نضال القاضي : هنّ روح المكان
تعد نضال القاضي واحدة من أبرز الأديبات العراقيات المعاصرات لها حضورها المميز ودورها الفاعل في المشهد الثقافي. تثير تجربتها الكثير من الأسئلة المتعلقة بالموقف من الحياة والوجود والإنسان معاً, حيث تمتلك الرؤية المسوغة بالفهم والوعي لمعنى الأجناس الأدبية المعاصرة والمرافقة للإبداع والقيم المعرفية والجمالية؛ من حيث ان القاضي تتمتع بقدرعالٍ من الثقافة الأدبية المشتملة على تنوع الآداب والفنون بأجناسها الشعرية والسردية؛ فضلاً عن مزاولتها فن النقل والترجمة من اللغتين الانكليزية والبرازيلية إلى العربية وبالعكس, وهي شاعرة وقاصة وروائية لها العديد من الإصدارات التي أتحفت بها المكتبة العربية، حيث صدر لها : مكان مألوف لديّ/ قصص 1999، ودائع المعول عليه/ شعر 2001، سيرة ظل/ رواية 2009، عصفورة أدوم/ قصص2001، بينالي عواء وبسكويت/ شعر 2014، عائلة البيكونيا / شعر، من يأخذ النار إلى حجرتها / شعر, قلب المنجمد الشمالي/ شعر مترجم عن الانكليزية للشاعرة الكندية كريتيل إيرلش، لها تحت الطبع : كناريا / رواية، راهب العنب/ شعر.
* هل يفقد النص الشعري بعضا من قيمه الجمالية والفنية في حال نقله من لغة الأم إلى لغة أخرى ؟
- الترجمة أدب بحدّ ذاته لذا يشترط بالمترجم ان يكون مترجما أديبا لأنه سيكون متفهما لقواعد الكتابة العامة وبالتالي سيكون لتلقّيه كمبدع إزميلٌ موازٍ في الكتابة أي حفرٌ جديد بلغة أخرى. وإذا كانت الترجمة قد أفقدت قيما جمالية وفنية من بعض النصوص فلعلها أضافت إلى نصوص أخرى فاللغة العربية لغة ثريّة ومع توفّر المخيال تمنح نصّ الآخر مكانة رفيعة فضلا عن إمكانية المترجم نفسه وثقافته.
* يقال أن أكثر القصائد نجاحا عند ترجمتها هي القصيدة الملأى بالأفكار والصور؟
- وهل هناك نصّ بلا أفكار ولا صور؟..الترجمة هي وقوف الذات وليس الشخص أمام مرآة بالتالي مايحدث بالفعل هو غوْص في فلسفة الصورة والفكرة ,أعتقد أنّ الترجمة نصّ بديل منحاز لذاته إذ لايمكننا إغفال مايحدثهُ النصّ الأصل من إسقاطات على الذات المتلقّية المترجِمة وهذا مايفسّر التباين في الترجمات التي وصلتنا. كما ان الترجمة الناجحة هي التي تستطيع خلق تعايش وتواصلٍ بين بنيتين ذهنيّتين في نفس الرأس !..لذا نلاحظ انّ أفضل من ترجم عن الفرنسية مثلا هم من الشمال الأفريقي لتواصلهم مع لغة هيمنت حياتيا عليهم ومازالت .
*عن علاقة الشعر بالسرد, كيف تقيمين العلاقة بين الجنسين، وما المفارقات والمقاربات بينهما معاً ؟
- الشعر هو الكمّ فيهما!.. فهو إما جملة شعرية مكثفة مركّزة ضاقت عبارتها واتسعت رؤياها أو أنها سرد ناجح في أدارة أفكارها باتجاه شعرنتها مع تجنّب اللغة التقريرية في توظيف اليومي على عظم أهميته كمفارقة..الجمال هنا ذكاء بالدرجة الأساس في التقاط المفارقة الحياتية ومن ثم شعرنتها. وقد قرأت نصوصا شابة جميلة حقيقة تحتاز على انزياحات ليس في اللغة وحسب وإنما في الفكرة من خلال إدارتها بمهارة.
*اغلب نقاد السردية النسوية يزعمون بوجود علاقة كاثوليكية بين الروائية وسيرتها الذاتية، وكأن كل ماتكتبه ما هو إلا صدى وظلال عن تجربتها الإنسانية أو عن مرجعيتها المعرفية ؟
- للذات الكاتبة ظلالها بالتأكيد على النصّ ولكن ليس بالضرورة أن تكون شخصيّة أو من لدن حياتها الخاصّة فالتجارب الاجتماعية عندنا مهزوزة وبلا غطاء حضاري أو نفسي معافى, هي تجارب تعويضية في الغالب لاتؤسّس لنموذج انساني يفرض وجودَهُ بقوة في حقل تغيير وانتاج واقع اجتماعي يرقى عن السائد ويسمو بقيّمٍ جديدة، مايترك فسحة لذلك الظلٌّ الذي له رائحة مخلوقات ساكنة متقوقعة تخاف الشمس كي لاتواجه وتحيا بكرامة أسئلة مشروعة تطالب بأجوبتها !..فإذا حدث من خلال النصّ على أقلّ تقدير يجري عندئذ تداول سيرة هذه الكاتبة وتلك وربّما انتهاك لخصوصيّاتها انتهاكا سافرا في حالات عديدة، من هنا يتم أسقاط أوهام مفرطة في الذاتية على الآخرين لأسباب كثيرة لايسع اللقاء واتجاهه لها لكن يقف وراء ذلك كله، وبما لايقبل الشك، الفشل في ترجمة المقروء في الحياة وكأنّ مايُقرأ يؤكل ليجد تسريباته المعوية !! وعذرا لم تخني اللغة ولم أجد ماهو أدقّ في تحليل هذه الظاهرة !..لأنّ مايحوّل الكاتبة ونصّها إلى فريسة لثقافة من هذا النوع كارثة حقيقية في تاريخ الكتابة كلّه.المثقف عندنا ليس شجاعا وليس حرّا بما يكفي !!..لذا أيّ تجربة جريئة لإمرأة ستحاصرهُ!
* المناخ الاجتماعي المحيط بالكاتبة هل يشكل قيدا على البوح بما مسكوت عنه ؟
- المسكوت عنه له جذوره التاريخية والفلسفية وهو لايقتصر على المرأة الكاتبة وحسب. في أيامنا هذه نجحت استنطاقات في خرقها للتابو، ولعلّها جميعها اختارت الآيروس بوّابة كخطوة أولى لاختبار الشجاعة في خرق الاجتماعي والسياسي والديني وإن بلغت حدّ الفجاجة في تجارب لم تغادر حقيقة ًعوزها الشخصي، لكني أراهن على الفنّ في أخرى سينجح في تناول ظواهر عديدة مختلفة تغادر الجسد التقليدي حتما إلى جسد المحنة الإنسانية بشكل أنضج وأشمل.
* لقد آن الأوان أن نفصح بصوت عالٍ عن بزوغ نجم ما يسمى بالأدب النسوي في النقدية المعاصرة.. كيف تعلق الشاعرة والساردة على ذلك ؟
- تقصد أدب المرأة !..فكل نشاط يتعلق بالنسوية يصب في مصطلح سياسي خاضته أحزاب ومنظمات عالمية معروفة. نعم أثبتت حضورها بقوة. هذا ماأسفرت عنه ظاهرة التشديد على تعليم المرأة نقلتها نقلة نوعية كشفت عن ملكات وقدرات فهي ليست أقلّ من الرجل إلا بسبب العسف التاريخي الذي نال منها عقلا إبداعيا قبل اي شيء، ولعلّ تغييبها لفترة طويلة عن التحولات الكبرى في حياة مجتمعاتنا صنع تاريخ رجال ودول رجال كانا الظهير لحياة متصحّرة. كم جميل حين ندخل مكانا تعجّ فيه حركة نساء..أصواتهن.. حواراتهن.. انّهن الجمال وخالقاته. هنّ روح المكان.
* كيف تقرأين النقود التي ساءلت مدوناتك الشعرية والسردية ؟
- النقاد يقرأون وفق مناهجهم. وأظن ان احدهم لم يتصدّ لعمل من أعمالي في دراسة شاملة. وانما توزعوا في تناولاتهم المختلفة ثقافيا وتقنيا.أبرز من كتب د.جاسم محمد جسّام، بشير حاجم، ود. حسين سرمك وآخرون...
* مدير مكتب الگاردينيا في بغداد
881 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع