خروج القوات التركية ليس سلسا مثل دخولها
العرب/أنقرة - قطعت السلطات التركية الشكّ باليقين بشأن نيتها الإبقاء على قواتها بشكل دائم داخل أراضي العراق، نافية أن تكون الاتّفاقية الأمنية التي أبرمتها حديثا مع سلطاته قد نصّت على سحب تلك القوّات.
وقال مركز مرتبط بالرئاسة التركية إنّ الاتفاقية لا تنص على إنهاء تواجد القوات التركية في العراق، وإن تركيا ستواصل مكافحة الإرهاب، ليس فقط داخل أراضيها ولكن خارجها أيضا.
ودشّنت القوات التركية مؤخّرا مرحلة جديدة من مواجهتها ضدّ مقاتلي حزب العمال الكردستاني المنتشرين في المناطق الوعرة بشمال العراق.
وأصبحت تركيا تطمح لحسم تلك الحرب المستمرّة منذ أربعين عاما مستفيدة من تعاظم قدراتها العسكرية وأيضا من تطورات إقليمية شملت تغيّرا في الموقف الرسمي العراقي من تلك المواجهة باتجاه التعاون والتنسيق مع الجانب التركي بشأنها.
وأصبحت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بما يميّز سياساتها من شراسة واندفاع، تجد في الوضع الهش للجارين سوريا والعراق مجالا لتنفيذ مقاربتها الأمنية التي تقوم على نقل الحرب ضدّ معارضيها المسلحين إلى خارج الأراضي التركية وإلى داخل أراضي الجارين ضعيفي المناعة ضد التدخلات الخارجية بمختلف أشكالها.
ويبدو أنّ أنقرة باتت تحظى بضوء أخضر من بغداد لتوسيع نطاق تدخّل قواتها في الأراضي العراقية لملاحقة مسلّحي حزب العمال، وذلك بعد أن أعلنت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني عن تصنيفها الحزب تنظيما محظورا في العراق وبادرت أيضا إلى حلّ ثلاثة كيانات حزبية أخرى ذات صلة به.
وبات ذلك متجسّدا على أرض الواقع من خلال العملية العسكرية التي بدأها الجيش التركي مؤخّرا واتّسعت بشكل غير مسبوق لتشمل معظم أنحاء محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق ولتتضمن إقامة معسكرات ثابتة في المحافظة وشقّ شبكة طرقات ومسالك تربط بينها وتصلها بالأراضي التركية.
وبالتوازي مع ذلك بدأ الحديث يدور داخل الأوساط العسكرية والأمنية عن ملامح شريط أمني تركي عازل في عمق الأراضي العراقية.
ويسعى العراق من وراء تعاونه مع تركيا في ملف حزب العمال إلى تحقيق مصالح اقتصادية والتوصّل إلى حلّ لمعضلة المياه التي تواجهه والناتجة في جانب كبير منها عن احتجاز السلطات التركية كميات متزايدة من نهري دجلة والفرات في السدود الضخمة التي أقامتها على مجريهما.
لكنّ الأمر لا يخلو من ورطة للعراق ناتجة عن خطأ في مقاربة ذلك التعاون، يتمثل في إهمال سلطاته تحديد سقف زمني للحرب التي تشنّها تركيا ضد الحزب داخل أراضيه.
ويجعل إهمال هذا المعطى تحديد نهاية الحرب أو التقليص من مداها رهن التقدير التركي، إذ يمكن للقوات التركية أن تحوّل تدخلها في العراق إلى احتلال دائم لأراضيه بذريعة أنّ الحرب لم تنته، أو أنّ حزب العمال مازال يشكّل خطرا على الأمن القومي التركي.
وينطبق هذا المطعن في المقاربة العراقية للتعاون مع تركيا على الاتفاقية الأمنية التي أعلن قبل أيام عن توقيعها بين الحكومتين العراقية والتركية ونصّت ضمن بنودها على إنشاء مركز تنسيق أمني مشترك في بغداد ومركز آخر للتدريب على محاربة الإرهاب في قضاء بعشيقة، حيث أقامت تركيا منذ سنوات قاعدة عسكرية دون تشاور مع الجانب العراقي ورفضت إزالتها رغم الاحتجاجات والمطالبات العراقية المتكرّرة بذلك.
وأجمعت مختلف الدوائر السياسية والإعلامية المحلية والإقليمية على النظر إلى الاتفاقية باعتبارها إضفاء للشرعية على الوجود العسكري التركي في الأراضي العراقية.
ومع ذلك فاجأ مركز مكافحة التضليل التابع لدائرة الاتصال بالرئاسة التركية المراقبين بإصداره نفيا لصحة ما قال إنّه مزاعم تتحدث عن اتفاق بين بغداد وأنقرة لإنهاء الوجود العسكري التركي على الأراضي العراقية.
ولم يحدّد المركز مصدر تلك المزاعم، لكنّ مراقبين رجّحوا أن السلطات التركية سعت من خلال المركز المذكور لإيجاد ذريعة للتعبير عن موقفها بشأن بقاء الجيش التركي على أرض العراق ولتأكيد أنّه عَبَرَ إلى هناك ليبقى لا لينسحب.
ونقلت وكالة الأناضول التركية الخميس عن بيان للمركز قالت إنّه أصدره تعليقا على “مزاعم منشورة في بعض وسائل الإعلام” تدعي أن الاتفاقية الأمنية الأخيرة المبرمة بين تركيا والعراق تنص على إنهاء تواجد القوات التركية على الأراضي العراقية.
وأكد البيان أنه لم يرد مثل هذا البند في “مذكرة التفاهم بشأن التنسيق العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب” الموقعة بين تركيا والعراق.
وأشار إلى أنه بموجب مذكرة التفاهم سينشئ البلدان مركز تنسيق أمني مشترك في بغداد ومركز تدريب وتعاون مشترك في بعشيقة شمالي العراق.
وأضاف “سيتيح المركزان إمكانية القضاء على التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على سيادة البلدين وأمنهما والأمن الإقليمي”. وخلص إلى التأكيد على “أن تركيا ستواصل مكافحة الإرهاب بعزم وإصرار داخل البلاد وخارجها”.
857 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع