العرب/بغداد- استبقت إيران زيارة الرئيس مسعود بزشكيان إلى العراق بتسليط ضغوط على رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني تمهيدا لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب من بغداد من شأنها أن تُحسب في رصيد الرئيس المنتخب حديثا الذي اختار الوجهة العراقية في أولّ زيارة يقوم بها إلى الخارج منذ انتخابه في يوليو الماضي، ليضع بذلك تثبيت نفوذ بلاده في العراق على رأس أولويات سياسته الإقليمية.
وعشية الزيارة التي تبدأ اليوم الأربعاء سُرّب إلى الصحافة الإيرانية نبأ عدم رضا حكومة بزشكيان على السوداني بشأن طريقة إدارة حكومته لملف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، وكذلك ملف إخراج القوات الأميركية الموجودة في العراق ضمن مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.
وقالت مصادر سياسية إنّ إثارة الحديث عن هذين الملفين تعكس أهم مواطن تركيز بزشكيان خلال الزيارة والمتمثّلة في الحفاظ على العراق بوابة للالتفاف على العقوبات من جهة، والإبقاء عليه ساحة لإدارة الصراع بشكل غير مباشر ضد الولايات المتحدة.
وقالت صحيفة “طهران تايمز” الإيرانية الناطقة بالإنجليزية في تقرير لها إنّ السلطات الإيرانية “تشعر بالقلق إزاء افتقار العراق إلى المقاومة ضد المطالب الأميركية بالضغط على إيران”، وإنّ لدى قيادة البلاد مآخذ على السوداني وكذلك على رئيس البنك المركزي العراقي علي العلاق.
ويعتبر الانحياز لواشنطن ومسايرتها في ضغوطها على طهران من أشدّ “التهم” التي يمكن أن توجّه لرئيس وزراء عراقي وقد تفقده دعم القوى الرئيسية في البلاد من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة ذات علاقات وثيقة بإيران، وكثيرا ما توصف بأنها تؤدي دور الحارس لنفوذ إيران في العراق.
وسيكون عدم الرضا الإيراني في حال كان موجودا بالفعل وفقا لما ذكرته الصحيفة، شديد الوقع على السوداني الذي يمرّ أصلا بمرحلة ضغوط هي الأشد على حكومته منذ تشكيلها من قبل الإطار التنسيقي الجامع لأبرز الأحزاب والميليشيات الشيعية.
وواجه رئيس الوزراء تفجّر فضيحتين من العيار الثقيل بشكل متزامن وتمثلتا في تطور ما يعرف بسرقة القرن من مجرّد عملية اختلاس لمبالغ كبيرة من أموال الأمانات الضريبية إلى اتهامات تلاحق سياسيين وقضاة بالتورط في السرقة، وأيضا في تفجّر قضية تجسس من داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالسوداني على سياسيين وبرلمانيين.
وعمّقت الفضيحتان حالة الشقاق داخل الإطار التنسيقي وشجعت الأطراف العاملة من داخله بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على تسريع جهود إطاحة السوداني من رئاسة الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وكانت زيارة بزشكيان إلى بغداد، تحمل بحسب متابعين للشأن العراقي، أملا لرئيس الوزراء لضبط فوضى الإطار التنسيقي من حوله وتخفيف ضغوط بعض القوى الشيعية عليه بالنظر لما لطهران من سلطة على تلك القوى ومن قدرة على لجمها.
وجاء في تقرير “طهران تايمز” أن “الصلات والروابط العميقة بين العراق وإيران لا تعني عدم وجود عوامل تعيق علاقاتهما”. كما ورد رأي محلل شؤون غرب آسيا بالصحيفة علي رضا مجيدي الذي قال إنه “على الرغم من أنه كان من المعتقد أن السوداني يتمتع بعلاقات وثيقة مع ايران عندما وصل إلى السلطة للمرة الأولى، إلا أنّه كان أكثر توافقا مع الولايات المتحدة خلال فترة ولايته”.
وبحسب ذات المحلل فإن بغداد “امتثلت للرغبات الأميركية كافة للتأكد من أن عقوبات واشنطن ضد إيران مطبقة بشكل كامل”.
و”لذلك – يضيف مجيدي – رغم أنه لا أحد يستطيع أن ينكر العلاقات الوثيقة بين إيران والعراق، فإنّ المستوى الحالي للتعاون بينهما ليس مرضيا”.
واتّجهت الاتهامات الإيرانية رأسا إلى علي العلاق محافظ البنك المركزي العراقي الذي قال مجيدي إنّ “بعض السياسيين العراقيين يشيرون إليه باسم الشرطي الأميركي”.
كما اعتبر محلل الصحيفة “أن العقبة الأكبر أمام تطور العلاقات بين ايران والعراق هي الولايات المتحدة”، مشيرا إلى أنّ “واشنطن تعمل من أجل إلحاق الضرر بإيران في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية، حتى أنها اغتالت جنرالا إيرانيا كبيرا حارب لسنوات في العراق للمساعدة في القضاء على الإرهابيين”، في إشارة إلى القائد السابق لفيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني الذي قتل مطلع سنة 2020 بغارة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي أودت أيضا بالقيادي البارز في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس.
وبشكل عملي دعا مجيدي بيزشكيان إلى استغلال اجتماعاته مع المسؤولين العراقيين من أجل معالجة هذه المخاوف، وتسليط الضوء في الوقت نفسه على مجالات التعاون المحتملة بين البلدين.
وجاءت هذه الضغوط الإيرانية على الحكومة العراقية على الرغم مما بذلته الأخيرة قبل الزيارة من محاولة لاسترضاء طهران والتعبير لها عن التزامها بأمنها والاستعداد للذهاب بعيدا في التعاون بمواجهة معارضي نظامها الناشطين على أرض العراق.
وذكر مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي، الثلاثاء، أن سلطات بلاده أغلقت نحو ثمانين مقرا للأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة التي كانت موجودة في مناطق الحدود المحاذية لإيران بإقليم كردستان، كما كشف عن نزع الأسلحة الثقيلة لتلك الأحزاب.
وقال الأعرجي في مقابلة مع التلفزيون الايراني الرسمي إنّه تم نقل أعضاء تلك الجماعات إلى مخيمات بعضها في أربيل وبعضها في السليمانية، مضيفا أن العمل جار بالتنسيق مع الأمم المتحدة لإعادة توطينهم في بلد ثالث.
وعلى الرغم من أهمية هذا المكسب الأمني لإيران إلاّ أنّه لا يلبّي طموحات النظام الإيراني في العراق والتي تشمل توثيق النفوذ وتثبيته على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية فضلا عن النفوذ الأمني المؤمّن أصلا عن طريق العشرات من الميليشيات.
668 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع