الباب الرابع: حرب الأمن الداخلي
الفصل الثاني: الأجهزة الأمنية الاستخبارية في معارك الداخل
التمادي
أدارت الحكومة العراقية للعقود الثلاثة التي سبقت التغيير أمنها بآلية معقدة، تتداخل فيها الادوار والمهام دون أن تتقاطع، كما ورد آنفاً، فأدت الى تنفيذ أهداف السياسة المطلوبة، وتحقيق مكاسب عيش مترف لأعلى المسؤولين، درجات تبعاً للقرب من أعلى قمة الهرم أي الحاكم نفسه والابتعاد عنه بطريقة وكأنها كانت مطلوبة. وضع خاص ادارته الحكومة وحزبها القائد بأجهزةٌ أمنية سُجل لها، فرض سلطة أمن ضابطة قوية، انتجت بأعمالها القسرية تجنب المساس المخل بالحكم لفترة زمنية قاربت الثلاثة عقود ونصف، قاسمها المشترك خوف شديد من التبعات يتداخل نفسياً مع رغبة عارمة في انهاء الحكم، وعدم رضا عنه وعن القائمين عليه، سهلت لغالبية المواطنين قبول ازالته، وكذلك قبول وقع الاحتلال في بداية حصوله على أقل تقدير.
ان فلسفة ادارة الحكم أمنيا في النظام السابق، نفذتها اجهزة امنية متعددة، وساعدتها ونسقت وتعاونت معها، المؤسستين العسكرية والحزبية، من حرس جمهوري وحرس خاص بشكل رئيسي، وجيش نظامي وباقي أفرع القوات المسلحة والجيش الشعبي، وفدائيو صدام بأسبقية ثانية. بإسلوب لاقى نقداً خفياً من قبل الانسان العراقي العادي، ونقداً معلناً من اولئك الذين تركوا العراق وعاشوا معارضة خارجه، بعد ان تمادت هذه الاجهزة في خرق حقوقه البسيطة، وافرطت في استخدام الشدة، وتمادى مسؤولها الاعلى في الاعتماد عليها وسيلة قهر واضطهاد، ملأت الذاكرة العراقية بانفعالات المقت للسلطة والدولة والنظام.
لقد انتهى ذلك النظام، وَحُلتْ بنفس القرار الذي حُلَ فيه الجيش، جميع الأجهزة الامنية والاستخبارية المتمثلة بجهازي الامن الخاص والمخابرات العامة ومديرية الاستخبارات العسكرية العامة ومديرية الامن العامة، وتنفس البعض الصعداء، وكأن ثقلًا قدأزيح من على الصدور. واعتقد الناس العاديين وبعض السياسيين الجدد، ان اسلوب القسر الذي مورس قد أنتهى بانتهائها. وسوف لن يتكرر في العراق الجديد الذي تكون بعد التغيير. الا ان تسعة سنين من العمل الميداني، لم تثبت صحة هذا الاعتقاد. فعندما حتمت ضرورات الامن وادارة الدولة، اعادة تشكيل بعضها، سارت جميعها في طريق كانت بدايته التي ارتبطت مع بداية الخلاص من الديكتاتورية والتمتع بالحرية، صحيحة. وعندما حتم القلق الناتج عن شدة وكثرة الخروق الامنية، زيادة عدد الاجهزة الامنية، والتوسع في هيكليتها، كانت المحصلة قريباً من عام 2012 عدد لها يفوق ذلك الذي كان موجوداً في الزمن السابق، بعد ان شكلت وزارة الأمن الوطني، ومجلس الأمن الوطني، ولجنة وزارية للأمن الوطني، وجهاز المخابرات الوطني، ووكالة الأستخبارات في وزارة الداخلية، والمديرية العامة للاستخبارات والامن في وزارة الدفاع، ومديرية للاستخبارات العسكرية في رئاسة أركان الجيش، ومديرية الشؤون الداخلية في وزارة الداخلية، عدا المليشيات والجماعات الخاصة التي لها أجهزتها الأمنية الخاصة.
علاقة الفعل الامني بطبيعة الانسان
لقد شرعت الاجهزة الامنية والاستخبارية الجديدة في العمل سريعاً وهي في طريق التشكيل وبدأت عملها من نقطة الصفر. عملٌ، كانت بعض خطواته صحيحة، وبعضها الآخر غير صحيح، وكأن غير الصحيح لا علاقة له بالدولة واسلوب ادارتها، بل علاقة له مباشرة بطبيعة الانسان العامل في المجال الامني الجديد، والمسؤول عن العمل في نفس المجال، فتكونت بسبب هذه الطبيعة تجاوزات على الانسان، بانت فيها:
- مشاعر عدائية لرجل الامن نحو المتهم الموجود في الموقف احياناً، حيث الافتراض المسبق لسوء النية، اي الاعتقاد المسبق لرجل الامن قبل الشروع بالتحقيق والتعامل مع المتهم ان هذا المتهم مذنب.
- وبانت في أحيان أخرى، معالم الانسياق الى الاتهام المسبق، وكأن صيغته، نتيجةٌ مسبقة او احتمال سائد، يسعى رجل الامن الى اثبات حقيقته المرسومة في مخيلته، وكأنه الاحتمال الوحيد المطلوب اثباته. حتى اصبح من المتوقع شيوع نفس الاساليب التي كانت متبعة في تعامل هذه الاجهزة مع الانسان، وان لم تصل الى نفس شدتها وسعة تعميمها حتى حلول العام التاسع للتغيير. وسيبقى احتمال التوقع موجوداً، اذا ما مررنا على بعض الوقائع والتقارير التي تصدرها المنظمات الدولية لحقوق الانسان، والتي تؤشر حصول ممارسات، تأتي ضمن سياقات واساليب استنسخت من الزمن السابق، وفاقته في بعض الاحيان الى مستوى ان رئيس مجلس الوزراء، قد وجه شخصياً، اشارة واضحة في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، بينها قناة الفضائية الشرقية في 9 حزيران 2012 بضرورة ايقاف الاعتقالات السياسية. اشارة أو رغبة يبين التلميح لها من أعلى سلطة تنفيذية في الدولة العراقية (2).
أن البعض من الاجهزة في الواقع عاودت التعامل بنفس صيغ التعامل السابقة، وان انتقادات جدية لأساليب الاجهزة الامنية العاملة، بدأت تظهر على الساحة الاجتماعية بشكل واضح المعالم، من قبل المواطنين الذين يمرون بتجربة الاعتقال، وعوائلهم التي تراقب وضعهم من خارج اسيجة الاعتقال، وصلت الى مكتب رئيس السلطة التنفيذية. انها أجهزة اذا ما سنحت لها الفرصة من خلال تكرار عامل أو اكثر من العوامل التي حصلت في السابق مثل:
- مباركة الاعلى أو غضه الطرف عن تجاوزاتها.
- التأثير في القرار الذي يحمي نظام حكم الدولة.
- ضعف سلطة الحساب والمراقبة القضائية والبرلمانية.
إذا ما تحقق ذلك أو بعض منه بقوة فان هذه الأجهزة الحديثة والحالة هذه ستبلغ تلك المستويات "القسرية القديمة" باحتمالات ليست قليلة.
الامن في انتاج الظلم
ان أساليب الاجهزة الامنية المذكورة في النظام السابق وخلال فترة زمنية طويلة انتجت معالم ظلم طويلة ايضاً، امتدت الى عدة عقود من الماضي، وان تأثيراتها في اثارة التوتر نفسياً وسياسياً كبيرة، امتدت الى نفس الفترة الزمنية. وفي المقابل كان دورها في فرض الاستقرار، واضح المعالم، وكان وجودها لأمن المواطن والوطن "غير السياسي" حاجة لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الاحوال. معادلة لاتجاهين يقتربان من التناقض، يبقى تأثير نتائج تفاعلهما سلباً أو ايجاباً على امن الانسان العراقي والوطن مرهونة بمدى سيطرة أو امتلاك سلطة هذه الاجهزة من قبل الاعلى، شخصاً كان أم حزباَ سياسياً، وبمدى عودتها لاستخدام الاساليب المذلة للإنسان صاحب الموقف الاضعف في المعادلة المذكورة.
هذا ولغرض التعريف بطبيعة ونتائج هذه المعادلة التي كان لها الاثر الكبير في تكوين المشاعر والاتجاهات من الدولة، وتشكيل بعض انواع السلوك غير المتوافقة مع التقاليد والحضارة، سنحاول العودة الى الزمن السابق الى تلك الاجهزة الامنية، من الناحية التاريخية على أقل تقدير، لمناقشة وضعها العام وبعض مفردات ادائها، ودورها في نتائج التفاعل لهذه المعادلة الصعبة، والآثار السلبية التي تركتها بقصد الاستفادة مما حصل في الماضي، لصالح الحاضر، ولتقريب الصورة سنقوم بتقديمها من وجهة نظر تاريخية بإيجاز يساعد القارئ على الوصول الى الغاية التي يريد، وسنتجاوز طرح الاجهزة المعاد بنائها في الزمن الحاضر لعدم اكتمال البناء، ولحساسية الجانب الامني في تناول الاداء والجوانب التنظيمية، وبدلاً من هذا سنكتفي بإجراء بعض المقارنات والاشارات العامة التي يمكن ان تفيد في توضيح الصورة جهد الامكان، لعموم الاجهزة الامنية التي كانت موجودة سواء أعيد تشكيلها أو تشكيل بديلاً عنها بتسميات أخرى، تؤدي المهام المطلوبة وتحت التسميات:
جهاز الأمن الخاص.
جهاز المخابرات.
مديرية الأمن العامة.
مديرية الاستخبارات العسكرية العامة.
جهاز الأمن الخاص
تأسس هذا الجهاز منتصف ثمانيات القرن الماضي، بعدد من الضباط العاملين في الأجهزة الأمنية المنحدرين في غالبيتهم من تكريت والمناطق القريبة، وكفاءات فنية معظمهم من مثلث الجزيرة، بمهمة محددة قوامها تأمين الحماية المباشرة إلى الرئيس والعائلة الحاكمة، بعد أن كانت في السابق أحد مهام المخابرات، وأسندت رئاسته إلى القريبين منه، حتى اكتمل تأهيل قصي ليستلم المهام. وفور تسلمه المنصب، سعى لتوسيع هيكليته وصلاحياته، ليكون أخيراً بثمانية مجالات "شعب آنذاك" الاولى لدائرة المدير، والثانية لدائرة المرافق الاقدم، والثالثة للأمن، والرابعة للمتابعة، والخامسة لمراقبة الوزارات والسفارات، والسادسة للاستخبارات، والسابعة للاتصالات الخاصة، والثامنة لدائرة اللجان الخاصة. ترتبط به قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، وكافة المواقع المعنية بالحمايات الخاصة. وتحددت مهامه الأساسية بالآتي:
1. الحماية المباشرة لرئيس الدولة وعائلته والقريبين منه، وكذلك لبعض الشخصيات المهمة في الحزب والحكومة.
2. المراقبة المستمرة للأفراد المهمين في الدولة والحزب والجيش والقوات المسلحة، وكذلك المراقبة الدورية والطارئة لبعض الشخصيات المدنية والعسكرية في المستويات القيادية العليا، التي تثار حولها بعض الشكوك، أو التي ترد عنها معلومات غير مشجعة في جوانب الولاء وعدم الإخلاص.
3. إيجاد نوع من التوازن الرادع مع باقي الأجهزة الأمنية، يحول دون تفرد إحداها بسلطة الأمن العليا، تدفعها إلى الشعور بأحقية التقرب من الحكم، وبما يخل بمعادلة خدمتها للحاكم، ونظام الحكم.
4. إدارة أمن الأجهزة الأمنية والاستخبارية، حيث التنسيب الرسمي لضباط من الجهاز، في شعب أمن الدوائر المعنية أو تجنيد آخرين ليكونوا عيون هذا الجهاز في تلك الأجهزة، بطريقة غير مباشرة.
5. الإشراف المباشر على الحرس الجمهوري والخاص، كقوة حماية وردع أساسية، والسيطرة عليهما امنياً من خلال تنسيب ضباط أمن في تشكيلات، ووحدات تلك القيادات، هم اشخاص من مستويات تحصيلية ومهنية مختلفة، ليسوا بالضرورة أن يكونوا ضباط يحملون رتب عسكرية، اذ ان البعض منهم مدنين موظفين في الجهاز، والبعض الآخر، نواب ضباط عاملين فيه، ووكلائه المعتمدين. يرتبطون من الناحية الفنية بالجهاز مباشرة، ومن الناحية الإدارية بالقيادة العسكرية، التي لا سلطة لها والآمرين على تحركهم، وعملهم الأمني والفني واجازاتهم، حتى بات وجودهم ضغطاً على القائد والآمر بشكل مستمر.
6. الرصد والمراقبة غير المباشرة للقادة والآمرين في القوات المسلحة، من خلال شبكة الوكلاء المنتشرة في عموم الدوائر والوحدات والتشكيلات على اختلاف مواقعها.
مهام غير مباشرة للجهاز
ان هذا الجهاز الذي توسع سريعاً في صلاحيات تصب في اطار معاونة الرئيس فيما يتعلق بالسيطرة على مقاليد الأمور. كانت له مهام بعيدة المدى غير مباشرة، بينها إعلاء مقام قصي شخصياً في الحزب، وبين أعضاء الحكومة الوزراء، ورؤساء المؤسسات والمدراء العاميين للدوائر والأجهزة الأخرى، تمهيداً لتقديمه إلى المفاصل العليا لهرم الدولة السياسي والعسكري والأمني، شخصاً يريدونه مناسباً، لتسنم مناصب ومسؤوليات الإنابة عن والده "الرئيس" في حالة الطوارئ، والظروف السياسية غير الطبيعية. وتبعاً لجهوده الحثيثة، والدعم المباشر من قبل صدام شخصياً، اتخذ الجهاز صورته وهيكليته الفاعلة في السيطرة، بعد ان تأسس في ظروف الحرب مع إيران التي بدأت فيها إفرازات التعامل الطائفي والمناطقي بشكل ملموس، حيث أختير جميع الضباط والموظفين العسكريين والمدنيين للانتساب إليه بمواصفات وأصول محددة، ومن ثم وجهوا ودربوا وكوفئوا بطريقة وجدوا أنفسهم فيها والرئيس بخندق واحد، زادتها تطورات حرب الخليج الثانية تقرباً منه بعد أن أجادوا حمايته في الظروف الصعبة، والدفاع عن نظامه.
ان تلك المواقف التي كوفئ أصحابها من منتسبي الجهاز بالأوسمة والأنواط، جعلته أي صدام يتكل أكثر على هذا الجهاز، بمهام أخرى بدأت بعض الأجهزة تتلكأ فيها أو تُقَصر في بعض جوانبها، وبذا امتدت مهامه إلى:
- التحقيق في معالم التقصير بالجهاز الحزبي والحكومي.
-المراقبة الفنية وغير الفنية للمسؤولين.
- الخدمة السرية في الخارج.
- اقتراح بعض جوانب السياسة الداخلية والخارجية للحكومة.
- القيادة الفعلية لعموم الأجهزة الأمنية التي تنتمي جميعها من الناحية العملية إلى مجلس الأمن القومي، الذي بات قصي رئيسه المباشر عملياً كوكيل لأبيه الرئيس.
انها مهام في الظروف غير الاعتيادية مع الشعور بالتفضيل على باقي الأجهزة، في الرواتب والمنح والمخصصات، جعلت الجهاز يعمل بكفاءة جيدة، ويتمتع منتسبوه بولاء عال للمشرف المباشر، وللحاكم الأعلى، وبمعنويات على وجه العموم تفوق الوسط بكثير. لكنهم ورغم ذلك عانوا في سنيهم الاخيرة قدراً من القلق المستقبلي، ازدادت شدته مع كل تأزم حصل بالموقف العام من القضية العراقية، ومع هذا حافظ بعضهم على وجوده في الموقع المحدد له، لن يغادره الا بعد تلمسه سقوط بغداد.
جهــاز المخـابرات
في ستينات القرن الماضي اوكلت الى صدام حسين مهمة ادارة أمن الحزب، فشكل جهازاً لهذا الغرض، سمي في حينه "جهاز حنين" واثر الاستيلاء على السلطة عام 1968، اعيد تنظيمه وتسميته بمكتب العلاقات العامة، بعد تغذيته بكوادر من الحزب وضباط من الاجهزة الامنية، والحاق الهيئة التحقيقية الاولى والثانية بتنظيمه، وتخصيص مهمة أمن الدولة كواجب رئيسي لإدارته، التي حدد ارتباطها المباشر به "صدام" كنائب رئيس مجلس قيادة الثورة. ومن بعد ان شهد تطوراً ودعماً غير محدوداً، تغيرت التسمية الى مديرية المخابرات العامة، واستمر سعدون شاكر بإدارتها تحت الاشراف المباشر للنائب المذكور، الا انه وبعد محاولة مدير الامن العام ناظم گزار الانقلاب على الحكم، تغيرت المهام، والتسمية لتكون رئاسة المخابرات، وبعد خلاف الاشقاء "صدام، برزان رئيس الجهاز" بعد عام 1980 تغيرت التسمية الى جهاز المخابرات، وأبقي ارتباطه بمجلس قيادة الثورة. كان الجهاز منظماً تنظيماً جيداً، وميزانيته عالية، وكفاءته تفوق باقي اجهزة المخابرات العربية، خاصة فيما يتعلق بجمع وتحليل المعلومات التي تهم الدولة، ومكافحة التجسس، حيث الشبكة الواسعة للأشخاص السريين من منتسبي الدوائر والمؤسسات الحكومية والسفارات والنقابات والاحزاب المعارضة داخل وخارج العراق، والتي تنفذ غالبية المهام الاستراتيجية بينها الاغتيال بأمر مباشر من الرئيس شخصيا. وقد نفذت بالفعل الكثير من أعمال الاغتيال على مستوى الداخل، اشير الى ان بعضها شمل اعضاء كبار من حزب البعث، مثل عبد الكريم الشيخلي، ومعارضين له "الرئيس" مثل فؤاد الركابي وعلى مستوى الخارج، كما ذكر في أعلاه، اغتيالات تتحمل هذه الدائرة مسؤولية تنفيذها، ويتحمل الرئيس مسؤولية اصدار القرار.
ان المخابرات جهاز اشرف عليه صدام منذ البداية، واداره المقربين منه بالإضافة الى سعدون شاكر، عضو القيادة القطرية، الاخوين برزان ابراهيم التكريتي وسبعاوي ابراهيم الحسن، وابن العم عبد حسن المجيد، وهشام صباح الفخري، وصابر الدوري، وشهدت ادارته، احداث موت غير طبيعية، مثلما حصل للسيد رافع دحام الذي توفي بظروف مشبوهة بعد ثلاث ايام من عزله، واللواء فاضل البراك، الذي اعدم بتهمة التجسس لدولة اجنبية، وآخر مدير له، الفريق طاهر جليل الحبوش، ضابط الشرطة السابق المتدرج في سلكها، والأمن حتى الوصول الى الادارة العليا للجهاز، الذي اختفى قبل ايام من سقوط بغداد مباشرة(3)، وقيلت عنه الكثير من الاقاويل التي وصلت حد اتهامه بالعمالة للأمريكان، وانه من سرب معلومات عن اجتماع مفروض لصدام بدار في المنصور، قصف من قبل الحلفاء دون ان يكون صدام لحظة القصف موجود فيه.
الهيكلية التنظيمية للجهاز
تدير المخابرات، عملها عن طريق معاونيات، ترتبط بها مجموعة من المديريات تمت تسميتها على وفق ما تمارسه من أنشطة وأعمال وواجبات مثل:
المعاونية السياسية، التي تدير المديريات ذات الطابع الاستخباري "المعلوماتي" وهي ثمانية مديريات.
معاونية الشؤون العامة، التي تدير الجوانب الادارية، وكل ما يرتبط بها من جهد إداري لازم لتمشية أمور الجهاز، ومكاتب المستشار الفني، والمستشار الأمني، والمكتب الخاص، ومعاونية جمع وتحليل المعلومات الاستراتيجية للدولة، التي تضطلع به بصفة رئيسية المديرية العامة للخدمة السرية (م4) تعاونها مديريات أخرى اختصاصية تؤدي مهامها من خلال:
١. محطات للمخابرات تنتشر في العديد من دول العالم، تقلصت بعض الشيء بعد حرب الخليج الثانية. تدار في المعتاد من قبل السفير أحياناً أو من قبل السفير المفوض أو القنصل العام في السفارة المعنية احياناً أخرى، أو حتى من قبل أحد الموظفين الدبلوماسيين، وتبعاً لعوامل التغطية المخابراتية، ورتبة الدبلوماسي أصلاً في الجهاز" والدولة المعنية. وهي مثل غيرها من المؤسسات قل نشاطها بشكل ملموس بعد الحصار عام 1991، ثم اعيد ثانية بحدود عام 2000، بعد التحسن النسبي في النواحي المالية للحكومة، والانفراج السياسي الملموس في بعض الساحات الملائمة لعملها، خاصة العربية منها والآسيوية والأفريقية.
٢. السفراء العراقيون الذين ينسبون لإشغال هذه المناصب من ضباط المخابرات، أو الذين يرشحون من قبلها، ويهيئون للارتباط بمديرياتها لاحقاً.
٣. المؤسسات الإعلامية، والشركات التي أنشأتها المخابرات في فترة الثمانينات من القرن الماضي على وجه الخصوص.
٤. مراكز البحوث والمؤسسات العراقية، وغير العراقية التي ترتبط بها المخابرات بعلاقات تعاون ودعم مالي.
٥. الجمعيات والروابط والهيئات العامة التي تعنى بالمغتربين، والجالية العراقية والعربية التي أنشأتها المخابرات، أو التي تتعاون معها بطريقة الدعم غير المباشر.
٦. الجالية العراقية في الخارج عن طريق التجنيد بوسائل الترغيب والتهديد المباشر، وغير المباشر.
٧. بعض المعارين للعمل في الخارج، بصفة أساتذة ومدرسين ومهنيين في الدول والمؤسسات العربية، وغير العربية.
٨. التبادل المعلوماتي مع بعض الدول، والمنظمات التي تلتقي مع الحكومة العراقية في أهداف معاداة الغرب، واستخدام أساليب الإرهاب، وغيرها.
٩. شبكة الوكلاء، والمعتمدين في الدوائر والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والشركات الأجنبية في الداخل والخارج.
١٠. التحليل والمتابعة لوسائل الإعلام المقروءة، والمسموعة والمرئية.
١١. الاستراق الفني المنظم.
١٢. المراكز التجارية التابعة للحكومة أو التي أنشأتها في السابق كغطاء لعمل المخابرات وتمويل أنشطتها.
١٣. مكاتب القيادة القومية مثل مكتب فلسطين، ومكتب حركات التحرر، ومكتب سوريا، حيث التنسيق معها لتنفيذ واجبات جمع المعلومات، ومتابعة الجهد السياسي المعارض للنظام.
المهام الرئيسية للجهاز
لقد عمل جهاز المخابرات منذ تأسيسه، وحتى السقوط، بمهنية عالية، وأدى مهام متعددة على المستويين الخارجي والداخلي، تمثلت بالاتي:
١. مكافحة التجسس. وتشرف على العمل فيه مديرية مكافحة التجسس، المعنية بالعمل لما يتعلق بداخل العراق.
٢. ترشيح السفراء والعاملين في السلك الدبلوماسي، وإدارة أمن السفارات، والبعثات الدبلوماسية العراقية في الخارج، من خلال عمليات المراقبة وزرع اللاقطات وأجهزة التنصت، ومسؤولية الحماية الداخلية المباشرة للسفارة، ومتابعة المعارضين ضمن محيط عملها، حتى أنها أنشأت في بعض السفارات المهمة غرف خاصة، مجهزة فنياً للتسجيل الصوتي والصوري، ولحجز المختطفين، والتحقيق مع بعض المراجعين، بإشراف المحطة أي فرع المخابرات في المنطقة المعنية. كذلك مراقبة السفارات، وأعضاء السلك الدبلوماسي المدني العاملين في العراق تبعاً لمستويات مواقف دولهم من النظام.
٣. التنسيق مع جهاز الأمن الخاص ومديرية الأمن العامة، فيما يتعلق بالسيطرة على الشارع العراقي أثناء التوتر والأزمات. حيث التوزيع المخطط لمفارز مداهمة ومراقبة في مفارق الطرق والساحات والشوارع، والمناطق التي يحتمل ان يثار فيها التوتر، وفي الأوقات التي تراها الحكومة مناسبة إبان الأزمات.
٤. مكافحة العمل العراقي المعارض في الخارج من خلال:
أ. زرع الوكلاء في الجسم المعارض، ودعم تقدمهم في مفاصله القيادية.
ب. إرسال بعض الضباط، والمتعاونين كلاجئين في دول تتواجد فيها جالية عراقية، ونشاط معارض ملموس.
ج. شراء بعض الأقلام والأصوات العراقية، والعربية لتشوية سمعة المعارضين، والتقليل من قدر المعارضة من خلال الكتابة في الصحف والمجلات، أو عمل المداخلات الهاتفية في الحوارات الدائرة بين المعارضين من جهة وخصومهم، أو المحايدين من جهة أخرى.
د. رشوة البعض من العرب، والعراقيين ودفعهم للظهور في الفضائيات بقصد التشويه المتعمد لرجال المعارضة وفصائلها.
هـ. الدفع لتأسيس فصائل، وقوى معارضة، تعمل على شق الصف المعارض، وزيادة تشتته وتبعثره.
و. استخدام أجهزة الإعلام الرسمية للحكومة، من أجل الضغط على عوائل المعارضين، وأقاربهم من الدرجة الأولى بقصد الردع من الاستمرار بالعمل المعارض.
ز. دعم بعض الصحف والمجلات العربية، ودفعها للوقوف بوجه النشاط المعارض.
ح. الاتصال المباشر ببعض المعارضين وترغيبهم بالمال والمناصب، لثنيهم عن الاستمرار بالعمل، أو تهديدهم بالبطش لنفس الغاية.
ط. التنسيق والتعاون مـع المنظمـات، والهيئـات الحكوميـة وغيـر الحـكومية، والشخصيات السياسية في الخارج، لما يتعلق بدعم موقف الحكومة العراقية، والتقليل من قدرة المعارضة على التحرك في الساحة المعنية.
ي. استخدام عقود النفط خارج سياقات "النفط مقابل الغذاء"، وكذلك بعض العقود التجارية كرشوة للحكومات "العربية على وجه الخصوص" والشخصيات المهمة لكسب مواقفها باتجاه تحجيم الجهد المعارض، وتكوين مصالح مشتركة يمثل الدفاع عن تحقيقها دفاعاً عن وجود النظام الحاكم واستمراره.
ك. تجنيد الوكلاء في بعض دوائر الأمم المتحدة، ودول اللجوء لتعبير المعلومات عن الاتجاهات السياسية المعارضة لطالبي اللجوء من العراقيين، ومواقفهم من الحكومة.
ل. التدخل في تعيين، جميع الموظفين الدبلوماسيين، وغير الدبلوماسيين التابعين للملحقيات الثقافية والتجارية، والمعلمين المُنَسبين للتدريس في المدارس العراقية، والسعي لربطهم معها، مخابراتياً.
ادامة الزخم المخابراتي
ان المخابرات جهاز، تمتع منذ تأسيسه بدعم قوي من رأس السلطة، حيث الاستناد عليه في غالبية المهام الحمايوية، حتى تشكيل جهاز الامن الخاص، وكذلك في تصفية الخصوم الشخصين، وأولئك الذين يمكن أن يكونوا خصوماً في المستقبل أو الذين يشك بولائهم، أو تآمرهم، وتأسيساً على هذا الدعم تبوأ هذا الجهاز المركز الأول بين باقي الأجهزة، واستفاد من كثر الاحداث التي مرت على العراق، مؤسساً على بعضها واقعاً شكل قفزات كبيرة له باتجاه التوسع في التنظيم والصلاحيات، والتدخل في شؤون القضاء والدولة، خاصة في المرحلة التي أداره فيها برزان، ولحين التشكيل الرسمي لجهاز الأمن الخاص، الذي احتل المركز الأول بدلاً منه ولحين انتهاء النظام. ومع هذه الاولوية، وقوة الدعم منقطعة النظير، فقد تأثر أداء المخابرات، سلباً بعد عمليات العزل والنقل والتقاعد لبعض كوادره إثر نقل برزان منها، وكذلك بعد حرب الخليج الثانية، حيث لم يحض ضباطها بنفس ميزات ضباط جهاز الأمن الخاص من الجانبين المادي والسلطوي، كما تعرض في العشر سنوات التي سبقت التغيير لعمليات خرق منظمة من بعض أجهزة المخابرات الأجنبية، وكذلك من قوى معارضة عراقية، واتهم بعض ضباطه في المفاصل الدنيا بتعاطي الرشوة، وضعفت معنويات ودافعية منتسبيه، بالمقارنة لما كان موجوداً قبل الحرب الخليجية الثانية، وزادت الأمر سوءً عمليات التطهير التي شملت كثير من ضباطه الذين ينتسبون إلى أصول من وسط وجنوب العراق. لكنه ومع ذلك بقي جهازاً فاعلاً متمكناً من إدامة زخم العمل بطريقة جيدة جداً حتى انتهاءه يوم السقوط.
الجهد المخابرتي الجديد
ان جهاز المخابرات، من بين الاجهزة التي اعيد تشكيلها بعد عام 2003، بتسمية جديدة "جهاز المخابرات الوطني" وقد بدأ التشكيل على الطريقة الامريكية، وبدعم امريكي مباشر من الناحية المالية والفنية، وكان اداؤه في البداية يتفوق على باقي الاجهزة الامنية والاستخبارية التي استحدثت معه، وقد نسب لإدارته السيد محمد الشهواني، الضابط المظلي، والرياضي المعروف، الذي عمل معارضاً، ومتهما بالتآمر على النظام "السابق" بمشاركة ولدين من اولاده الذين أعدموا على الفور. لكن الدعم والرعاية الامريكية، انتهت بعد تسليم شؤونه الى الحكومة، بعد الانسحاب عام 2010، حيث لم ينسب مديراً له حتى عام 2012، وابقيت ادارته بالوكالة لمدير مكتب السيد الشهواني. وأخيرا قدمت الحكومة للبرلمان قانون للجهاز بمهام، تمثلت في الآتي:
١. تولي جمع المعلومات وتحليلها عن الجهات المعادية، وملاحقتها، وفق طرق علمية وفنية ومنهجية واضحة لحماية العراق وشعبه.
٢. بث الامن والاستقرار في ربوع العراق.
٣. تقديم المشورة الى الحكومة في مجال الامن الوطني.
٤. رصد النشاطات والمخططات التي تمس أمن وسلامة جمهورية العراق.
٥. اعداد الدراسات والتقارير التي تتضمن التهديدات الدولية المحتملة للأمن الوطني، والمقترحات اللازمة لمواجهة مثل هذه التهديدات.
٦. الكشف عن التخريب والتجسس داخل العراق وخارجه، وعن عمليات انتاج المخدرات أو ترويجها أو الاتجار بها، وحالات الجريمة المنظمة وغسيل الاموال والتهديدات التي تستهدف أمن واستقرار جمهورية العراق وشعبه ونظامه الديمقراطي.
٧. جمع وانتاج وخزن وتوزيع البيانات الاستخبارية ضد النشاطات الاجنبية، والتي يتم الحصول عليها من مصادر متنوعة باستخدام تقنيات الجمع من داخل جمهورية العراق وخارجها.
٨. القيام بعمليات استخبارية مضادة تتعلق بمكافحة الارهاب.
٩. تبادل المعلومات الاستخبارية مع الجهات العراقية والاجنبية ذات العلاقة والكشف عن الاشخاص والمؤسسات والجهات المشتبه بها في تمويل الارهاب.
١٠. توفير الامن للرحلات الجوية المدنية للطائرات العراقية.
١١. القيام بالعمليات الفنية والعلمية الساندة للأنشطة الاستخبارية ذات الصفة العلنية والسرية.
١٢. السعي الى بناء وتشغيل وتحليل نظم التجفير التي تعني بمتطلبات الاستخبارات الوطنية لجميع دوائر الدولة، كذلك القيام باختراق نظم تجفير الاستخبارات الاجنبية.
١٣. القيام بعمليات المراقبة المضادة لكشف انشطة الاجهزة الاستخبارية على الارض العراقية.
وبمحصلة القول، انه تنظيم لعمل مخابراتي داخل وخارج العراق، بتشكيلات تقدم خدمة أمنية لصالح الوطن والمواطن، يحتاج الى الكثير من الجهد ليؤدي مهامه المذكورة، ويلبي حاجة الدولة العراقية الى التحصين من خروقات معادية زادت في التسع سنين الماضية عن الحدود التقليدية، لخروق تحصل في المعتاد لكل الدول والمجتمعات البشرية.
مديرية الأمن العامة
مديرية الامن العامة، تشكيل قديم، بدأ بمستوى شعبة في مديرية الشرطة العامة ثم مديرية ومن بعدها مديرية عامة ارتبطت بوزير الداخلية، ثم عدل الارتباط في الثمانينات ليكون بسكرتير رئيس الجمهورية.
أول مدير لها بعد عام 1968 هو اللواء ناظم كزار، وآخر مدير كان اللواء الركن رافع عبد اللطيف طلفاح "ابن عم زوجة صدام حسين الأولى ساجدة خير الله طلفاح".
سمعة هذه المديرة سيئة حتى في العهد الملكي. اشتهرت في تعاملها مع المواطن العراقي على أساس الشك المسبق، والتوجه الى التخلص منه انسان مشكوك به، قبل تهيئة الأدلة والقرائن التي تثبت ذلك.
تطورت المديرية، وتضخمت بقفزات ملموسة بعد 1968، لها معاونيات وشعب متعددة، حسب الاختصاصات التي تؤمن انسيابية عملها، وتقوم بتنفيذ المهام الرئيسية التالية:
١. مكافحة النشاط السياسي المعارض من خلال مراقبة أكبر شريحة ممكنة من المجتمع العراقي، ومتابعة الشخصيات العراقية المعروفة، والضباط المتقاعدين بالرتب المتقدمة. وزرع الوكلاء والمؤتمنين في جسم الحركات، والأحزاب التي تنشط في الداخل، والعزل الكامل للمواطن العراقي المشكوك بولائه، ومحاصرة تحركه بما يحول دون إمكانية اتصاله، وتواصله مع الفئات المعارضة، ومن ثم تعميم العقوبة درجات على القريبين من الضحية بقصد الردع من ناحية، والعزل السياسي والاجتماعي من ناحية أخرى. كذلك إشاعة القلق والخوف في المجتمع، وبمستوى يدفع إلى الابتعاد عن مصدر الخطر المخيف، الذي يتمثل بالوقوف ضد الحكومة بالقول، أو بالفعل من ناحية، والتقرب من مصدر العقاب أي الحكومة تزلفاً وميلاً لتنفيذ أوامرها بدقة عالية من ناحية اخرى.
٢. فرض السيطرة الأمنية على الشارع العراقي بوسائل وأساليب بينها:
آ. التحكم بوضع المواطن ومستقبله إذ يرتبط حاله الوظيفي والمادي ومستويات استقراره بمقدار ولائه للحكومة والحزب، وابتعاده عن الوقوف بالضد منهما، على وفق قياسات يحددها الجهاز الأمني، ويتحكم بها من خلال الموافقة على التعيين والدراسة والايفاد.
ب. نشر الوكلاء بين كل شرائح المجتمع العراقي ومؤسساته الحكومية والأكاديمية، وغير الحكومية بطريقة تصل فيها المعلومة بسرعة عالية، ودقة معقولة، تجعل المواطن متوجساً في غالب الوقت، من عمل قد لا ترضاه الحكومة، وقول قد يجهر به لا ينسجم ومسيرتها، أو انتقاد يتطرق إليه يمكن أن يثلم هيبتها.
ج. الرد السريع والحاسم لأي تحرك، أو تململ من قبل أشخاص، أو جماعات يُفسر بالضد من الحكومة والقضاء الفوري على وجوده في المكان الذي بدأ فيه، دون السماح بتوسيعه خارج إطار الرقعة الجغرافية لحدوثه، أو بما يسمونه التعامل الميداني مع الحدث، أو كما أطلق عليه صدام "تفجير الفقاعة قبل أن تكبر".
د. إشراك المواطن في تنفيذ العقوبة التي تحددها المديرية او الجهة السياسية العليا بحق الضحايا، بأساليب ومستويات تنفيذ متعددة:
فقرار الإعدام الذي يُتَخَذ بحق هارب من الخدمة العسكرية، ينفذه أعضاء الفرقة الحزبية على مرأى من الأهل والأقارب في منطقة سكناه.
والمخالفة التي يرتكبها الحزبيين أو العسكريين بتفسيرها تجاوزاً امنياً على السلطة او قيمياً على رئيس السلطة، ينفذ اعدامهم رفاق لهم في الحزب والمؤسسة التي يعملون فيها.
والرفاق المشكوك بولائهم، أو الذين يشكل وجودهم في جسم الحزب، والدولة عائقاً لتقدم أقارب الرئيس في الهرم الحزبي والوظيفي، يحاكمهم الرفاق محاكمة صورية متفق مسبقاً على تحديد الأحكام فيها، ويقوم بإعدامهم الأقرب لهم في الخلية الحزبية والمؤسسة الحكومية.
والمتهمون بالانتماء لحركات معارضة تحفر لهم الأمن العامة قبور جماعية، ويجري رميهم بالرصاص على حافاتها من قبل موظفي الدولة بالدرجات الخاصة، والضباط بالرتب العالية والحزبيين بالدرجات المتقدمة.
أما المُعارض الذي لم يتسن لأجهزة السلطة إلقاء القبض عليه، تجبر العائلة على تقديم التبرئة منه علناً في أجهزة إعلام الدولة، وتدفع العشيرة على هدر دمه على مستوى العلن أيضا.
انها اساليب تنفيذ أريد منها، دفع المواطن العادي إلى أن يكون عنصر أمن راصد للمسائل التي تحددها الحكومة مخالفة لتوجهاتها، وبوسائل ترغيب بينها:
- دفع مكافئة مالية لمن يُخبّر عن موضوع يهم الجانب الأمني.
- منح نسب من قيمة البضائع والمعدات المصادرة، عند التبليغ عنها.
- تقديم فرص أفضل للترقي والكسب، لمن يرتبط بها وكيلاً أو متعاوناً أو صديقاً بشكل مستمر، وفي مقابلها وسائل ترهيب فيها اشراك بالعقوبة على نفس مقدار الحكم من لم يقوم بالإخبار عن واقعة تراها الأجهزة الأمنية جريمة أو مخالفة لضوابطها.
٣. فرض السيطرة الفكرية، من خلال:
آ. فرض ضوابط على النشر العام، وفسح المجال واسعاً لنشر وتوزيع ما يتعلق بفكر الحزب والحاكم شخصياً.
ب. حصر الاطلاع على فكر الغير، وعده جريمة يحاسب عليها القضاء الذي تديره الحكومة، ويتدخل في تفاصيله الحاكم والمسؤولين الكبار شخصياً.
ج. عدم إتاحة الفرصة أمام الجمهور العراقي للاستفادة من تقنية الاتصال والتواصل الحديثة.
د. الرقابة الشديدة على المصنفات، والتحكم بالنشر والتوزيع.
هـ. تقييد حركة الفن التشكيلي والمسرحي، وتوجيهه فقط لما يخدم فكر الحزب، وتطلعات الحاكم الفرد.
و. رصد الدعاية، والاشاعة المعادية للنظام، بالتنسيق مع باقي الأجهزة الأمنية، والقيام بنشر إشاعات مضادة، تصاغ في اللجنة الخاصة بالإشاعات في مجلس الأمن القومي، يجري تعميمها على مستوى المجتمع العراقي.
٤. جمع وإدامة المعلومات الخاصة بالعراقيين على كافة المستويات، وتصنيفها حسب الحاجة إليها من خلال:
آ. شبكة وكلاء معتمدين، تغطي كافة المؤسسات والدوائر والمناطق العراقية.
ب مجموعة المختارين في الأحياء والمناطق المرتبطين بالأمن بشكل مباشر.
ج. مراكز الأمن المنتشرة لمستوى الناحية، ومعتمديهم لمستوى القرية في عموم العراق.
د. ضباط أمن الدوائر والمؤسسات الحكومية والجامعات والمعاهد في كل أنحاء العراق.
هـ. مراكز البحوث والدراسات التي ترتبط بعلاقات مع شعب ومراكز الأمن من ناحية، ومع مركز التطوير الأمني التابع إلى الأمن العامة من ناحية أخرى.
و. التنسيق المعلوماتي مع باقي الأجهزة الأمنية.
الاداء الامني
ان الامن العامة، لم تحض في حكم حزب البعث الاول عام 1963 على فرصة التطوير الكافية، لضيق الوقت، وغرق الجهاز الحزبي في خضم التناقضات، والصراع من أجل المناصب وتثبيت سلطة الحزب على الدولة، لكن موضوعها احتل الصدارة، في الاهتمام بعد 1968، لترسيخ دعائم الحكم، لذا بادر في أول خطوة له، بإطلاق يد السيد ناظم كزار، ومجموعته في العمل بما يراه مناسباً لحماية أمن الثورة والحزب. وكان له ذلك حيث تمتعت هذه المديرية بالأفضلية الأولى بين باقي الأجهزة، ولحين اتهامه بالتآمر على الحزب والدولة، الذي دفع الحكومة آنذاك الى:
١. تطهيرها من بعض كوادرها السياسيين بالدرجات الحزبية العليا على وجه الخصوص.
٢. تطعيمها بكوادر اختصاصية من ضباط الشرطة، ومن آخرين يحملون شهادات عليا منحوا رتب بقرارات خاصة.
٣. طلب منها التوسع في فتح المراكز الخاصة لتدريب المنتسبين، وكذلك مراكز للبحوث.
٤. أسندت مسؤولية إدارتها إلى القريبين من الحكومة من تكريت، ومثلث الجزيرة حتى أعادت مركزها عندما أسهمت في توجيه الضربة المؤلمة إلى بعض الأحزاب العراقية المعارضة خاصة الشيوعيين، وحزب الدعوة منذ العام 1979، وما بعده إذ توسعت من حيث التنظيم إلى أكثر من الضعف.
٥. منحت إلى مسؤوليها صلاحيات في المراقبة والمتابعة والإخفاء والاعدام، إلى حد مدير الشعبة المختصة.
٦. الاسهام بشكل فاعل في القتال ضد الانتفاضة في بعض المناطق، وأرسلت بعض ضباطها الشباب مفارز متفرقة إلى مدن الجنوب أثناء حدوثها، لغرض تصوير المنتفضين وتدقيق مواقفهم، والأهم منها حرف المنتفضين باتجاه المناداة ببعض الشعائر، والشعارات الدينية التي توحي طائفية الانتفاضة في بعض جوانبها.
لكن الأمن العامة ومع هذا تعرضت إلى عمليات تطهير وتطعيم بعد عام 1991 ولو بشكل أقل من مديرية المخابرات العامة، والاستخبارات العسكرية العامة، وهذه إجراءات أثرت، ولو بشكل محدود على اداء المديرية المعروفة بكفاءتها الجيدة. يضاف إليها التأثيرات العامة للوضع الاقتصادي المتدني للضباط، والمراتب الذي أثر على نزاهة عموم المنتسبين، وعلى مقدار تفاعلهم مع العمل مهنياً.
هذا ومع أدائها المعقول لمهامها في أواخر ايام النظام، بالمقارنة مع مستوى الأداء العام لهذه الفترة الزمنية، فانه يعد الأداء الأكثر تأثراً بالظروف المحيطة، وبنتائج حرب الخليج الثانية، والتطورات التي اعقبتها، ووقائع الحصار من باقي الأجهزة الأمنية. كذلك يعد منتسبيها الأكثر توتراً في ظروف عدم الاستقرار، والأكثر قلقاً على مستقبلهم في تطورات مرحلة ما بعد التغيير. لأن واقع هذه المديرية، وطبيعة المهام الموكلة لها اقترن بعديد من الأعمال التي مست أمن وكرامة المواطن العراقي بشكل مباشر. حتى تركت آثاراً سلبيةً كبيرة في عقول السياسيين وعموم ابناء المجتمع العراقي، فكانت من بين الدوائر الامنية التي لم يعاد بنائها من جديد، على الرغم من اهميتها، الا انه وبعد ان أدرك السياسيون الجدد هذه الحقيقة، لم يتجرؤوا في اعادة بنائها، فداروا حول موضوعها دورانا من خارج المشكلة، فتوجهوا الى:
- تأسيس جهد أمني في وزارة الداخلية لمستوى وكالة للاستخبارات والتحقيقات الجنائية.
- تشكيل وزارة الدولة لشؤون الأمن الوطني، ترتبط بها مديريات للأمن الوطني في المحافظات، اخذت جزء من المهام التي كانت تؤديها المديرية المنحلة.
- تسييس المسألة الامنية، مثل غيرها من المسائل، ومن بين اروقتها اقترح البعض من السياسيين المشاركين بالحكومة المعارضين لخطواتها في الحكم، فكرة تحويل هذه الوزارة الى جهاز امن داخلي، على نفس سياقات عمل مديرية الامن العامة، وما زال الجدال حتى عام 2012 جاريا، وسيفضي بالمستقبل الى انشاء مديرية عامة للأمن بعد ان يتخلص السياسيون من عقدٍ، تركتها الافعال السلبية لهذه المديرية السيئة السمعة في عقولهم وباقي المواطنين.
مديرية الاستخبارات العسكرية العامة
تأسست الاستخبارات العسكرية مع بداية تأسيس الجيش العراقي، شعبة في مديرية الحركات
العسكرية، بمهام تأمين المعلومات "الاستخبارات" لأغراض القتال، تطورت مع تطور الجيش، وتغيرت بعض سبل عملها من تأمين الاستخبارات العسكرية حصراً حتى عام 1968، لتضاف لها بعد هذا العام مهام تتعلق بمراقبة العسكريين والسياسيين، ومتابعة الانتماءات الحزبية، ورقابة المطبوعات، وغيرها مهام تتعلق بالأمن الداخلي نسبياً، اذ شكلت لبعض هذه الاهداف عام 1969، الشعبة الثالثة وفصيل الامن، ومن ثم سرية للأمن لأغراض التحري والمراقبة والقاء القبض. كما شكلت بعدها شعبة لمتابعة النشاط الكردي، وهكذا زادت شعبها اخيراً عن الثلاثين شعبة، مقسمة على خمسة معاونيات، وهي على وجه العموم كانت تنفذ المهام الآتية:
١. جمع وتحليل، وتصنيف المعلومات التي تهم الجهد العسكري عن العدو والعدو المحتمل، وكذلك الأصدقاء بأسبقية لاحقة، تأخذ في مجاله المعاونية الأولى على عاتقها ذلك، من خلال الجهد المنظم للملحقيات العسكرية الموجودة في بعض السفارات العراقية بالخارج، والتبادل المعلوماتي مع بعض أجهزة الاستخبارات العربية والاجنبية التي ترتبط معها بعلاقات، واتفاقيات خاصة. وعن طريق الوكلاء المعتمدين في الجيوش والمنظمات في الدول الأخرى، والبعثات والإيفادات والدورات العسكرية إلى الخارج، وكذلك البعض من الضباط العاملين في الخارج، ومن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة، وبالتنسيق مع الجهد الاستخباري للأجهزة الأمنية الأخرى، الذي يمكن أن يؤمن معلومات تهم الاستخبارات العسكرية.
٢. جمع وإدامة المعلومات ذات الطابع الأمني والسياسي والاجتماعي عن الضباط وضباط الصف والجنود، من خلال التقارير الدورية لضباط الأمن والاستخبارات في كافة الوحدات والتشكيلات، والقيادات العسكرية. والتكليف الخاص بعملية جمع معلومات محددة. والتقارير السرية السنوية التي ترفع عن الضباط دورياً، وتقارير تقييم الكفاءة. والمعلومات والتقارير التي ترفعها المنظمات الحزبية العاملة في الجيش عن العسكريين والعمل العسكري، إذ يجري تنسيقها مع المكتب العسكري للحزب الحاكم. ثم التقارير التي يقدمها المتبرعون والانتهازيون والوصوليون في إطار ما يسمى بالرقابة الثورية.
٣. المراقبة الدورية والآنية لبعض الضباط القادة من قبل جهازها الخاص بالمراقبة، وكذلك التنسيق مع مديرية الأمن العامة فيما يتعلق بمراقبة بعض الضباط المتقاعدين، وتبادل المعلومات معها عن تحركاتهم، وعلاقاتهم بالمؤسسة العسكرية. ومكافحة التجسس والنشاط الاستخباري في القوات المسلحة، الذي تقوم به معاونية الأمن العسكري على أساس:
آ. المراقبة المستمرة للملحقين العسكريين المعتمدين في العراق، ورصد أنشطتهم واتصالاتهم مع العسكريين العراقيين المستمرين في الخدمة وخارجها.
ب. متابعة الضباط والمراتب، الذين يشك بولائهم وتحديد اتصالاتهم بغير العراقيين.
ج. التنسيق مع بعض الملحقين العسكريين، الذين ترتبط دولهم بصداقة مع الحكومة العراقية لتبادل المعلومات فيما يتعلق بهذه الأنشطة.
د. تكليف الوكلاء المعتمدين في الخارج، واجب المتابعة لنشاط الاستخبارات الاجنبية في القوات المسلحة العراقية.
هـ. التعاون مع بعض المنظمات الفلسطينية، لما يتعلق بموضوع الكشف عن الأنشطة الاستخبارية الاسرائيلية.
و. التنسيق مع المعاونية الفنية في المديرية، لأغراض المراقبة الفنية التي يمكن أن تكشف عن أنشطة البث والاستقبال.
ز. اعادة تجنيد بعض المتورطين مع جهات اجنبية، ودعم ارتباطهم كعملاء مزدوجين.
ح. مكافحة النشاط المعارض في القوات المسلحة، من خلال دراسة التقارير التي ترفع من قبل المتبرعين الحزبيين، وغير الحزبيين عن الشك بولاء البعض من العسكريين، أو انتقاداتهم الحكومة أو التحرك بالضد منها.
ط. تغطية عموم وحدات الجيش والقوات المسلحة، بشبكة وكلاء لرصد أنشطة ومواقف، وتقييم ولاء العسكريين بكافة الرتب.
ي. تقارير ضباط أمن الوحدات والتشكيلات والقيادات.
ك. اجراءات التنسيق مع الأمن العامة، بصدد أنشطة الأحزاب والحركات المعارضة التي يتم رصدها من قبلهم، بالتأكيد على خطوطها العسكرية، ومع المخابرات العامة حول النشاط المعارض في الخارج، وامتداداته إلى المؤسسة العسكرية في الداخل.
ل. متابعة أنشطة الضباط المعارضين في الخارج، ورصد اتصالاتهم مع الضباط في الخدمة، وكذلك الموجودين خارجها.
٤. توزيع الاستخبارات النفسية، اذ ينفذ قسم الاستخبارات النفسية هذه المهمة من خلال:
آ. تحليل المعلومات ذات الطابع النفسي عن المجتمع العراقي، التي ترد القسم للنظر في أمر تحويلها إلى استخبارات نفسية، وتوزيعها للجهات المستفيدة بتقارير خاصة.
ب. تزويد العمليات النفسية "الحرب النفسية" بالاستخبارات اللازمة، لديمومة عملها عند الحاجة.
ج. جمع البحوث والدراسات من المصادر الداخلية، والخارجية، ومحاولة الاستفادة منها، كاستخبارات نفسية مناسبة لبعض المواقف.
د. القيام بأعمال الفحص النفسي لبعض الضباط والمكلفين بمهام خاصة.
هـ. رصد الاشاعات التي تنتشر في القوات المسلحة، وتجميعها، والاشتراك مع باقي الاجهزة الأمنية في لجنة تحليلها، وتولي مسؤولية بث الاشاعات التي تجري صياغتها لعموم القوات المسلحة.
و. المشاركة مع الإعلام وباقي الأجهزة الأمنية في عملية مراقبة المصنفات الإعلامية.
٥. مهام عامة، تنفذها المديرية مثل:
آ. اقتراح نقل الضباط من مناصبهم، وكذلك الإحالة على التقاعد تبعا للمعلومات الأمنية. وإعطاء الرأي الأمني بترقية الضباط، وتكليفهم بالمهام الخاصة، وبتعيينهم في المناصب، وترشيحهم إلى الدورات خارج العراق.
ب. تزويد القوات المسلحة بالاستخبارات السوقية، والتعبوية اللازمة لإدارة معركتها.
ج. المتابعة العامة لوضع وحركة القوات المسلحة، بما يحول دون قيام تشكيلاتها بنشاط مضاد او تمرد عسكري.
عمليات التطوير الاستخباري
ان مديرية الاستخبارات العسكرية العامة، هي الأخرى من بين الأجهزة التي حظيت باهتمام الحكومة السابقة، وتطورت كثيراً في زمنها، إذ أنها وبعد أن كانت لا تتجاوز في شعبها الأربعة، بمهام محددة لجمع وتحليل المعلومات، والأمن العسكري، والشؤون الفنية، والادارية، باتت بعد انفراد صدام بالسلطة، وفي الايام الاخيرة خمسة معاونيات، كل معاونية تتكون من عدة شعب، واحدة تهتم بالمعلومات، وثانية للأمن العسكري، الذي أصبح مديرية في فترة من الفترات، وأعيد تنظيمه معاونية كالسابق، وثالثة للشؤون الفنية، ورابعة لجوانب الإدارة، وخامسة تختص بإيران، ومدرستين لتدريب الكوادر الاستخبارية، احداها للضباط، وأخرى لضباط الصف والجنود، ولها خمسة منظومات استخبارية كانت موزعة على عموم العراق. الشمالية في الموصل، والشرقية في كركوك، والجنوبية في البصرة، والوسطى في كربلاء، والغربية في الرمادي. كما شكلت عدة وحدات للأغراض الخاصة مثل الوحدة 111 للمهام الاستخبارية الخاصة، و212 للمراقبة والتحري، و222 للواجبات الخاصة، وأخرى للحراسة هي الوحدة 777.
لقد اهتمت الاستخبارات العسكرية بتطوير كادرها فنياً، اذ أرسلت الكثير من الضباط في دورات إلى الخارج، زمن الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية ومصر، وهي إجمالاً قد أدت مهامها بشكل كفوء إبان الحرب العراقية الإيرانية، واشتركت بجميع اعمال القمع، وهي وأن قصفت مقراتها إبان حرب الخليج الثانية، وهوجمت منظوماتها التي تنتشر في محافظات العراق، بقيَّ أدائها لم يتأثر بنفس المقدار الذي تأثرت به الأمن العامة، كما إنها استطاعت أن تعيد تنظيمها بسرعة وكفاءة جيدة، لكنها ومع ذلك عانت ولو بشكل أقل من عمليات التطهير الطائفي التي شملتها مثل غيرها من الأجهزة الأمنية بعد العام 1991.
وهي من جانب آخر لها ارتباطات مهنية مباشرة بالمؤسسة العسكرية تختلف عن تلك الارتباطات بين الأمن والشارع العراقي، أو بين المخابرات والمؤسسات الحكومية الأخرى، وهذا الارتباط القريب جعلها تتأثر بواقع القوات المسلحة المتردي، وبالتالي أصبحت معنويات منتسبيها في أواخر ايام الحكم السابق تقل كثيراً عن معنوياتهم المرتفعة ابان حرب الخليج الاولى مع ايران، وكذلك هي مستويات أدائهم، التي تدنت بالمقارنة مع تلك الفترة الزمنية. لكنها وبوجه العموم بقيت مسيطرة وتؤدي المهام المطلوبة منها، ولو تحت طائلة القسر غير المباشر، والمعنويات غير المستقرة الى اللحظات الاخيرة لما قبل السقوط.
التشكيل الجديد
أن الاستخبارات الضرورية للعمل العسكري قد اعيد تشكيلها بعد التغيير، وترافقت خطوات اعادة بنائها من جديد مع خطوات بناء الجيش والقوات المسلحة، وعانت من اعاقات في عملية البناء بنفس المستوى الذي عانت فيه باقي أفرع القوات المسلحة، والمسالة الاكثر خطورة واعاقة في عملية بنائها، كانت وضع منصب مديرها العام حصة لقومية محددة، الامر الذي حدد من خيارات القيادة العسكرية في اختيار الامثل مهنياً، وان كان الضباط من تلك القومية لا يقلون من حيث الكفاءة عن اقرانهم من القوميات الاخرى.
وعلى وجه العموم فان الاستخبارات العسكرية والى عام 2012، قد تعرضت الى انتقادات كثيرة من السياسيين المعارضين للحكومة، ومن بعض الناس العاديين وآخرين عسكريين، لما وصفوه بعدم تقديم ما يكفي من معلومات مناسبة للمعركة الدائرة بالضد من الارهاب، التي تتأسس اهم اركانها على الاستخبارات، وكذلك لما له صلة بضعف الاداء الاستخباري، وهي انتقادات، لم تأخذ بالاعتبار ظروف التشكيل وعقباته، ولم تخلوا من ارهاصات التسييس، الذي لم يستثني اي جهد مبذول.
العمل الامني المشترك
كانت الأجهزة الأمنية في النظام السابق ترتبط جميعها من الناحية الفنية بمجلس الأمن القومي "رئيس الدولة" وبإشراف مباشر من قصي ابن رئيس الدولة، وترتبط إداريا وتنظيمياً برئاسة الجمهورية "سكرتير رئيس الدولة". مما جعلها تعمل بأسلوب متناسق إلى حد ما لتنفيذ ما يريده الرأس الاعلى، وما يعتقده ملائما لبقائه على رأس هرم الدولة. كما إن هذه الأجهزة نفذت واجباتها في مجال الحماية المباشرة، وجمع المعلومات، ومكافحة التجسس، والأمن الوقائي، والتقييد الفكري، والردع النفسي، بضوء الصلاحيات غير المحدودة التي خولت لها من رئاسة الجمهورية، فيما يتعلق بالأمن والحماية، وأخرى محددة يمكن أن تتوسع في ظروف التوتر، وعدم الاستقرار، بتعاون وتنسيق أكبر، وبإشراف مباشر من قبل مجلس الأمن القومي لتنفيذ المهام التالية:
1. استنفار الجهد المتاح لأغراض الأمن ذو الصلة بالحكم، كواجب رئيسي لجهاز الأمن الخاص، والحرس الخاص، وثانوي لباقي الأجهزة الأخرى.
2. المشاركة الميدانية في الشروع بتنفيذ خطط الأمن الخاصة بالطوارئ، لما يتعلق بالحمايات الخاصة، والسيطرة على الأماكن الحساسة في المجتمع والدولة.
3. تشكيل مفارز التدخل في أماكن الاضطراب، والمناطق التي تخرج عن سيطرة وسائل، وأدوات الحكومة الضابطة. كذلك احتواء الشارع في حال وجود مؤشرات للتوتر، والتواجد المكثف في مفاصله المهمة للحيلولة دون حدوث الاضطراب والتمرد.
4. تنفيذ عمليات تقييد فكري "العمليات النفسية" على المستوين العسكري، والشعبي لإبقاء حالة الخوف من النظام قائمة، واستثمارها باتجاه الضبط القسري للمجتمع بكافة شرائحه.
5. تنسيق وتنفيذ خطط الوقاية، والتحسب الخاصة بأعمال الحجز، والاعتقال الاحترازي، والاحتواء الطائفي، والعشائري أثناء فترات التوتر وخلال الأزمات.
الاعتماد على الاجهزة الامنية
لقد اعتمد النظام السابق كثيراً على الأجهزة الأمنية وعول عليها في بعض الجوانب ذات الصلة بديمومة الحكم، والمحافظة عليه في حالات الحرب وعدم الاستقرار، وكان لها الدور الكبير في ميدان القتال الداخلي، والسيطرة على تداعيات الشارع، وكانت لها خبرة جيدة وامكانيات متقدمة في تحريك شبكة الوكلاء المعتمدين، في كافة المحافظات العراقية، خصوصاً تلك التي في مناطق الوسط والجنوب، والشمال الكردي "كردستان" وتحديد سبل ووسائل التوجيه والسيطرة، وانتاج وتعبير المعلومات حسب ضرورات الموقف. وتنسيق الواجبات الخاصة بهم "أي الوكلاء" في رصد تحركات واتجاهات الجهد المعارض، والتغلغل بين الجمهور الثائر في حالة التمرد، ومحاولة تشكيل جماعات بثياب ثورية لحرف منحاه بالاتجاه الذي تريده، وكذلك شق الصفوف.
وتميزت عموم هذه الاجهزة في الزمن السابق بتنفيذ الخطط الموضوعة، للتوغل بعمق المعارضة الميدانية، والعمل في صفوفها، وتنفيذ خطط الحرب النفسية التعبوية خاصة ما يتعلق منها ببث الإشاعات، ونشر الأقاويل والحكايات، وتوزيع المنشورات التي تزيد الخوف والتشاؤم، وتنفيذ العمليات العسكرية الخاصة للأغراض النفسية. وقد تميز عملها من النواحي الفنية بتناوب المسؤوليات فيما بينها، على وفق آلية عمل جعلتها تلتقي جميعها عند سلطة إصدار القرار كمرجع داعم لفاعليتها. وهذه ميزة دفعت في ان تكون مستويات إنجازها لعموم مهامها، أي كانت المهام جيداً بالمقارنة مع باقي أجهزة الدولة، وبكفاءة مقبولة رغم التفاوت في مستوياتها بين جهاز وآخر.
كذلك وفرت هذه المرجعية خاصة بعد انتفاضة عام 1991 فرص جيدة لانسيابية عملها في حماية أمن النظام والحيلولة دون تكرار ازمة اضطراب داخلي يمكن ان تهدده.
تقييم الاداء
تجدر الاشارة هنا الى أن تقييم مستوى فاعلية الاجهزة الامنية في حماية امن النظام في الحرب الاخيرة "الخليجية الثالثة"، بحاجة الى مزيد من البحث والحيادية بعيداً عن اية حساسية سياسية. اذ ان القياس إذا ما اعتمد على الحيلولة دون حصول خرق لأمن الحاكم والمسؤولين السياسيين والحكوميين الكبار، فسيكون التقييم بما يفوق الجيد، اذ ان خرقاً من هذا النوع لم يحصل، على الرغم من الوهن العسكري، والشد العصبي للحرب الاخيرة.
وإذا ما نظر اليه من زوايا العمل الاستخباري الميداني، فان جميعها لم تستطع تحقيق خرقاً مميزاً في صفوف قوات الخصم مع بعض الاستثناءات في جهاز الاستخبارات العسكرية، عندها يصبح التقييم في هذا الجانب مقبولاً.
أما اذا ما تم حساب مستوى التفكك في الهيكلية البنيوية، وبالمقارنة مع باقي افرع القوات المسلحة، والنظر الى متغير بقاء منتسبيها، في مقراتهم البديلة حتى الساعات الاخيرة لما قبل السقوط، فسيكون التقييم هنا اكثر من الجيد.
لقد واجهت هذه الاجهزة مشكلة تقنية بعد عام 1991، حيث الشحة الشديدة في العملات الاجنبية، وطوق الحصار المفروض على العراق، مما دفع السلطة الى تعويض هذا النقص عن طريق التقدم إلى الأمام من الناحية النوعية، حيث التعزيز المستمر للكادر العامل بعناصر تكريتية، وبنسب كبيرة، وإجراء أكثر من حالة تطهير بين المنتسبين بهدف زيادة درجة الولاء التي تصل مستوياتها عند منتسبي جميع الاجهزة الامنية في السنين الاخيرة من عمر النظام الى الحدود الجيدة، مع الأخذ في الاعتبار، التفاوت النسبي بين جهاز وآخر بضوء عدد المنتسبين الذين ينحدرون من نفس الأصول، ومن أبناء العشيرة، والأقرباء التي يتمتع بها جهاز الأمن الخاص بالنسبة الأعلى، يليه جهاز المخابرات، ومن بعده الاستخبارات التي تقترب من الأمن العامة في هذه الخاصية.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/thaqafawaadab/32140-2017-10-01-08-55-18.html
1597 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع