المرأة ودورها في صنع الحياة
خاص/ بالگاردينيا
أن موضوع المرأة يُعد من الموضوعات المركزية التي أخذت اهتماما كبيرا في الدراسات الأكاديمية والتنموية، فإذا رجعنا إلى الماضي القريب نجد أمورا كثيرة تبرز مكانة المرأة في تلك العقود ودورها الذي كانت تنهض به ونوع المسؤوليات التي كانت مناطا بها ، ومما لاشك فيه أن المرأة تشكل نصف المجتمع، ولها كرامتها واحترامها، كإنسانه تعيش على ظهر هذا الكوكب، وليست المرأة خلقا غريبا في هذا العالم، ولا عنصرا أجنبيا في هذه الحياة، بل هي في صميم الحياة ولهذا نجد في القرآن الكريم سورة كاملة تحمل اسم " النساء " وآيات كثيرة في سور أخرى تتحدث عن المرأة وما يرتبط بها من أحكام وقوانين توفر لها الخير والاستقرار وتضمن لها سعادتها في الحياة الدنيا والآخرة.وبما أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل من الناحيتين الفسيولوجية والسيكولوجية ومن الناحية الاجتماعية ، فإن من الطبيعي والحكمة أن يكون هناك فرق بينها وبين الرجل في بعض الأحكام والقوانين، ولم يأت هذا الفرق إلا انسجاما مع طبيعة المرأة وتلاؤمها مع نفسيتها ومركزيتها الإنسانية ،وليس تنقيصا لها كما اتهم أعداء الحياة والإسلام الإسلام ، ويأتي حقها في الحياة والمشاركة الفعالة في المجتمع في طليعة الفروض والقوانين الشرعية التي أقرها الإسلام، وأخذت بها القوانين الوضعية والتشريعات المدنية العصرية في منحها الحياة لضمان سعادتها، والحفاظ على عزتها وكرامتها.
وحوارنا في هذا العدد تناول موضوع " المرأة التونسية ودورها في صنع الحياة " وقد أجرينا هذا اللقاء مع الباحثة الاجتماعية منى بعزاوي، خريجة قسم اجتماع كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تونس،وللباحثة إسهامات متميزة كتبت العديد من البحوث الاجتماعية.
لذا يسرنا في هذا اللقاء أن نتوجه إليها بالأسئلة مع التقدير لها وللمرأة العربية سلفا.
س: ماذا عن مكانة المرأة ودورها في المجتمع التونسي بشكل عام؟
للمرأة التونسية دور فعّال في المجتمع باعتبارها جزء لا يتجزأ عنه، فهي المرأة المناضلة والمرأة العاملة والمرأة المثقفة والمرأة الثائرة، تجدها حاضرة في كل ما يساهم في دفع حركة التطور الاجتماعي ، فهي الشجرة التي تمنح للآخر الحياة من ذلك تربية الأجيال و استمرار وجودهم في هذا المجتمع و لعل أبرز وظائفها تكمن في نهوضها بالمجتمع و محاربتها للفكر ألظلامي والاستبدادي من خلال رفضها لمبدأ العبودية وتسلط الرجل عليها أو محاولة تقييد حرياتها و حقوقها لأنها لا تمثل الجزء فقط ، بل هي المجتمع بأكمله ، لولاها لما قامت ثورة فكرية واجتماعية في بلادنا لأنها منذ تاريخها وهي تحارب ثقافة الخوف و الظلم والاستبداد .
س: إن للمرأة في الفكر القانوني الوضعي حقوقا في الأسرة والمجتمع، فما هو أساس تلك الحقوق؟ وهل نالت المرأة التونسية نصيبها من تلك الحقوق؟
إن قضية المرأة و حقوقها مازالت مطروحة إلى اليوم لأن المرأة و منذ التاريخ تتولى بشكل عام كل المهام الصعبة في الحياة من ذلك الإنجاب والطبخ والغسيل وتربية الأطفال والعمل والنضال الأسري والاجتماعي وحتى مشاركتها في الحروب و في نضالها داخل صفوف الجيش ومداواة المرضى وغيرها من الوظائف الأساسية داخل الأسرة و في تونس حظيت المرأة برعاية حقوقية حيث تتمتع بجانب المساواة مع الرجل في الحقوق والحريات وتساهم بدورها في دفع حركة الاقتصاد والتطور والعلم والثقافة فهي تقريبا لها ما للرجل من حقوق حسب الدستور والقوانين. فهي قد نالت حظها من الحقوق إلا أن قضية العنف الموجه تجاهها مازال مطروحة على غرار العنف المادي والمعنوي وتسليط الرجل قوته وسلطته عليها خاصة على فئة معينة من النساء اللاتي يمكثن في البيت ودورهن الإنجاب فقط أي تلك الفئة غير المتعلمة واللاتي لا سلاح لهنًّ للدفاع عن أنفسهنَّ وطبعا يعتبر العنف جريمة كبرى في حقها إضافة إلى تعرضها لجرائم الاغتصاب وهي جرائم تفاقمت مؤخرا نظرا لتغاضى القانون عنها وعن تتبعها وأعتبر شخصيا أن جرائم العنف والاغتصاب من أهم الجرائم التي لا بد من طرحها و محاولة تخليص المرأة منها و من هذه الآفات الضارة بالمجتمع التونسي والعربي.
س: ماذا عن دور المرأة في انتفاضة 2011، وما حجم المشاركة الفعالة في الحركة السياسية في تونس؟
دون شك المرأة التونسية قد شاركت في انتفاضة 2011 وغيرها من الانتفاضات منذ عصر بورقيبة إلى اليوم، حيث خرجت إلى الشارع ونادت بمجتمع ديمقراطي يحث على المساواة والتعايش السلمي ونادت أيضا بحقوق الطلبة في الشغل والعمل والدخول في الحياة الإقتصادية كما طرحت عديد القضايا الأخرى على غرار محاربة الفقر والاضطهاد المسلط على نسبة كبيرة من مجتمعنا، فالمرأة هي عيون المجتمع التي تسهر على تحقيق مجتمع متكافؤ قولا وفعلا في إطار ما يسمح به القانون والمرأة بدورها قد ساهمت في تدوين الدستور الجديد وطرحت آرائها حول مختلف القضايا مما جعلها تتصدر البرلمان التونسي أو مجلس النواب في إطار تبويب الديمقراطية والمحافظة على حقوقها وحقوق غيرها داخل المجتمع.
س: ماذا عن الأعراف والتقاليد التي تنظر إلى المرأة رمزا للشرف من ناحية، والنظر إليها نظرة مغايرة في الوقت نفسه، وما سبب هذه الإشكالية والتعامل معها بإزدواجية في التفكير والنظر؟
طبعا مسألة الشرف قد طرحت من منظور جسد المرأة حسب رؤية الذكر والرجل لها، لأن الشرف من منظورهم بقي حكرا على عذرية المرأة وعلى إثبات هذه العذرية بنقطة دم قد تكون حقيقية أو مزيفة، فالرجل ينظر إلى الشرف من خلال هذه العادة المألوفة داخل التاريخ العبْودي ويعتبر أن المرأة الشريفة هي التي يكون لها عذرية أو حزام عفة مقارنة بالمرأة الطالق والمرأة الأرملة و المرأة البارة التي لم تتزوج، وطبعا هذه المسألة بقيت إلى اليوم مصدر تهديد وتخويف للمرأة، تجعلها في خوف دائم من فقدان عذريتها و بالتالي فقدان شرف الرجل والوالدين والأسرة بأكملها وهي قضية قد طرحها أغلب الدارسين لمدى خطورتها على المرأة وعلى المجتمع من ذلك انتشار العذرية المزيفة والقيام بالعمليات الجراحية من أجل الفوز بشرف الرجل والفوز بمنظومة الزواج ومن هنا تطرح مسألة الازدواجية الاخلاقية والاجتماعية كأن تتمتع المرأة بالطهارة عن طريق عذرية مزيفة، وبذلك يكون التفكير مسلطا على نقطة صغيرة من جسد المرأة دون عقلها وروحها وفكرها ويبقى النظر إليها كلمحة للاستهلاك والمتعة لا غير ورغم كل التحديات والقوانين التي طرحت إلى النقاش إلا أن هذه المسألة مازالت راسخة في ذهن وتفكير كل رجل مهما كان مستواه العلمي أو الاجتماعي.
س: ماذا عن موقع المرأة و مكانتها في الريف؟ وماذا عن موقعها ومكانتها في المدينة، هل هناك اختلافات أساسية بينها و بين أختها في الريف؟
المرأة في الريف لا تشبه المرأة في المدينة باعتبار أن المرأة في الريف محدودة التفكير ومحدودة الانشغال بقضايا المجتمع والسياسة وغيرها فهي مُنكبَّة على الطبخ والزواج المبكر وإنجاب الأطفال وتربيتهم وهي مسؤولية محدودة داخل البيت إضافة إلى المحافظة على العادات و التقاليد من ذلك عدم التواصل مع الرجل خارج منظومة الزواج و فرض الحجاب عليها وعدم خروجها للعمل إلا للقيام بالأعمال الفلاّحية، أما المرأة في المدينة فهي تلك المرأة المثقفة والمتعلمة التي تتوفر لديها كل مقومات التواصل الاجتماعي والفكري مع الآخر وهي تلك التي تترأس الوزارات والبرلمان والجمعيات وغيرها وطبعا هناك عدم توازن بين الريف والمدينة، لأن المرأة في الريف تناضل من أجل لقمة عيش بسيطة وامرأة المدينة تناضل من أجل فكر حر وديمقراطي و من أجل السلطة .
س: تذكر كثير من الدراسات الانثروبولوجية عن المجتمعات النامية، التي حققت بها درجة عالية من النمو و التغيير مثل المجتمع التونسي أن للمرأة فيها حققت مكانة أفضل مما كان عليه وضعها في السابق، فما وجه هذا التغيير؟
فعلا حققت المرأة التونسية مكاسب كبيرة مقارنة بوضعها السابق حيث كانت في السابق مجرد جسد مادي لاوظيفة له خارج إطار البيت والإنجاب والقيام بأعمال المنزل أما الآن فقد أصبحت أهم عنصر اجتماعي باعتبارها حققت مساواتها مع الرجل في الحقوق والحريات وأصبحت امرأة عاملة ذات فاعلية وامرأة معلمة في مجال التعليم ودكتورة مختصة في عديد العلوم وامرأة مناضلة وامرأة حقوقية و سياسية وغيرها فلا مجال للمقارنة حقيقة بين الأمس واليوم لأن مجلة الأحوال الشخصية قد جعلت منها إنسانة متكاملة الوظائف والرئيس بورقيبة هو أول من طرح أهمية المرأة كعنصر فاعل داخل المجتمع ثم فيما تطورت بفكرها لتبلغ درجات عالية داخل المجتمع حتى أنها تمتلك مفاتيح السلطة .
س: ما هي انعكاسات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على قضية المرأة؟ ما وجه الاستفادة من قرارات الإعلان؟
طبعا الانعكاس حتما سيكون ايجابيا . إذ يؤكد هذا الإعلان أن العنف ضد المرأة يساهم في انتهاك حقوقها وحرياتها الأساسية ويكون حاجزا أمام فاعليتها داخل المجتمع، وطبعا هذا الإعلان سوف يساهم في طمس كل مظاهر التمييز بين المرأة والرجل و يساهم في القضاء على ثقافة السلطة و التسلط بالنسبة للرجل و يضع حدا له أمام شقيقته المرأة.
س: إن الإسلام يكفل حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كيف نفعل تلك الحقوق لصالح قضية المرأة؟
مسألة التفعيل متوقفة على المرأة ذاتها، هي سيدة الاختيار والقرار، هي التي لا بد لها أن تتخلص من ثقافة الخوف و تحرر نفسها بنفسها حسب الشرع والقانون فالمرأة وان بقيت محتجزة داخل العادات والتقاليد وراضخة للقانون الأبوي والزوجي فإنها لن تحرر من ذلك على مدى الحياة، لا بد لها أن تكون صاحبة قرار وسيدة موقف إذا توجب الأمر ذلك و من هنا تساهم في تفعيل حقوقها و حرياتها.
س: لكِ دراسة (سايكو- اجتماعية)، في قضية " المرأة و الشرف في الثقافة العربية المعاصرة" وهي أطروحة أكاديمية ، ماذا أضافت لك؟
هذه الأطروحة كانت بعنوان" المرأة والشرف في الثقافة العربية المعاصرة" تناولت من خلالها قضية الشرف المسلط على جسد المرأة أو ما يسمى بالعذرية و قد توصلت إلى أن شرف المرأة المتمثل في العذرية يسمى " عَرضا " وليس شرفا فالمفهوم الاجتماعي المطروح خاطئ منذ البداية لأن الشرف يشمل المرأة و الرجل و الطفل و المجتمع و طبعا قد سلطت معظم جرائم الشرف على جسد المرأة و تم تقليص قيمتها الإنسانية والحد من حريتها الاجتماعية و الثقافية فراح ضحية هذه العادات آلاف النساء الأبرياء على خلفية العذرية أو ما يسمونه الشرف و من ذلك ختان الفتاة في سن صغيرة و تحديد حريتها عن طريق الأب أو الزوج مما ينعكس سلبا على رؤاها للمجتمع وأصابتها بثقافة الخوف من ذاتها ومن الآخر إضافة إلى إصابتها بأمراض نفسانية خطيرة كالكبت الذاتي والجنسي وغيره، فالمجتمع قد حرص على شرف المرأة وتغاضى عن شرف الأراضي العربية التي انتهكت من ذلك جسد العراق و فلسطين وسوريا وغيرها.
س: ما التحديات الجديدة التي تواجه المرأة اليوم؟
من أهم التحديات التي تعترض طريق المرأة اليوم هي قضيتي العنف والاغتصاب، حيث انتشرت مؤخرا جرائم العنف والاغتصاب وتفاقمت مسألة الأطفال غير الشرعيين داخل المجتمع التونسي وغيره وهي قضايا شائكة وخطيرة تساهم في طمس حقوق المرأة داخل المجتمع وتجعلها سلعة للبيع والشراء خلال هذه العمليات مما يساهم في تراجع فاعليتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولا بد من نظرة قانونية صارمة لهذه القضايا المنتشرة والمتسربة داخل المجتمعات العربية.
س: ماذا عن منظمات المجتمع المدني، وكيف تتعامل مع قضية المرأة في تونس؟
لمنظمات المجتمع المدني دور فاعل داخل المجتمع خاصة في طرح قضية المرأة باعتبارها تطرح هذه القضية و تساهم في تفعيل قوانين يقضي على كل التشويهات والجرائم التي تتعرض لها المرأة العربية اليوم من ذلك طرح قضية العنف داخل الأسرة و قضية تعليم الفتاة الريفية و قضية تبنى الأمهات العازبات وتكوينهنَّ داخل المجتمع كما طرحت مؤخرا قضية اغتصاب الفتيات دون السن القانوني و فرضت عقوبات و قوانين صارمة في هذا المجال .
1006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع