هكذا تبدو كوبا بعد عقود من الحظر الأميركي

   

هافانا (كوبا) - منى الشقاقي‬:لا يتجاوز طول الرحلة بين ميامي وهافانا 50 دقيقة، لكن البعد الزمني بين المدينتين يتجاوز 5 عقود. هكذا بدا الأمر لي عندما أقلعت طائرة التشارتر من ميامي، محملة بالكوبيين الأميركيين المحملين بالملابس والهدايا التي سيتركونها لأقاربهم في كوبا.

سيغادرون المطار في هافانا للعودة إلى الولايات المتحدة مرة أخرى، كما اكتشفت لاحقاً، بدون أي شيء، حتى حقائبهم متروكة لمن هم بحاجة أكبر إليها.

تحمل الطائرة شعار طيران "أميركان ايرلاينز" ولكنها من ناحية عملية طائرة "تشارترز" محجوزة بشكل خاص من قبل شركات مرخصة للذهاب إلى كوبا، وتقلع بشكل يومي من ميامي، حيث يقطن أكثر من مليون كوبي. تمنع الحكومة الأميركية مواطنيها من السفر إلى كوبا من أجل السياحة منذ عقود كجزء من الحظر الذي فرضته بعد انتصار ثورة "فيديل كاسترو" و"تشي جيفارا"، وكانت هناك خانات من المسافرين الأميركيين المستثنون من القانون، مثل الكوبيين الأميركيين والباحثين والصحافيين. اضطررنا جميعنا إلى إثبات غرض زيارتنا - مثل فيزا الصحافة التي أحملها - قبل أن نستطيع حجز التذكرة. ‬

إعلان الرئيس أوباما عن رغبته في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا بعد تبادل للأسرى بين البلدين، قسم الكوبيين الأميركيين في ميامي. تركيزهم الجغرافي في ولاية فلوريدا المتأرجحة ما بين الديمقراطيين والجمهوريين في الانتخابات أعطاهم ثقلاً كبيراً في السياسة الأميركية تجاه كوبا، ويعود لهم سبب الاستمرار في التزام سياسة الحرب الباردة في هذا الزمن.

جيسيكا، سائقة التاكسي التي أوصلتني إلى مطار ميامي قالت لي إن أصلها كوبي، وإنها مترددة في الحكم على سياسة الانفتاح مع كوبا، ولكنها لا تريد أن تتم "مكافأة" نظام كاسترو، فوالدتها كانت طفلة عندما أتت إلى ميامي من كوبا على متن طائرة محملة بالأطفال عام 1960. كانت جزءاً من حملة عرفت فيما بعد بحملة "بدرو بان" نقلت 14 ألف طفل من كوبا إلى ميامي، معظمهم فقراء، بعد أن خشي أهلهم أن يتم تشريبهم بالمبادئ الماركسية - اللينينية للثورة في كوبا. والكثير من الكوبيين الأميركيين لهم تجارب مماثلة وسلبية مع نظام الحكم، فهم فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم وأراضيهم بعد أن هاجروا إلى الولايات المتحدة هرباً من نظام الحكم الاشتراكي الذي سمح لنفسه بمصادرة ممتلكات كل من يغادر البلاد لأكثر من سنة في ذلك الوقت، فذلك الجيل من الكوبيين الأميركيين لم ينس "كيد" كاستروا ومن حوله.
هافانا.. عالم يتوقف فيه الزمن

في هافانا شعرت كأنني في عالم آخر، وكأن الزمن توقف، فأول ما يلاحظه الزائر هو عدد السيارات الأميركية الكلاسيكية القديمة التي مازالت تسير في الشوارع. سيارات صنعت كلها قبل عام 1959 حينما منع النظام الكوبيين من شراء سيارات أميركية بدون إذن خاص. أما الحظر الاقتصادي الأميركي الشامل الذي تلا ذلك في الستينيات فمنع تصدير السيارات الأميركية إلى الجزيرة. السيارات الأخرى في الشارع هي سيارات اللادا السوفيتية التي بيعت هنا في السبعينيات.

وكما الشوارع، كذلك الهندسة المعمارية، فالمباني تظهر وكأنها بنيت على مرحلتين: الأولى خلال العشرينينات والثلاثينيات وفق النمط الإسباني القديم وبتأثير فن "الديكو" الذي اشتهر في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، والثانية مبان من الإسمنت وفق النمط السوفياتي.

ويتعانق هذان النمطان في كل حي من المدينة تقريباً.
شعارات الثورة تخنق شوارع هافانا

أما ثالث ما يلفت الانتباه فهو انعدام أي نوع من الإعلانات أو اللوحات التجارية بشكل مطلق. وعوضاً عن ذلك يشاهد المارة مئات اللوحات و"البوسترات" المنتشرة في شوارع هافانا، والتي تشيد بالثورة وتحمل صور القائمين عليها: كاسترو وتشي وسينفويجوس.

"الثورة لا تقهر" تقرأ على إحداها، "الجميع من أجل الثورة،" و"نحن متحدون في حماية الاشتراكية".

لكن رغم شعارات الصمود في وجه الحصار إلا أن معظم الكوبيين الذين التقيتهم يأملون في العلاقات مع الولايات المتحدة، فقد قال لي "هوزي"، وهو سائق يعمل مع السياح، إنه يتمنى زيادة عدد السياح الأميركيين الذين يزورون الجزيرة، والذين قدروا بمئة ألف زائر العام الماضي.

وأضاف هوزي، من أمام مبنى المجلس الوطني في هافانا حيث يكثر السياح الكنديون والأوروبيون: "ربما نرى تحسناً خلال ستة أشهر، لكن لا أعرف، سنرى".

يذكر أن السياح الأميركيين يأتون إلى كوبا حالياً إما من خلال رحلات ثقافية منظمة، أو من خلال السفر خلسة عبر دول ثالثة مثل المكسيك.

أما نورماندو اسكوبار، الذي يعمل على استقطاب الاستثمار الأجنبي إلى قطاع تكنولوجيا البيولوجيا الطبية في شركة "سيماب" الحكومية، فقال إن رفع الحظر سيسهل من وظيفته.

وأوضح قائلاً "اليوم القلق الأول للشركات متعددة الجنسية هي الحصار الذي يمنع الشركات التي لديها تواجد في الولايات المتحدة من الاستثمار هنا في كوبا".

رفع الحظر لايزال من القضايا الأكثر تعقيداً في العلاقة بين البلدين، وتشمل الخطط مبدئياً إعادة فتح مبنى السفارة الأميركية القديمة.

وهكذا هي كوبا: لا يمكن رواية تاريخها أو التفكير بمستقبلها من غير النظر إلى علاقتها بالولايات المتحدة.

http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2015/02/18/%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D9%88-%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

752 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع