كنت في بغداد (الحلقة التاسعة)- شخصيات عزيزة على نفسي(لا تنسى)
ما أصعب أن تفقد صديقا عزيزا بقيت تعد الأيام، وتحسب الليالي، وأنت تمني نفسك بلقائه، فالصديق القريب الى النفس تسقط معه الحواجز.... يحتويك بدفئ مشاعره .. يغمرك بعطفه وحنانه، يسمعك .. يفرح لفرحك ويزيح عنك كربك، ويحفظ سرك... الصداقة مشاعر انسانية دافئة بها تحلوالحياة وترتقي، وتزدهرالقيم والأخلاق .
نفقد الكثيرعند رحيل مثل هذا الصديق، بل أن جزءا منا سيرافقه في رحيله ..
هذا ما حصل لي مع الصديقة العزيزة (فريدة الأعرجي) التي كانت تنتظر قدومي الى بغداد فخطفها الموت قبل وصولي.. انتِ معي عزيزتي (فريدة) دفؤك، عطرك، حنانك، عيناك شاخصتان امامي لاتفارقاني..
كم كنت اتمنى ان تكوني هناك في انتظاري .. لقد( كسرتي ضلعي برحيلك المفاجئ)..
كم اشتقت لرؤية صديقات قريبات الى روحي، انهن احد اسباب زيارتي الى بغداد:-
العزيزة (مديحة عبد الرزاق الزبيدي) التقيتها في بداية عملي المهني ضمن هيئة تدقيقية موفدة من قبل دائرة التدقيق العدلي لتدقيق حسابات كاتب عدل جنوبي بغداد،
حيث كانت محاسبة هناك، استقبلتني بابتسامتها الدافئة، غمرتني بحنانها، اسرتني صراحتها نقاوة روحها .. ثقافتها .. تعاملها الإنساني مع المراجعين، وصبرها مع هيئتنا وطلباتها الكثيرة، من تهيئة السجلات، وإيجاد الوصولات القديمة التي عفرتها السنين بالغبار، وتآكلت بفعل تقادم الزمن، ومخلفات الحشرات، في تلك البناية العثمانية القديمة، الواقعة في شارع النهر، والتي كانت من ضمن محكمة شرعية الرصافة .. ربطتني بها صداقة حميمة الى يومنا هذا، وجدت عندها الحب، والحنان، والطيبة البغدادية، كم بكيت على كتفها، وكم وقفت معي وشاركتني احزاني وافراحي..
عند زيارتي الأخيرة سلمتني دفترا والفرحة تعلو وجهها الصبوح، قالت هل تذكرين ؟
امانة اردها اليك، تصفحته.. من اوراقه التي احال الزمن لونها.. عرفت كم مضى من الزمن وانا بعيدة عن وطني .. لقد كان ذلك الدفتر يحتوي على مجموعة من اشعاري التي نظمتها في حينها واحتفظت به صديقتي الغالية كل هذه السنين.
قالت لي مديحة سوف اخبرك بما قلته عندما رأيتك لأول مرة وطلب مني رئيس الدائرة (حقي البياتي له الرحمة والذكر الطيب) ان اهيئ السجلات وما تطلبه المدققة الحديثة التخرج
قالت :- اجبته بامتعاض ( وهل هذه الزعطوطة بتنورتها القصيرة ورجليها السود سوف تدقق حساباتي أنا ؟) قبلتها بحب وعشنا الذكريات معا، كم اشتاق لك يا توأم روحي، وصديقة عمري مديحة .
حكاية اخرى ذكرتني بها .
في بداية الثمانينيات دخل غرفتنا (انا ومديحة والمرحوم الصديق الصدوق الحقوقي شوان بابان) الحقوقي (س) وكان مدير احد اقسام دائرة مديرية الكتاب العدول وبيده مفتاح ثم توجه بالحديث لي قائلا:-
ميسون امام الجماعة، اليوم اكتمل بناء بيتي واستلمت مفتاحه....هو ملك لك اسجله الآن في دائرة الطابو باسمك ان وافقتِ على اعلان اسلامك.
ضحكت ولم أجبه محاولة غلق الموضوع معتبرة كلامه مجرد نكتة.
احداث كثيرة اصبحت ذكريات طريفة، وها هوالزمن يدور دوراته السريعة فالحياة رحلة قصيرة ، اتصفحها، وقلبي يهفو الى بغداد حبيبتي وحبيبة ابنائها.
الصديقة الأخرى.. هي المرأة الحديدية والأنسانة الأبية، (سناء عبدالله):- نخلة شامخة، في عينيها الضاحكتين، نظرة تحد وكبرياء، تدخل دون استئذان قلب كل من يراها، تأسر المرء بقوة شخصيتها، وثقافتها، وشجاعتها، وصلابة عودها .. سحرتني بساطتها، احسستها قريبة من روحي الثائرة المتمردة، جمعتنا الفة وصداقة حقيقية من أول لقاء فاحسستها جزءا مني.. التقيتها في دائرة استئناف بغداد، حيث كنت احد مدققي الهيئة التدقيقية فيها، بعد فترة قصيرة اختفت وضاع أثرها، وهذا ما حصل لي بعد اقل من سنة (فالناس صارت امطافر كل واحد بطريق) منذ ذلك الوقت والى يومنا هذا.
لم اتمالك دموعي وانا اسمع صوتها عبرالهاتف قبل بضع سنوات وهي تقول :
ميسون اخيرا .. وجدتك من خلال قراءتي اشعارك في احد المواقع الألكترونية، كانت مفاجأة سعيدة اعادتني الى وطني الذي رحلت عنه وظل يعيش في وجداني وقلبي.
التقيتها ، واختها رقية الرائعة .. كانت رقية تمضي الساعات في اعمال يدوية تجمع من خلالها التبرعات الى العوائل المتعففة المحتاجين الى المساعدات .
سناء تلك المرأة الشامخة الشجاعة التي قسى عليها مرض وهن العضلات فتحدته بقوة وجاءت لزيارتي تسبقها محبتها الصادقة، وشجاعتها الفريدة، وتحديها للمرض
سناء العزيزة انت مثال للمرأة القوية الصلبة الصامدة كم احبك واحترمك وأقتدي بك .
وطني..يا وطني..يا وطن الحضارات والتمدن وطن القامات السامقة في العلم والفن والأدب
وطني سيلحق الركب العالمي ويأخذ مكانه الطبيعي بين دول العام المتطورة
و(ان غدا لناظره قريب)
1 / ديسمبر/ 2017
ســـــتوكهولم
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32677-2017-11-09-16-44-20.html
2072 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع