مقابلة مع الروائية التركية أليف شفق: بدأت الكتابة مبكراً لأنني كنت طفلة وحيدة
إليف شفق هي الروائية التي تحظى بعدد كبير من القرّاء في تركيا. ولدت عام 1971 في ستراسبورغ في فرنسا لوالدين هما الفيلسوف نوري بيلغين وشفق أتيمان التي أصبحت دبلوماسية فيما بعد. انفصل والدها عندما كان عمرها عاماً واحداً فربّتها أمها. وتقول الكاتبة، إن نشأتها في عائلة لا تحكمها القوانين الذكورية التقليدية، كان له كبير الأثر على كتابتها. وتستخدم الكاتبة اسمها الأول واسم أمّها كاسم أدبي توقع به أعمالها.
تزوجت سنة 2005 من الصحافي التركي أيوب كان وأنجبت منه طفلين. أسمت ابنتها زيلدا على اسم زيلدا فيتزجرالد، وأسمت ابنها على اسم الزاهر، بطل إحدى قصص بورخيس.
روايتها الاخيرة (بنات حواء الثلاثة) تجسد قصة ثلاث نساء من منطقة الشرق الاوسط، ويدرسن في جامعة أكسفورد، فيما تختلف وجهات نظرهن الى حد بعيد.في هذه المقابلة تتحدث عن روايتها الاخيرة والاوضاع في تركيا عموماً.
حين وقع التفجير الأخير في اسطنبول كنت قد انتهيت من قراءة نصف روايتك التي تتنبأ بعالم تقشعر له الأبدان، ومن بينها وقوع حوادث إرهابية،. فكيف كان شعورك عند سماع الخبر؟
كنت حزينة، ومرعوبة من حجم الكراهية الذي تبثه الجماعات الإسلامية، خطبها حين تلقي اللوم على الضحايا لأنهم قاموا بالاحتفال بـ(عيد مسيحي). عند كتابتي للرواية، دقّقت بتمعن في المجتمع التركي والأوضاع النفسية لأفراده. انهم يستنشقون الخوف مع الهواء، ويشعرون بقلق دائم ومستمر. وقد لاحظت هذا في كل مستوى من مستويات المجتمع التركي – قد يكون مستتراً احياناً ولكنه عميق، فإذا انفجر شيء ما في مطبخ في اسطنبول تجد الجميع يلقون بأنفسهم على الأرض، معتقدين أنها قد تكون قنبلة. ليست لدينا ذاكرة، ولا وقت للتحليل أو حتى للحزن. هذه الحالة النفسية هي ما أردت معالجتها في روايتي.
إذا كانت اسطنبول شخصاً، كيف يمكنك أن تصفيه؟
اسطنبول انثى نشطة وفاعلة. هي مدينة الصراعات والتحديات. لقد دمّر الجشع والطمع اسطنبول - في كل مكان تذهب إليه، تجد حركة بناء وتجديداً وتحديثاً ولكن من دون تخطيط و من دون اعتبار لتأريخ المدينة.
قلت في حديث لك عام 2010 إن النقّاد يضعوك احياناَ داخل قالب معين، ويتوقعون منك أن تكتبي قصصاً حزينة عن المسلمين. لماذا؟
يعود ذلك الى التطرف بالتمسك بهويتنا والانحياز لها - نحن، للأسف، أصبحنا قبائل متعددة. والمطلوب من كل كاتب أن يروي قصة قبيلته، أنا تركية الأصل ولكن املك أيضاً أشياء أخرى كثيرة. بالنسبة لي، الخيال هو الرغبة في تجاوز الحدود. عندما نكتب، يمكن أن تكون لشخصيتنا أوجه متعددة.
روايتك الأخيرة (بنات حواء الثلاثة) هي، في جزء منها، تأمل في معنى الإيمان. هل تتفقين مع بطلة الرواية، بيري – في نظرتها الى الله؟
نحن في اليسار الليبرالي لم نقم بعمل جيد في مناقشة الجوانب العلمانية للايمان. الإيمان ليس بالضرورة مفهوم ديني. عند الانتقال إلى بلد جديد لأن لديك رغبة ملحّة غير منطقية للقيام بذلك، فإن ذلك هو جانب علماني للايمان. عند البدء في كتابة رواية، من دون أن تكون لديك أية فكرة عما إذا كانت ستنجح، فإن ذلك جانب علماني للإيمان. عندما تقع في الحب، ولا تعرف إذا كان هذا الشخص سوف يجلب السعادة إلى حياتك، لكنك تقع في الحب – فإن هذا هو جانب علماني من الإيمان. أنا لا أريد للأديان أن تصادر الإيمان. أريد ان استرجع مفهوم الإيمان.
لقد ولدت في ستراسبورغ في فرنسا، وقامت بتربيتك أم مطلقة - كيف أثّر ذلك فيك؟
كان لذلك تأثير كبير. لم أكن أرى والدي كثيراً. التقيت اثنين من اخوتي لأبي في منتصف العشرينات من عمري، وكان عليّ التعامل مع اطفال غرباء. كان والدي أباً ممتازاً في علاقته مع ابنائه ولكنه والد سيئ للغاية بالنسبة لي. استغرق الأمر مني وقتاً طويلاً لاتقبل فكرة أن أي شخص يمكن أن ينجح في عدد من المجالات ويفشل في مجال واحد. عندما عادت أمي إلى الكلية، قامت جدتي بتربيتي. وكنت اناديها آن – وتعني الأم في التركية – أما والدتي فكنت اناديها آبلة، التي تعني الشقيقة الكبرى.
وأصبحت أمك دبلوماسية...
كان أمراً غير عادي ولكنها درست بجد،. ولم تتزوج مرة أخرى ابداً. ونجحت في ذلك لأن جدتي الأقل تعليماً وقفت الى جانبها.
متى ادركت أنك سوف تصبحين كاتبة روائية؟
لقد بدأت الكتابة مبكراً لأنني كنت طفلة وحيدة. كانت حياتي مملة، العالم الذي خلقته كان أكثر تنوعا بكثير. أنا ادرك مدى تأثير عالم القصة. كتب الروائي ستيفان تسفايغ عن الرغبة في التوقف عن الكتابة عندما يصاب العالم بالجنون. وأنا أفهم ذلك ولكن أعتقد أنه حان الوقت بالنسبة لنا نحن معشر الكتّاب أن نخرج من شرانقنا ونتحدث بصراحة.
تدور روايتك حوالي استاذ يتمتع بشخصية جذّابة – هو الأستاذ ازور. هل يشبه استاذاً أثر في حياتك؟
أنا لا أؤمن بالأبطال. الناس يسألون أيّاً من الشخصيات النسائية في رواياتي تشبهني اكثر – هل هي الخاطئة، أم المؤمنة أم الحائرة. أنا لا اشبه ايّة واحدة منهن. وإذا جاز لي أن أبوح بسر، فأنا أحب أن اختبئ في ابطال رواياتي من الذكور. وحاولت في شخصية الأستاذ أن اخفي قليلاً من نفسي.
كيف أدّت روايتك لقيطة اسطنبول إلى إقامة دعوى قضائية ضدّك في تركيا؟
اسطنبول هي مكان فقدان الذاكرة الجماعية. تاريخنا مملوء بالتمزقات وكل مؤسسة حاكمة جديدة تأتي الى السلطة تبدأ بمحو إرث الحكّام السابقين. أنا أكتب عن الأقليات، واتناول المآسي التي لا توصف التي حدثت في الماضي، و اتحدث عن الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن، واتقاسم الحزن، وأحاول مد الجسور. قرأت الرواية على نطاق واسع في تركيا لكني تعرضت لهجوم من قبل وسائل الإعلام القومية وللمحاكمة بموجب المادة 301، والتي من المفترض أن تحمي الاتراك من القذف و التشهير. هذه المادة القانونية غامضة جدا، لا أحد يعرف ماذا تعني. وجرت المحاكمة منذ أكثر من عام. كانت هناك مجموعات من الاشخاص خرجت الى الشوارع وقامت بحرق أعلام الاتحاد الأوروبي والبصق على صوري. وتمت تبرئتي ولكنها كانت اوقاتاً مضطربة. كان يجب أن يرافقني حارس شخصي، و كان أمراً يفوق الخيال. وما جعله لا يزال أكثر سريالية انه للمرة الأولى في تركيا، يحاكم فيه عمل روائي. وكان على محامي الدفاع ان يترافع عن ابطال روايتي من الأرمن في قاعة المحكمة.
في روايتك تقوم البطلة منى، بارتداء الحجاب بتحدٍ - هل تفهّمت موقفها؟
العديد من النساء يتساءلون: لماذا تختار بعض النساء تغطية رؤوسهن؟ علينا أن نفهم هذه الأسئلة وغيرها. وهذا هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه الحركة النسوية اليوم. ما يثير القلق هو أنه عندما قسموا النساء إلى فئات فإن المستفيد هو الوضع القائم المتمثل بسيادة المجتمع الابوي. في منطقة الشرق الأوسط هناك مشكلة كبيرة لأن النساء يعشن متباعدات مثل الجزر. النساء المحافظات اللاتي يرتدين الحجاب في جزيرة، والمرأة العصرية العلمانية في جزيرة آخرى. أنهن لا يدركن وجود أشياء مشتركة بينهن. وإذا استطعن ان يعشن مثل الأخوات، سيمكن التغلب على صعوبات كثيرة.
من هم قرّاؤك في تركيا؟
يمكنك أن تجدي في حفلات توقيع كتبي، الناشطات النسويات والليبراليات والنساء اللاتي يرتدين الحجاب، والصوفيات، والكرديات واليهوديات ومن الأرمن واليونانيين ومجتمع المثليين. قد لايتوافقن معاً ولكن تنوعهن أمر مهم بالنسبة لي. كانت النخب السياسية تتهمني على الدوام بشتى الافتراءات. أن تكوني كاتبة رواية في تركيا معناه انك ستشعرين وكأنك تتلقين الصفعات على خد والقبلات على الخد الآخر.
عن الغارديان
ترجمة:أحمد الزبيدي - المدى
711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع