قاآني يخشى سيناريو الأسد في العراق
العرب/بغداد – تثير زيارة قائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد تساؤلات حول طبيعة الرسائل التي حملها، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والأنباء المتداولة عن خطط إيرانية لتعزيز نفوذها عبر تبني سيناريو الانفصال الشيعي.
وتأتي زيارة قاآني الخاطفة غير معلنة مسبقا كالعادة، في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، مع تزايد احتمالية توجيه ضربات إسرائيلية للعراق أوقفتها واشنطن في وقت سابق، بحسب وزارة الخارجية العراقية، وانهيار الهدنة في غزة، والعمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، إلى جانب الضربات التي استهدفت عناصر حزب الله لمنع تفعيل شبكات تهريب السلاح والمخدرات عبر الأراضي السورية، والتهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد طهران المتعلقة بهجمات الحوثيين والملف النووي الإيراني.
ونقلت وكالة شفق نيوز عن مصدر مطلع على الزيارة قوله إن "قاآني عقد اجتماعا مهما الأربعاء مع قيادات في الإطار التنسيقي وبحضور قادة الفصائل والحشد الشعبي الى جانب حضور السفير الايراني في بغداد".
وأضاف أن "الاجتماع أكد على ضرورة التزام العراق بجانب الحياد وعدم التدخل في الملف السوري إلى جانب ضبط الملف الأمني ومنع أي اجتهادات خارج إطار الدولة، وسط تحذير من تداعيات وخيمة، أيضا تم مناقشة الأحداث المتوقعة بعد الهجوم الأميركي على الحوثيين في اليمن بالإضافة إلى تفكيك الملف الأمني وما يحصل في الشرق الأوسط".
وتابع أن "اجتماع قاآني تضمن رسائل إيرانية للحكومة من بينها دعم الموقف العراقي الحكومي في البقاء بهذا التوازن وعدم الانخراط مع أي طرف ضد آخر لكن في حال تعرض العراق لضربة إسرائيلية فإن إيران لن تسكت وستكون داعمة لأي موقف يصدر من الحكومة أو أي ردة فعل تصدر من الفصائل المسلحة".
ويعتبر قاآني شخصية محورية في العلاقات الإيرانية مع الفصائل المسلحة في المنطقة، وتعكس زياراته واجتماعاته مع قيادات في الإطار التنسيقي استمرار الدور الإيراني في العراق، وأهمية البلد في الاستراتيجية الإقليمية لطهران.
كما يدل وجود قادة من الحشد الشعبي في هذا الاجتماع على أن الحشد الشعبي مازال له تأثير كبير في العراق، وأن إيران تستثمر في هذه الكيان الذي تطالب الولايات المتحدة بنزع سلاحه وحله.
ويرى مراقبون أن قاآني يهدف من خلال هذا الاجتماع إلى تنسيق المواقف بين الفصائل العراقية المدعومة من إيران، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة.
ويأتي هذا الاجتماع بعد أن أعلنت الأسبوع الماضي، ثلاثة تشكيلات مسلحة، من بينها واحد يحمل اسم "استشهادي"، عن خطابات تصعيدية تهدد بضرب المصالح الأميركية في العراق، ما دفع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى طمأنة واشنطن خلال اتصال جرى مع وزير الدفاع الأميركي، الأحد الماضي.
وقالت تقارير غربية إن وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغيسث، "حذر السوداني بكلمات شديدة اللهجة" من أن أي عمل مسلح يستهدف القوات الأميركية في العراق أو يدعم قوات الحوثي في اليمن، سيؤدي إلى رد عسكري أميركي "حاسم ومباشر" على الفصائل العراقية المسلحة.
وتعمل بغداد منذ أكثر من شهر على "نزع سلاح الفصائل"، بحسب قولها، عبر مفاوضات سياسية تبدو متعثرة حتى الآن.
ويقول فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، إنه خلال حرب غزة (التي شهدت استئناف القصف الإسرائيلي فجر الثلاثاء)، كانت هناك مخاطر على العراق، وما زالت قائمة حتى الآن.
وكشف الوزير، في لقاء تلفزيوني، أن الولايات المتحدة أوقفت هجمات إسرائيلية على العراق كادت أن تحدث "عدة مرات".
وأكد حسين أن "واشنطن ليست سعيدة بوجود الفصائل المسلحة في العراق"، مضيفًا أن "هناك تهديدات، وبحكم الجغرافيا، نتخوف من أي تأثيرات لأي حرب ضد إيران".
ورفض الوزير تحول العراق إلى نسخة مشابهة من إيران، قائلًا "ليس من صالح المجتمع العراقي والدولة العراقية استنساخ تجربة الدولة والثورة التي كانت موجودة في إيران".
ويواجه فؤاد حسين انتقادا من قبل "اليمين الشيعي" في البرلمان، الذي يطالب باستجوابه على خلفية زيارة أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري الجديد، إلى بغداد قبل أيام.
والعمليات العسكرية في المنطقة، التي توقفت مؤقتا بعد تسلم ترامب للرئاسة الأميركية، بدأت تشير إلى احتمالية توجيه الضربات القادمة إلى إيران أو الفصائل الحليفة لها في العراق، بحسب رسائل وصلت مؤخرا إلى الإطار التنسيقي.
وتأتي زيارة قأآني وسط تواتر أنباء عن خطة إيرانية لإنقاذ نفسها ونفوذها في المنطقة، ومنها العراق، عبر تبني سيناريو الانفصال الشيعي، حيث بدأت القوى الشيعية في العراق تتحدث بشكل مفاجئ عن "استقلال شيعي" في تسع محافظات، كما جاء في تلميحات نوري المالكي، زعيم ائتلاف "دولة القانون"، والقيادي في كتائب حزب الله، النائب حسين مؤنس.
ويثير هذا السيناريو قلقا بشأن تداعياته على وحدة العراق واستقراره، بالإضافة إلى تأثيره على التوازن الإقليمي، كما قد يكون أحد المحاور التي تم مناقشتها خلال الاجتماع، خاصة في ظل سعي إيران لتعزيز نفوذها في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
ويرى مراقبون أن طرح موضوع الانفصال الشيعي يخلق استقطابا عاما وتخويفا من المخاطر، ويدفع الشيعة إلى الاقتراب أكثر من إيران، كما يولد ضغطا على القوى الكردية والسنية عبر التلويح بقطع النفط والثروات الموجودة في الجنوب، وهو أمر خطير جدا.
وكان محمود المشهداني، رئيس البرلمان، قد هدد القوى الشيعية بقطع المياه عن الجنوب، ردا على تهديدات المالكي السابقة بقطع "النفط" عن السنة، في حال تم فرض تقسيم العراق.
وأثارت تصريحات المشهداني، الجدل على مواقع التواصل الإجتماعي، إذ انتقد سياسيون وناشطون تلك التصريحات مؤكدين أنها تعزز الخطاب الطائفي في البلاد.
وقالت رئيس حركة إدارة حنان الفتلاوي عبر منصة إكس "محمود المشهداني مهدداً: من يطرح فكرة إنشاء إقليم شيعي يجب أن يكون على دراية بمسار نهري دجلة والفرات!!!"، وأضافت "مؤسف أن يصدر هذا التصريح من رئيس أعلى سلطة تشريعية في البلد".
وذكرت الفتلاوي في منشورها "وصدق من قال (ليت لي رقبة كرقبة البعير كي أزن الكلام)، ما أحوجنا اليوم لشيوخ يلملمون الصف بدل التهديد بقطع الماء أو النفط”، مشيرة إلى أنه “لن نستغرب إذا خرج علينا من يهدد بقطع الجمة أو الباقلاء !!!".
ولم تتطرق القوى الشيعية إلى "الانفصال"، باستثناء مطالبات عبدالعزيز الحكيم، الزعيم السابق للمجلس الأعلى، في عام 2005، حين تحدث عن "فيدرالية شيعية" في الجنوب.
واعتبر باسل حسين، رئيس مركز كلوذا للدراسات، أن الحديث عن "الانفصال الشيعي" عن العراق لا يمكن التعامل معه بجدية قائلا "يدرك الجميع أن هذا الموضوع يأتي في إطار المناكفات السياسية والمزايدات الانتخابية أكثر من كونه مشروعا واقعيا"، مبينًا أن "هذه الدعوات غالبا ما تُستخدم كأداة لإثارة الشارع الشيعي واستمالته انتخابيا، في ظل غياب إنجازات حقيقية يمكن الترويج لها".
ويرى الباحث أن التلويح بالانفصال ليس سوى "امتداد لنهج الخطاب الطائفي الذي اعتاد عليه العراقيون مع اقتراب كل استحقاق انتخابي، وهو خطاب المفلسين سياسيا، ويهدف إلى إشغال الرأي العام بقضايا جدلية بدلًا من التركيز على الإصلاحات الجوهرية المطلوبة".
والأخطر، بحسب رئيس مركز كلوذا، أن هذا النوع من الطروحات يعكس "انحسار الهوية الوطنية لصالح النزعات الفئوية، وهو ما يعمّق أزمات العراق بدلًا من المساهمة في حلها".
ويشير حسين إلى أنه لا توجد بنية تحتية سياسية أو اقتصادية قادرة على دعم انفصال أي مكون عراقي، لافتًا إلى أن "التشابك الاقتصادي، الديموغرافي، والجغرافي يجعل من العراق كيانا يصعب تفكيكه عمليًا. إضافة إلى ذلك، فإن التوازنات الإقليمية والدولية لن تسمح بمثل هذا السيناريو، حيث يبقى استقرار العراق أولوية في الحسابات الجيوسياسية للمنطقة".
454 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع