بغداد عاصمة الثقافة تعيد الحلم المفقود
المدى/ بغداد :دار "الأوبرا العراقية" الحلم المفقود سيتحقق ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية الذي سيقام على ضفاف نهر دجلة وسط بغداد، حيث تم وضع حجر الأساس للأوبرا من قبل وزير الثقافة ومعه المجمع الثقافي، وبكلفة إجمالية تصل إلى 169 ملياراً و650 مليون دينار، والذي من المؤمل أن ينجز خلال 18 شهراً ويضم دار للأوبرا بسعة 1500 مشاهد وقاعة للجمهور
وهناك دار خاص للسيمفونية العراقية وهي من أقدم السيمفونيات في المنطقة منذ بداية الخمسينات والعراق يمتلك سيمفونية رائعة وجميلة، وهناك مجمع ثقافي لدار المأمون للترجمة والنشر . وقد بوشر العمل به وبضمنه مدة إعداد التصاميم الكاملة حيث ستقوم شركة روتام التركية بتنفيذ المشروع بمدة انجاز أمدها 540 يوماً، وبأسلوب تسليم المفتاح وعلى مساحة قدرها 87500 متر مربع، ويشمل المشروع أربعة أبنية رئيسية إضافة الى المساحات الخضراء الواسعة المفتوحة مع مواقف السيارات والأبراج وتشمل الأبنية (مبنى دار الأوبرا العراقية ومبنى وزارة الثقافة ومبنى دار المأمون للترجمة والنشر ومبنى التدريب للسيمفونية العراقية، ومن المؤمل انجاز المشروع ليدخل ضمن بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013).
تاريخ إنشاء دار الأوبرا في العراق
في ثمانينيات القرن الماضي تم تهديم المنطقة السكنية في كرادة مريم المقابلة لمبنى وزارة الثقافة والإعلام في ذلك الوقت، والمطلة على نهر دجلة بحجة التخطيط لإنشاء دار الأوبرا العراقية، وانتظرنا البدء بذلك المشروع واستبشرنا خيرا إذ إن من يفكر بإنشاء الأوبرا يعني أنه مقبل على حقبة سلام وإبداع وحرية وديمقراطية، ولكن بدلا من أن نبدأ بمشروع الأوبرا ابتدأت الحرب مع إيران وتوقفت معها كل المشاريع العمرانية والحضارية والجمالية، ودخلنا في دوامة لم نخرج منها حتى تاريخنا هذا.
ولم تكن فكرة إنشاء الأوبرا قد تبلورت فعلا في تلك المدة القاتلة بل لو كان الذي خـطط وصمم في العراق إبان الخمسينيات قد تحقق، لكان هذا البلد قد سبق كثيرا من البلدان في منجز تباهي غيرها بامتلاكه، يروي الدكتور خالد السلطاني في كتابه (عمارة ومعماريون) حكاية طريفة يحلو "لفرانك لويدرايت" استعادتها، متذكرا بأنه عندما قبل دعوة مجلس الإعمار في العراق لتصميم مبنى الأوبرا، اهتم كثيرا بخصوصية مبنى الأوبرا، الخصوصية التي بمقدورها أن تساهم في إظهاره بشكل يمتاز بنمطه الوظيفي، وفريد في لغته المعمارية. وأثناء هبوط الطائرة التي تقله مع زوجته في رحلته البغدادية إلى مطار المدينة، المطار الذي سمي لاحقا مطار المثنى، ألفتت نظره جزيرة فسيحة ممتدة وسط نهر دجلة، ورآها موقعا مناسبا جدا لمبناه، وعندما استفسر عن مالك الجزيرة، جاءه الجواب سريعا بأنها من ممتلكات البلاط الملكي، وأثناء مقابلته عاهل العراق، سعى "رايت" إلى تبيان أهلية موقع الجزيرة كموقع ملائم لمبنى الأوبرا، شارحا للملك الشاب امتيازات هذا الاختيار، مؤكدا أهمية خصائصه الأخرى، التي وجد فيها اتساقا مع تطلعاته لأن يكون المبنى المشيد بعيدا عن ضجيج وسط المدينة وازدحام مبانيها، وعندما اطلع الملك على ما يريده "رايت"، مال نحوه وأمسك معصمه بقوة قائلا:
ــ أيها السيد "رايت" ، إن الجزيرة.. لك .
وبهذا القرار السريع والمصيب والكريم كشف عاهل العراق عمق اهتمامه بالصالح العام ورعايته للشأن الثقافي، وطموحه لأن يمتلك العراق صروحا تضعه في مقام الدول المتقدمة ثقافيا وحضاريا.
اختار"رايت" لها اسما من أسماء الجنة، ودعاها جزيرة عدن، واختار نهايات قسمها الغربي لتكون موقعا لمبنى الأوبرا المتضمنة قاعة واسعة، تسع (3000) مقعد مشغولة مع ملحقاتها ضمن مخطط دائري يحيط به رواق خارجي معمد، وهو شكل دائري تلتصق به كتلة ذات مخطط شبه دائري، كناية عن فضاء المسرح، وضمن كتلة الأوبرا يقع فضاء القبة السماوية الذي تم توقيعه في طابق التسوية، وأسفل كتلة القاعة الرئيسة يرتفع سقف الأوبرا عاليا بهيأة خيمة يعلوها شكل هرمي مجوف، ذو فتحات دائرية واسعة في كل جهة من جهاته الثلاث، ويعلو هذه الفتحات صف آخر من فتحات دائرية أخرى أقل مساحة ، تنتهي بسارية شامخة ترتكز على قمة الشكل الهرمي، وداخل التجويف الهرمي وضع تمثال علاء الدين والمصباح السحري على قاعدة يسندها سقف المسرح ، وثمة مسلة باسقة موقعه بصورة طليقة ومنفردة بجانب يمين المدخل الرئيس للأوبرا ، وتحيط بكتلة الأوبرا بركة ماء بمنظومة شلالات تسقط مياهها فيها عبر مستويات مختلفة، فضلا عن أن هناك سقايتين اثنتين تنحدران من سطح الأوبرا نحو البركة يجري الماء فيهما نحو الأسفل، وهاتان السقايتان مرفوعتان بواسطة عقود تشكل فتحات أقواسها دائرة كاملة، وتقعان على يسار ويمين المدخل الرئيس، في امتداد خط القطر المنصف للمخطط الدائري، ويلي البركة المائية منطقة خضراء مشجرة يحيطها من جميع الجهات ثلاث حلقات دائرية من الشوارع العريضة، كل حلقة فوق الأخرى بمناسيب مختلفة، تم تصميم حلقات الشوارع بإزاحة واضحة نحو الخارج، وظفت أحيازها المظللة أمكنة لمواقف السيارات، ويتم الوصول إلى المدخل الرئيس للأوبرا عبر مرقاة متفرعة من الشارع الحلقي العلوي الثالث، وعلى امتداد الضفة اليمنى من الجزيرة في محور شرق – غرب، يبدأ من شرق مبنى الأوبرا سوق تجاري مركزي ليصل حافة الجزيرة عند نصب هارون الرشيد الضخم والشاهق، المستند إلى قاعدة لولبية، زينت جوانبها بأفاريز بارزة لقافلة جمال تسير نحو الأعلى إلى تمثال الخليفة العباسي المذهب، حيث يواجه الشرق بوجهه، ويتكون السوق المركزي من طابقين، وتم تفريغ كتلته بفناء مكشوف تجري فيه التعاملات التجارية، وعلى وفق التصميم فإن أجزاء من أرضية الفناء مشجرة وذات برك مائية، فضلا عن وجود مناطق مظللة عمل سقفها من خيم يمكن طيها، وكلا طابقي السوق عولجت واجهاتهما بعقود تشكل فورماتها إيقاعا متكررا ومستقرا، وفضلا عن ذلك صمم مبنيين آخرين مخصصين لمتحفين، أحدهما خاص بالمنحوتات الضخمة العائدة إلى الحضارات القديمة التي ظهرت في بلاد ما بين النهرين، كالقطع النحتية الآشورية، مثل منحوتات الثور المجنح أو الأسود الضخمة وغيرها، وقد عولجت واجهات هذا المتحف بتقسيم ظاهر أعلى وأسفل، اتسم الجزء الأسفل بصلادة جدرانية خالية تقريبا من الفتحات ما عدا فتحات الأبواب، في حين انطوى الجزء الأعلى على تخريم معمول من كاسرات الشمس على شكل قطع خراسانية شاقولية وضعت بينها ألواح زجاجية تسمح بدخول غير مباشر لضياء الشمس، وتم توقيع هذا المتحف بمسافة غير بعيدة عن حلقات الشوارع الثلاث المحيطة بمبنى الأوبرا وبجانب بدايات مبنى السوق المركزي. أما المبنى الآخر، فإنه مخصص للفنون التشكيلية الحديثة، ويقع في منتصف الجانب الآخر من جادة التمشي الواسعة المحاذية لكتلة السوق والموصلة إلى نصب هارون الرشيد عند حافة الجزيرة، وهيأة كتلة هذا المبنى بيضوية ممتدة، تبرز عند وسطها كتلة دائرية هي بمثابة بهو المدخل ، وسطحه سقف بتقسيمات مشبكة من الجسور الخراسانية، غطيت مجالاتها بالزجاج ، وتمتاز كتلة المبنى الأساس بنوافذ صغيرة تتكرر بإيقاع منتظم من صفين، يشكلان في النهاية موتيف الواجهة، وجاء سقف المبنى على شكل قبة مفلطحة، تطفو مباشرة فوق فتحات النوافذ العلوية ، بحيث ينعكس الضياء أولا عليها قبل مروره إلى الداخل من خلال تلك الفتحات، وهي معالجة اهتم بها "رايت" حتى يتفادى جو بغداد المسرف في نوره وحرارته، وكذلك جوها المترب ، وثمة تجويفات معمولة عند أسفل حائط المتحف وضعت فيها قطع نحتية تحيط بها أحواض مائية .
المعمار فرانك لويد رايت 1869ـ1959 هو رائد العمارة العضوية، واهم المعماريين في الولايات المتحدة الأميركية، صمم بيوت البراري في العشرينيات من القرن الماضي، وبيت الشلال عند نهير ران بالقرب من بتسبورغ في بنسلفينيا، ومبنى جونسون للشمع في راسين بولاية وسكانسين، فضلا عن رائعته بتصميم متحف غوغنهايم.
يذكر المعماري معاذ الآلوسي ( 1938) في مخطوطة له أنه وجد في سطح المديرية العامة للمباني كثيرا من المخططات المهمة أعدها معماريون مرموقون للعراق، وفي ضمنها مخططات "رايت " الشهيرة، فقد وجدها مرمية بالعراء، ومكشوفة لأنواء بغداد القاسية، لكنه كما يذكر حرص على حمايتها وإنقاذها وحفظها وانتشالها من مصيرها المأساوي المحتوم . ويذكر المعماري سعد الزبيدي ( 1944 ) أنه عندما كان مسؤولا إداريا لمؤسسة المباني جاهد لأن تلك المخططات ذات القيمة الفنية والمعمارية العاليتين في أماكن أمينة بعيدة عن أي ضرر، وكان يضع هذه المخططات في غرفة صغيرة قريبة من مكتبه الرسمي حتى يطمئن على وجودها وسلامتها. ويقول الدكتور خالد السلطاني: الأمر المؤسف في كل هذه الدراما المعمارية، هو أن المشروع الرايتوي لم يكتب له التنفيذ بسبب الأحداث الدراماتيكية التي طرأت على المشهد السياسي العراقي إثر ثورة 1958 ، ومن ثم خسرت العاصمة العراقية فرصة نادرة لأن تجعل من أرضها موقعا لذلك المشروع الضخم المتعدد الوظائف والاستثنائي في أهميته المعمارية.
701 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع