ومصافي الدهون المنشأة في الدورة. وهي مؤسسة عراقية حكومية بحتة. ولكن الاية انعكست ففوجئوا بزيادة ملحوظة للاسعار.
وتساءل الشيخ الشبيبي قائلا" ما هي فائدة المستهلك العراقي حكومة وشعبا من انشاء مصافي النفط والدهون وغير ذلك . كما تساءلنا عن فائدة المستهلك العراقي من تأميم شركة التنوير والكهرباء المحدودة في بغداد وانتقال ملكيتها للدولة؟
وأضاف الشيخ الشبيبي" لا نبالغ اذا قلنا أن الشعب العراقي كان ينتظر بفارغ الصبر أن يتم انشاء هذه المؤسسات ليستطيع ابتياع حاجاته من هذه المواد باسعار معقولة. فقد أصبحت المادة المشار اليها ضرورية يتوقف عليها تشغيل عشرات الالوف من سيارات النقل وسيارات الاجرة في هذه البلاد. ولا يستبعد أن تزداد كلفة النقل بسب الاجراء الذي اتخذته وزارة الاقتصاد أخيرا بشأن زيادة أسعار البنزين. ولا تخلو هذه الكلفة الان من زيادة.
وقال الشيخ الشبيبي" اننا نتقدم الى المسؤولين مخلصين أن يعيدوا النظر في شؤون الضرائب والرسوم الباهضة التي فرضت على المكلفين العراقيين في الاونة الاخيرة، ومن جملتها أسعار البنزين والدهون. كما نرجو من هؤلاء المسؤولين المحترمين أن يعيدو النظر في سعر الوحدة الكهربائية وأجور الهاتف وأجور ضخ مياه الشرب والسقي ترفيها عن الشعب الذي هو بأمس الحاجة الى وسائل الترفيه.
وزير المالية يعقب على مقترحات الشبيبي
-------------------------------------
ونتيجة لالحاح الشيخ الشبيبي على ضرورة تخفيض الضرائب، التي قال عنها انها ترهق المواطن، فقد ردّ السيد خليل كنه وزير المالية على آراء ومقترحات الشيخ الشبيبي قائلا" ان تخفيضات كثيرة جرت وخاصة رسوم الاستهلاك، وما يصدر من مواشي ومنتوجات من 20 بالمائة الى 10 بالمائة، وعلى رسوم الاستهلاك من 15 بالمائة الى 10 بالمائة. وكذلك ما يتعلق برسوم الكمركية، فقد شرع قانون التعرفة الكمركية الجديدة، بهدف الترفيه عن أبناء الشعب بتخفيض أو الغاء الرسوم الكمركية المفروضة على بعض المواد الرئيسة، التي يستعملها أفراد الشعب، وكذلك بشأن ضريبة الدخل، فان قانون ضريبة الدخل الجديد رقم 85 لسنة 1956 قد شرع لتخفيف الاعباء المالية عن كاهل المكلفين سواء بتخفيف نسب الضريبة، أو زيادة مقدار السماحات والاعفاءات لهم حيث أعفي الالا ف المكلفين من الذين كانت مدخولاتهم تخضع للضريبة بموجب أحكام القانون السابق، لانها كانت فوق السماح أو الاعفاء للاعباء العائلية، وأصبحت في القانون الحالي دون السماح.
أما النسب على الدخول الناجمة من بيع العقارات ونقل الحقوق فيها، فقد كانت عالية حيث كانت في القانون السابق تصل 50 بالمائة ، ولكنها في القانون الحالي، أصبح الحد الاعلى للنسب 20 بالمائة فقط. اضافة الى قانون الخدمة المدنية الموحد، الذي ساوى في الحقوق بين الموظفين وأقر العدالة بين مختلف طبقاتهم وأصنافهم.
رأي الشبيبي في سياسة الاستهلاك
-------------------------------
كان الشيخ محد رضا الشبيبي ضد سياسة الاستهلاك وخاصة الاعتماد على الموارد النفطية ويرى في ذلك تدميرا للاقتصاد العراقي ويدعو الى جعل العراق بلدا منتجا وليس استهلاكيا.وتحت عنوان( سياسة الاستهلاك) كتب الشيخ الشبيبي مقالا بصحيفة الزمان بتاريخ 16/11/1957 جاء فيه" كان لكاتب هذه الكلمات في قديم الزمان صديق من الوارثين الاغنياء ، بيد انه لم يتكل على ما ورثه من أبيه. حدثني هذا الصديق الوارث قائلا( كان والدي والذي ورثته عصاميا، يفضل أن أرث عنه قبل المال ما يتحلى به من عقل وتدبير وحكمة ، كما كان يخصني بنصائحه ووصاياه حتى قال ذات يوم – ابني لااريدك وارثا ولا مالكا مثلي بل أريدك منتجا. ان أباك نشأ فقيرا ولكن الان معدود من كبار الاغنياء لانه لم يتكل على غيره بل اعتمد على نفسه_ وقال الوارث عند ذلك قلت لوالدي " لم اعرف قصد يا سيدي؟" أجاب أقصد أن تعتمد مثلي على نفسك وعلى كد يمينك وعرق جبينك، ولا تتكل على ارث ترثه من غيرك ولو كان أباك)
ويقول الشيخ الشبيبي " لهذا الحديث الذي دار بين الوارث والموروث مغزاه ، وهو أن الثروة الموروثة زائلة فانية غالبا، وأن الوارث مهدد بالفقر اذا لم يحتط لحفظ ماله أو انمائه بالحكمة والتدابير . اذا لم يعزز ماله الموروث بمال مكتسب مصدره كد اليمين وعرق الجبين كما رأيت".
ويضيف الشيخ الشبيبي " هذا حديث لا أنساه. وكيف أنساه وأنا أرى سياسة الاستهلاك والاتكال تهيب بنا كل يوم، وتنذرنا بمستقبل غير محمود لا قدر الله. سياسة الاستهلاك عندنا مظاهر غير قليلة، ومن ذلك الطريقة المتبعة أحيانا في صرف عائدات الدولة من النفط . فنحن نرى سياسة الاستهلاك تتحكم غالبا في صرف لعائدات المذكورة. وما يقال عن الفرد في هذا الشأن، يقال عن الامم والشعوب . فالشعوب الحية هي الشعوب المقتصدة المنتجة ، لا الشعوب التي تندفع في سياسة الاستهلاك وتهمل العمل والانتاج وتنسى الحكمة القائلة ( احتفظ بنقدك الابيض ليومك الاسود) وما أكثر الايام السود في هذه العصور.
وأضاف الشيخ الشبيبي" قلنا أكثر من مرة أن المشاريع المعنية بتعبيد الطرق ورصفها وانشاء المعابر والجسور والابنية والعمارات، مشاريع استهلاكية في الحقيقة. اذ أن هناك مشاريع انتاجية من صناعية وزراعية جديرة بالتقديم والتفضيل. لانها هي التي تؤدي الى الرخاء والرفاه ورفع مستوى المعيشة، أهم من المشاريع السابقة. فلا تخلو البلاد من بعض المشاريع الصناعية القليلة كمشاريع النسيج الحديثة في الموصل وبغداد والكاظمية وكمشاريع الاسمنت . ولكن العبرة ليست بتعدد المشاريع، بل بتمكن الشعب من تناول البضائع، التي تنتجها تلك المشاريع الصناعية باقل سعر ممكن ومناسب، لكل من الجانبين جانب المنتج والمستهلك من هذه البلاد . هناك مشاريع من نوع واحد كمشاريع الاسمنت بعضها حكومية وبعضها أهلية، قامت بانشائها بعض الشركات ونلاحظ أن كلفة المصنع الذي ينشأ على حساب الحكومة تزيد كثيرا على كلفة المصنع الذي تنشده بعض الشركات الاهلية . سياسة الاستهلاك هي القاتل الاول والاخير في حالة الفائدة التي حصل أو سيحصل عليها الشعب العراقي من ثروته المعدنية ،ومن عائدات النفط خاصة، ولن تنهض البلاد من كافة نواحيها الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ما لم تنبذ هذه السياسة، أعني سياسة الاستهلاك، وتتجه الى سياسة أخرى هي سياسة العمل والاقتصاد والانتاج.
ورأي الشبيبي بالاقتصاد العربي
الثالوث المخيف
--------------
كان الشيخ محمد رضا الشبيبي يرى في ( الجهل والمرض والفقر) آفة الافات، وكان باستمرار يدعو الدولة لمكافحتها، لانها من أكبر أمراض العصر، التي تحول دون تطور وتقدم الشعب العراقي. وقد صادف في عام 1957 أن شهد العراق موجات ثلاث، هي ارتفاع الاسعار، وانتشار مرض الانفلونزا، وارتفاع درجات الحرارة. فكتب مقالا تحت عنوان( الموجات الثلاث) في جريدة الزمان بعددها في 31/8/1957 جاء فيه" تطغى على هذه البلاد بالاضافة الى موجة الغلاء الفاحش ،موجة من الحر، قلما عرفنا لها مثيل في تاريخ التقلبات الجوية المألوفة في هذه البلاد، وموجة مرض الزكام الحاد( الانفلونزا) دع عنك مرض السل. وقد أصبح ويا للاسف البالغ مرضا شائعا متوطنا في هذه البلاد، حتى ضاقت مستشفيات الامراض الصدرية ذرعا بالمسلولين والمصدورين، ولا نبالغ اذا قلنا أن الكثرين من الشعب العراقي، مهددون بهذا المرض الوبيل، اضافة الى سوء التغذية والى الاجهاد والعمل المضني، الذي لا تتخلله راحة، والى فقدان السكن الصحي، مرد استفحال مرض السل في هذه البلاد.
أما موجة الغلاء، فانها ما زالت طاغية، منذ الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين حتى هذا اليوم، ولكنها بلغت القمة في هذه الايام . ومن الغريب أنه كلما تضاعفت عائدات النفط الحكومية- ردا على ما يقال- اقترنت بموجة جديدة من الغلاء وارتفعت الاسعار – أسعار المأكل والمسكن والملبس، وغير ذلك من الحاجيات الضرورية.
وأضاف الشيخ الشبيبي: لقد كانت الامال في علاج مشكلة الغلاء معلقة على جهود الحكومات المسؤولة والدوائر، أو المصالح الاقتصادية في الدولة غير، أن المسؤولين عن معالجة هذه المشكلات، لم يتوصلوا الى معالجتها، وعجزوا عن مكافحة الغلاء الفاحش، بل أصبحوا على شيء من اليأس من النجاح في هذه الناحية.
ان الادلة على هذا الفشل كثيرة، فبالرغم من مضاعفة الاجور والرواتب والمخصصات لطبقات من الموظفين والمستخدمين، من الدولة نلاحظ أن الشكوى بحق تشتد من العجز الظاهر بين مدخولاتهم ومصروفاتهم على التوالي.ويستثنى من ذلك عدد ضئيل من أصحاب الاعمال والمستخدمين لدى بعض الشركات، والحقيقة أن الضيق أصبح عاما حتى تناول مختلف طبقات العراقيين، ولا تستثني من ذلك طبعا من يزاول التجارة والزراعة وأصحاب المهن والكسبة الاخرين.
وقال الشيخ الشبيبي: نقول عدد ضئيل بالنسبة الى جمهرة الشعب الذي ينوء بعبء ثقيل من هذه الموجة.
وتساءل الشيخ الشبيبي: فأين ياترى تذهب عائداتنا من النفط؟ ولماذا لا تنرك أثرا محسوسا في ترفيه الشعب وازدهار الحياة العامة؟ وكيف زعم الزاعمون، أن الدخل القومي سيتضاعف بمئات الملايين من هذه الناحية؟
أجل ان الشعب العراقي يعاني ما يعانيه في هذه الموجات الطاغية ويصارعها، فعسى أن يقدم المسؤولون على معالجة الحالة".
اهتمام الشبيبي بالعلم والعلماء
--------------------------
وكان الشيخ محمد رضا الشبيبي يبدي اهتماما كبيرا بالعلم والعلماء ،ويدعو الى الاخذ بأيديهم من أجل تقدم البلاد وتطورها .ففي 15/5/1957 كتب الشيخ الشبيبي عمودا في جريدة الزمان البغدادية بعنوان( المواهب الضائعة) تساءل فيه" متى يكون بلدنا مقبرة تدفن فيها مواهب الموهوبية وكفايات الاكفاء ؟ متى تكون مدنه ميدانا يصول فيه الجهل ويجول وتحترم فيه البلادة والغباء وتنقلب المقاييس؟
متى تعمم الدراسات العلمية والبحوث الادبية؟ من يشجع ذويها وياخذ بيدهم بدون تفريق أو تمييز؟ نقول يقع ذلك بل يقع أسوأ منه في كل بلد لا يبالي بالعلم وذويه.
وفي العراق في هذا الوادي الحبيب وأي وادي الرافدين، ذلك الوادي الذي انبثقت منه أنوار الحضارة والعلوم والفنون بأسرها حقبا غير قليلة. في هذا الوادي الحبيب وادي الرافدين مهد الحضارة، بقية باقية من ذوي المواهب والكفايات العلمية والادبية، تقتل لياليها سهرا بالتجهيز والكتابة وتنشيء ما تنشيء من القطع الفنية منثورها ومنظومها، فهل سأل سائل في هذه البلاد عن الفئة المذكورة؟ وكيف تعيش وكيف تسد رمقها وكيف تطعم اطفالها وكيف تكسوهم واين يقيمون ويسكنون؟
ومن هو الذي تفقد هذه الفئة المغمورة وعني بامرها وبانتاجها؟ وهيهات أن يتفقد متفقد أصحاب المواهب والكفايات في بلد يطغي فيه التكالب والنزعات المادية البحتة، وتطاحن المتطاحنون فيه على حطام زائل لا يبالون كيف حصل بأيديهم ذلك الحطام، وهل جاءهم من وجوه مشروعة او غيرها؟ لاشك أن هناك قوما مسؤولين دائما عن هذا الضرب من التقصير بحق ذوي المواهب والكفايات، وهو في الوقت نفسه تقصير في حق الوطن، وفي تفهم مصالحه وأسباب حياته والعمل على انهاضه من كبوة الخمول.
واهتمام الشبيبي بأصحاب الكفاءات
-------------------------------
وتحت عنوان ( طلبتنا المغتربون وشبابنا الجامعيون) كتب الشيخ الشبيبي مقالا في صحيفة الزمان بتاريخ9/11/1957 أكد على ضرورة الاهتمام بأصحاب الكفاءت العراقية العائدين من الجامعات الغربية ووضعهم في المكان المناسب .وقال" يزداد عدد طلبتنا المغتربين للدراسة في الجامعات الاوروبية والامريكية سنة بعد أخرى، منهم من يدرس على نفقته الخاصة، ومنهم من يدرس على حساب الدولة. وقد تطول غربة هؤلاء الطلبة، وهم يقيمون في أرقى جامعات الغرب أو في أضخم مدنه ، وهم يتقاضون مخصصات لا بأس بها يستطيعون العيش بواسطتها عيشا محترما في بيئات تزخر بالعمران والحضارة الحديثة، لا يشعرون بغضاضة أو فروق فاحشة بينهم وبين زملائهم من الطلبة الغربيين".
وأضاف الشيخ الشبيبي" يشغل بال هؤلاء الشباب المغترب فيما يشغله مستقبلهم الذي ينتظرونه بعد الفراغ من الدراسة . نقول يشغل بال هؤلاء الشباب التفكير من ذلك المستقبل وتراودهم أحلام النجاح بعد العودة الى الوطن العزيز .فاذا عادوا بعد غربة طويلة مليئة بالجد والاجتهاد وجدوا الخيبة تنتظرهم في كثير من الاحيان، ولاحظوا الغبن والفروق الهائلة بينهم وبين أمثالهم من الاجانب ، فبعضهم يبقى عاطلا ولا يؤبه به ، وبعضهم يوظف ولا يستفاد من اختصاصه . والانكى من هذا أو ذاك أن كثيرا منهم يعينون بدرجات من الرواتب دون درجات زملائهم الاجانب المستخدمين في نفس المصالح والاعمال . ومعنى ذلك أنهم يعينون برواتب لا توازي درجاتهم العلمية ولا تكفل لهم العيش الهني".
ومن ثم ما يغلب على طلبتنا المغتربين وشبابنا الجامعيين، ما يغلب من التشاؤم والتبرم والشكوى من الغبن والحيف، ومن الامتيازات التي تمنح لمن يحمل عين درجاتهم وشهاداتهم من المستخدمين الاجانب. ولاشك أن السلطات الحكومية مقيدة فيما يتعلق بتحديد الرواتب بأحكام بعض الانظمة والقوانين ، ولكن ما المانع من تعديل أحكام تلك النظم والقوانين القديمة على أساس تراعى فيها حقوق حملة الشهادات العالية من العراقيين".
وقال الشيخ الشبيبي " ثم ان البعض من جامعي تخصص في فن من الفنون الراقية، نراه والحالة هذه يزهد في الاقامة أو الخدمة في وطنه ويحاول الهجرة الى الاقطار البعيدة. كما تعاني جمهرة من الشباب الجامعي حيفا كثيرا وضنكا من العيش، من جراء التمسك بـأحكام قوانين بالية شرعت في عهد قديم، وقد روعيت في تشريعها ظروف خاصة امتازت برخاء الاسعار وبساطة العيش وقلة النفقة في ذلك الحين، الى غير ذلك مما لا ينطبق على ظروفنا الحاضرة".
وقال الشيخ الشبيبي" لقد آن الاوان الى انصاف هؤلاء الشباب، وخصوصا الذين اغتربوا فترة طويلة من الزمان، في شتى الممالك الغربية. نقول آن الاوان انصافهم على أساس من التسوية بينهم وبين زملائهم من الجامعيين الغربيين. آن أوان منحهم درجات من الرواتب يراعى فيها هذا التطور الطارىء على مستويات المعيشة ومطالب الحياة الراهنة".
الشبيبي يحذر من الغرور
---------------------
الا أن الشيخ الشبيبي كان يحذر من مرض الغرور، الذي يصيب البعض ففي مقال كتبه بصحيفة الزمان بتاريخ 26/10/1957 تحت عنوان( شكوى الى العلم) جاء فيه" كنا في عصور خلت نشكو من الجهل وضآلة التحصيل الذي يتلقاه النشىء مجردا عن التربية الصحيحة فيتغلب عليه الادعاء والغرور ، ولا يلبث أن يحتقر العالم، وربما كان أكثر ما حصله قشورا، وأنه قد فاته لباب كبير ، فالجهل البسيط والحالة هذه خير من هذا العلم ، لانه – أعني هذا العلم- نوع من الجهل المركب.
وأضاف الشيخ الشبيبي" كانت مدارسنا قليلة العدد في الجيل الماضي. وكانت الثقافة محدودة، ثم انتقلنا الى جيل كثرت فيه معاهد التعليم، وكثر عدد حملة الشهادات ، غير أن رجال الجيل الماضي- في الغالب- أمتن أخلاقا وأعمق تفكيرا، بخلاف الكثيرين من أبناء الجيل الحاضر، وأن تفكير النشيء الجديد في غالب الاحيان سطحي لا ينفذ الى الاعماق.
وقال الشيخ الشبيبي" في مثل هذا الموسم من كل سنة نشهد هذه الحركة التعليمية المعتادة، في اذاعة البيانات الرسمية من جميع المدارس على الصورة الاتية:
يبدأ التسجيل في المدرسة في التاريخ الفلاني وعلى من يتقدم أن يستصحب الوثائق الاتية وهكذا أصبح موسم التسجيل حركة آلية قد تكون مجردة عن الروح في كثير من الاحيان.أما المناهج وأما الاسس والمبادىء التي يجب أن تراعى في نشر لواء التعليم فقد لا تخطر على بال الكثيرين.
وأضاف الشيخ الشبيبي" شكوانا هذه نرفعها الى العلم والى المسؤولين عن ادارة الشؤون الثقافية والعلمية. فنحن نريد أن يقترن العلم بالتربية القومية. ان الاتجاهات المادية التي تغلب على الشباب المثقف للجنسين ، أخطر الاتجاهات وأضرها بمستقبلهم مستقبل الامة وأبعد الاتجاهات أثرا في توليد الفوضى والفساد وضياع السيادة والاستقلال.ونعني بالاتجاه المادي أن يجعل الشباب المثقف نصب عينيه غالبا لا تعدو البذخ وارضاء الشهوات والنزوات، والحصول على دخل أو مرتب يوصله الى تلك الغاية او الى ذلك المستوى من الحياة وبشتى الوسائل، سواء أكانت وسائل مشروعة أو غير مشروعة، فلا يتردد صاحب الاتجاه المادي البحت من استخدام الرذيلة وسلوك أوعر الطرق وأبعدها عن الشرف والمروءة. أما المثل العليا والفضائل السامية والوفاء والامانة والبر بالاهل والوطن، فلا شأن لها قط في حساب هذا الفريق الذي غلب عليه ذلك الاتجاه".
وأختتم الشيخ الشبيبي مقاله قائلا" لم توجد هذه الناشئة لتأكل وتشرب وتتمتع . لم تخلق لتستجيب فقط لداعي الغريزة ونداء الطبيعة ، وانما خلقت لتواسي وتعاون وتقوم بقسطها من الخدمة العامة ، وبذلك تتميز في وجوهها عن الحيوان الراجم والوحوش الكاسرة".
اهتمام الشبيبي بالقطاع التربوي
---------------------------
في العام الدراسي1956- 1957 قررت وزارة التربية استبدال امتحان البكلوريا للدراسة المتوسطة بامتحان سمي بـ(امتحان القبول) مما أحدث ارباكا في المسيرة التعليمية، فقامت ضجة كبيرة قادها تربويون ومثقفون وسياسيون وفي مقدمتهم الشيخ الشبيبي. وهو الرجل الذي شغل وزارة المعارف ، وهو العارف بأمور التربية والتعليم وأهمية المناهج الدراسية في اعداد جيل واع ومثقف . بل هو عضو المجمع اللغوي العراقي والعربي فتحت عنوان ( هذا هو الحرمان) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا افتتاحيا في جريدة الزمان في 28/9/1957 جاء فيه" أسفرت نتائج القبول الاخيرة امتحان القبول- أو التي سميت كذلك سقوط هائل لايقل عن خمسين بالمائة . والارجح أن يزيد على تلك النسبة هذا مع العلم بأن هؤلاء الطلبة والطالبات الراسبين اعتبروا ناجحين في امتحانهم المدرسي السابق . فما هذا التناقض رسوب ونجاح في موسم دراسي واحد. والوف من الطلبة يدفعون عن مواصلة الدراسة دفعا ليجوبوا الشوارع كأنهم قد كلفوا بذرع الارض، أو الجلوس على المصاطب أو التجمهر على أبواب المدارس.ما معنى الحرمان أن لم يكن كهذا؟ وما معنى الارستقراطية وانعدام المساواة ان لم يكن ذلك؟ لقد عارضنا ذلك القانون الذي فرض على الطلاب أكثر من امتحان واحد، بحجة الغاء الامتحانات العامة – البكالوريا- وتوقعنا أن يؤدي تنفيذ هذا القانون الى ما أدى اليه الان من الضائقة والحرمان.
لقد انتهجوا هذه السياسة الارتجالية في وزارة التربية والتعليم، ثم كالوا الوعود بانشاء مدارس مهنية صناعية وتجارية وزراعية، وهذه المدارس المهنية لا يمكن أن تنشأ ارتجالا قبل اعداد معداتها، من أبنية ومدرسين وأجهزة وآلات الى غير ذلك. فهل أعدوا ياترى مدرسين اخصائيين في التعليم المهني بمقدار ما تحتاج اليه البلاد؟ وأين يذهب هؤلاء الطلاب والطالبات الذين زعم الزاعمون انهم راسبون. ان مرحلة التطبيق هذا –تطبيق هذا القانون- أسفرت عن محنة واضحة ومشكلة ظاهرة، وهذه المشكلة لا يتعذر حلها لو عني بذلك المسؤولون في الوقت الحاضر . فاما أن ينشئوا مدارس مسائية لمن اعتبروا راسبين في الامتحانات العامة للدراسة المتوسطة، وأما أن يعتبروا ناجحين بناءا على نتائج الامتحان المدرسي الاول، وكل ذلك يتوقف على تشريع قانون بتعديل القانون المعمول به اليوم . وهذا من المواد التي يستساغ فيها استصدار المراسم خلال عطلة المجلس، لما في حرمان هذه الجمهرة من الطلاب من المحاذير، ولهم أن ينظروا بعد ذلك في تأسيس مدارس مهنية حقيقية لا صورية ولا ارتجالية. ان لهذه البطالة والانقطاع عن الدراسة، ولجوء الطلاب الى الشوارع والمقاهي نتائج وخيمة.
وأضاف الشيخ الشبيبي: ان فترة الشباب حافلة بالنشاط فاذا لم يوجه هذا النشاط وجهته الصالحة، أتجه من تلقاء نفسه وجهة قد تكون غير صالحة لا سامح الله، فمن هو المسؤول عن ذلك؟ لاشك أن السلطة الحاكمة تتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية في هذا الشأن.
تشجيع الشبيبي للتعليم المهني
--------------------------
كان الشيخ الشبيبي يبدي اهتماما كبيرا للتعليم المهني ويعتبره الخطوة الاولى نحو عراق صناعي. وعن هذا الموضوع نفسه كتب الشيخ الشبيبي مقالا آخر في الزمان بتاريخ 13/10/1957 بعنوان( التعليم المهني وامتحان القبول) قال فيه" أشرنا في كلمة سابقة أن بعض النتائج التي أسفر عنها امتحان القبول الذي قضى على الوف من طلبة المدارس، أن يعيشوا متسكعين في شوارع المدن، فلا هم محسوبين من صف آخر. وقلنا أن هذه المشكلة أجدر المشكلات بالحل. وأن من واجب وزارة المعارف المبادرة الى حلها بطريقة من الطرق، وأفضلها استصدار مرسوم بتعديل القانون المختص، وهو الحل المنطقي والمعقول للمشكلة المذكورة. غير أن الجهات الرسمية لو ترى هذا الرأي، معنى ذلك بقاء العدد من الطلبة العراقيين على حالة من معاناة البطالة، وترك الدراسة لا تطاق.
اننا لا نشاطر وزارة المعارف رأيها في أرجاء تعديل للقانون بهذه الغاية الى اجتماع المجلس، ومعنى ذلك هدر سنة كاملة من سني الدراسة وتفويت هذه المدة على الطلاب، اذ لا ينتظر صدور هذا التعديل الا بعد مضي مدة لا تقل عن ثلث السنة الدراسية، فكيف جاز للوزارة المشار اليها أن تستسيغ ذلك .وقد ظهر للعيان خطأ الاجراء المذكور أعني امتحان القبول، وأنتقده الاخصائيون من رجال التربية في هذه البلاد وفي الخارج أيضا.
وقال الشيخ الشبيبي: نعم قد يكون من التعليم والتدريب العملي، فخرج لهذه المشكلة، ولكن أين هو هذا التدريب المهني، وأين هي المدارس الحرفية والصناعية؟ كان الاولى بالمسؤولين المشرفين على شؤون التعليم أن ينشئوا أولا العدد الكافي من معاهد التعليم العلمي أو الحرفي أو الصناعي في البلاد، قبل اتخاذ هذا الاجراء أو قبل تشريع ذلك القانون وليس من السهل تأسيس المدارس العلمية والصناعية، ولا يمكن أن يتم ذلك بجرة قلم، ولا لفترة من الزمن، لقد كان التعليم ولا يزال حتى اليوم بحاجة ماسة الى التوجيه، ففقدان التوجيه هو علّة العلل في هذا الاضطراب والارتباك، وارتجال الحلول للمشكلات التي تعانيها الحركة التعليمية في العراق.
اتجه التعليم عندنا اتجاها نظريا في الغالب، وأغفل جانب التعليم العملي أو المهني منذ عشرات السنين وكان للتوجيه الخاطىء، دخل أكيد في أهمال التعليم المهني خلت البلاد من المدارس الصناعية والمهنية، على اختلافها وغلبت عليها المدارس العامة، خصوصا في مراحل الدراسات المتوسطة والثانوية وهي مدارس لا يتقن حملة شهاداتها حرفة يرتزقون من تعاطيها، وكان لتلك السياسة الخاطئة كما قلنا يد كبيرة في هذا العقم.
وأضاف الشيخ الشبيبي: والان وبعد فوات الوقت وبعد فقدان التوجيه ،وبعد أن ظهر فشل المنهاج في كثير من المدارس العامة، ذهب البعض الى أن في المدارس الثانوية والمتوسطة وأحداث أمتحان القبول علاجا ناجحا لهذه المشكلات وهيهات.
ومن العجيب أنهم وعدوا بتنويع الدراسات وتوجيه طلبة المدارس المعطلة في ثانوية ومتوسطة، وغيرها الى الدراسة المهنية ولكنها مجرد أقوال والعبرة بالاعمال، وسيكون نصيب هذه التدابير المرتجلة الفشل أيضا للاسباب الاتية:
أولا- ان انشاء عدد كاف من المدارس المهنية يحتاج الى تهيئة أساتذة أخصائيين في جميع الفروع، والى أدوات ومعامل ومختبرات كثيرة والى أبنية خاصة وهذه غير متيسرة الان.
ثانيا- ان السبيل الناجح في التدريب الصناعي والتعليم المهني، يجب أن يبدأ من الصفوف الابتدائية، فالاحداث المبتدئون يسهل تدريبهم مهنيا وصناعيا أكثر من الشباب المتوسطين . والعراقيون شعب أعتاد الدارسة النظرية، وحيل بينه وبين التدريب العملي والتعليم الصناعي .
وخلاصة القول اذا كان المسؤولون جادين في التوجيه وتنويع التعليم فليهيئوا أولا الوسائط والالات، وليبدأوا بهذا التوجيه في بعض الصفوف الابتدائية، حسب ما تحتاجه البلاد، وبهذا نضمن نجاح التوجيه والتدريب المذكور أكثر . فقد أعتاد كثير من شباب العراق على احتقار المهنة والصنعة، فيجب أن يعودوا على ذلك من الصغر والتعليم في الصغر كالنقش في الحجر".
اهتمام الشبيبي بحجاج بيت الله
--------------------------
كان الشيخ الشبيبي يبدي اهتماما بحجاج بيت الله الحرام ويكالب باستمرار بتوفير وسائل الراحة عند التوجه الى بيت الله الحرام ولدى عودتهم منه. وتحت عنوان( طريق الحج البرية) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا افتتاحيا في جريدة الزمان بعددها بتاريخ 29/6/1957 جاء فيه" منذ أن استولى المسلمون على الاقطار المعروفة في الشرق والغرب، ومنذ شرع هؤلاء الفاتحون أو سكان االبلاد الاصليون، في اداء فريضة الحج، اتخذت طرق معينة يسلكها الحجاج الى مكة المكرمة في كل بلد من تلك البلدان وخصوصا البلدان الملاصقة للجزيرة العربية كالعراق ومصر والشام.
كان الحجاج العراقيون أو الوافدون على العراق من أنحاء المملكة الاسلامية في الشرق حتى بلاد الصين، يسلكون الى مكة طريقين الاول طريق الكوفة- المدينة – مكة المكرمة. والثاني طريق البصرة الى مكة رأسا مارة بالقسم الجنوبي من بلاد اليمامة . وما اليمامة الا الديار النجدية الحالية. وللطرق المذكورة خرائط أو مصورات رسمها البلدانيون أو الجغرافيون المسلمون في كتبهم المعروفة ككتاب البلدان لابن ( خرداذبة) وابن الفقيه الاصطخري وغير ذلك.
كانت الجمال وسائط الانتقال على هذا الطريق البري وكان الحجاج يفيدون فوائد كبيرة اجتماعية وتجارية واقتصادية ودينية، من سلوك الطرق المذكورة، وكانت الجمال لا تعبأ بالعقبات ووعورة الطرق والجبال الرملية، التي لا مناص من المرور عليها، للحجاج القادمين من العراق . أما الان وقد شاع استعمال وسائط النقل الالية أو السيارات ،فيجب أن تعنى الحكومتان المسؤولتان في العراق والمملكة العربية السعودية، باصلاح الطريقين المذكورين اللذين يبدءان من البصرة والكوفة، لتكون صالحة لسير السيارات، وفي اصلاح هذه الطرق البرية ما فيه من الفوائد والعوائد للدولتين حكومة وشعبا.
وأضاف الشيخ الشبيبي :تأهب عدد كبير من الحجاج لبيت الله الحرام لاداء الفريضة، عازمين على سلوك طريق النجف – الرياض- مكة، وتجشموا بعض المشاق، وبذلوا ما بذلوه من المال، ولكنهم فوجئوا بالحظر أو المنع وقد يكون الباعث على سد هذا الطريق، هو حفظ الارواح والاموال.. ولكننا نرى أن الحكومتين المحترمتين قادرتان على اتخاذ الوسائل الضرورية لسلامة سالكي هذه الطرق، البرية الازلية ولو بتخصيص مبلغ من المال لاصلاح بعض العقبات، وتمهيد بعض السبل وليس ذلك بعزيز على هاتين الدولتين.
ان الحجاج من العراق يفضلون هذه الطرق البرية، لقرب المسافة ففي وسع السيارات الجديدة أن تقطع المسافة ما بين العراق والحجاز، خلال يومين أو ثلاثة على الاكثر، ولا يوجد طريق من العراق أقصر من هذا الطريق، فعسى أن يعني المسؤولون عن شؤون الحج في البلدين بفتح طريق الكوفة، أو طريق البصرة أو كلا الطريقين".
نظرة الشبيبي للدبلوماسية العراقية
------------------------------
وكان الشيخ محد رضا الشبيبي يتابع المواقف السياسية والاقتصادية، بل أنه كان يتابع حتى التحرك الدبلوماسي العراقي، ويقارنه بالتحرك الدبلوماسي العربي والغربي، وحتى الشرقي ويصف الدبلوماسية العراقية بالخمول وبطء الحركة. وتحت عنوان( حديث الدبلوماسية) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا في جريدة الزمان بتاريخ 21/9/1957 جاء فيه" الدبلوماسية رسالة ينهض بها ممثل دولة ما لدى دولة أخرى . ودنيا الدبلوماسيين على اختلافهم تكون عادة حافلة بالنشاط والخدمة بالدولة التي يمثلها ذلك الرسول، وقد تكون حافلة بالخدمة للجانبين. هذه هي روح الدبلوماسية الحديثة، ونلاحظ أن الدبلوماسية العراقية، يخيم عليها السكون، وكثير من رجالنا هنا وهناك من صنف الدبلوماسيين يغطون في النوم، وتداعبهم الاحلام كأنهم في عزلة عن العالم، أو كأنهم يقضون اجازتهم في بعض المصايف الجميلة.
ويضيف الشيخ الشبيبي: ليست دنيا الدبلوماسيين الغربيين حافلة بالنشاط فقط، فهذه دنيا الدبلوماسيين في بعض البلاد العربية والشرقية تعج بنشاط ملحوظ.
ويتساءل الشيخ الشبيبي: ألم نسمع بنشاط الدبلوماسيين الهنود؟ ألم نسمع بنشاط فخر الدبلوماسيين الشرقيين ( مينون)؟ ألم نسمع بنشاط بعض الدبلوماسيين العرب؟ ألم تطالب الولايات المتحدة الامريكية تنحية سفير الجمهورية السورية لانه يقوم بنشاط غير مرغوب فيه؟ ويؤدي واجبا عليه لدولته وبلاده؟
ألم نسمع بنشاط الدبلوماسيين المصريين في العالم بأسره ؟ ألم نسمعهم يتحدثون ويدافعون ويهاجمون وينشرون الدعوة الواسعة لبلادهم في أرجاء الكرة الارضية؟
ان هؤلاء الدبلوماسيين الشرقيين يقظون ساهرون لاتغنيهم اقامة الحفلات والمآدب فحسب، فمآدبهم وحفلاتهم في الندوات الصحفية والسياسية.
وقال الشيخ الشبيبي: أدهشني جدا حديث دبلوماسي عراقي، وقد سئل عن موقف الولايات المتحدة من قضايا العرب فقال: هو كموقف العرب من قضايا الولايات المتحدة. هو هو الجواب المسكت الذي أنفجرت عنه شفتا ذلك الدبلوماسي لافض فوه.
ماهي الفائدة يا ترى من تخصيص الملايين للانفاق على مؤسسات دبلوماسية في شرق الارض وغربها، ولا نبخس لها نشاطا ولا حركة وحتى كانت بلادنا الفقيرة في غنى عن تلك الملايين.ولنا أن نتساءل في أي فلك تدور تلك الدبلوماسية الكثيرة ؟ لم نسمع لكثير من دبلوماسيينا في شرق الارض وغربها رأيا في مشكلة من هذه المشكلات العالمية، أو المشكلات القائمة بين العرب والدول الاخرى، ولم نطلع على جهد يذكر لكثير منهم في توثيق العلاقات الاقتصادية والتجارية، بين بلادنا والبلاد التي نمثل فيها. فهذه منتجاتنا الزراعية وفي مقدمتها التمور والحبوب والشعير، ومفتقرة الى جهود اولئك الدبلوماسيين وبذل المساعي المثمرة في فتح الاسواق العالمية لها . ويلاحظ أن مؤسساتنا الدبلوماسية خلت في الغالب من الملحقين التجاريين، ولكنها غاصة بطوائف من الملحقين الاخرين فما هو سر ذلك؟ وحتى يكون لنا ملحقون تجاريون في المؤسسات الدبلوماسية، نقول ملحقون تجاريون نشطون أسوة بغيرهم من الملحقين في المؤسسات الدبلوماسية الاجنبية".
الشبيبي في حب الرسول الاعظم
------------------------------
كان الشيخ الشبيبي لا يترك مناسبة دينية مقدسة كمولد الرسول محمد (ص) الا وخصص لها مقالا بالمناسبة يؤكد خلاله أهمية الرسالة المحمدية في اخراج البشرية من الظلمات الى النور.
فتحت عنوان( الرسول الاعظم) كتب الشيخ محمد رضا الشبيبي مقالا في جريدة الزمان في 7/10/1957 جاء فيه" جاء عليه السلام في فترة الرسل أربت على ستمائة عام انحرفت خلالها رسالات القوم، وحادت عن الطريق الامثل . فضلّ الاتباع وأحادت الامم وتاهت البشرية وأصبحت الاديان الالهية مجرد مظاهر وعادات ورسوم، لا تؤثر دعوتها في النفوس ولا تدخل الى القلوب.
في مثل هذه الفترة بعث- محمد بن عبد الله- الى البشرية كافة ولم يبعث الا بالتوحيد والعدالة والمحبة ومكارم الاخلاق، ولم يرسل الا للاصلاح،.
دعا الناس الى ذلك، فسرعان ما آمنوا بدعوته التي كانت بلسما لجروح الانسانية، وانبثق عنها نور سار الناس على هذه في الدنيا بأسرها، وبذلك حرر المستعبدين، وأنصف الضعفاء من الاقوياء، ورسم للناس حدود الحقوق والواجبات، وندد بالجهل ودعاهم الى العلم والمعرفة.
بهذه الدعوة السامية، بلغت أمته شأوا لم تبلغه أمة أخرى قبل ذلك، اذ حملت دعوته الى الخافقين، فكانت خير أمة أخرجت للناس. فما أحوج الدنيا في عصرنا هذا الى تعزيز هذه الدعوة وتمجيدها ونشرها في كل مكان.لا يخلو العالم هذا اليوم من فتن شتى تناولت حتى العقائد والاديان وأجترأت على محاربتها وانكار منزلتها واثرها في الاصلاح العام. وقد رأينا فريقا من المقلدين المتفرجنين يزهد بالدعوة القيمة، ويزعم انتفاء الحاجة اليها في هذه العصور، مع أن التاريخ هو شاهد عدل- يشهد بأن الاديان الالهية والدين الاسلامي من بينها، خاصة عنصر من عناصر الحضارات، ولا توجد حضارة قديمة قامت على أسس من الجمود والالحاد.
وختاما لابد لنا من ازجاء عاطر التحيات، وأزكى الصلوات والتسليمات لمناسبة هذه الذكرى المجيدة. الى روح صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام".
الشبيبي والسياسة البريطانية
-------------------------
وعندما القى رئيس الوزراء البريطاني مكميلان خطابا تحدث فيه عن الاستعمار والشيوعية ومخاطرها وشرورهما وقال أن الشيوعية اكثر أنواعه الاستعمار شرا.
فقد علق الشيخ الشبيبي على خطاب مكميلان هذا وذلك في مقال كتبه بصحيفة الزمان بتاريخ 19/10/1957 بعنوان( سياسة العرب) ان ما قاله مكميلان في الاستعمار لم يقله مالك في الخمر. كفانا ذلك من رئيس حكومة لا تغيب عنها الشمس عن مستعمراتها، ولا تغيب الشمس أيضا عن مساوىء حكامها وعمالها ووكلائها في تلك المستعمرات.
وقال الشيخ الشبيبي ان مكميلان تحدث عن الثغرة الضعيفة التي انطلقت منها الشيوعية، فكانت تلك النقطة الواهنة هي الشرق الاوسط، على ما يقول. وتساءل الشيخ الشبيبي قائلا من المسؤول عن اتساع هذه الثغرة اليس هو المنهج الذي انتهجته دول الغرب، في حرمان أكثر شعوب الشرق الاوسط، من حقوقها الطبيعية في الكرامة والحرية والاستقلال، وادخال السياسة الغربية الغاشمة أنفها في شؤون تلك البلدان الداخلية.
وأضاف الشيخ الشبيبي" ان الخطيب – ويقصد ماكميلان- تناول رفع مستوى المعيشة ومساعدة الشعوب الضعيفة، وهي نغمة من النغمات القديمة التي يطيب لساسة الغرب انشادها، على مرأى ومسمع من تلك الشعوب الجائعة العارية البائسة، ولا سبيل الى رفع ذلك المستوى على ما يقول ماكميلان، الا بالتعاون والتآزر مع الغرب . هذا ما يذهب اليه الرئيس البريطاني ليقنعنا، بما تنطوي عليه سياسة الغربيين، حب الخير وحسن النية، وقد فاتهم ان الشرق هذا اليوم غيره بالامس. ومن الخطأ العظيم المضر بمصالح الغربيين، ومصالح الشرقيين المشتركة ان كانت هناك مصالح مشتركة ان يظنوا أن أبناء الشرق أطفال أو في سذاجة الاطفال، وأنهم ما زالوا قطعانا بحاجة الى رعاية الرعاة، من أمثال الساسة المذكورين وهيهات. فالشرق الاوسط في حاضره غير الشرق الاوسط في غابره .كلما قلنا . وقد أصبح كل فرد من أفراد بعض هذه الشعوب يشعر بذاتيته وكيانه ويعرف ما له وما عليه، ويطالب بحقوقه وهيهات أن يضيع حق وراءه مطالب.
وخاطب الشيخ الشبيبي الغربيين قائلا" اذا أرتم أيها الغربيون أن نثق باقوالكم المعسولة، بعد تلك التجارب القاسية، فأرفعوا أيديكم وسلطانكم أو سلطان صنائعكم الغاشم عنا، وحطموا القيود التي نرسف بها، وأزيلوا العقبات الكأداء والعراقيل التي وضعتها سياستكم في سبيل تقدمنا وسيرنا الى الامام.
وأضاف الشيخ الشبيبي" ولا نذيع سرا اذا قلنا أن ماكميلان يعلم بما يعانيه بعض بلدان الشرق الاوسط في هذه الفترة، من مصائب التضخم النقدي وهو تضخم ناجم عن الطريقة التي تتمشى بها بعض المؤسسات الرسمية من انفاق عائداتها".
موقف الشبيبي من مشروع ايزنهاور
--------------------------------
في جلسة مجلس الاعيان بتاريخ 23/4/1957 اعلن وزير الخارجية العراقي قبول العراق لمشروع ايزنهاور .
وهنا تحدث الشيخ محمد رضا الشبيبي قائلا" لا شك ان المشروع ليس معاهدة وان الحكومة كما قال وزير الخارجية بقبولها المشروع لم تعقد معاهدة.
وأضاف الشبيبي" والحقيقة اننا لا ننكر موقف الرئيس ايزنهاور من بعض أزمات الشرق الاوسط الاخير، ولا ننكر موقفه وهيئة الامم المتحدة من شن العدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر. ولا ننكر ذلك أبدا، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نقول ان لنا مشاكل مع هذه الدول كلها، وان لنا قضايا مع هذه الدول الثلاث، التي أعتدت على قطر من أقطار الشرق الاوسط ، منها قضايا سياسية واقتصادية، تهم جميع الدول العربية، لذلك وددنا أن تجرى مشاورات بين هذه الدول العربية حول المشروع، أما نقضا أو قبولا أو تعديلا أو استيضاحا لان بعض عبارات المشروع لا تخلوا من غموض.
وقال الشبيبي " بصراحة ان المشروع، ولو أنه يشير الى احترام حقوق هذه الشعوب في سيادتها وفي استقلالها، الا أنه من الجائز اذا بقي المشروع بدون بحث أن يؤدي الى ما يناقض المشروع نفسه، وذلك بالاتفاق مع دولة غربية على سياسة معينة في حل هذه القضايا.
وأضاف الشيخ الشبيبي" اكرر بان المشروع في ظاهره يشجب التدخل في شؤون الدول المذكورة، ويؤكد المحافظة على سيادتها واستقلالها، ولكن شعوب الشرق الاوسط تخشى أن يؤدي الى تثبيت نوع أو دعامة من دعائم الاستعمار الغربي، سواء شعر المسؤولون الامريكان بذلك أم لم يشعروا ".
وقال الشيخ الشبيبي" ومن هذا المنبر، أود أن أهيب برجال السياسة الامريكية، أن يلاحظوا شعور شعوب الشرق الاوسط، في هذه الظروف . وأدود من ساسة أمريكا أن يعنوا جدا بحل مشكلاتنا، ومع الانكليز حلا يلائم وعي الشعوب في الظروف الحاضرة"..
وفي عام 1913 اصدر مزاحم الباجه جي صحيفة( النهضة) وكان فيها الصحفي المبدع الشاب ابراهيم حلمي العمر وشباب اخرون. الذين كانوا قد اسسوا ناديا ادبيا ذا اهداف سياسية. وقد انشأ النادي صحيفة النهضة كما انتمى اليه العديد من الاشخاص البارزينامثال الشيخ محمد رضا الشبيبي وتحسين العسكري وبهجت زينل وعبد المجيد كنه ورزوق غنام ويوسف عز الدين وعبد الحميد الشالجي وصبيح نجيب. وكان النادي تحت سيطرة الوجيه البغدادي الثري يوسف السويدي الذي دعا الى القومية العربية والذي ناصره ودعمه ماليا في ذلك سيد طالب النقيب. الا ان النادي اغلق بعد اضطهاد السلطات التركية لاعضائه وكذلك غلق صحيفة النهضة. وتمكن مزاحم الباجه جي وابراهيم حلمي العمر من الهرب الى البصرة والالتجاء لدى طالب النقيب.
3575 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع