* نشأ في حلقات المساجد ببغداد، وتلمذ على يد محمود شكري الالوسي وعبد الوهاب النائب وعد الجليل آل جميل ونجم الدين الواعظ.
*بدأ يقرأ لكتاب عرب في الشام ومصر في صحفيا وعملائها، واقتحم ميدان الصحافة لأول مرة وعمره (17) سنة في جريدة "ما بين النهرين" و"النوادر" و"النهر".
* اصدر عام 1913 في 25 نيسان مجلة اسبوعية اسماها "شمس المعارف" لم يصدر منها سوى اثنى عشر عددا فقط. فانتقل الى مجلة "الرياحين" الشهرية ليتولى رئاسة تحريرها وكان صاحبها الشاعر ابراهيم منيب الباجه جي وصدرت في 27 اذار عام 1914 الا انها تعطلت عند اندلاع الحرب العالمية الاولى. كما القي القبض عليه عام 1915 ونفي مع الوطنيين الى الاناضول الا انهم اكتفوا بارساله الى سجن الموصل حيث مكث هناك اربعة اشهر. واصيب بصدمة ولم يمض على الصدمة الاولى اشهر بعد ان قضى مرض الطاعون على ابيه وامه وجدته في ثلاثة ايام فقط.
* عرف ابراهيم بمعارضته الشديدة لحزب (الاتحاد والترقي) الحاكم في البلاد، وكان لنفيه للموصل هو الثمن الذي دفعه لارائه الحرة وهو لما يزل شابا يافعاً.
* وبعد انحسار مد الاتحاديين، وبعد ان طوت سنوات الحرب احزانه عاد فاصدر في 2 كانون الاول عام 1921 مجلة "الناشئة" شهرية جامعة، وقد كتب في عددها الاول يقول:
"ان الفكرة الباعثة الى انشاء هذه المجلة انما هي خدمة الناشئة الجديدة بكل ما يفيد نشره ويحسن ذكره من مقالات اجتماعية وفوائد تهذيبية وفنون جديدة وشئون مفيدة وغير ذلك من العبر والعظات والشوارد والشذرات – لعلمنا بحاجة البلاد – والبلاد في اول نشأتها الى مثل هذه المباحث التي تزيد في تربية العقول وتغذية النفوس وتسمية العواطف. وفي هذا الجزء، مثال من خطتنا في المستقبل يغني عن الوعود التي اعتاد الصحفيون ان يكثروا من ذكرها في مقدماتهم، حتى غدت من الاشياء التافهة التي فلما يهتم بها القراء. ومعاذ الله ان تظهر في غير مظهرنا لندعي الكمال في هذه النشرة الصغيرة.. وانما نحن نعمل بكل ما فينا من قوة وما يبراعنا من مادة على ان نتقدم في التحسين من طريقة النشؤ والارتقاء، وهي امثل طريقة عرفها العلم حتى اليوم..".
* لم تصدر الناشئة اكثر من ثلاث مرات، اذ كان عددها الاخير في شباط 1921 ويعود السبب الى "المادة" والخسارة التي تعرض لها حيث كتب في الصفحة الاخيرة من كل عدد يقول:
"ان المجلة مهما كانت عظيمة في الشرق لا تستغني عن المناصرة. وان المجلة التي تراها تستحق المطالعة ضروري ان تناصرها.
وانك اشتركت في الناشئة لانك رأيتها كذلك.
وان احسن واسطة لاظهار مناصرتك لها هو ان تدفع بدل الاشتراك سلفا".
* عاود مرة ثانية تجربته، فاصدر في 27 كانون الاول عام 1922 جريدة اسبوعية اسماها "الناشئة الجديدة" حيث دخل المعترك السياسي واتجه الى النقد السياسي، وكتب ملاحظاته وعواطفه، "وكان ذلك يثبت اسلوبا جديدا في الصحافة العراقية وصفه الباحثون انه كان رائدا فيه من خلال رسم الصورة باطار انيق ولغة مختارة".
* وقد جاء بجديد في الصحافة العراقية بما تنشره مجلته من احاديث بيئة الكاتب يملؤها بالاوصاف المبتكرة، والتصاوير المهولة بالاشخاص والاحداث، مما جذب نظر السياسيين، او الذين عالجوا السياسة في بلادنا..
ومن امثلة كتاباته تحت باب "معرض المشاهير" الذي استحدثه في جريدته المذكورة، هذه الصورة القلمية لرئيس الحكومة عبد الرحمن النقيب، حيث يقول: "فاذا صوب الداخل نظره الى صدر البهو، رأى شيخا في الثمانين من عمره جالسا على سرير فاخر تبعث منه كهرباء المهابة والجلال وتلوح على محياه امارات العظمة والامارة. فاذا جلس رأي من حسن الاستقبال وجمال الحديث ما يمثل امام عينيه ادب النفس وحسن البيان..".
* تعرضت "الناشئة الجديدة" للتعطيل الاداري في 22 كانون الثاني عام 1922 بعد صدور العدد الرابع لمدة اربعة اسهر. وفي 15 حزيران، اي بعد صدورها باسبوعين، اوقفها بسبب الاعتداء "الشخصي" الذي تعرض له على يد الاشقياء المحرضين من قبل بعض الساسة العملاء. فنشر ايضاحا عنيفا اعلن فيه توقف الجريدة عن الصدور، ثم عاد فاصدرها في 26 تشرين الاول من العام المذكور حتى 29 كانون الاول، اي لمدة شهرين.
* وبعد ان كانت تغلب على الجريدة صيغة الادب والاجتماعيات تحولت الى السياسة واندفعت تكافح في ميدانها الوعر المسالك، وصار رجال السياسة الاذكياء يغرون الصحفي الكاتب ويوجهونه وفق ما يشتهون .
* اثناء توقف الجريدة عن الصدور، اصدر بالاشتراك مع رفائيل بطي العدد الوحيد من جريدة (الربيع) في 2 ايار 1924 .اما جريدته "الناشئة الجديدة" فقد توقفت عن الصدور نهائيا في آب عام 1925.
* كان ابراهيم شكر، يشكو الخصاصة والحرمان، وقد دفعته ظروفه الصعبة الى قبول الوظيفة الحكومية مرغما، حيث عين بادئ الامر مديرا لتحريرات لواء الحلة، ثم وكيلا لمدير ناحية شهربان فمديرا للناحية عام 1926. الا انه استقال لشدة حنينه الى الصحافة، وعاد الى بغداد ليصدر جريدته "الزمان" في 11 تموز عام 1927 ويتفرغ كليا اليها مقتحما ميدان العمل السياسي من خلال سطوره ومقالاته اليومية، وفي صدر صفحتها الاولى لعددها البكر يقول:
"لست الا رجلا صريحا اخاطب الناس بما تجيش به نفسي، فاحمل بوق الحق لاطرب روحي بسماعها وان اصطكت منه الاسماع وذعرت منه النفوس.
وفي المجتمع مضللون لهم صحف يضيق بها الحصر. وفي البلاد دجالون ماهرون لا يحصى لهم عد. وفي الوطن نصابون بارعون في النصب والاحتيال. اذن فالجمهور لا يحتاج لأن اجعل هذه الجريدة وسيلة الى التضليل او التدجيل او الاحتيال ما دمت لست ماهراً في هذه (الاخلاق المألوفة) واذن فاني معذور اذا لم انشر في هذه الجريدة ما اعتاد الناس مطالعته في الصحف (المرتزقة) واذن فهذه الجريدة (مني والي).
* في 21 تشرين الاول، بعد صدور "الزمان" بثلاثة اشهر، عطلتها وزارة جعفر العسكري لمدة شهرين، وعادت الى الصدور في عهد وزارة عبد المحسن السعدون الا انها تعرضت للتعطيل الاداري مرة ثانية ومصادرة عددها الصادر في 18 ايار 1928 على اثر مهاجمته حكومة السعدون لتدخلها في الانتخابات النيابية انذاك. ثم اصدرها ثانية في 26 آب من العام المذكور ليهاجم الحكومة هجوما عنيفا، فلم تلبث السلطة ان عطلتها بعد صدور ثلاثة اعداد فقط والغت امتيازها.
قال في احد اعدادها:
"يرحمك الله يا علي يوسف، فقد اصدت "المؤيد" في عهد الظلمة في مصر، فكنت كانبها وكنت موزعها وهكذا الى ان اصبحت المؤيد اكبر جريدة في مصر، انني الان ماض على اسلوبك في المؤيد، اصدر "الزمان" واكتب فصولها وحتى محلياتها.. فانا اطبع الزمان بالدين، واشتري الورق وليس لي ادارة فالمقاهي والفنادق هي الادارة التي اكتب فيها الزمان، ومع كل هذا، فانا غير آسف وانما مغتبط بهذا العمل.
* وقد سلم ابراهيم فيما بعد جريدته (امتيازا) الى رفائيل بطي ، اذ قام باصدارها عوضا عن جريدتي الشعب والجهاد المعطلتين ونشر في صدر صفحتها رسالة من ابراهيم الى رفائيل يقول فيها:
* اخي رفائيل: هذا صريع في ميدان الكرامة، يلقي السلاح وهو مثخن بالجراح، ولكنه لا يئن. ولا يتلوى من الالم، فانينه صامت. والامة خرساء.
وهذا بلد موبوء، لا يستقيم العمل فيه، لمن تمكنت في نفسه تقوى الوطن، واعتصم باسباب الشرف وواجب الاباء.
وهذا شعب ساذج غلبت عليه الشقوة فهو ضعيف الذاكرة، كثير النسيان، لا يتفهم الواجب، ولا يتذكر الاساءة.
واذن فالانزواء في "معاقل الاسر" خير من الامراح على هذه الرقعة السبخة الوعرة، وانا لله وانا اليه راجعون!
فبعد.. فان "الزمان" جريدة، اني اصدرتها لاجعل منها "الشعلة المقدسة" التي تستنير بها الكرامة الوطنية، في هذا البلد الحالك السواد، وبين هذا الشعب المتخبط في ظلمات العروف والحوادث، فتظافرت الوزارات المتعاقبة على اطفائها، المرة تلو المرة، الى ان نضب الزيت، واستحالت الذبالة الى رماد!
فاذا ابحث لك الان التصرف في "الزمان" فانما ابيح لك التصرف في "شعلة منطفئة" فاذا وجدت في رمادها نارا فذر هذه النار تتمشى في الهثيم الى ان تلتهم الاخضر وتتناول الاكواخ والقصور، فخير لك ان تحرق قبل ان تحترق، فيشمت بك، واياك ان تتخذ مني قدوة. "ولدي وان كنت بالروح" فاني رضيت لنفسي "الاحتراق" من حيث لم استطع انارة العميان والسلام عليك ورحمة الله وبركاته."
* في 8 تشرين الاول عام 1928، وبعد ان هدته الحياة في بغداد وهو عاطل مكبل لا يقوى على الافصاح عن ارائه، ولا يستطيع ان يسد رمقه بشغف العيش، سافر الى دمشق وبيروت والقدس والقاهرة بحثاً عن الرزق وتعشقا. ومنشدا الوطنية للحرية.
* وفي دمشق، حاول اصدار جريدة باسم "الفرات" حيث كتب الى احد اصدقائه رسالة خاصة يقول فيها:
" في بداية العام الميلادي الجديد (1928) تصدر الفرات حافلة بما يسر الاصدقاء وان بعثت الحنق والغيظ في صدور الاعداء فهي سوف لا تغادر صغيرة او كثيرة الا احصتها واشارت اليها. وكذلك ينفجر البركان بعد الضغط وكذلك يصول الكريم اذا اضطهد وكذلك يكون تأديب الذين لا يخافون الله في الامة والبلاد.
مقدمة "الفرات" هذا عنوانها:
الفرات، صحيفة الثورة العراقية صدرت في النجف عام 1920 وتستأنف الصدور في دمشق عام 1929 والاحتلال الانكليزي ما زال في العراق المستقل.".
ثم يرسم منهاجه الصحفي بسلسلة من المقالات، ولكنه لم يصدر "الفرات" كما كان ينوي لأسباب عديدة اهمها "ألحاجة" المادية اولا وعدم تفكيره بالاستقرار في دمشق لاجئا سياسياً.
* ومن دمشق ايضا، كتب هذه الرسالة: يرد فيها على ما نشرته جريدة "بغداد تايمس":
".. اما انني تركت العراق ولي خطة معينة فذلك ما لا ريب فيه، ولكنها ليست خطة "خيالات واوهام" كما توهمت "البغداد تايمس" وانما هي خطة عملية يغتبط بها المخلصون في العراق، وتطمئن اليها الكرامة الوطنية في وادي الرافدين.
وسوف تتجشم "البغداد تايمس" مصاعب تعنيدها والتهجم عليها، شأنها في كل خطة تعمل على اظهار الفشل الذي منيت به السياسة الانكليزية في بلاد العرب، ولا سيما في العراق، وان سكنت في هذه الايام الى بعض مطايا الاستعمار، اولئك الذين تعودوا ان يماشوا السلطة مهما كانت، ومهما تكون.".
* لم تطب له الغربة، وقاده الحنين الى الوطن ثانية ليصدر في 29 كانون الاول عام 1929 بالاشتراك مع عبد القادر اسماعيل جريدة "المستقبل" سرعان ما انتقل الامتياز باسمه بعد صدور بضعة اعداد، وكانت انذاك من اجرأ الصحف الوطنية ذات صبغة يساريه فتعرضت للالغاء في 27 حزيران عام 1930.
* بعد رجوعه من دمشق، وقبل اقتحام ميدان الصحافة ثانية، ارسل في طلب امتياز صحفي جوبه بالمعارضة من قبل السلطات، فما كان منه الا ان يكون شريكا في الجريدة المذكورة (المستقبل) حتى اذا ما اطمئن الى صدورها، تحول الامتياز باسمه، وسخر قلمه لخدمة قضايا الشعب كما عهده الشعب كاتباً سياسيا وناقدا لاذعا لمساوئ الامور، ووطنيا مخلصا لمصير بلده وامته الصاعدة.
* ولم يلبث ابراهيم طويلا في اصدار (المستقبل) فتولى رئاسة تحرير جريدة (اليقظة) لصاحبها سلمان الصفواني لتعوض عن مشاركي الجريدة الملغاة. وعند تعطيل الاولى، انتقل الى رئاسة تحرير جريدة (الاماني القومية) لصاحبها عبد الوهاب محمود.
* سجن للمرة الثانية لمدة اربعة اشهر قضاها في سجن بغداد المركزي على اثر نشره مقال (حفنة تراب على مرقد الباجه جي مزاحم الامين) في جريدة (الاماني القومية) وكان مديرها المسؤول المحامي عبد الرزاق شبيب في ايلول 1930.
* وبعد خروجه من السجن، تهيب اصحاب الصحف في اشراكه بتحرير جرائدهم، ولاحقته الظروف المادية الصعبة، فما كان منه الا ان يقبل الوظيفة ثانية ليسد رمق عائلته، وعين مديرا لتحريرات لواء بغداد. ولكنه سئم الوظيفة وقدم استقالته المشهورة التي تعتبر من اروع ما كتبه هذا الكاتب الفذ في دنيا الصحافة انذاك، وذلك في 23 كانون الثاني عام 1931. وجاءت تلك الاستقالة على الشكل التالي:
(صاحب السعادة المحترم متصرف لواء بغداد)
تحية واحتراما:
وبعد فان عصامية وثبت من مكامن الكرامة، في اروع صور الجلال.
وفي انبل عواطف الاخلاص فكانت سراج السمم. ومصباح الاباء. وما زالت ملتمسة على حاوشي الايام وصفحات الحوادث. منذ (شعر الاتحاديين) حتى استيراد (الجندي الصغير).
هذه العصامية اللامعة الوضاءة لا تطفؤها انابيب العصبة الغادرة ولا تمن بالكيد الخبيث الساقط. وانما تظل مشعة ساطعة الشعاع، فنورها مستعد من تقوى الوطن. وايمان العقيدة المخلصة المطمئنة. ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره (الخائنون).
هذه العصامية المؤمنة المطمئنة ما زالت ولن تزال تغني انشودة المجد في احرج المواقف الخطرة. وتنشد لحن الكرامة. في اخطر الظروف الصعبة فاذا عبس الحظ. وتكدر العيش. وتجهمت الحياة راحت باسمة الوجه. هادئة الضمير. مطمئنة النفس مهمتها في الحياة مقارعة الصعاب. ومنازلة الكوارث والعمل على ما يرضى امجاد البلاد وضمير الواجب الوطني.
هذه العصامية المخلصة الانية. لا تسف الى المباءات الاهلة بالحشرات والجراثيم. فتجاري اعداء البلاد وصنائع (العانس الشمطاء) المترجلة بين "اشباه الرجال" وانما هي تمكنت في العلياء المنيعة. تجاري كبرياء الوطنيين. وتصانع كرامة الشعب، وتمهد للمبادئ السامية، وتكافح في سبيلها. غير ابهة لفحيح الصلال السامة. وغير ملتفته لعواء الذئاب المسعورة.
تلك عصامية انعم الله علي بها. فاذا حدثت عنها فبنعمة الله احدث فنحن انما نعيش في بلد يتطلب الافصاح من خدمته يكنون ويضمرون بعد ان اصبح الخائن بتبجح بخيانته، وراح الاثم يفاخر باثامه وبدت الرذيلة سافرة متبرجة. اذن فالغيارى معذورون اذا حدثوا بما افاء الله عليهم من نعم وافرة وكرامة سابغة.
اما البؤس والشقاء اما الفقر والفاقة. اما ذلك كله فلا بد منه في الحياة وهو خير من الثروة المسروقة والمال الحرام. والجاه الزائف. والمكانة الكاذبة ثم ان الجوع خير من التدني الى التقاط الفتات المتساقط من مائدة الاستعمار. اذن (فاني غني) رغم الفقر المدفع. والفاقة الساحقة.
لسن املك مالا ولست املك شيئا. وقد ترك لي ابي دارين اثنتين ملك الاولى بكد يمينه وورث الثانية من ابيه فبعثهما وعشت بالثمن فانا الان اسكن بالاجرة دارا صغيرة متهدمة. هي خير عندي من (القصور) التي اقامها السحت وشادتها الخيانة وسكن اليها الفجار.
وقد الفت العيش الشريف من الخدمة الشريفة في الصحافة الشريفة ولكن حكومة (الوضع الشاذ) عطلت جريدة (الناشئة) منذ سبع سنين ولما نزل معطلة ثم عطلت جريدة (الزمان) سنتين اثنتين كاملتين ثم عطلت "المستقبل" و"اليقظة" و"التجدد" ثم علمت انها واقفة بالمرصاد لاية صحيفة اصدرها مالم اجنح الى مهادنة السياسة الاستعمارية الغاشمة. او السكوت عن مطاياها. من المحسوبين على هذه الديار. وهم الد الخصوم.
والوزارات المتتابعة في هذه البلاد، انما تضافرت على تعطيل الصحف التي اصدرتها بعد ان جربت وسائل الاغراء، وبسطت لي كفها، بما عليه من كذ الفلاح. وتعب العامل، لاهادنها فقط فخابت في اساليبها المغرية واني في هذا الموطن ولهذه المناسبة اتحدى الوزارات. الوزارة تلو الوزارة والوزير بعد الوزير. وافخر بهذا التحدي ما دمت اعيش بين اناسي. يتعبدون المال ويهملون الكرامة.
وهذا نوري باشا السعيد الوزير الدائم في الوزارات المتتالية. ورئيس الوزارة لان. كان يلوح لي (بالنيابة) اذا هادنت وزارته فكنت الوح له بها عن طريق الشعب اذا جاءت. ولما عطلت صحفي الواحدة بعد الاخرى ولما سدوا في وجهي سبل الارتزاق النبيل. ولما لم يبق في يدي من اوراق الحياة. الا ورقة واحدة. هي (ورقة التوظيف) مسكتها..".
* وبقي ابراهيم بعد ذلك عاطلا عن العمل الوظيفي والصحفي حتى منتصف عام 1932، حين اضطر مجددا للعودة الى الوظيفة وترك الصحافة (مرغما) وتنقل بين شهربان وخانقين وتكريت وسامراء والفلوجة والصويرة والعزيزية بوظيفة قائمقام. كان اخرها في خانقين ثانية عند اندلاع شرارة الانتفاضة العراقية في ايار 1941. فابرق الى الصحف العراقية مؤيدا تلك الحركة.
* وكانت حصيلة برقيته الفصل ثم الحجز في قلعة صالح بعد ان فشلت الانتفاضة حيث مكث فيها اربعة اشهر ليسجل نقطة جديدة في سجل كفاحه السياسي الوطني وليدخل السجن للمرة الثالثة. وفي هذه المرة الم به مرض عضال لم يمهله طويلا اذ اصيب بداء السل الخبيث قضى عليه. في فترة قصيرة لم تتجاوز الستة اشهر منذ عودته الى وظيفة مدير مكتبة الاوقاف العامة ببغداد في كانون الاول عام 1943 ووفاته في 15 ايار عام 1944.
* ان ابراهيم صالح شكر، صحفي جريء وكاتب مرموق، واول ناقد سياسي استطاع ان يجعل من جريدته (الزمان) اول جريدة سياسية انتقادية شعبية وذلك بمادبجه من المقالات التي انتقد فيها بجرأة الاوضاع السياسية البالية انذاك، وتناول فيها الحكومات ورؤساء الوزارات المتعاقبين باسلوب قوي لاذع. لم يتلون او يتقلب لايمانه بقضية الشعب. وعزة نفسه ولهذا السبب عاش فقيرا ومات فقيرا واهله يشكون الفقر والخصاصة.
* تأثر بنتشه، وكان يعني بفخامة الديباجة، ولم يملك في حياته اي قاموس، ولم يكن خطيبا وان كان محدثا لبقا. له اسلوب متميز في الكتابة وهو اسلوب فخم ينم عن عواطف جياشة.
* تحمل آلام المرض بشجاعة حيث اصيب بالسل وكان يشكو التضخم في الكبد وضغطا واطئا في الدم والسكر وعدم كفاءة في القلب. وكان نزاعه وهو على فراش الموت طويلا، تحلى اثناءه بالهدوء والجلد وعدم فقدان الذاكرة.
* وصفه احد اصحابه فقال:
كان ربعة في الرجال الى الطول اميل لولا تراخ اصاب قوامه ووهن لحق نشاطه في اخريات سنيه، معتدل الجسم بين السمنة والهزال، عظيم الهامة، لا يكاد يجد لرأسه "سدارة" تكسوه الا بعد بحث مضني، نقي البشرة، اصفر الشعر، ياخذ شعر رأسه بمكانه متوسطة، لا يحلق لحيته حلقاً ولا يرسلها لتطول كثيراً فهي بين بين، واسع العينين ازرقهما، جميل الثغر، مفلج الاسنان، بروعك منطره ويعجبك مخبره، اذا امعنت النظر في خلقه شككت في كونه عربيا صريحا ينتمي الى (قيس).
مخطوطاته:
1- تاريخ حياة المتوكل على الله.
2- مذكرات حتروش من صحف الدفتر الأسود.
3- احاديث واشخاص.
4- تقي الدين – عن حياة احد الولاة العثمانيين في بغداد.
5- قلم وزير – قام بنشره السيد خالد محسن اسماعيل (1970).
من رسائله المنشورة:
الحياة ليست خبزاً فقط
الصويرة 12-4-1929
سيدي صاحب الفخامة ياسين باشا.
اجلال مشرق. واحترام صميم. وبعد فان وظيفتي هذه انما هي حاجة من حاجات الخبز وليست شيئاً آخر ثم ان الحياة ليست خبزا فقط. وقد زعم الفيروز بادي بان "الوغد من يخدم يأكل بطنه فقط" ولست وغداً ان شاء الله ولكني اخدم باقل مما يكفي للاكل وما انا ناقم من ذلك مادامت بعض اسباب الحياة تتطلب مني هذا الاسفاف الاليم.
ان فخامتكم تعلمون باني لم امت الى حزب من الاحزاب السياسية، ولكني اشايع الفضيلة في بعض رجال الاحزاب ولو شئت الحزبية لوجدتها في الحزب الذي يضم الشخصية التي لها في نفسي اعمق الاخلاص البريء.
وفخامتكم تعلمون من اريد بهذه الشخصية المتحرمة. انما انا اتمسك بالوفاء لاصادقائي واحرص على الصلة بهم.
وقد بلغني ان وزيرا من وزراء الدولة يتهامس عن صلتي بالمدفعي بك، ويتململ منها ومن المستحيل ان اجحد هذه الصلة او اتهاون في اسبابها فهي اخلاقي ولست ولله الحمد املك في الحياة غيرها.
ولكني اجل من ان اتخذ من وظيفتي وسيلة للقيام بواجبات هذه الصلة ومتى شعرت ان صديقا من الاصدقاء يتطلب في خدمة استطيعها فاني لن اتأخر عن التجرد من هذه الرسميات لأداء واجبي نحوه واني الان كذلك.
فاذا كنتم تعتقدون بان توظيفي لا يلائم الظروف الحاضرة، او انه غير مرغوب فيه من بعض الوزراء فاني حاضر لتنفيذ هذه الرغبة ولا اتطلب ايضاحا عنها انما تكفيني الاشارة الساذجة واني بما اقول رهين على ان تتفضلوا بقبول اخلص الاحترام.".
وقبل الوفاء بشهر واحد، وعلى فراش الموت كتب آخر رسائله وقد املاها على ولده البكر رياض وهو يخاطب فيها احد اصدقائه، اما تاريخها فهو (6 نيسان 1944).
"ان الالام ينبوع عذب ولكن (ذات الرئة) مرض وبيل وهو يلازمني منذ سبعة عشر يوما وها هي الشمعة تذوب والذبالة ترتجف، وما ادري اهذه الكلمات هي آخر ما امليها على ولدي رياض ام اني قادر على ان استقبل مشرق الشمس ومشهد الغروب في مستقبلي الملئ بالمحن والاكدار، وما ادري اتهز الفاجعة اخي الحبيب امين نخلة فينشد مرتبة الفجر في ماتم الشفق ام ماذا؟
اني سقيم.. وعندي مجموعة ثمينة من الامراض ما زال الطب في حاجة الى بحثها ولكن ذات الرئة انما هي انتفاضة الذبيح والشهيد.
فرقد لها مرقد.. لقد فات الوقت.. وانا اتساءل اواجد انا في الابد المجهول ما اقرأ؟
لقد ابتسم للنسيم وضحكت من العاصفة والان ابتسم ولها اضحك واضحك لئلا ابكي انني استقبل الموت ولكن اقبس من ضياء ام ومضة من نور ام هذه نعيي الى نفسي؟".
من المقالات الهامة في (وطنية) الزعيم الديمقراطي محمد جعفر ابو التمن
"المعلوم والمجهول"
ماض حافل باحسنات، ورجولة كلها شهامة، واخلاص يزينه الوقار وتفاخر به العروبة.
جاهد في سبيل الواجب ما شاء الجهاد الصادق المقدس، وناضل في سبيل بلاده نضالا اترع الواجب غبطة، وافعم البلاد حبوراً.
لقد وجد القوة الغاشمة ماضية في طغيانها فقام في وجهها، ووقف في سبيلها بعزمة صادقة، ونفس وثابة، فكان صخرة ارتدت القوة عنها، بعد ان ارتطمت بها، فتكللت جهوده تلك بالنجاح، وتم للبلاد ما قامت البلاد من اجله، وتفانت في سبيله، يوم كان "رواد المناصب" اليوم و"ابطال الزمن الاخر" يصانعون القوة، ويماشونها حبا بالعافية، ورغبة في السلامة.
***
ما وني، ولا تعب، وانما ظل يدأب ويسعى الى ان تعهدت الاسباب، وتحققت الرغبات في القسط الاول من شوط الحياة الذي قطعته البلاد في تلك الوثبة، وذلك الاستبسال.
اما خصومه الناقمون عليه جهاده، الواقفون له بالمرصاد، فقد كانوا يتربصون الفرصة التي تشفي العلة من نفوسهم وتروى الغلة قلوبهم وقد وجدوها في نفر استغلته الشهوات فكان عينا استدلوا بها على ما مكن لهم البطش به فبطشوا، لولا ان العقيدة الراسخة لا تزعوعها الحوادث ولا تؤثر فيها "الصدمات".
لقد شردوه عن الديار فتشرد يجوب الارض الجرداء والبادية الفاحلة – اما روحه فكانت متصلة ببلاده اتصال الارواح بالابدان.
وقد شاءوا ان يلوعوه في غياهب السجن فلوعوه – لولا ان نفسه كانت مطمئنة مما صيره اليه الواجب – وذلك مصير الابرار.
كان الموت رابضا له بين الدقائق والساعات، اما هو فكان يضحك هازئاً بالموت، ساخرا من ربضته.
والموت انما يتهيب شبحه غير الشاعرين بان الاستقلال انما يشيد على جماجم الرجال – اما هو فشعوره ذلك، ويرى في جمجمته دعامة قوية لما تنشده بلاده في الحياة – وما تنشده هو الاستقلال.
ولما هدأت العاصفة، وحانت ساعة العمل الدال على جدارة البلاد بحقها، ظهر افرد لابسون لباسا ما "فصل" لهم ولا خلقوا لن يلبسوه.
فقد كانوا "شوكة في اصبع" النهضة التي نهضتها الامة، وعثرة في سبيل قضية البلاد ، فاذن بهم "يتزعمون" واذن بهم عن البلاد "ينوبون" وباسم الامة يتكملون – وهكذا اختلط الحابل بالنابل، وهكذا ضاعت النسبة بين النابه والخامل، فجنح الى العزلة حذر الفتنة والزم نفسه الاصطبار على ما لا يتسع له الصبر.
***
"حثالة" من ضعاف النفوس ما عرفت البلاد عنها شيئا في ابان المحنة الا ما يجب الحذر عليه منها، تستثمر غفلة الناس عن مناقشتها الحساب، فتظهر بمظهر خلاب يستهوي الغفل ثم تزعم انها الاخر والاول ان ذلك لهو الاسف الممض.
و"متاع" من "فتات الموائد" "وسقط المتاع" ما شعرت به الامة في اوقات الخطر الا لتدل الناس على ما فيه من سم قاتل للشعور قاضص على المصلحة ولكنه ليس من التذبذب وردية زاهية الالوان فخدع بها القلوب الطيبة، ثم هو يتخذ "الوطن" احبولة لتتم له الخدمة، فينال ما تمنيه به نفسه الخانعة من جاه مصطنع، ومكانة مموهة – ان ذلك لمما يكسف وجوه المخلصين اسا وحسرة.
****
وقد شاء الاخلاص ان يبتعد ابنه البار عن هذه الفوضى فابتعد وقد شاء صاحب المواقف الباسلة ان يراقب ذلك عن كثب فراقبه، والحسرة في نفسه تتلوها اللهفة على سمعة البلاد التي يتعمد اولئك الاساءة اليها باسم الجمهور – والجمهور لا يعلم ما يريد به هؤلاء.
انها معذور على ابتعاده ذلك، لولا ان البلاد تجتاز ظروفا ما اجتازتها قبل الان، ولو لا ان "النفعيين" من "عبيد الشهوات"يريدون بالبلاد شرا.
اما وقد اعلنت "الغايات الخاصة" اما وقد ظهر زيف الذين لا ناقة لهم في البلاد ولا جمل. اما وقد اصبحت البلاد، والبعيدون عن مصالحها يريدون بها السير الى الدمار، فعلى المخلص ان يعلن اخلاصه ايضا، وعلى العامل في سبيل مصلحة الوطن ان يظهر عمله كذلك، فقد حان للبلاد ان تعرف المخلص من المنافق، وقد حان لها ان تعرف البررة من ابنائها و"الدخلاء" في بلادها من "سماسرة الترك" و"اذناب الاتحاديين" و"خدمة الاجانب" و"دعاة التفرقة" و"خصوم الوحدة".
ان الحالة الراهنة تتطلب وقفة حازمة، وان المروءة تستحث ابناءها على تلافي هذا النزاع، وان الواجب يقضي بنزع الاحقاد التي عرستها مطامع البعض. وان لذلك كله من عرفته الامة امينا في ابان الموت، ومخلصا في ساعات المحنة، ومجاهدا في اوقات الخطر.
ذلك هو صاحب الماضي الزاهر، والحاضر الفخر، والمستقبل الباسم محمد جعفر ابو التمن، وهل يخفى القمر؟
شذرات من مقالاته تحت عنوان:
"قلم وزير"
الجندي الصغير!
- هذا لقب "متواضع"اطلقه نوري باشا السعيد على نفسه، في الكتاب الذي ضمنه "منهاج وزارته" هذه وقدمه الى مليلك البلاد.
فهو "الجندي الصغير" منذ الف الوزارة الاخيرة، وهو "الجندي الكبير" في الوزارات الانتدابية، التي تعاقبت في هذا البلد الكثيب المعذب.
ثم انه "الجندي الاكبر" في كل وزارة اقدمت على اعنات البلاد "بالمعاهدات" التي يطمئن اليها الاستعمار الانكليزي الغاشم، ويتململ منها الشعب الابي الباسل.
وهل علمت شيئا من ماضي "الجندي الصغير"؟
وهل عرفت نوري السعيد من قبل ان يصبح (صاحب المعالي نوري باشا)؟
وهل عرفت (حضرته) من قبل ان يكون (فخامة) الجندي الصغير، او الجندي الكبير، او الجندي الاكبر؟
اظنك لم تعرف شيئا عن هذا وذاك، وانما تعرف ان صاحب المعالي بالامس، وصاحب الفخامة اليوم كان (الوزير الدائم) في الوزارات التي تألفت في (ظل الانتداب) المعقوت، ثم تعرف انه (بطل المعاهدات) التي تم للانكليز فيها ما شاءته سياستهم الجشعة القهارة، اذن فانت تعرف انه نوري باشا فقط ! اما انا فاعرفه المعرفة الواسعة، التي تتناول ماضيه المنسي وحاضره النابه، ومستقبله المجهول، فلحياته عندي (صحف منسية) و(سجل محفوظ)، فاذا طالعتك بها عرفت من هو نوري السعيد، واي حياة له في هذا البلد المبارك! ولك ان تطالبني بما يجوز التبسط فيه من (حياة الباشا السعيد)، ولي ان اقص عليك ما استطيع التبسط عن ذلك.
اذن فارعف سمعك، ففي الحديث (قصة) ممتعة، ولذة طريفة، وحقيقة مكتوبة.
عن كتاب (اعلام في صحافة العراق) 1971
940 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع