انشغال المالكي بتكريس سلطته على حساب الوحدة الوطنية

   

إذاعة العراق الحر/فارس عمر:في ظروف الأزمة والمنعطفات الخطيرة ينبري القائد الوطني رمزا يلتف حوله الشعب وتتحد تحت لوائه القوى السياسية لاجتياز المصاعب وإيصال البلد الى بر الأمان.

ولكن مراقبين لاحظوا ان رئيس الوزراء نوري المالكي بدلا من توحيد بلده يبدو في الغالب منشغلا بإحكام قبضته على السلطة.  وبعد نحو ثمانية  اعوام على رأس السلطة التنفيذية ليست هناك أي بوادر تشير الى نية  المالكي في التنازل عنها.

وعمل المالكي خلال هذه الفترة على تركيز السلطة بيده  ببناء شبكة من المحاسيب والأتباع عمودها الفقري جيش جرار من موظفي الجهاز الاداري غير المنتجين عموما ومن منتسبي الأجهزة الأمنية الذين يُقدر عددهم بمليون شخص.  ويتقاضى هؤلاء  جميعا رواتب تستطيع الدولة صرفها لهم بفضل عائدات النفط وحدها تقريبا دون مساهمة  تُذكر من القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل الصناعة والزراعة.  وفي هذا الشأن لاحظ رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي ان معايير الكفاءة والمهنية لم تُعتمد في اختيار غالبية هؤلاء بل جرى تعيينهم على اساس القرابة والولاءات السياسية والحزبية.

وبحسب المراقبين فان هؤلاء المحاسيب يوفرون للمالكي قاعد سلطة من الموالين والأتباع ولكنها تزرع ايضا انعدام الثقة بينه وبين شركائه السياسيين.  ولفت رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي الى ان المالكي بتركيز كل هذه السلطات في يده وضع نفسه في موقف لا يُُحسد عليه وان اجواء عدم الثقة بينه وبين القيادات السياسة الأخرى دفعته الى تولي وزارات امنية ودفاعية دون ان تكون لديه خبرة في اختصاصات هذه الوزارات.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في عام 2014 تتسع دائرة القائلين بأن رئيس الوزراء لا يهمه تقاسم السلطة مع الشركاء بقدر ما يهمه البقاء في موقعه على رأس السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة.  وتمكن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي وقوى أخرى تحالفت معه في وقت سابق هذا العام من اجهاض مشروع قانون قُدم في البرلمان يحدد رئاسة الوزراء بولايتين.  وكان من شأن القانون لو مر ان يمنع تولي المالكي رئاسة الحكومة مرة ثالثة بعد الانتخابات المقبلة.
ويقول محللون ان تزايد انعدام الثقة بين القادة السياسيين يكلف العراق ثمنا باهظا.  فهو يعرقل الجهود الرامية الى تعزيز الوحدة الوطنية في وقت يشهد العراق موجة متصاعدة من اعمال العنف والارهاب.  وكان شهر تموز الأشد دموية منذ عام 2008 بمقتل أكثر من الف شخص ، بحسب ارقام الأمم المتحدة.  وتُعزا غالبية الهجمات الى تنظيم القاعدة الذي يجد بيئة صالحة لرفد صفوفه في المناطق ذات الأغلبية السنية حيث ينتشر الاحساس بالتهميش والاقصاء.

كريس هاوز رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مجموعة يوريشيا للأبحاث قال ان المالكي لم ينفذ ايا من وعوده بإقامة شراكة حقيقية مع ممثلي السنة:
"ليس لدى المالكي رغبة تُذكر في ضمان تأييد شعبي بين العرب السنة الذين يتركزون في غرب وشمال غرب العراق رغم انه كان ينجح من حين الى آخر في استيعاب كتلٍ سياسية مختلفة تمثل عناصر من هذه الطائفة.  هدفه الرئيسي هو ان يكون رئيسَ ائتلاف هُلامي واسع يستطيع الاستمرار في السيطرة عليه بتطبيق قاعدة "فرِّق تَسِدْ" ، وهو أثبت قدرةً استثنائية على القيام بذلك".

وكان المالكي اثار غضب قطاعات واسعة من السنة باستهداف العديد من قادتهم السياسيين الذين اصدر مذكرات القاء قبض عليهم بتهم ارهاب ، ومن هؤلاء نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي في عام 2011 ووزير المالية السابق رافع العيساوي في عام 2012.  وقال المالكي ان هذ الخطوات اجراءات قضائية لا تمت بصلة الى مواقف طائفية ولكن السنة رأوا فيها استهدفا لقياداتهم.

وفي اطار التحالف الوطني الذي يضم كل الكتل الشيعية الرئيسية مثل التيار الصدري والمجلس الأعلى الاسلامي تمكن المالكي من إدامة سيطرته بالاستمرار في تغيير حلفائه.  واتاحت هذه الاستراتيجية للمالكي ان يحتفظ بالقيادة أطول مما توقعه كثيرون حين تولى رئاسة الوزراء قبل نحو ثمانية اعوام.

ويرى العديد من المحللين ان المالكي أوقع نفسه في لعبة تمنعه من تجاوزه هويته الطائفية ليصبح قائدا وطنيا عراقيا فوق الطوائف.  وما لم يُقدم المالكي على هذه النقلة من الطائفي الى الوطني سيبقى العراق ضحية اعمال عنف طائفي تخبو وتتأجج ولكنها لا تختفي ، بحسب هؤلاء المحللين.

الخبير بشؤون منطقة الشرق الأوسط في برنامج دراسات الخليج في كلية لندن للاقتصاد نيل باتريك يرى ان العنف في العراق ليس ارهابا خالصا بل وسيلة يستخدمها لاعبون سياسيون ما زال لدى العديد منهم ميليشيات مسلحة للمطالبة بنصيب من السلطة:
"يمكن القول انه عندما تقع اعمالُ عنف من جانب اطراف مختلفة فانها تكون الى حد ما في اطار حرب مزايدات يلجأ اليها مكوُّن للضغط على مكوُّن آخر من اجل الحصول على تنازلات منه أو التفاهم معه.  ولهذا لا أرى بالضرورة ان اعمالَ العنف الحالية تختلف عن هذا النمط.  وما إذا كان المالكي مستعدا لإحداث تغييرات جذرية والتحرك فعلا لا لتشكيل حكومة شاملة فحسب بل ولبناء دولة جامعة ايضا فإني لست متأكدا من ذلك".

واضاف الخبير باتريك ان الوضع الحالي في المنطقة المحيطة بالعراق يزيد على المالكي صعوبة تجاوز هويته الطائفية ليصبح قائدا وطنيا.  وأشار الخبير باتريك الى دعم المالكي لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا الذي ينتمي غالبية اركانه وقادته الأمنيين والعسكريين الى الطائفة العلوية ، ضد المعارضة السورية ذات الأغلبية السنية فضلا عن نظرة المالكي الى ايران بوصفها حليفا مهما.  وهذه كلها مواقف لا تنال رضا السنة وتعقِّد علاقات حكومة المالكي مع شركائها الغربيين الأساسيين ، على حد تعبير الخبير باتريك.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع