الشرق الأوسط/بغداد: أفراح شوقي:على الرغم من حداثة تجربة الخزافات العراقيات، التي بدأت تتبلور بعد ظهور ثلاث جماعات فنية أساسية معروفة في بدايات تشكيل هذا الفن ومع تأسيس أول فرع للخزف في معهد الفنون الجميلة عام 1954 لكن نسبة الخزافات بقيت منخفضة حتى اليوم، وهي لم تتجاوز 2 في المائة من مجموع الخزافين في العراق، والأسباب كثيرة تقف في مقدمتها صعوبات العمل وتعدد مراحله وعدم استقرار الأوضاع الأمنية، وغيرها مما سبب شحته وبالتالي انحسار العاملين فيه.
ومن بين الخزافات الشابات اللواتي حاولن إضافة بصمة لفن الخزف العراقي ولفتت انتباه الجمهور لها الخزافة العراقية زينب الركابي التي تفصح عن جمال عالمها الخاص عبر أعمال فنية ابتعدت فيها عن الواقعية التقليدية وفضلت عليها ابتكار القيم الجمالية والإبداعية وهي تبحث بين تفاصيل التراث البغدادي والبيوتات والمساجد والأزقة الشعبية متقنة بث الروح والحيوية في الطين الذي تستخدمه على الرغم من صعوبات العمل وتعدد مراحله، وهي تعترف أن فن الخزف في العراق لم يأخذ مكانته التي تليق به داخل الحركة التشكيلية لأسباب كثيرة.
تقول زينب في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «درست فن الخزف في مخزف مديرية التراث الشعبي، إحدى دوائر وزارة الثقافة العراقية، وشاركت بعدها في الكثير من النشاطات الجماعية التي أقيمت على قاعات دائرة الفنون منذ عام 1997، وحصلت على عدد من الشهادات التقديرية، وقد بدأ حبي للخزف والطين منذ أن عرفت معنى الفن، وشاهدت أعمالا خزفية، وكان حلمي الكبير أن أدرس الخزف، حيث دخلت معهد التراث الشعبي عام 1993، ومنذ ذلك التاريخ بدأت خطواتي الأولى في عالم الخزف الجميل، وهو يشكل تاريخا وحاضرا ومستقبلا، فهو أقدم ما استخدم الإنسان منذ القدم، وهو فن للتعبير عن الذات، حيث تتطابق عناصره وأشكاله مع وضعي النفسي ونموي الفكري لتجسد إحساسي للخروج بالمنجز بصورة نهائية، وهو أيضا مجموعة رؤى وتجارب وهواجس، ومعالجة ذاتية للروح، حيث يملك قدرات لإخراج سلوك وثقافة وأفكار بهدف الارتقاء بالحواس، وتوسيع الآفاق والرؤية الفنية».
وعن خطابها الخاص في أعمالها الفنية، قالت: «حاولت التعبير عن مشاعر الإنسان بهمومه، ومعاناته، وآماله، وأحلامه عبر أعمالي الخزفية، ورغم أن فن الخزف، كان ضمن دائرة الفنون التطبيقية التي قد تتصل بالإنتاجية النفعية أكثر من اتصالها بالفنون الجميلة، فإن هذا المفهوم قد تغير نسبيا، إذ إن فن الخزف، وعبر العصور الغابرة كان يستخدم كوسيلة نفعية، إلا أنه وفي كثير من الأحيان نراه يظهر ضمن المعابد، ويستخدم لغايات دينية وتعبدية روحية، وهذا المفهوم لم يقتصر على وادي الرافدين فقط بل تعداه إلى النتاجات الخزفية سواء في وادي النيل أو في الحضارتين الإغريقية والرومانية، فعلى سبيل المثال نرى الفرد الروماني، وهو يودع شخصا مقربا إليه في المدفن، يقوم بوضع أوانٍ فخارية، وقد رسمت عليها أشكال آدمية تعبر عن مغزى إنساني أو طقس جنائزي، ومن هنا فإن فن الخزف، وعلى مر العصور قد سار في اتجاهين، أحدهما نفعي إنتاجي يرتبط بحياة الفرد المادية، والآخر جمالي فني يرتبط ويلبي متطلبات الإنسان الروحية».
وعن توجهاتها التجريدية، والمفاهيم البنائية الجمالية للفن التجريدي، تقول: «اتجهت إلى التجريد كونه أبلغ في التعبير عن دواخلي، أما عن المفاهيم البنائية والسمات الجمالية للفن التجريدي فبنية الفن التجريدي بصورة عامة تعتمد على الاختزال، والابتعاد عن معطيات الشكل الواقعي، فهو رحلة نحو الداخل والباطن، وما وراء الشكل الواقعي، فقد اكتفى الفنان التجريدي من الإيغال بالشكل الواقعي وتفاصيله المرئية، وذهب يبحث عن حقيقة جوهر الأشياء. وعموما، فإن الفن التجريدي مهما حاول الابتعاد عن الشكل الواقعي، إلا أنه لا يمكن أن يخرج عما هو موجود في الواقع، ولو بجزء بسيط، إذ لا يوجد شيء من لا شيء، إلا أن النقطة الجوهرية في الفن التجريدي هي عدم محاكاة الواقع، والاتجاه نحو الرمزية والشكلية في الفن».
وأكدت الركابي أنها تسعى إلى إيجاد علاقة متوازنة بين الموروث من جهة، والحداثة من جهة أخرى، عبر التوازن الذي يمكنها من رؤية التراث والاستفادة منه بقدر وحذر ووعي، وربط الموروث الإبداعي والثقافي لأنه شرط أساسي في إقامة الركائز التي يبني عليها الفنان المعاصر ما يبدعه من فن، ليكون أرضية لخلق كيان فني جديد برؤية عميقة واعية قادرة على كشف ما في التراث من قيم وأسرار يصوغها في أعماله المختلفة بشكل خلاق مميز ليقدم أعمالا مبتكرة ومعاصرة، توضح شخصية هذا الفنان المعاصر.
وعادت لتقول «إن الحروب والأزمات التي اجتاحت البلاد انعكست بشكل كبير على المشهد التشكيلي العراقي لكنها في ذات الوقت مكنته من الوصول إلى عوالم جديدة ومكتشفات يدون بها بين فضاءات إبداعه، ويسخر كل هذه الممكنات للوصول إلى عوالم جديدة ومغايرة في المشهد التشكيلي، ليظل مستمرا في إقامة المعارض والنشاطات والندوات والمحاضرات».
وحول التقنيات التي وظفتها الركابي في منجزها الخزفي، قالت: «الخزف من الفنون التي تلعب التقنية الدور الرئيس للتحكم في إمكانات الإبداع فيها، ودون هذه التقنية لا يمكن لأي خزاف أن يطرح أفكاره وأحاسيسه. وبالنسبة لي، فقد استخدمت التقنيات المتاحة من الزجاج اللامع، والزجاج المعتم (الخالي من البريق)، وأيضا التحكم بدرجات الحرارة للحصول على سطوح خزفية ذات درجة لونية وملمس خاص، والعمل الخزفي عموما يحمل مضمونا تعبيريا، ومعاني جمالية، وفلسفات عدة يعتمد فيها على شخصية الخزاف، وبيئته وثقافته كباقي الفنون التشكيلية، فهو مرآة صادقة للتعبير والتأثير».
وحول هاجسها الفني، ومكانة فن الخزف في الحركة التشكيلية العراقية، قالت: «ما زلت أبحث عن خصوصية وأفكار وتقنيات جديدة، فتجربتي لا تزال في بدايتها، وهي بالتأكيد قابلة للتطوير والاستمرار، والبحث والعمل، وفن الخزف لم يأخذ مكانه الذي يليق به داخل الحركة التشكيلية في العراق، لأنه ما زال هناك خلاف حول ما إذا كان الخزف وظيفيا أم جماليا، بالإضافة إلى أن المنجز الخزفي يتطلب مراحل عمل متعددة من تهيئة الطين، وحتى حرق الزجاج، وهي متطلبات غير متاحة في الوقت الراهن».
709 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع