يوم أفسد القذافي واحدة من أخطر عمليات الموساد

إيلاف من بيروت: في حزيران (يونيو) 2025، وخلال ما عُرف لاحقًا بـ"حرب الأيام الاثني عشر"، نفّذ جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) سلسلة عمليات نوعية داخل إيران، كشفت عن تغيير جوهري في أساليبه وقدراته. التقارير التي تسرّبت عقب تلك العمليات، أشارت إلى اختراقٍ غير مسبوق للداخل الإيراني عبر خلايا مدرّبة ومزوّدة بتقنيات وأسلحة متطورة، عملت بحرية ميدانية مذهلة ضمن خطط استخبارية دقيقة.

لكن هذا التحوّل اللافت لم يأتِ من فراغ. فقد تعلم الموساد، على ما يبدو، من إخفاقات مريرة في تاريخه، لعل أبرزها تلك التي وقعت قبل نحو أربعة عقود، وتحديدًا في 4 شباط (فبراير) 1986، حين ابتلع طُعماً استخبارياً نصبته له الاستخبارات الليبية، فوجد نفسه في قلب عملية فاشلة عنوانها: "قرصنة جوية بلا غنيمة".

الهدف: أحمد جبريل... والنتيجة: صفر استخباراتي
في ذلك العام، كانت ليبيا تستضيف مؤتمراً لقادة الفصائل الفلسطينية، بدعوة وإشراف من الزعيم الليبي معمر القذافي. من بين الحاضرين كان أحمد جبريل، مؤسس ورئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أحد أبرز المستهدفين من قبل الموساد.

بحسب روايات استخبارية، كان لإسرائيل عميل في طرابلس الليبية يتقمص شخصية مراسل صحفي، وقد ساعد في جمع معلومات حيوية عن تحركات القادة المشاركين في المؤتمر. خطّة الموساد كانت جريئة: اعتراض طائرة مدنية تقل جبريل في رحلة عودته إلى سوريا، وتنفيذ عملية "قرصنة جوية" للقبض عليه.

السماء تغلق على الطائرة... والموساد يفتح فشلاً
في ظهر يوم الثلاثاء 4 شباط (فبراير) 1986، كانت طائرة ليبية مدنية من طراز "غرومان غلف ستريم الثانية" تعبر المجال الجوي الدولي قرب قبرص، في طريقها من ليبيا إلى شرق المتوسط. عند هذه النقطة، اعترضتها مقاتلتان من طراز "إف – 15" تابعتان لسلاح الجو الإسرائيلي – وتشير بعض الروايات إلى أن العدد كان ثلاث طائرات.

المقاتلات الإسرائيلية أجبرت الطائرة على الهبوط في قاعدة جوية شمال إسرائيل، بعد أن عطّلت أجهزتها الملاحية واللاسلكية بالكامل، لمنع أي نداء استغاثة. فور الهبوط، حاصرت قوة خاصة الطائرة، واقتحمتها، لتخضع الركاب والطاقم لاستجواب دام خمس ساعات.

لكن المفاجأة كانت قاسية: أحمد جبريل لم يكن على متن الطائرة، ولا أي من قادة الفصائل الفلسطينية. كانت الطائرة تقل عبد الله الأحمر، الأمين العام المساعد لحزب البعث السوري، إلى جانب 8 مرافقين، إضافة إلى الطاقم المكوّن من الربان عمران محمد البنغازي، ومساعده فتحي محمد القائدي، والمهندس حسين الشيباني.

خدعة في اللحظة الأخيرة... والجبريل ينجو
بعد الاستجواب، سُمح للطائرة باستئناف رحلتها إلى دمشق، لتعود إسرائيل بخفّي استخبارات فاشلة. وكشف لاحقًا قائد الطائرة، عمران البنغازي، أن الحافلة التي أقلّت الركاب إلى الطائرة عادت أدراجها فجأة، ثم عادت مجددًا بعد فترة قصيرة بعد أن تبيّن تخلّف راكبين. يعتقد أن الشخصين هما أحمد جبريل والقيادي الفلسطيني جورج حبش، الذي صرّح لاحقًا أنه كان يُفترض أن يستقل الطائرة.

في نظر المحللين، مثّلت هذه الخدعة واحدة من أبرز العمليات المضادة في العمل الاستخباراتي الإقليمي، حيث أُجبر الموساد على كشف أوراقه دون مقابل.

القذافي يرد بـ"قانون السماء"
لم يمرّ الحدث مرور الكرام في طرابلس. الزعيم الليبي معمر القذافي أصدر تعليماته باعتراض أي طائرة ركاب إسرائيلية فوق البحر المتوسط وإجبارها على الهبوط في ليبيا، مبررًا القرار بالرغبة في القبض على "إرهابيين إسرائيليين" على حد تعبيره، من بينهم مناحيم بيغن وأرييل شارون.

وأضاف القذافي آنذاك: "سنواصل فرض هذا النهج حتى يلتزم الإسرائيليون بعدم اعتراض الأهداف المدنية في أي مكان في العالم"، مشددًا: "نحن لا نريد السلام معهم، لكننا نريد إجبارهم على اتباع قواعد قانون الحرب".

من فشل 1986 إلى اختراق 2025... هل تعلّم الموساد الدرس؟
في ضوء العمليات التي نفذها الموساد داخل إيران في حزيران (يونيو) 2025، يتساءل مراقبون عما إذا كان الجهاز قد حوّل إخفاق 1986 إلى نقطة انعطاف استخباراتية.

وفق التقديرات، اعتمدت إسرائيل في هجومها الأخير على شبكات بشرية عالية الكفاءة، مدعومة بقدرات تكنولوجية واستطلاعية متطورة. اللافت أن هذه الخلايا عملت بمستوى عالٍ من التنسيق والمرونة، ما يعكس تطوراً في فهم البيئة المعقدة داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومهارة في إدارة المعلومات وتوظيفها ميدانيًا.

وبينما ظل أحمد جبريل خارج متناول أذرع الموساد حتى وفاته في عام 2021، فإن الدروس المستخلصة من إخفاقات الماضي يبدو أنها أُعيدت برمجتها في عقل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ليُعاد رسم حدود المواجهة في الزمان والمكان، وبدروس مكتوبة بمداد التجربة والخطر.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

643 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع