ليلة القبض على المنصب الأغلى
نجاح حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني في الحصول على منصب محافظ كركوك يعني بالنسبة إليه إثباتا لوجوده الفاعل على خارطة السياسة العراقية، ولقدرته على التأثير وتحدّي خصومه المحليين وعلى رأسهم غريمه القوي الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحتى عدوّته الإقليمية تركيا التي لم تكن غائبة عن خلفية الصراع على المحافظة.
العرب/كركوك (العراق) - عكس الاحتفاء الكبير لحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بفوزه بمنصب محافظ كركوك القيمة السياسية لهذا الإنجاز الذي انطوى على نصر على الغريم الأوّل له الحزب الديمقراطي الكردستاني بقدر ما أثبت قدرة حزب ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني على الفعل والتأثير في المشهد السياسي في إقليم كردستان وفي عموم العراق.
وجاء تشكيل الحكومة المحلية لكركوك واختيار ريبوار طه عضو الاتحاد الوطني لتولي منصب المحافظ إثر عملية معقّدة اختُتمت باجتماع في فندق الرشيد ببغداد وتطلبت عقد صفقة سياسية انحاز بموجبها عضوان من الكتلة العربية إلى صف كتلة حزب الاتحاد لتحقيق نصاب النصف زائد واحدا من مجموع الأعضاء المنتخبين في مجلس المحافظة والبالغ عددهم ستة عشر عضوا.
وما زاد من قيمة الانتصار السياسي لحزب الاتّحاد أنّه جاء في فترة بدا فيها أنّ الحزب الديمقراطي في أوج قوته وأنّ زعيمه مسعود بارزاني جدّد خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد تحالفاته مع أبرز القوى السياسية العراقية وأصبح قادرا على انتزاع منصب محافظ كركوك من حزب الاتحاد الوطني الفائز بأكبر عدد من مقاعد مجلس المحافظة. وأجرى بارزاني خلال الفترة الأخيرة اتصالات مع شخصيات سياسية عربية سنّية أبرزها خميس الخنجر زعيم حزب السيادة وذلك بهدف التوافق بشأن تقاسم المناصب القيادية في حكومة كركوك المحلية.
وكانت المفاجأة الكبرى لحزبي بارزاني والخنجر أنّ من ساعد حزب طالباني على الفوز بمنصب محافظ كركوك، عضوٌ في حزب السيادة وآخر في حزب تقدّم بزعامة رئيس البرلمان الأسبق محمّد الحلبوسي كانا قد انحازا إلى صفّ الاتحاد الوطني وساعداه في تحقيق النصاب خلال اجتماع فندق الرشيد.
كما زاد من قيمة المنجز الذي تحقّق لحزب الاتحاد الوطني أنّه جاء بالضدّ من إرادة تركيا التي حضرت خلف ستار الصراع على حكومة كركوك المحلية وحاولت من خلال التقرّب من الحزب الديمقراطي وأحزاب عربية انتزاع دور لحلفائها التركمان في قيادة تلك الحكومة، جنبا إلى جنب مع تحييد حزب الاتحاد من المناصب القيادية للحكومة المحلية على خلفية اتهامها له بالتحالف مع حزب العمال الكردستاني الذي يخوض الحرب ضدّ الجيش التركي منذ أربعين عاما.
وأثارت تلك المفاجأة حفيظة حزب الخنجر الذي بادر إلى طرد محمد إبراهيم الحافظ من صفوفه بعد أن مكنته الصفقة التي عقدها مع حزب الاتحاد الوطني دون موافقة حزبه من الحصول على منصب رئيس مجلس محافظة كركوك.
ووصف حزب السيادة الحافظ بـ"الخائن" وقال في بيان إنه "منذ إعلان نتائج الانتخابات المحلية وحزب السيادة في كركوك يؤكد على أحقية عرب كركوك بمنصب المحافظ باعتباره الحزب الفائز بأربعة مقاعد من أصل ستة حازها المكون العربي، وكان يصر على أهمية وحدة التمثيل السياسي لعرب كركوك التي تتطلب وحدة الصف والكلمة". وأضاف "تم الاتفاق على عدم الدخول إلى جلسة التصويت على الحكومة المحلية ولكن نكث البعض بالعهود والتآمر أدّيا إلى عودة سياسات الإقصاء والتهميش بتشكيل حكومة محلية خلافا للقانون والنظام".
كما رفض الحزب في بيانه الاعتراف بشرعية اجتماع فندق الرشيد معتبرا أنّ “جلسة تشكيل الحكومة المحلية في كركوك تفتقد إلى الشرعية القانونية بسبب ارتكاب العديد من المخالفات، حيث لم يتم تقديم طلب تحريري إلى رئيس السن وتم تداول الطلب عبر وسائل الإعلام من لدن قائمة واحدة، وتم تحديد مكان خارج المحافظة لعقد الجلسة على الرغم من عدم وجود مانع أمني".
وبشأن العضو المطرود أورد بيان حزب السيادة أنّه “على خلفية عدم التزامه بتوجيهات الحزب ومخالفته لمبادئه وخيانة تطلعات جماهيره، قررت قيادة الحزب في كركوك طرد العضو محمد إبراهيم الحافظ من صفوف الحزب، وهناك خطوات أخرى ستتخذها القيادة بحق من يضيّع حقوق جماهيره وينقلب على التوجيهات الداخلية والاتفاقات السياسية".
كما كان الغضب واضحا على قيادة الحزب الديمقراطي التي هاجمت، على لسان هوشيار زيباري، عضوي حزبي السيادة وتقدّم على مشاركتهما إلى جانب حزب الاتّحاد في تشكيل الحكومة المحلية في كركوك.
وقال زيباري، الذي سبق له أن شغل منصبي وزير للمالية والخارجية في الحكومة الاتحادية العراقية، في منشور على منصة إكس "ما حصل مؤخرا في اجتماع مجلس محافظة كركوك في فندق الرشيد بعد انضمام اثنين من المكون السني العربي من السيادة وتقدم إلى تحالف الاتحاد – بابليون هو أمر دبر بليل وغير قانوني ولن ينجح لأن كركوك عراق مصغر لا تُحكم و لا تُدار إلا بالتوافق والتوازن والمشاركة للمكونات الأساسية لاسيما التركمان".
ووجه اتهاما مباشرا بالرشوة للعضوين المذكورين قائلا إنّ ما أقدما عليه "كان من أجل حفنة من الدولارات الوسخة على حساب مصالح الكركوكيين والاستقرار والتنمية في هذه المحافظة". كما عبّر الحزب الديمقراطي رسميا عن رفضه الاعتراف بالحكومة المحلية لكركوك والتي تمخض عنها اجتماع الفندق، واصفا في بيان لمتحدثه الرسمي محمود محمد الاجتماع بغير القانوني.
وذهب البيان إلى حدّ الطعن في قيمة الانتخابات التي مكنت حزب الاتحاد الوطني من الحصول على العدد الأكبر من مقاعد مجلس المحافظة قائلا “لاحظنا فور إعلان نتائج الانتخابات (المحلية التي جرت في ديسمبر الماضي) في كركوك أن النتائج لا تعكس الإرادة الحقيقية للأهالي. ومنذ ذلك الحين بُذلت جهود كثيرة للوصول إلى حلّ مناسب لأن الوضع في كركوك استثنائي والحل يجب أن يكون استثنائيا يخدم رخاء واستقرار ورفاهية أهالي المدينة".
وأضاف "عقدت عدة لقاءات مع الطرفين العربي والتركماني. وفي اللقاء الأخير مع الرئيس بارزاني وبحضور الممثلين العرب والتركمان كافة، تم التأكيد على أن الحلول يجب أن تكون مبنية على حقوق المكونات كافة في كركوك وفي إطار التوافق الوطني وكان رأي الرئيس بارزاني تعيين محافظ كردي محايد ومقبول من جميع الأطراف الفائزة". واعتبر محمود في بيانه أنّ “ما تم في فندق الرشيد ببغداد لتعيين محافظ كركوك وحكومتها المحلية دون إطلاع الأطراف كافة وبغياب ممثلي التركمان وبعض العرب والحزب الديمقراطي الكردستاني، هو أمر غير قانوني وفيه مشاكل".
ويلتقي موقف الحزب الديمقراطي من حكومة كركوك الجديدة مع موقف الشق المدعوم من تركيا ضمن تركمان العراق. وتقدمت الجبهة التركمانية العراقية بطلب إلى المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في العراق، لإلغاء انتخاب محافظ كركوك. وقال متحدث الجبهة محمد سمعان لوكالة الأناضول التركية إنّ المكون التركماني لن يكتفي بهذه الخطوة وسيستخدم كافة الوسائل القانونية لإلغاء الانتخاب.
ويرأس الجبهة حسن توران المقرّب من أنقرة منذ أن قامت الأخيرة باستبعاد سلفه أرشد الصالحي ذي التوجهات العلمانية الكمالية من رئاستها. وعلى الطرف المقابل روّج حزب الاتحاد الوطني لنصر كبير في كركوك ملوّحا لخصومه الداخليين والخارجيين باستحالة اقتلاعه من المحافظة. واتّخذ احتفاء حزب الاتحاد بمنجزه طابعا استعراضيا حيث استُقبل رئيس الحزب بافل جلال طالباني بحفاوة لدى حلوله بمطار السليمانية عائدا من العاصمة بغداد حيث واكب عن قرب عملية تشكيل حكومة كركوك المحلية.
وتوجّه أعضاء الحزب ومسؤولوه بالشكر لرئيس الاتّحاد "بعد تجاوزه جميع العقبات وتوفّق جهوده السياسية والدبلوماسية في إنجاز المهام الكبيرة لمصلحة الأكراد والوئام والاستقرار في كركوك”، فيما وصف طالباني تشكيل حكومة كركوك بـ"الانتصار الكبير لإرادة أهالي المحافظة"، معتبرا أن الإدارة الجديدة في كركوك “تعبر عن الإرادة الحقيقية لمكونات المحافظة".
وبلغ الاستعراض مداه مع قيام حسابات ومواقع على شبكة الإنترنت، على صلة بحزب الاتحاد الوطني، بنشر صورة (حقيقية غير مفبركة) تجمع بافل طالباني رئيس الاتحاد الوطني وسعدي بيره المتحدث باسم الاتحاد وقوباد طالباني نائب رئيس حكومة كردستان العراق في مظهر يشبه أبطال أفلام الأكشن.
ووصلت الرسالة المراد إبلاغها من خلال نشر الصورة المعبّرة عن قوّة الاتّحاد ورسوخ قدمه إلى الحزب الديمقراطي الذي علّق عليها على لسان عضوه وفاء محمد كريم. وقال كريم إنّ حزبه "أكبر من أن يستفز بصورة، وما يقوم به قادة الاتحاد الوطني هو بمثابة استهانة بقضايا الأكراد".
وأضاف متحدّثا لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أنّ الحزب الديمقراطي "لا يستفز بمنصب محافظ أو وزير أو مدير دائرة أو مدير ناحية، فهو حزب عريق يبحث عن مصالح الأكراد. ونؤكد للاتحاد الوطني أن انتخابات كردستان قادمة وهي الفيصل لمعرفة من يمثل الأكراد ومن يمتلك الجماهيرية الواسعة".
790 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع