البيان الأماراتية:يرى المحلل الأمريكي بيتر روتلاند أن اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا فاجأ الغالبية العظمى من المراقبين.
وأوضح الأستاذ المتخصص في القضايا العالمية والفكر الديمقراطي في قسم الحكومة بجامعة ويسليان، حيث يقوم بالتدريس منذ عام 1989، ونائب رئيس جمعية دراسة القوميات، ويعمل على دراسة القومية والاقتصاد السياسي في روسيا المعاصرة، أنه حتى على الرغم من أن المخابرات الأمريكية وثقت تعزيز القوات الروسية في الأسابيع والأشهر التي سبقت الحرب، كان من الصعب جداً بالنسبة إلى معظم المحللين تخيُّل قيام بوتين بشن حرب برية مدمرة ضد جارته، مشيراً إلى أن بوتين، مع ذلك، بدأ الحرب معتقداً أن بمقدوره تحقيق أهدافه بثمن يستحق دفعه.
وقال روتلاند، إنه يبدو أن مجتمع المحللين قد أضفوا السمات الداخلية على الكثير من الافتراضات السائدة في الجيش الروسي الذي كانوا يدرسونه: أولاً: أنه قام بإصلاح نفسه وتحول إلى قوة احترافية، وثانياً: أنه ماهر في الحرب الإلكترونية، وثالثاً: أنه أتقن بشكل كامل عقيدة جديدة بشأن الحرب الهجينة، ورابعاً أنه اكتسب خبرة قتالية تراكمية هائلة في الشيشان وجورجيا وسوريا.
وأضاف روتلاند، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، أنه بوجه عام، يميل المحللون العسكريون إلى التركيز على أشياء ملموسة (الجنود والدبابات والطائرات.. الخ)، وليس على تحليل المزيد من العوامل المجردة مثل التدريب والقيادة واللوجستيات والاستعداد للقتال. ونظر المحللون إلى نسب القوة في التوازن العسكري: عشرة إلى واحد في الطائرات وأربعة إلى واحد في الدبابات، واستنتجوا أن أوكرانيا ليس أمامها أي فرصة للتصدي للحرب.
وكان المحللون ميالين للمقارنة بحرب العراق عام 2003: حرب جوية خاطفة أعقبها تكتيك حرب المناورات التي سوف تسحق دفاعات أوكرانيا.
وكان تكتيك الصدمة والرعب من جانب روسيا عنوان مقال لمجلة «فورين أفيرز» تم نشره قبل الغزو بيومين، ومن خلال الاستقراء من تجربة الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان، ساد اعتقاد بأن روسيا سوف تسيطر على أوكرانيا ثم تنفذ تمرداً.
وأثر التشاؤم بشأن قدرة أوكرانيا على المقاومة في الاستجابة السياسية من جانب الولايات المتحدة. وفي عام 2017، كان بعض المحللين يعارضون تسليح أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات.
وفي يناير عام 2022، قبل شهر فقط من الحرب، نشرت مجلة «فورين بوليسي» ورقة بحثية بعنوان «أسلحة الغرب لن تحدث أي فرق بالنسبة لأوكرانيا».
وكان هذا النمط من التفكير يعني إلى حد ما أن الولايات المتحدة ردعت نفسها في مواجهة استعداد بوتين الواضح لاستخدام القوة، وأثرت عوامل في القرار بعدم إرسال أسلحة متقدمة، مثل الخوف من وقوع هذه الأسلحة في أيدي الروس.
وتعد درجة الإجماع الملحوظة مثالاً آخر على التفكير الجماعي، ويظهر التوافق أنك عضو مقبول في الجماعة ولا يتم الوثوق بآراء الغرباء، ويفاقم دور وسائل الإعلام السائد هذه المشكلة، إذ عادت هذه الوسائل الإعلامية إلى المجموعة نفسها من الخبراء الذين يثبتون حجتهم من خلال الإعراب عن يقينهم بشأن ما يحدث.
ورغم أنه تم أخذهم على حين غرة، أظهر مجتمع المحللين استعداداً ضئيلاً للاعتراف بأنهم كانوا مخطئين أو مناقشة كيفية تجنب وقوعهم في الخطأ مرة أخرى.
وعلى النقيض، بعد شهر فبراير عام 2022، مضى معظم المحللين قدماً في طرح تنبؤات بشأن مسار الحرب بالقناعة التي فسروا بها السبب الذي يجعل بوتين لا يحارب أوكرانيا.
وعلى سبيل المثال، في شهر يناير عام 2023، استطلعت مجلة «فورين أفيرز» آراء 73 خبيراً عما إذا كان سوف يتعين على أوكرانيا أن تقدم في نهاية المطاف تنازلات تتعلق بالأرض لروسيا، وكان هذا بمثابة عدد كبير إلى حد ما من وجهات النظر، وكانت هناك أغلبية غير موافقة.
ومع ذلك، كان الأمر اللافت للنظر أن 44 خبيراً أبلغوا عن مستوى ثقة بـ7 درجات من 10 أو أعلى، بينما أبلغ 15 فقط عن مستوى بـ4 درجات أو أقل.
وقال روتلاند: «رغم اعتقادنا برشد السلوك البشري، يتصرف القادة غالباً عن قصد ويخطئون في حساب فرص نجاحهم. ووجد البروفسور ريتشارد نيد ليبو من كينجز كوليدج لندن أن البلد الذي بدأ الحرب خسر 80%من الحروب منذ عام 1945».
وتدفع بيتينا رينز، وهي خبيرة في الشؤون العسكرية الروسية وتقوم بالتدريس في المملكة المتحدة، بالقول إنه من غير الواقعي توقع أن يقدم خبراء توقعات أكثر دقة لما سوف يحدث في خضم حالة عدم اليقين التي تسود الحرب.
وأضافت أن مشكلة أكبر تمثلت في أن الغرب، الذي أذهله ضم روسيا إلى شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، ترسخ في ذهنه صورة بوتين بوصفه خبير استراتيجي ماهر.
واختتم روتلاند تقريره بالقول إنه مع ذلك فإن من المهم الحفاظ على حسن تقدير الاحتمالات. وحتى على الرغم من أن روسيا فشلت في تحقيق هدفها الرئيس، وهو إسقاط الحكومة في كييف، فإنها نجحت في السيطرة على مساحة كبيرة من الأراضي الأوكرانية: 27% من أراضي البلاد في ذروة الحرب، وتقلصت هذه المساحة الآن إلى 18%، وهذه منطقة تبلغ مساحتها 42 ألف ميل مربع، أي نحو حجم ولاية فيرجينيا. وإذا انتهت الحرب اليوم، سوف يعتبر مؤرخون في المستقبل هذا انتصاراً لروسيا.
931 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع