ادباء: رحيل مؤيد الراوي خسارة للثقافة العراقية

          

ايلاف/ عبدالجبار العتابي - بغداد: اكد عدد من الادباء العر اقيين ان رحيل الشاعر مؤيد  الراوي (1939 – 2015) خسارة للثقافة العراقية الاصيلة،مشيرين الى ان هذا الرحيل يثير السؤال الفاجع عن المهجر العراقي وعن غربة المثقف بعيدا عن أمكنته الحميمة

مثل العديد من الشعراء العراقيين الكبار الذين كانت الغربة لوعتهم الاخيرة ، اسلم  الشاعر العراقي مؤيد الراوي الروح بين احضان الغربة عن 76 عاماً ، بعد معاناة مع مرض السكّري ، عاش سنوات كثيرة منها في برلين، وكاد خبر رحيله ان يمر هادئا لولا بعض اصدقائه الذين عجلوا في نعيه حزنا على رحيله وفراقهم له، فيما كان الادباء العراقيون ينظرون الى خبر رحيله بالذكر الطيب ويتحدثون عن شاعريته وتجربته ، وقد التقت (ايلاف) عددا منهم فكانت هذه الاراء التي اضاءت جوانب من سيرة الشاعر وتجربته فضلا عن ان استذكاره فيه وفاء له وتذكير ان الغربة تمثل علامة فارقة عند الكثير من الادباء العراقيين الذين تواروا خلفها بعد ان انقطعت بهم السبلا داخل بلادهم .

الكتابة بهاجس الروح
فقد اشار الناقد والشاعر علي حسن الفواز الى تجربة مؤيد الراوي على انه (الكتابة بهاجس الروح الحية..) وقال :رحيل الشاعر مؤيد الراوي يثير السؤال الفاجع عن المهجر العراقي، وعن غربة المثقف بعيدا عن أمكنته الحميمة، وتأثيره على تدمير روح (النسق) الذي يحمي الهوية الثقافية، إذ تحول المهجر الى ظاهرة عنف ثقافي، والى تخريب متعمد للتراكم الثقافي الذي يسعى الى تأسيسه كل الأمم الحية..
واضاف: مؤيد الراوي شاعر حيوي في المشهد الشعري العراقي والعربي، وأهميته تكمن  في جدّية مشروعه، وخصوصية  قصيدته في بنيتها الفنية التصويرية، واللسانية، فهو شاعر يصنع الجملة بامتياز الصورة، ويمنح الصورة فعالية الرسالة والتوهج والتدفق التعبيري، وبقطع النظر عن قلة نتاجه الشعري، إلاّ أن ما كتبه يؤشر حيوية حضوره الشعري أولا، ونقاوة صوته الخفيض المسكون بالوجع والحلم والاحتجاج ثانيا، فضلا عن مايمثله من ظاهرة شعرية لجيل ثقافي عراقي مهم برز مع جماعة كركوك في الستينات، ومع الجيل الستيني العراقي الحامل لأسئلة التجديد والمغايرة، لكنه أيضا دأب على امتلاك صوته المتفرد بحيويته وجرأته وانفتاحه على مراثي الكائن الباحث عن حريته المفقودة، والواقف عند عتبة الموت الوجود والإنساني، والذي يمنح قصيدته دفقا تأمليا  من الصعب أن نجده في تجربة شعرية أخرى..
وختم حديث بالقول: موت الراوي يشبه الوقوف عند الفراغ، ذلك الذي يستدعي دائما هاجس القراءة التي تحرّض وتكشف وتطلق اليد بحثا عن (الروح الحية) التي تركها عند حافة المدينة القديمة..

سيرته أعظم قصائده
من جانبه اكد الاديب برهان شاوي ان رحيل الراوي خسارة للثقافة العراقية الاصيلة ، وقال: يرحل الشعراء حالهم حال بقية البشر..يرحل الشعراء فنفتقدهم من خلال قصائدهم..لكن من النادر ان نفتـقدهم ليس لنصوصهم المغامرة والجريئة فحسب وإنما لإنسانيتهم الفذة..وهكذا كان مؤيد الراوي.
واضاف: الذي يعرف مؤيد الراوي عن قرب أو حتى لو كان قد التقاه لفترة قصيرة.. يعرف أن سيرته بحد ذاتها من أعظم قصائده..فإنسانيته وطيبته واللطف الذي يمتزج مع حركاته ونبرة صوته السمحة والآسرة لا تنسى أبداً.. ومواقفه الفكرية الراسخة ووضوحه النظري العميق، فهو شاعر مثقف,..بل مثقف كبير واستثنائي.. مثفف عميق ومتوقد البصيرة والرؤية..وبرغم ذلك كان يترك مسافة بينه وبين اليقين..لذى أطلق اسم (إحتمالات الوضوح) على احدى مجموعاته الشعرية ..لكنه الآن قد واجه الموت ولم يعد الوضوح احتمالا بل صار يقينا..
وتابع: برحيل مؤيد الراوي الشاعر المغامر والجريء.والمثقف الصارم .. والإنسان الكبير يكون العراق والثقافة العراقية الأصيلة قد خسرت أحد ممثليها الكبار.. وداعـا مـؤيد الـراوي...الشاعر الإنسان، العــزاء لرفيقة دربـه الطويل الأخـت فخرية صالح البرزنجي ولعائلته وأحفاده ولكل محبيه من الشعراء والمثقفين والأصدقاء..

سفر الخرائط
من جهتها قالت الشاعرة رفيف الفارس :رمى القدر احجاره ،عرافة الغيب المتناثر على اغصان الروح تعشوشب فيك الخرائط وترتحل ..، بين مسارات القلم واللون عاش يحمل حقائب التمني , تملأ روحه الغربة تستنزفه الى اخر رمق القصيدة المعلنة وتلك التي نبضت بصمت في وجدانه.حيث تنطفئ شموع الوطن بعيدا عنه .. فمنجل الحصاد لا يعرف الكلل ولا يذعن لخاطر , حاد على مدى الدهر , فيخلف فينا بتره دمعة تزهر بالوجع.
واضافت : كان وكان مؤيد الراوي من أكثر شعراء جيله ( جماعة الستينات ) قدرة على التجريب في كتاباته القصائد ذات المنحى الحداثوي, كما ذكر هذا الاديب ابراهيم العلاف في مقاله الذي تناول فيه ظهور وتطور جماعة كركوك الأدبية.
وتابعت : نصوص مؤيد الراوي تحمل من المطاولة الزمنية ما يجعلها تسمو على فكرة التجييل والتي هي برأي الشخصي تغمط حق المبدع وتحجم مسيرته , فنص مثل العرافة او وهم المكان او غيرها من نصوصه , تحمل من التسامي الزمكاني ما يجعلها خالدة مقروءة في اي فترة زمنية بنفس الدهشة التي تخفق بها قصيدة النثر الحديثة .وهذا ما يجعلنا نتساءل , وان اعتصر السؤال الما مكتوما , هل حقا يرحل المبدعون؟ام ان الرحيل ليس الا سفر الخرائط في وجدان الذاكرة .
وختمت بالقول : هكذا عرفت مؤيد الراوي وهكذا سأقرأه دائما.

 الشعر في حياة اخرى
اما الناقد مازن المعموري فتحدث قائلا : ينبغي لي ان اقول ان الشاعر مؤيد الراوي شرع بفتح ابواب لكتابة النثر في محيط سياسي مكثف, لدرجة ان الشاعر لا بد له في مثل هذه البيئة المسيّسة قسرا الا ان يختار مصيره منذ البداية , ويا لها من حياة تعرف نهايتها مقدما, الشاعر في العراق كما هو حال مؤيد الراوي يعيش يوتوبياه دون ان يدخلها احد, وربما تلك هي مأساة الشاعر العراقي في كل وقت, يبقى معزولا ومهاجرا طالما يختار بياض تاريخه وحياته دون ان يمسها دخان الايديلوجيات ومساحيق التجميل الوطني.
 واضاف: لذلك فان موته اليوم انما هو تحريض شعري ليقين قوي كان يؤمن به هو ان الشعر سيعيشه ذات يوم في مكان اخر دون ضجيج, كما جاءها بهدوء على فرس الشعر والكتابة ليكون منذ مجموعته الاولى ( احتمالات الوضوح 1977) لحظة اضاءة لتوضيح المشهد والمغادرة مبكرا الى حياة اخرى مع ممالكه الشعرية .

رحل على جناحي قصيدة
اما الشاعر محمد حبيب مهدي فأكد ان مؤيد الراوي يرحل على جناحي قصيدة ، وقال : كان واحداً من أهم الأصوات الشعرية من ( جماعة كركوك ) ، لا يقل عنهم شأنا وإبداعا وتواصلا في إحياء الذاكرة الشعرية أمثال : ( فاضل العزاوي ، جان دمو ، سركون بولص ، صلاح فائق ، جليل القيسي ، بلند الحيدري ، يوسف الحيدري ..) كان ( رحمه الله ) يحمل همه الشعري كصليب تتوّجه مفاخر الألم . واضاف :الألم الذي صنع منه شاعرا منذ ولادة مجموعته الأولى ( إحتمالات الوضوح ) 1977وحتى ولادته من جديد في مجموعته ( ممالك ) 2010 أو مجموعته الأخيرة ( سيرة المفرد ) التي لم يرها للأسف ، فكان جوهرة المعنى في الكلام وفي صياغة الجمال بلون براق جديد ؟! .. أخيراً ( مؤيد الراوي ) يرحل على جناحي قصيدة . تاركاً خلفه إسما لا يمكن أن ينسى بسهولة . وماذا تنسى من خطى شاعر قدم من كركوك مازالت آثاره كحروفه باقية كالنقش في الرخام في حياة بغداد التي أغوته كما أغوّت غيره من المبدعين الكبار من كل أطراف البلاد ، فحصد منها الألم والشعر في آن ..
 وتابع : رحل (مؤيد الراوي ) وهو مُتوّجا بالصدق والشعر ، فكان صادقا مع ذاته في العيش في عذاب لا يُوّلد له سوى الشعر . ومخلصا للشعر فكان يسري في دمه كل حين ، حتى غَص آخر لحظات حياته بقصيدة أردته عاشقا كبيرا . فأنظم الى سرب يمامات كانت بانتظاره . ربما كانوا أنفسهم أصدقاءه جماعة كركوك.

وضوح التجربة
فيما قال الناقد زهير الجبوري : من خلال حضوره مع جيل الحداثة الآول في العراق ، فقد شكل الناقد مؤيد الراوي بصمة واضحة وبارزة في النقد الادبي العراقي مع مجموعة مهمة من ابناء جيله كالناقد شجاع العاني وفاضل ثامر وياسين النصير وغيرهم ، لعله اعطى بصمة خاصة في كتاباته التي تناولت الادب العراقي في العقود الذهبية للثقافة العراقية ، غير انه وبسبب التحولات الايديولوجية لم يستمر في الساحة من حيث ابراز ما يمكن ابرازه من حضور نقدي ، والاسباب تعود لعدم استقرار الاوضاع السياسية والثقافية في البلد ، وها ما يجعل كل ناقد حصيف ان يأخذ موقف مثلما اخذه الناقد الكبير الراوي
واضاف: كما ان وضوح التجربة عنده بعد الاجيال التي جاءت بعده لم تكن واضحة للاسباب التي ذكرناها ، لكن يبقى مؤيد الراوي مبدع كبير خسرته الساحة العراقية منذ وقت مبكر ، نحن الجيل الذي تعلمنا منهم كيف نفكر ونكتب ونبدي رأينا الثقافي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

943 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع