العراق يستعد لطي صفحة الدورة البرلمانية الأكثر توترا والأقل إنتاجا

دورة انصرفت عن التشريع والرقابة إلى إدارة صراعات الأحزاب وتنظيم صفقاتها.

البرلمان العراقي الحالي بضحالة حصيلته في مجال التشريع والرقابة على العمل الحكومي نموذج أمين للطابع الشكلي العقيم وغير المنتج للديمقراطية العراقية التي تلعب فيها التوافقات الحزبية والصفقات المصلحية دور المحرّك بعيدا عن اختيارات الناخبين وما تفرزه صناديق الاقتراع.

العرب/بغداد – يقترب في العراق المقبل على تنظيم انتخابات برلمانية في الحادي عشر من نوفمبر القادم، موعدُ انتهاء الدورة البرلمانية الخامسة وانقضاء الفترة القانونية لمجلس النواب الحالي الذي مثّل بخموله الشديد وقلّة إنتاجه على الصعيدين التشريعي والرقابي للعمل الحكومي انعكاسا أمينا للسمة الشكلية للديمقراطية العراقية التي يكتفي فيها البرلمان بدور تمثيل مصالح القوى المشاركة في السلطة والدفاع عن مكانتها فيها ومصالحها من ورائها، عبر عقد الصفقات السياسية وإبرام التفاهمات المحقّقة لتلك الأهداف البعيدة كل البعد عن تمثيل الشعب ومعالجة قضاياه والاستجابة لحاجاته.

ويستمر المجلس الحالي حتّى مطلع يناير القادم وفقا للقانون الذي ينص على استمرار البرلمانات العراقية خمسة وأربعين يوما بعد إجراء الانتخابات التشريعية، لكن على صعيد واقعي لم ينتظر البرلمان المنتخب في أكتوبر 2021 ذلك التاريخ حتى يصبح عمليا في شبه عطلة مفتوحة عاجزا عن عقد جلساته، وغير قادر على ضمان استمرارها في حال النجاح في عقدها، ناهيك عن تمرير أي قرارات أو تشريعات مهمّة بسبب الخلافات الحادّة بين القوى الممثلة تحت قبّته، وحتى بسبب التدخلات والضغوط الخارجية كما هي الحال بالنسبة لقانون الحشد الشعبي الذي ظلّت أحزاب وفصائل شيعية تدفع نحو إقراره دون أن تنجح في ذلك، بسبب ضغوط أميركية على بغداد لعدم تمرير القانون الذي رأت فيه الولايات المتّحدة الأميركية تمكينا للميليشيات في مؤسسات الدولة العراقية وهياكلها الرسمية.


ولا تزال القوى الرئيسية الممثلة في البرلمان العراقي تحاول قبل أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات إنعاش المجلس شبه الميت وتمرير البعض من التشريعات والقرارات المتراكمة التي تعذّر تمريرها على مدى الفترة الطويلة المنقضية من مدّته القانونية.

وكشف عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية حسين العامري عن سعي الإطار التنسيقي الجامع لأبرز الأحزاب والفصائل المسلحة المشكلة للحكومة العراقية الحالية والممثلة بقوة في مجلس النواب لعقد جلسة نيابية لمناقشة وتمرير قوانين وصفها بالمهمة.

وقال متحدّثا لوكالة شفق نيوز الإخبارية إنّ من بين القوانين المزمع تمريرها قانون الحشد الشعبي، علما أن هذا القانون تعثّر إقراره وتمّ في وقت سابق سحب مشروعه من مجلس النواب باتفاق بين رئاسة المجلس ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة القضاء حفاظا على المصلحة العليا للبلاد في إشارة إلى تجنّب إثارة حفيظة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وعلى هذه الخلفية يبدو القانون فاقدا لإمكانيات تمريره، وتغدو بذلك إعادة طرحه وإثارة الجدل بشأنه عملا شكليا لنفض الغبار عن رفوف مجلس النواب المعطّل.

ومثّل ضعف الأداء التشريعي والرقابي سمة مميّزة للبرلمان العراقي الحالي الذي شهد خلال دورته هزات مست بمصادقيته وهزت ثقة الجمهور في العملية الديمقراطية ككل.

وصرف نواب المجلس وكتلهم الكثير من وقتهم لمعالجة قضية إجرائية شكلية استغرق حلّها قرابة السنة وتمثلت في اختيار رئيس جديد للبرلمان خلفا للرئيس محمد الحلبوسي الذي تمت إقالته من المنصب لأسباب سياسية تم إيجاد صيغة قانونية لها، حيث لم يتمّ التوافق على تعيين محمود المشهداني بعد إقالة الحلبوسي في نوفمبر 2023 سوى في الشهر نفسه من سنة 2024 بعد صراعات شديدة وعراك بالأيدي تحت قبة المجلس وتعليق جلسات وإلغاء أخرى، لينتهي الأمر وكما هو معتاد في العملية السياسية الجارية في العراق، إلى عقد صفقات سياسية تضمنت إجراء مقايضات وتبادل مصالح.

وتوصف حصيلة مجلس النواب العراقي في تشريع القوانين وإنجاز الأعمال الرقابية بالضحلة، حيث لم يتمكنّ المجلس سوى من تمرير عدد محدود من التشريعات بعضها هامشي وقليل الأثر على واقع البلاد وسكانه إن لم يكن ذا تأثير عكسي باتجاه إضعاف وحدة المجتمع وإذكاء النعرات الطائفية والعرقية داخله، على غرار إقرار عطلة يوم الغدير التي تخلّد ذكرى دينية خاصة بأنباء المكوّن الشيعي دون غيره من المكونات، وأيضا تمرير قانون الأحوال الشخصية الذي وصفه البعض بـ”الفضيحة” الحقوقية لما انطوى عليه من تراجع عن حقوق المرأة والطفل.

وتأخذ محاولة تمرير أي قانون من قبل البرلمان مددا زمنية طويلة بسبب كثرة الجدل والخلافات التي تدور عادة على خلفية مصالح الجهات الممثلة في البرلمان وتوجهاتها وانتماءاتها العرقية والطائفية.

ورغم أنّ برلمان العراق هيئة منتخبة، إلاّ أن ذلك لم يحصّنه ضدّ داء المحاصصة الذي يعانيه النظام العراقي ككل والذي حوّل عامل التوافق بين المكوّنات من أساس للتعايش السلمي إلى سبب لتعطيل مصالح الدولة وشلّ مؤسساتها.

كذلك توصف حصيلة عمل البرلمان الحالي في المجال الرقابي بشبه الخاوية. ويرجع ذلك إلى علّة المحاصصة نفسها التي تجعل المناصب القيادية في مؤسسات الدولة بما في ذلك مناصب الوزراء بمثابة حصص ثابتة للأحزاب والمكونات الطائفية والعرقية يتعيّن حمايتها في كل الظروف وبالتالي تحصين هؤلاء المسؤولين من المساءلة، وهو ما يجعل الإطاحة بمسؤول كبير مسألة نادرة في العراق وتتم في ظروف خاصّة كأن تنجح كتلة تابعة لحزب أو مكوّن في تأليب كتل أخرى ضد هذا المسؤول أو ذاك على خلفية صراعات معه أو مع حزبه، وعند ذلك لا تكون المآخذ على أدائه سوى ذريعة لاستبعاده.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

816 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع