سلسلة رجال وأحداث - صفحات مطوية من حياة ناجي شوكت
هو محمد ناجي بن محمد شوكت باشا بن رفعت بك بن الحاج أحمد آغا ينيجري آغاســـي ( رئيــس شرطة بغداد) كان أبوه شوكت باشا نائبا في مجلس النواب التركي ( المبعوثان) وأخوه الدكتور سامي شوكت وزير الشؤون الاجتماعية والمعارف العراقية وأمه فاطمة بنت راغب بك أكبر أنجال سليمان فائق بك ابن الحاج طالب كهية معاون الوالي داود باشا آخر ولاة المماليك.
ولد محمد ناجي في قصبة الكوت في 25 آذار 1893 وقيل في 26 آذار سنة 1891 من الرعيل الأول في السياسة العراقية قصير القامة حاد النظر ولكنه مرح بصفة دائمة وكان والده يشغل منصب القائمقام فيها فقد تلقى ناجي تعليمه الأولي في مدينة الحلة حيث كان والده قد انتقل اليها فالتحق في المدرسة الابتدائية هناك ثم المدرسة الاعدادية ثم في كلية الحقوق بجامعة استنبول عام 1909 وتخرج فيها سنة 1913
كان أول المناصب الادارية التي اشتغل فيها ناجي شوكت هي معاون المدعي العام في محكمة بداءة الحلة فلما قامت الحرب العالمية الأولى التحق بكلية ضباط الاحتياط وعين بعد ذلك وكيل ضابط حراسة بغداد واستمر في الخدمة العسكرية التركية واشترك في مطاردة القوات البريطانية بقيادة الجنرال تاوزند والتي كانت منسحبة من جوار سلمان باك الى الكوت في كانون الثاني 1915 وأصيب بجروح بليغة في موقع الشيخ سعد قرب علي الغربي فنقل الى بغداد للتداوي ، ولما شفي عين مرافقا لقائد الطيران الالماني في الجيش التركي السادس برتبة ملازم ثان عام 1916 .
استأنف الجيش البريطاني زحفه على بغداد فمضى ناجي شوكت الى الكويت للاشتراك في القتال وسقط في اسر الانكليز في أوائل آذار 1917 ضمن الأسرى من القوات التركية ونفي الى معتقل بلاري بولاية حيدرآباد في الهند. وهناك عرضت عليه السلطات البريطانية مع غيره من المنفيين العرب الالتحاق بجيش الملك حسين الذي أعلن ثورته ضد الحكومة التركية في 10 حزيران 1916 فكان ناجي شوكت ضمن من انضم الى الفيلق العربي الذي كان يتولى قيادته الأمير فيصل ابن الشريف حسين حيث اشترك في معركة معان وقبل أن يتقدم جيش الأمير فيصل الى دمشق قرر ايفاده بمهمة خاصة الى العراق فذهب الى القاهرة في صيف 1918 لكن سرعان ما دخل الجيش العربي الى الشام
فصدرت اليه الأوامر بالتوجه الى دمشق حيث عين مستشارا حقوقيا في ديوان الشورى الذي يرأسه ياسين الهاشمي في كانون الأول 1918 وحدث ما حدث أبان الحرب العالمية الاولى من اتفاق بين حسين وابنائه من ناحية وبين الحلفاء من ناحية أخرى الى أن استقر الرأي في مؤتمر القاهرة الذي كان يرأسه ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني على اعادة تخطيط المشرق العربي وتعيين فيصل ملكا منتخبا على العراق.
وقد وقف ناجي شوكت مع الأمير فيصل بالرغم من نزعة شوكت الجمهورية فهو من المؤيدين لقيام نظام جمهوري ويرجع شوكت بدايات النزعة الجمهورية هذه الى مرحلة دراسته في مدرسة الحقوق العليا باستنبول ووقوع الانقلاب عام 1908 حيث كان متأثرا بآراء أستاذه مصطفى فوزي الذي كان يدرسه القانون الذي كان متحمسا للنظام الجمهوري ومعارضته للنظام الملكي مستشهدا بالعهدين الأموي والعباسي فيقول يأتي خليفة قوي ثم يعقبه ابن ضعيف يجر بخلافته البلاء على الأمة والشعب وكان الملك فيصل يعلم جيدا توجهات ناجي شوكت هذه ومع ذلك اعتمد عليه في بناء العراق الحديث.
وكان من الطبيعي أن يستعين الملك فيصل في تسيير المملكة العراقية بأولئك الذين عملوا معه أبان الثورة العربية أمثال ياسين الهاشمي ونوري السعيد ومولود مخلص وناجي شوكت وغيرهم. وقد انقسم الساسة العراقيون الى ثلاثة أقسام حسبما يرى الدكتوران محمد أنيس ومحمد حسين الزبيدي القسم الأول ربط نفسه بالاستعمار البريطاني بشكل لا انفصام فيه من أبرزهم نوري السعيد والقسم الثاني كان اكثر تحررا في الارتباط ببريطانيا وأبرزهم كان ياسين الهاشمي والقسم الثالث ليس له موقف سياسي محدد وعناصر هذا القسم تعمل على خدمة العرش العراقي أو خدمة الشعب العراقي دون تحديد سياسي واضح تجاهل الأحداث وابرز هؤلاء ناجي شوكت فهم يخدمون بأخلاص دولة العراق الحديث فناجي شوكت يشذ عن هذه المجموعة بحماسه من ناحية ومحاولته ملاحقة الأحداث من ناحية أخرى اذ كان يريد وضعا مستقرا مهما كانت هوية هذا الوضع.
حينما وصلت أسرة الملك فيصل الى الأردن ومن ضمنها الأمير غازي بدأت الاستعدادات الرسمية في بغداد لاستقبال الأمير غازي باعتباره وليا للعهد . وتقرر تأليف ثلاثة وفود لاستقباله . كما تم تأليف لجنة لأعداد منهاج الاستقبال برئاسة ناجي شوكت متصرف لواء بغداد.
شغل منصب معاون متصرف( محافظ) لواء( محافظة) بغداد في 31 كانون الثاني 1921 ثم وكيلا له في ثم متصرفا للواء الكوت بالوكالة في 18 أيلول 1922 بعدها متصرفا للواء الحلة في 13 مايس 1923 ثم نقل بنفس وظيفته الى بغداد وحينما كان متصرفا للواء بغداد أمر بتوقيف توفيق المفتي مدير المزرعة الملكية الذي كان قد فتح ثغرة في نهر دجلة أثناء الفيضان ليقوم بسقي المزرعة في منطقة التي تعرف بـ( الكسرة) بجانب الرصافة قرب البلاط الملكي فتسبب في غرق المنطقة بما فيها البلاط الملكي ولم يسمح ناجي شوكت باطلاق سراحه على الرغم من الكفالة التي تقدمت بها الخزينة الملكية
عين متصرفا في الموصل حتى فصل من عمله في 18 حزيران 1927 حيث أقصاه وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني بأمر من رئيس الوزراء جعفر العسكري عن وظيفته في الموصل بسبب سماحه لمدير المعارف باستخدام منزل فيصل الأول في الموصل مكانا للطلبة لأداء الامتحانات المدرسية بسبب تعذر أداء الامتحانات الثانوية في مدرستي الثانوية والخضرية في بنايتها المشتركة في وقت واحد من دون أن يعرض الأمر على وزارة الداخلية أو رئيس الوزراء أو الملك فيصل نفسه وحينما وصل الأمر الى رئيس الوزراء جعفر العسكري بعث بكتاب الى وزير الداخلية جاء فيه انه بلغني أن متصرف الموصل تصدى لعمل خطير خارج عن سلطته حين أجاز لمدير المعارف بأشغال القصر الخاص بسكنى صاحب الجلالة في الموصل بدون مراجعة أولي الشان وأستحصال موافقتهم . ولما كان هذا العمل مخالفا للأصول ودليلا على تجاوز المتصرف حدود وظيفته وعلى جرأته المتناهية في عدم الاكتراث بالأمور أرى من الضروري سحب يده من الوظيفة واتخاذ الأجراءات اللازمة بحقه في بغداد . وقد بذل المعتمد البريطاني في بغداد وساطة لدى الملك فيصل لاعادة ناجي شوكت الا وظيفته بعد أن وجد امتعاض الكثير من العراقيين من اقصائه المجحف فبعث برسالة الى الملك فيصل يقول فيها ان لم تكونوا جلالتكم مستعدين لان تدبروا من تلقاء نفسكم أمر أعادة ناجي بك في القريب العاجل الى وظيفته كمتصرف الموصل ساجد نفسي مضطرا على اشد الكره الى أن أتدخل والتمس من جلالتكم رسميا أن تأمروا بأعادته الا أنني متأكد من أن جلالتكم ستساعدني على اجتذاب القيام بمثل هذا العمل
وقد رد الملك فيصل على رسالة المندوب السامي قائلا أنني شديد الأسف لان أرى نفسي مضطرا الى اجابة فخامتكم بعد قبول تهمة اقصاء المتصرف المذكور بأمر كيفي ويؤسفني أن أكون وأياكم على اتفاق تام في هذه القضية وتعلمون فخامتكم ان وزير الداخلية لم يقم بالأمر من تلقاء نفسه بل كان ذلك بناءا على مذكرة رئيس الوزراء الذي علم باستيائي من تصرف المتصرف... ان احساس الاهالي بوجود سلطتين في البلاد مما يضر بحسن الادارة فعندما بلغني أن التساهل وعدم المبالاة وصل به الى أن يسمح بأشغال قصري دون موافقتي لم أر مجالا للاسترسال في التسامح فطلبت عزله ليتعرف صلاحيته وليكون عبرة لغيره ولقد كان في الامكان السماح عنه على اثر تلك الحادثة لو تقدم بالمعذرة ولكنه بدلا من ذلك أرسل كتابه المعلوم الى وزير الداخلية وه كتاب اقل ما يقال فيه انه مخالف لروح الانقياد والنظام العام الواجب مراعاته بين الموظفين.
وكان ناجي شوكت قد بعث برسالة الى وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني يبرر فيها صحة موقفه من اشغال قصر فيصل اني لم اكن قد تجاوزت حدود وظيفتي بصورة ما ولا يمكن أن يكون عملي جرأة وعدم اكتراث في أمر عظيم واعتبر ذنبا لا يقبل التساهل . أن القصر المستأجر على حساب الميزانية الخاصة في الموصل لا يعد خاصا بسكنى صاحب الجلالة بل هو خال ليس فيه سوى بعض أثاث بالية تعود للحكومة ولم يكن يوما ما منيعا لهذه الدرجة اذ كان قد اشغل من قبل المتصرف السابق كدار للسكنى واشغل من قبل لجان الحدود المختلفة ويستنتج من هذا أن صاحب الجلالة لا يمانع في اشغال القصر من قبل ضيوفه عندما لا يحتاج اليه جلالته فكم بالاحرى اذا استضيف في هذا القصر لبضعة أيام تلاميذ المدارس وهم عماد المستقبل وعصارة حياة الأمة العراقية. وما كان ليدور بخلدي البتة أن عملي هذا سيعد تجاوزا لحدود الوظيفة وجراءة في عدم الاكتراث في أمور لا اعرف كيف أفسر وأعلل تعظيمكم اياها رغم ما فيها من بساطة. وأني كنت واثقا ولا أزال راغبا في أن أكون مقتنعا بان صاحب الجلالة الذي لا يزال يساعد المدارس والمعارف بأنواع التبرعات وشتى الانعامات شان الملوك لو علم بالأمر بتقديم القصر المشار اليه الى التلاميذ ليس لاجراء امتحانهم فيه.وجاء في رسالة ناجي شوكت . بصفتي عربيا خدمت القضية العربية أيام الثورة العظمى وبصفتي عراقيا خدمت بلادي حسب طاقتي واجتهادي أتقدم وأطالب الحكومة بشدة بالا تجعل موظفيها وهم الأيدي العاملة العوبة فالدهر قلب يا معالي الوزير فاتقوا الله يا من تتولون شؤون هذه الأمة ولا تحيدوا عما يوحيه اليكم وجدانك وأني لن أتنازل عن حقي وطلب اعادة شرفي ما زالت في البلاد أمة لها روح وما زالت أمامنا سلطات عليا لا تمشي وراء الأهواء وما زلت أنا شاب من أبناء هذه البلاد يشعر أن من واجبه أن يخدم بلاده ويحول دون وقوع المظالم والتعديات فيها.
تولى منصب وزير مفوض في تركيا مرتين في بداية الثلاثينات وفي نهاياتها ولعب دورا بارزا في تحسين العلاقات بين العراق وتركيا اذ كانت صداقته الشخصية بكمال أتاتورك وبوزير الخارجية سراج أوغلي من الأمور التي سهلت له هذه المهمة اذ بعد استقالة ناجي السويدي في اذار 1930 عين وزيرا مفوضا للعراق في أنقرة حيث انه كان يتقن اللغة التركية اضافة الى انه وثيق الصلة من ناحية الأم بمحمود شوكت شقيق حكمت سليمان رئيس الوزراء العراقي أبان انقلاب بكر صدقي ومحمود شوكت صاحب الانقلاب الشهير ضد السلطان عبد الحميد الثاني حين تحرك بقواته باتجاه قصر يلدز لاقصاء السلطان ونفيه الى سالونيك.
وقد قام الملك فيصل الأول بزيارة لتركيا بدعوة من زعيمها مصطفى كمال اتاتورك حين كان ناجي شوكت يشغل منصب الوزير المفوض هناك.
وفي حزيران عام 1928 شغل منصب وزير الداخلية في حكومة عبد المحسن السعدون الثالثة ثم وزيرا للعدل في وزارة السعدون الرابعة بعدها وزيرا للداخلية في حكومة ناجي السويدي وذلك في 18 تشرين الثاني 1929.
مثل ناجي شوكت العراق في مؤتمر الكويت عام 1930 الذي عقد لتهيئة اللقاء بين الملك فيصل والعاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود . وفي 3 تشرين الثاني 1932 شكل ناجي شوكت وزارته الأولى.
وزارة ناجي شوكت الأولى .
عقب دخول العراق عصبة الأمم في 3 تشرين الأول 1932 قدمت حكومة نوري السعيد استقالة وزارته الثانية لتشكيل حكومة جديدة تسير على سياسة تختلف عن السياسة التي كان العراق يسير عليها العراق قبل دخوله العصبة واتجهت الأنظار الى وجوب تأليف وزارة انتقالية تأخذ على عاتقها مهمة حل المجلس القائم والشروع بانتخاب مجلس جديد فدعي ناجي شوكت وزير الداخلية في الوزارة المستقيلة الى تأليف هذه الوزارة فلم يتأخر شوكت في عن تلبية دعوة الملك فيصل الذي وجه اليه دعوة تأليف الوزارة جاء فيها:
وزيري الأفخم ناجي شوكت
بناءا على استقالة فخامة نوري السعيد من منصب رئاسة الوزارة ونظرا الى اعتمادنا على درايتكم وأخلاصكم فقد عهدنا اليكم برئاسة الوزارة الجديدة على أن تنتخبوا زملاءكم وتعرضوا أسماءهم علينا والله ولي التوفيق
وشكل ناجي شوكت وزارته هذه التي احتفظ فيها بوزارة الداخلية وضمت كل من نصرت الفارسي وزيرا للمالية وجميل الراوي وزيرا للعدلية وجلال بابان للاقتصاد ورشيد الخوجة للدفاع وعبد القادر رشيد للخارجية وعباس مهدي للمعارف وقد انقسم الناس عقب تشكيل الوزارة الى قسمين بين متفائل ومتشائم واخذوا يضربون أخماسا بأسداس منهم من يقول انها انتقالية ولم تتوقف هذه التفسيرات حتى أعلنت الحكومة منهاجها الوزاري الذي ركز على الصلات بين العراق وبريطانيا وتوطيد أواصر العلاقات الحسنة مع الدول الصديقة ودول الجوار والتزامها بالواجبات المترتبة عليها بموجب انضمامها الى عصبة الأمم أضافة الى تقوية الجيش وتوسيع التعليم والتدابير الصحية وترقية النظام القضائي وتنظيم شؤون العمل وتامين حقوق العمال.
لم تؤلف حكومة ناجي شوكت حزبا سياسيا على نحو ما فعلته الوزارات السابقة فلما أتمت الانتخابات النيابية الفت كتلة لتستند اليها في تمشية أعمالها في البرلمان دعتها( الكتلة البرلمانية) كانت مقتصرة على أنصار الوزارة من النواب دون أن يكون للأهلين علاقة بها حتى وان كانوا من الأنصار وكان عدد أعضاء الكتلة 72 نائبا ولكن ما أن تعرضت الوزارة الى أول معارضة في المجلس حتى تبخرت الكتلة وانفضوا عنها تاركيها لقمة سائغة في فم المعارضة مما اضطر ناجي شوكت الى تقديم استقالته الى الملك فيصل جاء فيها( ان العمل المتواصل الذي استلزمته النتائج المترتبة على تطور البلاد السياسي والأتعاب التي سببتها لي شخصيا الجهود المبذولة للحصول على الثمرات المنتظرة من تلك النتائج قد أدت الى انحطاط في صحتي وضعف في قواي بصورة لا اشعر معها أنني أكون مطمئنا من استطاعتي على أداء الواجب وأنا في رئاسة الحكم لذلك وحيث أن الأمور قد اكتسبت استقرارا يؤمل معه الخير للبلاد وتمت الانتخابات النيابية بكل هدوء وسلام ووضعت الأمة ثقتها في مجلسها الجديد الذي باشر في أعماله الأمر الذي يجعلني مطمئن البال من الوضعية العامة ومن سير أمور الدولة على احسن الوجوه تحت ظل جلالتكم وهذا هو الهدف الذي أتوخاه فأني أرى من واجبي أن اترك موقع المسؤولية لينفسح مجال العمل لغيري من رجال هذه البلاد العزيزة لهذا أتشرف برفع استقالتي من رئاسة الحكومة الى سدتكم الملكية شاكرا لكم الثقة والمعاضدة العظيمتين اللتين أوليتموني وزملائي اياها طيلة تضلعي بأعباء الحكم ومؤكدا الاخلاص الذي كان ولم يزل أساس أعمالي في خدمة جلالتكم والامة العراقية الكريمة . أطال الله بقاء جلالتكم سيدي المعظم .
وقد بعث الملك فيصل برسالة جوابية الى ناجي شوكت جاء فيها:
عزيزي ناجي بك شوكت
اظهر سروري العظيم بقولي انكم وزملاؤكم قمتم في بحر مدة مسؤوليتكم بكل ما يتطلبه الوطن منكم من اخلاص وصدق مما يجعلني أن أضاعف آمالي في مستقبل هذه البلاد ورجالها واخلاصهم . أنني آسف على اخذي كتابكم المؤرخ في 18 آذار 1933 برغبتكم في التخلي عن مسؤولية الحكم لكي تفسحوا لي المجال للاستفادة من خبرة باقي رجال الوطن ولا يسعني الا أن أشكركم على عملكم هذا النبيل وأتمنى أن تثابروا موقتا على القيام بشؤون الدولة الى أن يتم تأليف وزارة جديدة. وكانت حكومة ناجي شوكت قد وقعت اتفاقا مع الحكومة الايرانية يتضمن حفظ وتامين الحدود بين البلدين ومنع العصابات المسلحة من ارتكاب جرائم السرقة ومنعهم كذلك من اجتياز الحدود وعلى حرس الحدود في كلا الدولتين أن يخبروا الطرف الآخر بكل حادثة نهب أو سلب تقع في أراضي دولتهم وكذلك الاتفاق على تسليم المجرمين بين البلدين واعتبرت الاتفاقية منطقة الحدود تمتد الى مسافة 75 كيلومترا داخل أراضي كل من الفريقين وكذلك منع تهريب الأموال من مملكة الى أخرى .
كما وقعت حكومة ناجي شوكت معاهدة مع دولة أفغانستان لتبادل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
يدعو ناجي شوكت في رسالته الموجهة الى ياسين الهاشمي في24 حزيران 1936 الى ضرورة أن يقوي العراق جيشه فيقول في رسالته( على العراق أن يستعد للمستقبل بتزويد قواه الحربية بتقوية جيشه بصورة اعظم مما هو عليه الآن وعليه أيضا أن يوحد قواه الداخلية وان يفهم رجاله الحالة العالمية جيدا وان ينبذوا التحزبات والحزازات والمشاحنات وان يكونوا يدا واحدة لا لخدمة العراق فحسب بل اعتقد ان بأمكانكم أن يساعدوا أخوانكم العرب والبلاد العربية الأخرى لا سيما فلسطين البائسة ان هذه الفرصة لا تسمح للعرب مرة أخرى ففي خلال هذه السنين القلائل المقبلة يمكن أن نستفيد كل الاستفادة من ضعف بعض الدول والارتباك الموجود في السياسة الأوروبية وسيكون العراق قويا فاذا وقعت الحرب حتى اذا لم يتمكن منها فعلى الاقل يكون قد حافظ على كيانه واستقلاله ان التاريخ سيلغي رجال العرب الذين لا يقدون الوضع الحاضر ولا يسعون للاستفادة منه أقول هذا بصراحة وارى واجبا علينا أن نهتم بتقوية الجيش ولا سيما سلاح الطيران وكذلك القضاء على الاضطرابات والسعي لحث الحكومة البريطانية على تعديل وضعها في فلسطين لانها فرصة اعتقد لا تتكرر.
يتحدث محمد حديد للدكتورين محمد أنيس ومحمد الزبيدي عن ناجي شوكت فيقول انه نموذجا من رجال العهد القديم تجده رغم خدمته للانكليز أو الملكية الا انه صاحب نوازع وطنية كامنة ظهرت عندما أحس بأنه يستطيع أن يعبر عنها بحركة معادية للانكليز للتخلص من نفوذهم كذلك يجب الا ننسى أن ناجي شوكت كانت تبهره انتصارات الالمان والفاشست بصورة عامة ولكنه في الحقيقة لم يكن فاشستيا بالمعنى الايديولوجي .
ان ناجي شوكت يعترف انه انه يكره تعدد الاحزاب ويقول أميل الى فكرة الحزب الواحد ويكره الشيوعية لانها كما يقول مستوردة من الخارج .
ناهز الثمانين من عمره ولم يفقد اي شيء من حواسه غير حاسة السمع البطىء الذي يستعين عليه بسماعات صناعية حلو الحديث وجلساته لا تمل وظل هكذا حتى وفاته ببغداد في 11آذار 1980
يقول مير بصري في كتابه( أعلام السياسة في العراق الحديث) كان ناجي شوكت رجلا طيبا دمث الاخلاق ابتلي بالصم وقيل انه صمم سياسي كصمم الزعيم التركي عصمت باشا ( الجنرال عصمت اينونو) في مؤتمر لوزان سنة 1923 ويروى ان اغوات العشائر الكردية قدم الى بغداد وكان لا يحسن اللغة العربية وقد رغب في مقابلة وةزير الداخلية انذاك ناجي شوكت شأنه شأن امثاله من بعض الشيوخ ورؤساء العشائر الذين يريدون التبجح ورفع منزلتهم بين قومهم بمقابلتهم المسؤولين والتحدث الى الوزراء وذهب صاحبنا الى وزارة الداخلية يوما بعد يوم لكن الفراش منعه من الدخول لمقابلة الوزير . وشكا الاغا أمره اخيرا الى معاون مدير الداخلية العام صالح زكي آل صحبقران وسأله لماذا لم يسمح للرجل بمقابلة الوزير دقائق معدودات قال الفراش: ولكنه ياسيدي لا يعرف غير لغته الكردية . فقال المعاون وهل لديه شيء يقوله في هذه الزيارة دع هذا الاخرس يكلم ذاك الاطرش.
وروى ناجي شوكت في سيرته انه حين كان رئيسا للوزراء سنة 1933 تعرض لمحاولة اغتيال في شارع ابي نؤاس المطل على نهر دجلة فقد خرج من دار اخيه هو وزوجته ذات ليلة قبيل منتصف الليل ولم يكد يقترب من داره حتى رفيقته بذراعه وحثته على الاسراع في السير اذ شعرت بحركة غريبة وراءها.
ودخل الى داره فجاء شرطيان يقتادان شخصين يحمل احدهما مدية في يده وظهر انه خرج من السجن حديثا بعد الحكم عليه في قضايا الكتب السرية المرسلة الى رجال الدولة قبل عام واحد وقد عفا ناجي شوكت عنهما ولم يسمح للشرطة بالتحقيق معهما ثم ظهر ان هذين الشخصين عاطلان ومسؤلولان عن اسرة يعيلانها فنفحهما بشيء من الدراهم وعين الاخ الكبير مستخدما في امانة العاصمة.
شغل ناجي شوكت منصب وزارة الدفاع في حكومة رشيد عالي الكيلاني الرابعة في 12 نيسان 1941 اثر الانقلاب العسكري الذي قاده الضباط الأربعة وبفشل الانقلاب المذكور انتهت حياة ناجي شوكت الوظيفية
اشترك ناجي شوكت في حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941بدوافع وطنية يروي ناجي شوكت انه حدث خلاف كبير داخل المشتركين في الحركة وانقسموا الى مجموعتين مجموعة رشيد عالي الكيلاني ومجموعة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني. ويضيف ناجي شوكت حاولت أن أوفق بينهما فلم انجح فتركت برلين وعشت حتى نهاية الحرب في ايطاليا مشغولا بشؤوني الخاصة.
يعتبر ناجي شوكت رجل دولة ووطنيا مخلصا وذلك بسبب ظروف تربيته وظروفه الاجتماعية فهو رجل دولة كفوء كان مراقبا للأحداث ومشاركا بها ومنحازا الى وطنه من خلالها .
ويقول عنه المؤرخ عبد الرزاق الحسني( عرفت ناجي شوكت وأنا صحفي في ربيع 1926 يوم كان متصرفا لبغداد وزادت معرفتي به بعد التحاقه بوزارة السعدون الثالثة وزيرا للداخلية ثم رئيسا للوزراء فعرفت فيه حصافة الرأي وبعد النظر والحرص على خدمة المصلحة العامة دون مصالح المرموقين . ولما قامت الحرب العالمية الثانية في أيلول 1939 اصبح ناجي شوكت هذا الرجل النبيل عنصرا فعالا في الحركة الوطنية التي قامت في البلاد أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 حيث تم تعيينه وزيرا للدفاع في حكومة الدفاع الوطني برئاسة الكيلاني . وفي شهر ايار/مايس من تلك السنة اوفد ناجي شوكت الى تركيا لحملها على الوساطة لدى الانكليز لتسوية الامور العالقة معهم واتصل بفرانزفون بابن وزير المانيا المفوض في انقرة الذي وعده بالمساعدة الالمانية لكنه نصحه في الوقت نفسه بالتفاهم مع بريطانيا الى ان يحين الوقت المناسب. وعاد ناجي شوكت الى بغداد واجتمع بالمسؤولين وافهمهم نتيجة مهمته ثم غادرها فورا الى استنبول في 19 ايار 1941 وقصد روما في شباط 1942 فبقي فيها بعد زيارة قصيرة لبرلين ثم توجه الى شمال ايطاليا عند اقتراب جيوش الحلفاء من العاصمة الايطالية في آب 1943 وفي اثناء ذلك حكم عليه غيابيا في بغداد بالاشغال الشاقة لمدة 15 عاما وقرر مجلس النواب اسقاط عضويته من المجلس . وقد قبض عليه الامريكان في تموز 1945 فنقل الى القاهرة ثم تم تسليمه الى السلطات العراقية في بغداد وادودع سجن ابو غريب في ايلول 1945 ثم فرضت عليه الاقامة الجبرية في داره في آب 1947 وصدر عفو عنه في اول ايار 1948.
وبعد اطلاق سراحه ظل منعزلا في داره وكان يزور اوربا في الصيف وشارك رجال السياسة قبيل ثورة 14 تموز 1958 في تقديم العرائض للملك فيصل الثاني احتجاجا على سياسة نوري السعيد رئيس الوزراء والدعوة الى التزام خط التضامن العربي وشد ازر مصر في كفاحها . ثم انصرف في اعوامه الاخيرة الى تدوين مذكراته بمساعدة عبد الرزاق الحسني فطبعت له في بيروت بعنوان( سيرة وذكريات ثمانين عاما)
4048 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع