"العادات والتقاليد وبعض من المعتقدات المتبعة في العراق، فيها موروث يجسد الاصالة منذ العهد القديم الى يومنا هذا"
مما لاشك فيه ان الحضارة في العراق قد بحثت من قبل الباحثون وكتب عنها المحللون والمتطلعون لسبر صيروراتها ومفاعيلها فتيقنوا بابداعاتها التي لا تحصى فانبهروا بها وبأنسانيتها، لكونها نهر دافق وعطاء لمرافق الحياة بكل جوانبها و فيها عظمة ما ابتكرته عقول ابنائها، فالعادات والتقاليد عند العراقيين جزء من ذلك العطاء، فالمجتمع العراقي يزخر بثقافة شعبية غزيرة وتراث غني، فيه القيم والأخلاق والعادات والتقاليد وأنماط سلوكية وإبداعات، وهي عصارة فكر وتجربة، وحصيلة تاريخ طويل من التفاعل بين الإنسان وبيئته الجغرافية، بتنوّع تقاسيمها وتراسيمها من المدينة إلى الريف، ومن الجبال إلى الصحراء، العراقيون وبعد آلاف السنين مازلوا يحملون تلك الثقافة للعادات والتقاليد وبعض من المعتقدات الخرافية التي نبعت من اجدادهم السومريون والبابليون والاكديون والآشوريون والعباسيين، رغم تواتر الغزاه على مر العصور، ومحاولاتهم لتغير هوية العراقيون الا انهم عجزوا جميعا عن ذلك، ، كذلك فان العراق يملك كماً هائلا من الأمثال والحكم والحكايات والفنون الشعبية في مجالات عديدة ومختلفة مثل:
الرقص والغناء واللباس والطعام والصناعات اليدوية وغيرها، وهذا ما يدل على أن التراث والتاريخ قادران على الحفاظ على شخصية وهوية الإنسان العراقي رغم متغيرات العصر، اذاً يتميز المجتمع العراقي بما يتميّز به تراثه عموما من أصالة وذوق خاص، وحس إنساني عال، ومشاعر غزيرة، وتأقلم مع الظروف والانفتاح على الآخر، وبالرغم من وجود عالم يتجدد يومياً ويسجل تغييرات في كافة الميادين والمجالات الأخذة بالتأثر بالعولمة وبالتقنية وغيرها من الأمور، تبقى هناك زاوية داخل كل منا يلجأ إليها بحثاً عن لمحات واضواء على تقاليدنا وعاداتنا وبعض من المعتقدات مازالت تدغدغ مشاعره وتعيد الابتسامة إلى شفتيه عند التحدث عنها لما فيها من سحر وتعلق يصعب اهماله، كذلك فأن العائلة المحلية قد تعرضت لتطورات اجتماعية و ثقافية واقتصادية عميقة أكسبتها عادات و تقاليد جديدة مع الزمن الجديد، غير أن هذه التطورات وهذه التغيرات ظلت عاجزة في أن تصيب بعد مظاهر الثقافة المحلية و المتمثلة في بعض العادات و التقاليد وبعض من المعتقدات اللصيقة للذات المحلية، حيث ظلت العائلة محتفظة ومحافظة عليها معتبرة إياها جزء من كيانها الروحي والعقائدي الأمر الذي أدى بها إلى تقديسها واعتبار عدم الاحتفاء والتحذير بها أمر سيء ومرفوض اجتماعيا و ثقافيا وحتى عقائديا، كلها موروثات معظمها لا يزال حياَ ومتداولا حتى اليوم، يعملون بعفوية تامة على ترسيخها وتأصيلها في نفوس الأجيال وعقولهم، ولهذا أصبح العراق الذي طالما داعب خيال المستشرقين والفنانين من خلال:
قصص، ملحمة كلكامش ومسلة حمورابي واللوحات الموسيقية والفلك و صور الأعراس، وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة.. بحيث ملئت عيونهم ولمسوها بأناملهم، بما يتوافق أو يندمج في عالم الواقع.
حاول المستشرقون والفنانون، أن ينفذوا إلى أعماق الحياة اليومية، لمزيد من الفهم لعادات وتقاليد الشرق ومنها العراق، بدأ الرغبة في تحديد «مشهد ما» على حقيقته كحلم رومانسي فيه سحره وجاذبيته، دون تجميل أو تزييف، واهتم المستشرقون والفنانون الأوروبيون بتقديم مشاهد حقيقية بتفصيلات وتركيبات محددة، أمينة، صادقة !.. ولم تستمر الصورة الباهرة للشرق إلا لتغذية مشاهد أدبية خصبة، تركت آثارها في كتابات «بيير لوتى» و«سافارى» و«جوتييه».. في الوقت ذاته، كان بعض الفنانين يحاول أن يبتكر مشاهد جمالية، تحفظ للشرق سحره وفتنته.
المعروف ان سكان بلاد الرافدين هم الذين بدأوا بممارسة الاحتفالات بعيد راس السنة، انه من اقدم الاعياد العراقية على الاطلاق حيث ظل يحتفل به اسلافنا بصورة رسمية وشعبية منذ خمسة آلاف عام وحتى الآن، مع اختلاف التسميات والشكليات والتبريرات الدينية والشعبية، انه لجميع العراقيين، السومريون اسموه"زكوك" والبابليون ونينوى اسموه"اجيتو"، والعرب"الربيع"،
والاكراد"نوروز"، والتركمان"هلانا"، والسريان" تزامنا مع الفصح" والصابئة"عيد البنجة"، واليزيدية"ظهور الملاك الطاووس"، كان السومريون والبابليون يقيمون احتفال راس السنة حيث تجري خلال هذه الاحتفالات اعادة مسرحية اسطورة التكوين والتي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالخصوبة والتكاثر (بالنسبة للانسان والحيوان والنبات) وعلى النحو الذي جاءت به اسطورة تموز وعشيقته عشتار ويرمز تموز الى الخصوبة والنمو بينما ترمز عشتار الى الحب وكان ارتباطهما وزواجهما مقدسا يجب اعادته (اي اعادة تمثيله) في كل عام
وفي فصل معين هو الربيع لما له من اهمية في ازدهار الطبيعة والنمو، وهكذا يقترن عيد راس السنة السومري والبابلي بمظاهر الطبيعية والزواج المقدس، بداية شهر نيسان ولمدة سبعة ايام من 1-7 نيسان حيث الاعتدال الربيعي ويكون الاحتفال مصحوبا بالتراتيل الدينية والاناشيد والرقص الجماعي، نيسان كونه موسم سقوط المطر وفيضان دجلة والفرات ونضج المحصول الزراعي التي تتم بعده عملية الحصاد،
ان الأكراد يحتفلون بعيد نوروز باعتباره ذكرى انتصار(كاوه) الحداد على الملك الطاغية(الضحاك)، وعادة ما تقوم الأسر بالخروج إلى الحدائق المساحات الخضر في سفوح الجبال وسهولها محملة بما طاب من الاكلات والدولمة تتخللها الدبكات الجميلة لكلا الجنسين، تدوم أعياد النوروز في العادة اثني عشر يوماً، وتختتم في اليوم الثالث عشر بنزهة خلوية عامة لا يتخلف فيها أحد عن إبداء الفرح، وتغتنم العائلات الفرصة في ذلك اليوم لتأخذ نبات الحبوب التي زرعتها كي تلقي بها في أحد الجداول، فتحملها مياهه مثقلة بأماني الخصب والرخاء في هذا اليوم للاحتفال.
لا زال يتم الاحتفال بهذا العيد في مختلف انحاء العراق باسم "يوم المحيا" أي احياء الربيع، يحتفل سكان كركوك والقرى التركمانية بهذه المناسبة، حيث يجتمعون في ليلة ۲۱ نوروز في الأزقة والحارات، ويبدأ الأطفال بالغناء وهم يحملون المشاعل في الطرقات وفي سطوح منازلهم، وفي المساء يتم كسر الجرار القديمة، ويسمى العامة هذه الاحتفالات باحتفالات (هلانا) وهو في الأصل احتفال خاص بـ (مسيحيي القلعة) التركمان الذين يحتفون به بذكرى إرسال (هيلانه) أم الملك قسطنطين جموعا من المسيحيين من استانبول إلى فلسطين للبحث عن الصليب الذي صلب عليه السيد المسيح، ويسمى ايضا(يوم الكسلة) كما في البصرة، او(دورة السنة) او(يوم الخضر) وهو الشخصية الاسطورية الاسلامية التي يرتبط اسمها بالخلود والخصبة والخضرة، في أرياف الجنوب يحتفل أيضا بهذه المناسبة في 21 آذار، حيث يقومون بشراء الخس والشموع على عدد أفراد الأسرة ثم يضعون الرز واللبن والسمسم والسكر والحناء في(صينية) كبيرة ويطلقون على هذه المواد(جوه السلة) وبعد فترة من الهدوء والصمت يبدأون بتناول ما في الصينية. وفي اليوم الثاني يخرجون للتنزه في البساتين عصرا ومعهم الأطعمة ثم يعودون بعد الاحتفال إلى بيوتهم،
في بغداد تتجه بعض العواائل الى سلمان باك منتشرين في البساتين والحدائق محملين بالاطعمة وجدر الدولمة والبيض والمخللات والسماور لاعداد الشاي، ومثلها عند كورنيش الاعظمية ورأس الحواش وصدر القناة، اما عادة تلـوين الـبيـض في هـذا اليـوم فـهي ايضا عـادة عراقية بابلية آشورية قــديــمة، فالـبـيــضـــة تـــرمـــز لـلحـيــاة والميلاد، والألوان تــرمــز للخصب والربيع.
يعتبر الاحتفال بالأعياد من القيم الثابتة للحياة الاجتماعية المحلية منذ القدم، حيث أن "للعيد نكهة خاصة يدعو الناس إلى التوقف عن العمل والقيام بأعمال غير مجدية على الصعيد المادي، العيد يدفع الناس إلى التمتع بالحياة والاحتفال بالعلاقات الاجتماعية خارج إطار العلاقات الاقتصادية، لذلك فالشحنة المعنوية التي يتمتع بها العيد حاجة إنسانية يشعر الناس عفويا بضرورة التمسك بها"، إن ظاهرة الاحتفال بالأعياد و تخليدها، تعد محطة اجتماعية ونفسية و ثقافية ضرورية في حياة العائلة العراقية التي تعلن من خلالها انتماءها الديني، لأن أغلب هذه الأعياد طبعت العائلة نفسها بطابع ديني مقدس، يترك المرء يحس بمعنى العيد ومعنى الاحتفالية في الذاكرة الشعبية التي تحتفظ بجغرافية زمانية و ثقافية واجتماعية لكل عيد ولكل حفلة وكل مناسبة :
فمن رمضان وطقوسه، عيد الفطر إلى عيد الأضحى والحج، عيد الميلاد، عيد رأس السنة الميلادية، رأس السنة الهجرية، اعياد الصابئة المندائيين، ثم باقي الأعياد الأخرى :
المولود النبوي، يوم عاشوراء، الزواج والطهور للاولاد، الجنازة، الندب، طريقه الدفن، مراسيم العزاء، زيارة المقابر، ذكرى الأربعين وتلاوة القرآن عند كل زيارة كل هذه العادات موجودة حتى الان ولكنها تجتمع على رباط واحد وهو احترام خصوصية المتوفى وأن ذكرى الأربعين التى نحييها الى الآن ذكرى للمتوفى هى عادة قديمة، يا محلى تلك المناسبات واللمة والجيرة والمكان الذي يتوج بأحيائها، كل فئة تحتفل بها يشاطرها الجميع، بتسمية معينة وحجة مختلفة خاصة بها، ولكن الجميع يحتفلون بهذه المناسبات بمعانيها البيئية والروحية.. وابرازها بالشكل الجميل كخارطة العراق وجمالها.
عادة ما تقوم به شريحة من المجتمع العراقي بزيارة الاضرحة في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء وبعض من مدن العراق املا بان يكون ذلك خيرا ينالون به بركة، كما انهم ينذرون النذور بأسمائهم، ويذبحون الذبائح عند مراقدهم، سائلين مطالبهم وحاجاتهم، من شفاء مريض، أو حصول ولد، أو تيسير حاجة، أو قضاء دين أو تفريج كربة، وأمور شتى يعتقدونها، وهذا مايحدث بزيارة مرقد الامام علي بن ابي طالب ومرقد الامام الحسين ومرقد الامام العباس ومرقد الامام موسى الكاظم وحفيده الامام محمد الجواد ومرقد الامام ابو حنيفة النعمان ومرقد الامام عبد القادر الكيلاني ومرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري والامام سيد محمد وغيرهم من الاولياء والصالحين عليهم السلام ورحمة الله عليهم،
وحتى هناك زيارات الى بعض الكنائس من قبل بعض من العوائل المسلمة تبركا وتيمنا بمقام السيدة مريم عليها السلام ورحمة الله عليها، إن موضوع زيارة الأضرحة وما يصاحبه من طقوس، موضوع شائك ومثير فيه دلالات كثيرة ومتشابكة، وتدور حوله الكثير من الأساطير التي تحولت إلى موروثات ثقافية.
عن العادات والتقاليد في العراق منذ السومريين: الاحتفالات بالمولود الجديد تختلف ما بين الولد والبنت حيث يتم الاحتفال بالذكر بحفاوة كبيرة إيماناً بأنه من سيحمل اسم العائلة، التهاني تبدأ منذ أن ترجع الأم إلى منزلها مع وليدها، ولكن الأمر الخاص الذي يتعلق بتقاليدنا هو أن المهنئات يقدمن قطعاً من الذهب وهذه القطع يتم تعليقها بدبوس على غطاء الطفل بحيث يمتلئ بالمجوهرات ويتم الاحتفاظ به للأبد
وأحياناً تشبك قطع الذهب على قميص الطفل، وهناك البعض من الميسورين يقومون بوزن هذا الغطاء ويوزعون قيمته مالاً على الفقراء، أما ما يتعلق بالأطباق المخصصة للضيافة فمعظمها يركز على الكليجة والحلويات والتمر والمكسرات.
كلنا شاهد كيف يتم لف الطفل بقطع قماش كبيرة تسمى القماط بدءاً من الأكتاف حتى أسفل قدميه كي يكون عوده مظبوطاً ويبقى كذلك حتى بلوغه أربعين يوماً، بالعادة أن تكون كل ملابس الأطفال باللون الأبيض للجنسين الأولاد والبنات أما جهاز الطفل ضمن المتعارف عليه أن تشتريه بالكامل أم الحامل، فمن الطقوس القديمة لأهل بغداد ان تزور المرأة التي تلد الحمام بعد اليوم السابع من الولادة وتؤخذ الحلوى ووجبة الغداء ونساء المحلة لتحميم ام الطفل وسط الزغاريد وتقديم التهئنة والتبركات لها.
بالرغم من ان الحياة الحالية غيرت من تفاصيل كثيرة في ممارسة بعض العادات والتقاليد الا ان هناك من يبقى محافظا عليها ويمارسها حتى ولو في نطاق ضيق ومنها الحمامات،عرفت الحضارات السابقة «الحمام» على أنه مرفق ضروري لا تخلو منه المدن الكبرى التي اعتاد الناس ارتيادها لأغراض الطهارة والنظافة والتدليك والوقاية من الأمراض، ظهرت «الحمامات» في العصر الإسلامي أبان العصر الأموي، ولكن بشكل لا نستطيع من خلاله أن نجزم بانتشارها أو قبول المجتمع لها، حيث ورثها المسلمون من الحضارات السابقة، إلاّ أن المؤرخين والأدباء يجمعوا على أن الأزدهار الحقيقي للحمامات العامة والخاصة جاء مع استقرار الدولة العباسية التي شهدت قفزات رائدة في العلوم الطبيعية والفنية، ماساهم في ازدهار الفنون العمرانية والهندسية، خاصة عند تخطيط المدن الحديثة؛ كمدينة (بغداد) التي بناها «المنصور»، ومدينة (سامراء) التي بناها «المعتصم بالله، وكل هذه المدن أشرف على بنائها نخبة من مهندسي ذلك الزمان الذين لم يغفلوا المرافق الأساسية لإقامة المدن؛ كبناء الجوامع والدوائر الحكومية وقصور الضيافة وقصر الخليفة، ناهيك عن بيوت الجند و»الحمامات» ، آية من آيات الحسن والفن المعماري، فقد ذكر الخطيب في تأريخه قائلا : أن الحمامات بلغ عددها ببغداد لعهد المأمون خمسة وستين ألف حمام، وكانت مشتملة على مدن وأمصار متلاصقة ومتقاربة تجاوز الأربعين، ومما تجدر الإشارة إليه أن بناء هذا النوع من وقد وصفها «ابن بطوطة» في زمن متأخر من القرن الثامن الهجري، فقال: «وحمّامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمّامات، وأكثرها مطلية بالقار مسطحة به، فيخيّل لرائيه أنه رخام أسود»، مضيفاً: «وفي كل حمّام منها خلوات كثيرة كل خلوة منها مفروشة بالقار مطلي نصف حائطها مما يلي الأرض به، والنصف الأعلى مطلي بالجص الأبيض الناصع، فالضدان بها مجتمعان، متقابل حسنهما وفي داخل كل خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان أحدهما يجري بالماء الحار والآخر بالماء البارد، فيدخل الإنسان الخلوة منها منفرداً لا يشاركه أحد إلاّ إن أراد ذلك، وفي زاوية كل خلوة أيضاً حوض آخر للاغتسال فيه أيضاً أنبوبان يجريان بالحار والبارد وكل داخل يعطى ثلاثاً من الفوط إحداهما يتزر بها عند دخوله والأخرى يتزر بها عند خروجه، وأخرى ينشف بها الماء عن جسده، كانت الحمامات علماً بارزاً من أعلام الحضارة الإسلامية في حينها، حين وصول الحملات الصليبية إلى بلاد المسلمين، وجدوا جودة وجمال حماماتها، وعليه نقل الصليبيون «الحمامات» إلى أوروبا، وتعجبوا حينذاك من الصابون الذي كان منتشراً في البلاد الإسلامية.
الكرخ فيه اشهر الحمامات مثل (حمام شامي) الذي يعود تاريخه الى القرن السادس عشر الميلادي ويقع في علاوي الشيخ صندل وهو دون مستوى الارض والنزول اليه يتم بسلم من ست درجات والحمام الثاني هو (حمام ايوب يتم) والثالث حمام (الجسر) ويقع في مدخل جسر المأمون من جهة الكرخ بجوار مشهد بنات الحسن، في منطقة الكاظمية ما زال حمام (الملوك) قائما ببنيانه التراثي والذي بقي محافظا عليه من زحف الابنية الحديثة، وهذا الحمام الذي كتب على مدخله شيد عام 1900م، وبجانبه حمام (الملوك) للنساء، الرصافة فيه الكثير من الحمامات لكون الرصافة اكبر من الكرخ من ناحية عدد النفوس وعدد (المحلات الشعبية) بحيث تجد ما بين محلة واخرى حماما عاما، ومن اشهر هذه الحمامات حمام (حيدر) بقسميه الرجالي والنسائي ويقع بجوار ساحة الغريري وحمام (الشورجة) وحمام (بنجة علي) مقابل سوق الصفافير وحمام (كجو) في باب الآغا وحمام (الباشا) قرب سوق هرج وحمام (المالح) الذي سميت المحلة باسمه الا ان اشهر حمامات الرجال في بغداد كان حمام (يونس) في محلة الميدان قرب باب المعظم والذي يغتسل فيه ابناء (المحلات) المجاورة للميدان وبعض البغداديين الذين يقصدونه من اماكن اخرى، فضلا عن حمام (يونس) هناك حمام (القاضي) بجانب المحكمة الشرعية وهذا الحمام رواده من تجار بغداد، لذا تكون الخدمة فيه ممتازة ويكون فيه ايضا لكل تاجر وميسور بقجته الخاصة ومناشفه وصابونته وعطره، حال (مدلكه) الخاص الذي يعرف كيف يتعامل مع زبونه الميسور.
للحمام شأنه ومكانته شأن المقهى البغدادي فقد كان مكانا اجتماعيا، الحمام كان يجمع ابناء (المحلات) الشعبية المتقاربة ويتبادلون الحكايات في الحمامات فمثلما كان المقهى مكانا للتسلية وقضاء وقت طيب وللتواصل الاجتماعي، كان الحمام العام يتميز ليس فقط بفائدة الاغتسال والنظافة انما كان (منتجعا) بسيطا للترفيه وللطبابة والتعارف والاسترخاء حتى الغناء واكتشاف المواهب الصوتية كان للحمام فضل فيها، لذا كان حمام (السوق) زاخرا باجواء مختلفة من الطرافة والفكاهة والمقالب، الحمامات اكثر من مكان للغسل وتنظيف الاجساد، بل هي مكان لتجديد الروح بالدعابة والحكايات المسلية، كانت الاعراس تبدأ من الحمامات حيث ياتي العريس وبصحبته مجموعة من اصدقائه المقربين وبعد ان يتم (غسله وتشجيعه) يخرجون به الى الزفة، وطبعا مع اغتسال الجميع على نفقة المعرس، اما العروس فكانت تأتي الى الحمّام برفقة صاحباتها فيتحول المكان الى احتفال تتعالى فيه الزغاريد والأغاني حيث تكون (طاسات الصفر)، في مقدمة آلات العزف المصاحبة للغناء.
ان حمام النساء يختلف جذريا عن حمام الرجال فالمثل الذي يقول (مثل حمام النسوان) لوصف شدة الزحمة والصراخ والضجة، لم يأت من فراغ، فحمامات الرجال أكثر هدوءا وانسجاما، لكن حماماتهن لا تخلو من الغناء والزغاريد، بعض النسوة المستحمات يقضين معظم النهار في الحمام، لذلك تراهن يستحضرن جميع ما يلزمهن من الطعام مثل الكباب والكبة وخبز العروك والفواكه خصوصاً النومي حلو ولايرجعن الى بيوتهن إلا عصراً، وذلك تنفيساً لبقائهن في بيوتهن شهراً كاملاً او أكثر لايخرجن منه إلا للجيران او الأقرباء.
من عادات البدو في العراق مشهد «صيد الصقور» يعتبر أحد مشاهد الصيد التقليدية والمفضلة لدى العراقي في الصحراء ، ولدى بحث فرومنتان عن مشاهد معبره عن «روح الشعب» البدوي في الصحراء، رأى في مشهد صيد الصقور، صورة شرقية بحتة لم يصورها قبله أحد، فالصقر طائر الصحراء الجارح، وعملية صيده مفعمة بالبطولة، لأن المعركة بين الإنسان والحيوان لا تدور على الأرض ( كما في لوحات سابقة)، بل بين مخلوق الأرض ومخلوق السماء، فتظهر فى لوحته «صيد الصقور» صورة الفرسان على صهوات جيادهم الرشيقة يتابعون حركة الصقور في السماء على عدة فرق تتوزع على مساحة مجرى مائي (ساقية أو نهر) بينما تلف فضاء اللوحة غلالة ضبابية شفافة من انعكاس ضوء المساء الأصفر الباهت على صفحة الماء الفضية، بحيث تشترك السماء والأرض في سيمفونية لونية متناغمة!، ما أجملها وهي حاضرة ومستمرة الى يومنا هذا.
في كل مجتمع، تأخذ بعض المعتقدات الخرافية جزأً من عاداته وتقاليده ويختلف الايمان بها تبعا لصدق تلك المعتقدات التفاؤلية او التشاؤمية التي ترتبط ببعض التفاصيل الحياتية، هذه المعتقدات ميراث تأريخي منذ القدم وتطورت عبر الاجيال مع تطورات الزمن والبيئة والمجتمع والظروف وتتوارثه، كما ان للجهل دور في انتشار هذه المعتقدات والتمسك بها والتعايش معها، ولا تزول بزوال الجهل لانها ذات جذور عميقة، كما لا ينسى دور وسائل الاعلام باستمرار انتشارها، من خلال التحدث عن السحر والشعوذة وتحضير الارواح وقراءة الفنجان وتأثير الابراج الفلكية للحياة الفردية، الناس منقسمون في آرائهم، فهناك من يضحك منها ويستهزأ بها، وهناك من يؤمن بها الى درجة كبيرة تؤرق حياته، فالذاكرة تختزن كما كبيرا ومنوعا من هذه المعتقدات نذكر المنتشر منها في مجتمعنا العراقي:
تطيرهم من القط الأسود أو البوم أو الغراب، وعلى الأغلب يكون لشكل الحيوان أو صوته أو لونه دور في هذا التطير، كما ويعزى التشاؤم من الغراب إلى الرواية التي تقول إن نوحاً (ع) حين بقي في اللجة أياماً، بعث الغراب فلم يرجع وبعث الحمامة فعادت إليه بالخبر السعيد، لذلك أصبحت كل خيبة يصاب بها الرسول تسمى بالغراب وكل توفيق يصادفه بالحمامة، وبعض الناس يستفسر من أي قادم عن نتيجة عمله بسؤاله "حمامة أم غراب؟" وهي لازمة شعبية يستعملها العراقيون،
البوم، أول ما يلفت النظر من الخرافات هو البوم، فمعظم الناس يتشاءمون منه، ويقولون إن رؤيته تجلب المصائب وتجر النوائب، فهو طائر الشؤم وناعي الخراب، وان الأوربيون يتشاءمون من صوت البوم ويتطيرون منه أيضا. فالمشهور عنه انه يتخذ الأماكن الخربة المهجورة والمحال المظلمة مأوى له، ولذلك قرنت في ذهن الإنسان صورة الخراب مع البوم، ومن هنا نشأ التشاؤم، وهو يقيم في الأماكن الخربة ليأكل ما يجده من الفيران والجرذان والحشرات والبعوض وغيرها
من المعتقدات المنتشرة في مجتمعنا (امسك الخشب) وتردد هذه العبارة عندما يتحدث شخص ما ويمدح الآخر بشكله المميز أو نجاحه سرعان ما يقول له (امسك الخشب) لمنع الحسد،
معتقدات عديدة قديمة كنا نسمعها من جداتنا منها عدم قضم الأظافر في الليل لأنها تجلب الفقر والعوز، وحكايات الجن والطنطل..، أو كسر البيضة على مقدمة السيارة الجديدة، أو عندما ينكسر كوب أو طبق زجاج يقال إن الشر ذهب،
ربما كان معرفة المجهول من أكثر ما يشغل عقل الإنسان لرغبته في اكتشاف أسرار الحياة و الخلق أو حتى تفسير ماهية الموت لذلك اتجه العديد منذ القديم إلى وسائل عديدة للبحث عن إجابات لتساؤلاتهم و ابتكار أدوات للتواصل مع " الأرواح "، فظهر علم الفلك و التنجيم و قراءة الأبراج و الكف و الفنجان، ان بعض العراقيين الذين يؤمنون بالخرافات، والدجل، وأساليب مكافحة الحسد الشعبية وغيره يلجأون الى الدجالين والمشعوذين بهدف إخراج "جن"، أو "فك عمل"، أو عمل "حجاب"، يقي صاحبه شرا ما، فالإعتقاد بمعرفة البخت والطالع والإطلاع على المستقبل والتنبؤ بالاحداث منتشر في كافة أحياء بغداد وفي والمحافظات ولعل أهمها قراءة الفنجان والكف، هذه المعتقدات ما زالت منتشرة كثيرا وما زال كثيرون يستمتعون بها ويرغبون في قراءة الفنجان والكف، كثير منا مارس قراءة الفنجان في سنين الجامعة، بالمقابل فأن العديد من الشباب لا يؤمنون بتلك الخرافات وإنما هي عبارة عن وسيلة ممتعة لتمضية الوقت ولملء أوقات فراغهم خاصة أن قارئات الفنجان يبعثن في النفوس مشاعر متناقضة بين التفاؤل والتشاؤم والأمل بمستقبل أفضل.
شجرة السدر"النبق"
يعتقد اغلب العراقيون ان شجرة السدر تحميها الملائكة وتحرسها لتمنع قطعها وهناك قصة نذكرها لجمال بلاغة سردها التعبيري المقنع وهي: كان فلاحو بابل يعتقدون أن شجرات النّبق يتحدثن بالليل فيما بينهن ويتساءلن عن الأخبار، ومن ذلك حكاية عجيبة طويلة نقلها ابن وحشية تقول إنّ رجلاً أراد قطع شجرة النبق فقال لعماله: إذا كان نهار غد فاقطعوا شجرة النبق الفلانية، فاتفق أن واحداً منهم بات عند النبق فلما طلع القمر سمع الرجل شجرة نبق مقابلة لتلك الشجرة المعيّنة للقطع تقول: يا أختي غمني ما سمعت، وساءني ما عزم عليه رب الضيعة، وعجبت من جهله، فهل سمعت شيئا؟ فأجابتها الأخرى نعم، قد سمعت أنه أمر بقطعي، وغمني أكثر، فما حيلتي، وما عساني أن أصنع وأنا أعلم بأنه لا تدور عليه سنة بعد قطعه لي حتى يموت، لكن ما ينفعني موته إذا أماتني قبله. فأجابتها الأخرى: إني لأعجب من جهله، أما سمع أنه ما قطع أحد شجرة نبق إلا انقطعت حياته بعدها بأيام قلائل، فأجابتها المعيّنة للقطع أن جهله يضر به ويجلب له السوء، وأما أنا فإنه إذا قطعني وبقي أصلي فإني سأغيب عنكن عشر سنين، ثم أطلع مكاني أما هو فإنه إذا مات فلا رجعة له إلى هذا العالم أبداً. وقالت لها الأخرى، اعلمي أنه أنا وفلانه وفلانة لا نزال نبكي عليك وننتحب إلى أن ترجعي، قال: وسمعت نحيبا وبكاء ظريفا ليس كبكاء الناس. قال فزاد أرقي ولم أنم حتى آخر الليل وفي الصباح أخبرت أصحابي ما سمعت فعجبوا، ومضينا إلى رب الضيعة فأخبرناه الخبر، فقال إني لأحب أن أبيت الليلة في موضعك لأسمع ما سمعت، وبات القوم في ذلك الموقع، فلما جاء ذلك الوقت ابتدأت شجرة تقول للتي ستقطع: لقد سرني ما علمت من عدم قطعك اليوم، وليته يضرب عن ذلك. فقالت لها الأخرى، إن كفّ فهو مسعود، وسكتت الشجرتان، فلما أصبح الرجل، قام بإزاء الشجرة ومعه الجماعة فأمرهم أن يرشوا على أغصانها وورقها الماء وأن ينبشوا أصلها ويطموه بتراب غريب، وأن يصبوا في أصلها الماء ففعلوا ذلك، ولهذا في العراق تزور النساء السدر ويوقدن النيران تحتها لحرق البخور والدعاء، وحين يغادرن يتركن أربع شموع مضيئة، وكانت الفتيات تتهافت على هذه الشجرة لتمني الزواج وان تزوجن تشعل الشموع حولها، وان الكثير من الناس يعتقدون بأنه لا يجوز المساس بشجرة السدرة أو إيذاؤها لأنها شجرة سماوية ويمكن أن تنتقم من الذي يقوم بقطع غصن منها أو يقوم بفعل مشين تحتها أو على جذعها، وكثير من أهالي بغداد القدامى كانوا يحرصون على زراعتها في بيوتهم طلبا للبركة فلا يقرب تلك الشجرة اي جن او روح شريرة، وإذا أراد أهل البيت أن يقلعوا الشجرة لأنها ماتت أو لغرض إجراء توسعة في بناء المنزل فإن عليهم أن يقرأوا بعض الأدعية، ثم ينحروا لها ديكا أو دجاجة.
هناك عادات جميلة نعتز ونفخر بها وهي أفضل بكثير من إكتساب تقاليد دخيله، فالمحافظه على العادات والتقاليد الأصيلة يجب ان تبقى ويجب ان تدون لتحتفظ على اصالتها ولكي لا تصيبها دائرة النسيان والاختفاء بسبب مظاهر العولمة، انه لسعادة لنا أن نورث الكثير من هذه العادات والتقاليد وبعض من المعتقدات الصالحة غير معتقدات الدجل والسحر والشعوذة والدخيلة، هذه الموروثات مر عليها الاف السنين ولم تمحيها الأعوام ولا التطور التكنولوجي الذي طرأ على معظم حياتنا اليومية والعملية، وان تمسكنا لكثير من هذه العادات يدل على أننا نحافظ على شخصيتنا العراقية، التاريخ والتراث الشعبى ترسم شكل الهوية الكامنة فى ذاتنا هى عنوان كل إنسان منا يعيش على أرض هذا الوطن فبدونها نحن وجوه بلا لون أو ملامح أو روح، هكذا العراقيين يتمسكون بحضارتهم وتراثهم كأنها مقدسة لهم، ومنها العادات والتقاليد الجيدة والحفاظ عليها، فهى نبراس واصالة لهم، ولا يلقون أي بال لمن يعيب عليهم استخدامها، فمن يقول العيب في ذلك لا يعلم شيء عن تاريخ العراق وحضاراته، فالعراقيين خالدين بالحفاظ على هويتهم الوطنية المتأصلة على جبال وسهول وصحاري وضفاف دجلة والفرات وشط العرب، ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود
4749 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع