الذكرى الخامسة والسبعين لوفاة ملكة العراق الملكة عالية رحمها الله

بقلم: صفوة فاهم كامل
شهدت العاصمة الأردنية الهاشمية عمّان، لقاءً جمع نخبة من أبناء الجالية العراقية استحضروا فيه ذكرى وفاة ملكة العراق المغفور لها الملكة عالية بنت الملك علي، بعد مرور خمسة وسبعين عاماً على رحيلها. وأقيم اللقاء في قاعة الملتقى العراقي للثقافة والفنون، وافتُتح الحفل بقراءة سورة الفاتحة على روحها وأرواح أفراد العائلة المالكة في العراق، ثم قدّم الكاتب صفوة فاهم كامل مراجعةً لسيرتها العطرة، مستعرضاً محطات من حياتها القصيرة منذ ولادتها عام 1911 وحتى وفاتها في 21 كانون الأول/ ديسمبر 1950. وامتزجت الكلمات بالصور الوثائقية التي عُرضت على الشاشة، وتجاوز عددها الثمانين صورة، لتعيد رسم ملامح حياة قصيرة لكنها مفعمة بالرمزية والدلالات الصادقة.

شارك في تقديم الحفل الإعلامي القدير الأستاذ وهاد يعقوب، مضيفاً على المناسبة طابعاً من الوقار والاحتفاء.
يُذكر أنه خلال فترة العهد الملكي وما تلاه من عهود، لم يُسجَّل في العراق أو خارجه أن أقيم احتفال أو تأبين لهذه الملكة النقية. لذا كان هذا الاحتفال سابقة فريدة، ومبادرة مضيئة كسرت صمت السنين، وأعادت إلى الذاكرة وجهاً ملكياً غاب طويلاً عن صفحات التاريخ ووقفة وفاء صادقة تُعيد للملكة عالية بعضاً من حقها في الذاكرة وتمنح سيرتها المكللة بالرمزية والحزن مكانها الذي تستحقه بين المراثي والذكريات.
غير أن فرادة الملكة عالية لا تكمن في المأساة وحدها بل في نسبها الشريف والفريد وسلسلة الملوكية التي أحاطت بها؛ فهي سليلة الرسول الأعظم محمد ﷺ، وأمها ملكة (الملكة نفيسة)، والدها ملك (الملك علي ملك الحجاز)، وعمّها الأول ملك (الملك فيصل الأول ملك سورية والعراق)، وعمّها الثاني ملك (الملك عبد الله ملك الأردن)، وزوجها ملك (الملك غازي ملك العراق)، وابنها ملك (فيصل الثاني آخر ملوك العراق) وهي ملكة (أول وآخر ملكة للعراق). مشهد نادر في تاريخ الممالك يظل شاهداً على خصوصية هذه العائلة.
والملكة عالية توفيت عن عمرٍ لم يتجاوز التاسعة والثلاثين وهي في عنفوان الشباب، وقبل ذلك ودّعت زوجها الملك غازي في حادث مأساوي أليم وهو في السابعة والعشرين، ولم يجلس على العرش سوى خمس سنوات، وبعد ذلك غاب ابنها البريء الملك فيصل الثاني الذي لم يذق طعم الحكم إلا خمس سنوات ليُغتال وجميع أفراد الأسرة الملكة في انقلاب دموي عبثي وهو ابن الثالثة والعشرين.
سلسلة من الفقدان المبكّر جعلت سيرتها وسيرة هذه العائلة أشبه بمرثية متواصلة.
عاشت الملكة عالية منذ صباها وحتى وفاتها المبكرة بثلاث محطات حفرت في قلبها آثار الأسى والحزن: أولها فقدان والدها الملك علي عرشه في الحجاز وهي في الرابعة عشرة من عمرها، واضطرارها للانتقال مع العائلة إلى بغداد. الثانية فجعها بوفاة زوجها الملك غازي وهما في بداية حياتهما الزوجية والملوكية. والثالثة إصابتها بمرض عضال عجز الأطباء في بغداد ولندن عن علاجه، ولم يمهلها سوى أشهر قليلة، فغادرت الدنيا تاركةً خلفها طفلاً يتيماً بعمر خمسة عشر عاماً.
وفي المقابل، مرّت الملكة بلحظتين من الفرح والسرور: الأولى زواجها المفاجئ من الملك غازي، الذي كان أولى زيجات أسرة الملك علي. والثانية ولادة ابنها البكر وولي عهد العراق الأمير فيصل، التي كانت فرحة غامرة للعائلة المالكة بأسرها.
ومع ذلك، لم تدم تلك اللحظات طويلاً، ولم تنعم بها كامرأة شابة وأم حنون وملكة قدّيسة، كما هو مألوف في سُنّة الحياة الطبيعية، إذ غادرت الدنيا في الساعة العاشرة والربع من صباح يوم الخميس الحادي والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر عام ألف وتسعمائة وخمسين، وقد وافق يوم رحيلها مع ذكر المولد النبوي الشريف في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1370 للهجرة.
رحم الله الملكة عالية، وأفراد العائلة المالكة في العراق، وجميع الراحلين من العائلة الهاشمية الكبيرة، وأسكنهم فسيح جناته، وحفظ الله من بقي منهم على قيد الحياة، وأسبغ عليهم نعمة الصحة والعافية، وأدام عليهم السكينة والوقار.

1077 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع