الضربة التي وجهتها القوات الأميركية للحشد الشعبي، وإن وضعت في خانة الردّ على استهداف الميليشيات لموقع تمركز عناصر من الجيش الأميركي في الأنبار، إلاّ أن توقيتها الذي صادف تدشين المحادثات الأمنية بين بغداد وواشنطن أظهر عدم اكتراث أميركي بنتيجة تلك المحادثات وبموقف الجانب العراقي خلالها من قضية رحيل القوات الأميركية من العراق أو بقائها على أرضه، والتي يبدو أنّها تراجعت في سلّم اهتمامات صانع القرار الأميركي.
العرب/بغداد- بدت الولايات المتحدة غير مكترثة بمحاذير تصعيد الصراع ضد الفصائل الشيعية المسلّحة في العراق وتأثير ذلك على محادثاتها الأمنية مع الحكومة العراقية، وهي تردّ على قصف عشوائي وغير مؤثّر كان نفذه أحد تلك الفصائل على قاعدة تتمركز فيها قواتها بغرب العراق، بضربة موجعة وجهتها لميليشيات الحشد الشعبي ملحقة بها أضرارا بشرية ومادية.
وقطع قصف الميليشيات الشيعية لقاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار، حيث يتمركز جزء من القوات الأميركية الباقية في العراق، والرد الأميركي عليه بضرب موقع للحشد في قضاء جرف الصخر بمحافظة بابل جنوبي بغداد تهدئة كانت الميليشيات قد أعلنت عنها تلقائيا في شهر فبراير الماضي.
ولم تأخذ واشنطن في ردّها القوي على الميليشيات في الاعتبار المحادثات الأمنية الجارية مع حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني والحرج الذي سيلحق به ويجعل موقفه أضعف إزاء القوى السياسية والفصائل المسلّحة المشاركة بقوّة في تشكيل حكومته والمطالبة بأن تفضي المحادثات إلى إخراج القوات الأميركية من العراق.
ولم تستبعد مصادر سياسية مواكبة للملف أن يكون استعداد الولايات المتّحدة للتصعيد ضدّ الميليشيات انعكاسا لتحرّرها من هاجس إبقاء قواتها في العراق، بعد الوصول إلى قناعة بضرورة سحب تلك القوات بفعل ما لمسته من تصلّب الموقف العراقي في المطالبة بذلك.
وجاء في تقرير أميركي نُشر مؤخّرا أنّ تزايد النزعة الانعزالية بين الأميركيين واحتمالات استمرار التصعيد مع إيران ووكلائها في الشرق الأوسط يعني أن انسحاب القوات الأميركية من المنطقة صار مسألة لا مفر منها.
ها
وذكر التقرير الصادر عن معهد نيو لاينز أنّ واشنطن تجري محادثات مع بغداد حول مستقبل عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش من خلال اللجنة العسكرية العليا وحول الخيارات المحتملة بما في ذلك سحب أو تقليص حجم القوات الأميركية في العراق.
وأشار إلى أنّ الإدارة الأميركية تواجه ضغوطا من جوانب متعددة لمراجعة انخراطها في العراق وسوريا مع ميل واضح لدى الرأي العام الأميركي نحو سياسة خارجية انعزالية.
كما أورد التقرير احتمال فوز دونالد ترامب في الانتخابات القادمة، مذكرا بأن إدارة ترامب السابقة عبرت عن استعدادها لسحب القوات الأميركية من سوريا والعراق.
وعرض التقرير للضغوط الداخلية التي يواجهها رئيس الوزراء العراقي من جانب الشخصيات والأحزاب السياسية والميليشيات المتحالفة مع إيران لإعادة النظر في وضع القوات الأميركية، لافتا إلى أنّه برغم المساعدات الأميركية للقوات العراقية والبيشمركة الكردية إلا أن السوداني اتخذ خطوات نحو إنهاء الدور العسكري الأميركي الحالي في بلاده.
وشنّ الجيش الأميركي ضربة جوّية ضدّ مقاتلين في العراق حاولوا إطلاق مُسيّرات تهدّد القوّات الأميركيّة والقوّات المتحالفة معها في المنطقة، وفق ما أعلنه مسؤول دفاعي أميركي.
وهذه الضربة التي ذكرت مصادر عراقيّة أنّها أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص على الأقلّ، هي الأولى التي تشنّها القوّات الأميركيّة في العراق منذ آخر ضربة نفذتها في فبراير الماضي وأكّد الجيش الأميركي وقتذاك أنّه قَتل فيها قائدا مواليا لإيران.
وقال المسؤول الأميركي الذي طلب عدم كشف هويّته إنّ القوّات الأميركيّة في العراق نفّذت مساء الثلاثاء ضربة جوّية دفاعيّة في محافظة بابل استهدفت مُقاتلين كانوا يحاولون إطلاق طائرات مسيّرة هجوميّة.
وأشار إلى أنّ القيادة المركزيّة اعتبرت أنّ المُسيّرات تشكّل تهديدا للقوّات الأميركيّة وقوّات التحالف الدولي، مضيفا قوله “نحتفظ بالحقّ في الدفاع عن النفس ولن نتردّد في اتّخاذ الإجراء المناسب”.
وكان الحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل مسلّحة باتت منضوية ضمن القوّات الرسميّة العراقية، قال في وقت سابق إنّ ضربات صاروخيّة أسفرت عن أربعة قتلى في قاعدة في بابل، لكنّه لم يأت على ذكر أيّ محاولة لإطلاق مُسيّرات.
وقال الحشد في بيان إنّ المعلومات المتوافرة تشير إلى أنّ استهداف الدوريّتَين التابعتَين للّواء سبعة وأربعين بالحشد الشعبي شمال محافظة بابل تمّ بواسطة صواريخ أطلقتها طائرات.
وقد قُتل أربعة من عناصر الحشد الشعبي، حسب قول مسؤول في الحشد لم يرغب في كشف هويّته. ولفت إلى أنّ الانفجارات ناتجة عن غارات جوّية استهدفت المقرّ بأربعة أو خمسة صواريخ. وأكّد مصدر أمني حصيلة القتلى، مشيرا إلى أنّها مرشّحة للارتفاع.
وتسببت الضربة في حرج بالغ لحكومة السوداني تجّلى في خطابها الحاد تعليقا عليها، حيث أعلن يحيى رسول الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء محمد شياع السوداني) أنّ “قوات التحالف الدولي أقدمت على جريمة نكراء واعتداء سافر”.
وأشار رسول في بيانه إلى تزامن الضربة مع المحادثات الأمنية الجارية بين واشنطن وبغداد، قائلا في بيانه إنّ الضربة الأميركية في جرف الصخر جاءت “على الرغم من كل الجهود عبر القنوات السياسية والدبلوماسية، والجهود المبذولة من اللجان الفنية العسكرية العليا، والوصول إلى مراحل متقدمة في ملف إنهاء تواجد وعمل قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش بالعراق”.
وحذّر من حدوث تصعيد من شأنه أن يجرّ العراق والمنطقة برمتها إلى صراعات وحروب وتداعيات، مضيفا أنّ “هكذا تجاوزات خطرة وغير محسوبة النتائج من شأنها أن تقوّض، وبدرجة كبيرة، كل الجهود وآليات وسياقات العمل الأمني المشترك لمحاربة داعش في العراق وسوريا”.
وخلص إلى القول “لهذا نحمّل قوات التحالف الدولي المسؤولية الكاملة عن هذه التداعيات بعد أن أقدَمت على هذا العدوان الغاشم”.
ومن جانبها أوردت كتائب حزب الله العراق روايتها لما حدث نافية السبب الذي أورده الجانب الأميركي للضربة، وقالت في بيان “لقد شن العدو الأميركي عدوانا غادرا بطيرانه المسيّر، ليستهدف مجموعة من خبراء المسيرات كانوا يرومون تنفيذ تجارب تقنية جديدة لرفع كفاءة مستوى الطائرات المسيرة الاستطلاعية”.
وأضاف البيان “إذ نحمّل قوات الاحتلال الأميركي المسؤولية عن جريمة سفك دماء أبنائنا، نطالب الحكومة العراقية بإنهاء وجود قوات الاحتلال”.
والأسبوع الماضي أطلقت صواريخ باتّجاه قاعدة عين الأسد الواقعة غربي بغداد وتضمّ قوّات أميركية دون وقوع إصابات أو أضرار، وفق ما أفاد به مسؤولون عراقيّون وأميركيّون.
ورجّح مسؤول أمني عراقي أن يكون الهجوم بهدف إحراج الحكومة العراقيّة والضغط عليها من أجل التعجيل برحيل قوّات التحالف الدولي ضد داعش، وهو المطلب الذي تكرّره الفصائل الموالية لإيران.
وتنشر الولايات المتحدة نحو 2500 عسكري في العراق ونحو 900 عسكري في سوريا، وذلك في إطار التحالف الدولي الذي شكّلته في 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة.
وشرعت القوى والشخصيات العراقية المقرّبة من إيران في استثمار القصف الأميركي لموقع الحشد في جرف الصخر. وطالب هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر والعضو البارز في الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل الرئيسي لحكومة السوداني الأخيرة، الحكومة العراقية بإخراج فوري للقوات الأميركية من البلاد.
وقال في بيان “ندين بشدة العدوان الأميركي الآثم على قواتنا الأمنية من أبناء الحشد الشعبي في منطقة جرف النصر”، وهي التسمية التي أطلقتها الميليشيات على الجرف بعد أن احتلته إثر مواجهات ضدّ تنظيم داعش داخله، وطردت سكانه الأصليين خارجه ومازالت إلى الآن تمنع عودتهم إليه بعد أن حولته إلى مركز رئيسي لها ومقرا لـ”صناعتها” الحربية متسترة بغطائها النباتي الكثيف.
وذهب العامري في بيانه إلى أن الضربة جزء من انخراط الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل “في الحرب على غزة وجنوب لبنان وسائر الجبهات الأخرى”، الأمر الذي “يدعو أكثر من أي وقت مضى لمطالبة الحكومة العراقية باتخاذ الخطوات اللازمة والسريعة من أجل رحيل فوري للوجود العسكري الأميركي غير الشرعي من العراق وحماية أرواح العراقيين”.
677 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع