بغداد – أحمد محمد:يتوقع الخبراء انخفاضا حادا بحصة العراق من مياه نهر دجلة بنسبة 11 مليار متر مكعب، بسبب بناء الحكومة التركية لسد اليسو، ما قد يتسبب بجفاف الأهوار ومساحات كبيرة من الأراضي الزراعية العراقية.
وقال أحد شيوخ قبائل الأهوار، عباس سيد صروط، لـ"أنباء موسكو"، إنه "في الوقت الذي يكون بناء سد اليسو في تركيا غير مكتمل، يعاني العراق من شحة في المياه نتيجة تقليل الحصص المائية لنهري دجلة والفرات وروافدهما من قبل دول الجوار".
وأضاف عندما يتم اكتمال بناء سد اليسو سيزيد من شحة وقلة تلك المياه، مما سيؤثر بصورة كبيرة على البيئة وحياة السكان المعتمدة على الزراعة في منطقة جنوب العراق التي ستعاني من ظاهرة التصحر ونزوح سكاني منها.
مواقف خجولة للحكومة العراقية
وذكر سيد صروط أن مواقف الحكومة العراقية "خجولة" تجاه بناء هذا السد، من حيث المفاوضات أو ممارسة الضغوطات على الحكومة التركية لوقف بنائه، وطالبها بتلويح بالورقة الاقتصادية كعامل ضغط على تركيا في مجال تحديد الحصص المائية لنهري دجلة والفرات.
ويبلغ حجم التبادل التجاري (تجارة من طرف واحد – تركيا في الواقع) بين العراق وتركيا أكثر من 12 مليار دولار، بينما يصدر العراق أغلب النفط المستخرج من محافظة كركوك عبر ميناء جيهان التركي.
وتابع أن منظمات المجتمع المدني ووجهاء المناطق التي ستتضرر في جنوب العراق والناشطين البيئيين من العراق وتركيا وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة تظاهروا العام الماضي في مدينة حسن كيف التركية ضد بناء سد اليسو، ونظموا هذا العام رحلة قافلة "دجلة" التي بينوا فيها سلبيات سد اليسو وتأثيره في العراق والمناطق التركية.
ويتوقع الخبراء أن انخفاض الحصة المائية ستسبب بجفاف الأهوار جنوبي العراق وتدمير البيئة النباتية والحيوانية فيها، في حين تعد موطنا للطيور المهاجرة شتاء من أوروبا وروسيا، ودمار اقتصاد السكان المحليين.
كما أن البحيرة التي سيكونها السد ستغرق العديد من المدن التركية مثل مدينة حسن كيف التاريخية التي تضم آثارا يعود عمرها لـ 10 آلاف سنة ويدمر اقتصاد المدينة المعتمد على السياحة.
تقييم الحالة المائية للمياه العراقية
تقول المسؤولة في وزارة الموارد المائية العراقية، شروق العبايجي، لـ"أنباء موسكو" إن "الوزارة تقوم حاليا بتقييم الحالة المائية للعراق، في ضوء قيام تركيا ببناء السدود حاليا، ووضع خطط مستقبلية لاحتواء الأضرار المحتملة".
وتابعت حديثها قائلة إن "أهمية قافلة (دجلة) تكمن في دراسة عوامل التهديد على النهر، والتوعية البيئية للمجتمعات السكانية المستقرة على ضفافه."
وقافلة "دجلة" رحلة نظمتها منظمة "طبيعة العراق" وبدأت من مدينة حسن كيف التركية لتنتهي في مدينة الجبايش جنوب العراق.
وقال مدير مكتب منظمة "طبيعة العراق" في الأهوار، جاسم الأسدي، لـ"أنباء موسكو" إن سد اليسو هو أحد السدود الكبيرة على نهر دجلة وبدأ العمل به منذ سنوات قليلة، وتم تحويل مجرى النهر، والمباشرة ببناء هيكل السد.
وأفاد بأن السد يمتلك طاقة خزنية هائلة بحدود 11.7 مليار متر مكعب، ويبعد عن الحدود 65 كلم وسيوفر 1600 ميغاواط، ولكن سيغرق 27 مدينة تركية ومنها مدينة حسن كيف المصنفة ضمن التراث الإنساني لمنظمة اليونسكو.
وحسب إحصائيات منظمة "طبيعة العراق" فإن سد اليسو سيخفض حصة العراق من مياه نهر دجلة من 20.93 مليار متر مكعب في السنة إلى 9.7 مليار متر مكعب في السنة أي بمقدار 11 مليار متر مكعب في السنة.
معارضة شعبية لبناء السد
وتابع الأسدي حديثه قائلا أن بناء السد اصطدم بمعارضة شعبية، حيث رفعت نقابة المهندسين المدنيين التركية دعوى في محكمة الشورى التركية ضد السد الذي لم يدرس الأثر البيئي والثقافي له وهذا أحد المعايير الأوروبية المهمة.
واستطاعت النقابة أن تكسب القضية في شهر كانون الثاني الماضي، ولكن الحكومة التركية تملصت واستطاعت أن تمضي في بناء السد.
وأعرب عن اعتقاده بأن المشروع حين إكماله سيجفف أهوار العراق وخصوصا هور الحويزة الذي يعتمد على نهر دجلة، وكذلك سيهدد الأجزاء الرئيسة من الأهوار الوسطى التي تم اعتبارها كمحمية طبيعية.
وأشار إلى أن "مباحثات العراق لم تثمر منذ عقود طويلة مع جارته تركيا التي تعتبر نهري دجلة والفرات عابرين وليسا دوليين مشتركين، بينما تصر الحكومة العراقية على أن لديها الحصة التاريخية من المياه للنهرين".
وشيدت تركيا في بداية تسعينيات القرن الماضي 22 سدا كان أكبرها سد أتاتورك على نهر الفرات الذي تسبب في وقتها بانخفاض مستوى الفرات بصورة كبيرة، وتعتزم أيضا بناء سد جديد على نهر دجلة على بعد 27 كلم من الحدود العراقية لتوزيع مياه الري لمناطق جنوب شرق تركيا.
وأنشأت إيران سدودا ترابية منعت وصول مياه هور الحويزة ونهر الكرخة من الدخول للأراضي العراقية، كما قطعت مياه نهر كارون الذي كان يصب كميات كبيرة من المياه العذبة في شط العرب، وسبب ذلك زيادة الموجة الملحية القادمة من الخليج وهلاك آلاف النخيل.
عدم وجود قوانين دولية تنظم توزيع المياه
وأوضح جاسم الأسدي أن القوانين والمواثيق الدولية التي تنظم توزيع المياه تكون غير ملزمة للدول، بينما المعاهدات المشتركة تتغير بتغير الحكام والحكومات.
وذكر أن مشكلة توزيع حصص المياه لا تقتصر على نهري دجلة والفرات، حيث يتعرض نهر النيل في الوقت الحالي لمخاطر تقليل حصة مصر والسودان من المياه، بسبب إنشاء إثيوبيا سد "النهضة" على النيل، وكذلك الصراع بين الولايات المتحدة والمكسيك على خلفية بناء سد نهر كولرادوا وتحويل مياهه إلى الأراضي الأمريكية.
912 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع