إشعار على واجهة محل تجاري بإيران في شأن عدم البيع بالتقسيط (بهار نيوز)
اندبندنت فارسية:تتفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران بصورة واضحة عندما نعلم أن الخبز، وهو أبسط وأرخص سلعة على مائدة الإيرانيين، يباع بالتقسيط في عدد من المناطق. وقد فتح بائعو المخابز دفاتر حساب خاصة لتيسير شراء الخبز بالتقسيط، بما يلبي حاجة السكان ويواكب ظروفهم الحياتية الصعبة.
كان البيع والشراء بالدين موجودين في الثقافة الإيرانية منذ القدم، لكن الفارق هو أن عدد من كانوا يلجأون إلى الشراء بالتقسيط كان محدوداً مقارنة بغالبية المجتمع، كما أن السلع التي كانت تشترى بهذه الطريقة غالباً ما كانت تفوق متوسط دخل الأسرة، مثل أجهزة التلفزيون أو الثلاجات أو السيارات. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تزايداً في أعداد المقبلين على الشراء بالتقسيط، ولم تعد هذه الظاهرة مقتصرة على الأدوات المنزلية والسيارات، بل امتدت لتشمل المواد الغذائية الأساسية، إذ باتت نسبة كبيرة من الإيرانيين تضطر إلى شراء اللحوم والرز ومشتقات الألبان وحتى الخبز بالتقسيط، لتأمين ما يسد موائدهم واحتياجاتهم اليومية.
في الواقع باتت هذه الظاهرة في إيران اليوم خياراً قسرياً للبقاء على قيد الحياة في ظل تفاقم أزمة المعيشة، ونقل موقع "دیده بان" إيران عن أحد المتسوقين عبر الإنترنت قوله إنه "حتى العام الماضي كنت أشتري أحذية وملابس وأجهزة منزلية بسيطة مثل مجفف الشعر أو المكواة بالتقسيط من أحد المتاجر الإلكترونية، لكن هذا العام تجاوز الأمر حدوده، واضطررت إلى شراء مواد مثل مسحوق الغسيل واللحوم وسائل الجلي وحتى مادة التبييض بالتقسيط". وبحسب قول هذا المواطن، فإن مواد التنظيف التي اشتراها تكفي استهلاك أسرة مكونة من شخصين لمدة ثلاثة أشهر في الأقل، فيما يدفع مقابلها أقساطاً شهرية تبلغ 80 ألف تومان (0.86 دولار).
من جانبه قال أحد العاملين مع "سناب ماركت،" وهي خدمة للتسوق الإلكتروني للمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، إن الإقبال على شراء السلع الاستهلاكية والغذائية بالتقسيط عبر خدمة الائتمان شهد خلال الشهرين الماضيين زيادة لافتة، مضيفاً أن الأرقام الدقيقة غير متوفرة، لكن كثرة الاستفسارات حول هذه الخدمة تشير إلى أن عدد المستفيدين منها تضاعف تقريباً، وقال أيضاً إنه "من الطبيعي أن تكون الأزمات الاقتصادية هي العامل الأبرز وراء تزايد الإقبال على هذا النوع من الشراء".
ويروي شخص آخر "أطلق متجر لبيع اللحوم والدواجن بالقرب من مكان عملنا برنامجاً للبيع بالتقسيط مخصصاً للموظفين، إذ تسدد الدفعات شهرياً عبر دفتر الحساب الخاص بالمتجر. وإلى جانب ذلك، يوجد في البقالة القريبة من منزلنا دفتر مشابه نستخدمه لشراء احتياجاتنا بالتقسيط."
مواد غذائية بالتقسيط
وجاء في إعلان لإحدى الشركات الناشئة في مجال البيع عبر الإنترنت أنه "نوفر إمكان شراء المواد الغذائية بالتقسيط من المتاجر المتعاقدة معنا، عبر تفعيل خدمة ائتمانية بسقف محدد، ومن دون الحاجة إلى كفيل أو شيك، وعلى أربع دفعات من دون فوائد".
وقال شخص يعرف نفسه على أنه "أمين سكان الحي"، "يكفي أن أقول إن الأوضاع لم تكن أبداً سيئة مثل الأشهر الأخيرة. حتى خلال جائحة كورونا، وعلى رغم كل الصعوبات، كان الناس قادرون على الشراء، ولم يكن النشاط التجاري متوقفاً بهذه الصورة. أما الآن، فالوضع وصل إلى درجة أن العائلات تواجه صعوبة في تأمين أبسط احتياجاتها اليومية مثل المعكرونة والجبن. وهذه الأزمة تشمل أشخاصاً كانوا قبل بضع سنوات يعيشون حياة متوازنة، إذ تتساوى مصاريفهم مع دخلهم، لكن اليوم يجدون أحياناً صعوبة حتى في شراء زجاجة حليب". وأضاف "من تلاميذ المدارس إلى الكبار في السن، لا يملك أحد المال، وهذا الأمر واضح تماماً في سلوك الناس وحركتهم الشرائية اليومية".
وصرح معلم متقاعد يقيم في شمال شرقي طهران لصحيفة "اندبندنت فارسية"، بأن شراء السلع الغذائية بالتقسيط أصبح شائعاً بشدة، وأن كثيراً من الناس لا يملكون القدرة على سداد أقساطهم، مما يجعلهم، كما يقول التجار المحليون، "متعثرين مالياً"، ومن ثم عاجزين حتى عن الشراء بالتقسيط بعد فترة. وأضاف أنه "منذ نحو عقدين، ومع ازدهار المتاجر الكبرى، لجأ كثيرون إلى التسوق منها، مما أدى إلى تراجع نشاط التجار المحليين، لكن الآن عاد الناس للشراء من المحال المحلية، لأن المتاجر الكبرى لا تقدم خيار الشراء بالتقسيط، بينما يوفره التجار المحليون. وتابع قائلاً "انسوا الصورة التي كانت لديكم قبل سنوات عدة عن التسوق من المتاجر الكبرى، في السابق كان الناس يشترون بكميات كبيرة وتمتلئ عرباتهم بالسلع الغذائية وغير الغذائية، أما الآن فقلة هم من يشترون كمية كاملة. معظم الناس يقفون في الصف لشراء سلعة أو أكثر، بينما يشترون سلعاً أخرى مثل الرز والزيت بالتقسيط".
وأكد المعلم المتقاعد أن ارتفاع نسبة شراء المستلزمات اليومية بالتقسيط في منطقة شمال شرقي طهران، حيث يعيش، يشير بوضوح إلى أن الأوضاع أسوأ في المناطق الفقيرة.
876 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع