حنان شفيق الكمالي وهي شابة يافعة الطموح
العرب/ عادل الدليمي:دخلت الفنانة العراقية حنان شفيق الكمالي عالم التشكيل منذ صغرها، واختارت الرسم للطفولة وهي وإن غابت بفعل ما حدث في العراق من أحداث سياسية ولظروف عائلية، لا تزال شغوفة بالفن وتحلم بتمريره لأحفادها علهم يكملون مسيرتها ويصنعون لأنفسهم هوية فنية تواصل مسيرة العائلة.
في العام 1957 ولدت الفنانة حنان شفيق الكمالي في بيئة معطرة بأريج الفن والثقافة الخالصة حيث أروقة البيت المليئة باللوحات التشكيلية الباهرة والزيارات المباركة لبيت والدها لكبار الفنانين والمثقفين المعروفين من العراقيين والعرب، والذي كان بمثابة ملتقى إشعاع للنخب الراقية المتسمة بالحوار والنقاشات الجادة في الفن والشعر والأدب.
كانت الطفلة حنان وقتها تشنف سمعها بهذه الأصوات الثقافية النقية والمؤثرة، فضلا عن تبصرها كذلك مليّا بعيون فاحصة بما تشاهده من روائع لوحات والدها الفنان التشكيلي والشاعر والوزير والرمز الثقافي العراقي الشامخ شفيق الكمالي، مع روائع لوحات أصدقائه التي تهدى إليه.
كانت كل هذه الأجواء الخاصة أرضا خصبة ساعدت كثيرا جدا الطفلة حنان وهي تحاول محاكاة لوحات والدها والآخرين، بما تتمكن منه وبإشراف والدها نفسه، حتى تمكنت في الأخير من الإمساك بقوة بمعصم الفن ومفاهيمه الإنسانية والجمالية، وهي تدخل معهد الفنون الجميلة لتصقل موهبتها وتنطلق من خلالها إلى عالم الفن والبراءة.
في هذا الحوار مع “العرب” تسترجع الكمالي البعض من ذكريات مسيرتها، وتجاربها الفنية، وهي تسترسلها بانسيابية، قائلة “من منطقة الأعظمية، أكملت دراستي الابتدائية والمتوسطة فيها وكنت من أعضاء مركز شباب الأعظمية قسم الرسم، من هنا بدأت بتنمية هوايتي المحببة في الرسم. وبعد سفرة أقامتها مدرستي عند افتتاح مكتبة الطفل في المنصور، اخترت قسم الرسم، كانت حينها المشرفة عليه الفنانة المعروفة بتول الفكيكي التي بعد أن شاهدت عملي برسم موديل لإحدى زميلاتي الطالبات، قالت لي أنتِ ترسمين بأسلوب الفنان أميديو مودلياني. حينها فرحت جدا لأنها امتدحتني على خطوط رسمتي، وعند العودة إلى البيت ذكرت لوالدي ما جرى من حوار مع الفكيكي فأخذني إلى مكتبته الشخصية وسحب كتابا جميلا وقال هذا هو مودلياني وهذه مجموعة أخرى من الفنانين العالميين طالعيها وتعرّفي على المدارس الفنية، فهذه انطباعية، وهذه سريالية، والأخرى تكعيبية. من هناك كان التوجه الصحيح والأكيد بعد أن تعرفت على المدارس والرسامين”.
وتضيف “شاركت بعدها في مهرجانات ومعارض مركز الشباب، وكذلك في معارض المدرسة السنوية، وفزت بإحدى جوائز رسامي مدارس بغداد للمرحلة المتوسطة. بعدها قدمت إلى معهد الفنون الجميلة بتأثير من والدي، فلم أكن أعرف وقتها بوجود المعهد وأن الرسم يحتاج إلى دراسة أكاديمية، لقد كنت أظن أن الرسم موهبة ربانية فقط! لكن بعد دخولي إلى المعهد نجحت في الاختبار وكنت من الأوائل فيه لعام 1974، حيث تتلمذت على أيدي أكفأ الأساتذة المعروفين في العراق منهم أسعد الجبوري ونزيهة سليم ورافع الناصري ومحمد علي شاكر وشاكر حسن آل سعيد وسهام السعودي. وكان الجو الدراسي ممتعا جدا ومنه تعرفت على عدة زملاء منهم هناء مال الله وعلي المندلاوي وعمار سلمان وعلي رضا وجاسم الفضل وعبدالحميد الزبيدي وعاصم فرمان وغيرهم”.
وتوضح الفنانة أنها وسعت تجربتها بالتعلم من كل من عرفتهم، حيث تقول لـ”العرب”، “تعلمت من الكل وبدأت بالتأثر بالمدارس الحديثة والتعلم من تجارب الآخرين. وبعد التخصص في المرحلة الرابعة فرع الغرافيك، وبعد أن اختارني الأستاذ رافع الناصري ضمن مجموعته للتخصص والدراسة العملية، حيث كانت توجد في القاعة مطبعة لطباعة إنتاج الطلبة بأيديهم من مواد مختلفة من خشب وزنك واستعمال الأحبار وتدرجاتها، اهتممت كثيرا بمادة التصميم وأحببتها كثيرا وكنا حينها نرسم بوسترات كبيرة الحجم تصل إلى مترين ونشارك بها في المهرجانات الكبيرة. كانت أجمل الأيام وخصوصا المنافسة بيننا في العمل.
كان الجو الدراسي محببا ومساعدا جدا من قبل الأساتذة وخصوصا الأستاذ رافع ومادة التصميم. وأذكر أنه طلب منا يوما تصميم غلاف كتاب من اختيارنا وكانت حصتي كتابا لقصص الأطفال، ومنها كان التوجه للعمل في مجال رسوم الأطفال حيث وجهني للعمل في هذا المجال بعد أن شاهد التصميم الخاص لكتاب الطفل، حينها كان مجموعة من الطلاب يعملون بـ ‘مجلتي’ بصيغة القطعة، منهم هناء مال الله وعمار سلمان وعلي المندلاوي”.
وتتابع “بعد التخرج من المعهد عام 1978 قدمت للعمل في دار ثقافة الأطفال بعهد السيدة أمل الشرقي وكانت سيدة محترمة ومثقفة وشخصية قوية، استطاعت قيادة الدار ورفعها إلى مستوى عال، فقد كان عندها ما تقدمه من إنتاج نوعي وكمي، وهو بالنسبة إليها أهم من كل شيء. كانت تعرف أن أكثر العاملين كانوا من الطلاب ولذلك كان لدينا دوام صباحي وآخر مسائي وكنا نعمل كعائلة واحدة، والعلاقة جميلة بين الكل لأن أغلبنا كنا من عمر واحد تقريبا وما تزال هذه العلاقات متواصلة حتى الآن رغم مرور أكثر من أربعين سنة”.
وتوضح “عند قدومي إلى الدار بقيت أتدرب لمدة سنتين حتى نشر لي أول عمل وقد استفدت من العاملين السابقين منهم مؤيد نعمة ونبيل يعقوب ورضا حسن ومنصور البكري وعبدالحسين محمود. لم تكن التعقيدات الإدارية موجودة أبدا. باختصار، العمل كان يتم في جو فني وعائلي وكانت السيدة أمل الشرقي تقول لنا لا يهمني متى تحضر ومتى تنهي عملك المهم عندي أن تأتي نهاية الشهر وقد سلمتني أربع صفحات سيناريو وغلاف واحد وخمسة موتيفات وكل عمل إضافي له مكافأة، وقد جهزت الدار بأفضل مواد للرسم من ورق وألوان، بعدها شاركنا في الدار بعض العاملين العرب منهم فائزة نوار، وعبدالشافي السيد، وصفوت فريد، وإبراهيم أبوسمرة، فضلا عن دعوة وحضور بعض الرسامين الأجانب منهم الإيطالي لويجي روفيري والإسباني خوان سانشيز”.
وتضيف “كذلك عمل معنا عدد من الرسامين بصيغة العقد والقطعة، وقد قدموا أفضل ما لديهم رغم التحاقهم بالخدمة العسكرية، ولكن عند تمتعهم بالإجازة الشهرية يحضرون للدار لتقديم إنتاجهم. أما أنا فكنت أرسم الكتب، عملت تقريبا على 60 كتابا واتجهت لرسم الأغلفة والبوسترات الإعلانية وعملت على رسوم شخصيات ثابتة منها ‘يوميات باسمة’، و’حنان وسنان’، و’المهني الصغير’. لكن في فترة الحصار الدولي الذي أصاب الدار أيضا كبقية مؤسسات الدولة، وأصبح العمل فيها بأقل عدد من الصفحات للمجلة والكتب طبعت على شكل كراس بالأبيض والأسود، اضطر العاملون فيها للعمل خارجها، وقد رحل عدد منهم إلى الأردن والعمل في دور النشر هناك، كذلك عملت معهم بالرسم لعدد من الكتب بمطابع عمان، وقبلها عملت في مجلة ‘العربي الصغير’ الكويتية، ولكن في فترة التسعينات عملت لدور نشر أردنية”.
وتحكي الفنانة لـ”العرب” كيف “بدأ الوضع العام يتغير، والضغوط تزداد يوما بعد آخر. في العمل والمراقبة الأمنية على كل كلمة وفعل، حيث اعتقل أخي وأبي وبقيت تحت المراقبة الشديدة، وهنا تبين من هو الصديق ومن هو المنافق. لم أستطع الاستمرار في العمل بسبب الضغوط العائلية والمهنية، اضطررت للتقديم على التقاعد والبقاء في البيت والعمل من المنزل وبقيت لرعاية أبنائي الثلاثة إلى حين تخرجهم من الجامعات، لم يتجه أحد منهم للرسم بل اتجاههم كان علميا ولو أن ابنتي البكر قد فازت بالميدالية الفضية في مسابقة شانكر في الهند بعمر 12 عاما، ولكن تغير اتجاهها إلى أن تتخرج من كلية علوم حياة وتعمل مدرسة لمادة الأحياء والاثنان الآخرين كان اتجاههما علميا وأصبحا مهندسين”.
وتشرح “بعد 2003، عدت للعمل في دار ثقافة الأطفال مرة أخرى، ولكن للأسف لم تكن الدار كما كانت ولم تكن العلاقات العائلية الحميمة السابقة موجودة. أصبحت هناك مشاكل وتربص بين العاملين من أجل السيطرة والحصول على المناصب وأصبحت دارا إدارية أكثر مما هي فنية وثقافية، بحيث كان يعمل فيها الإداريون أضعاف عدد الفنيين الذين رحل منهم من رحل وهاجر وسافر وترك العمل، يعطيك كل ذلك إحساسا بأن الدار لم يبق لها دور نهائيا، ويبدو أنه يتم تعيين من ليس له أيّ موهبة أو تخصص بهذا المجال، فقط للحضور آخر الشهر واستلام الراتب. لم يبق شيء من المنافسة الشريفة التي كانت في البداية بل أصبحت المنافسة لا تطاق والنفوس بشعة مع احترامي للطيبين. لذلك لم أستطع البقاء رغم اعتماد المجلة على رسومي بسبب قلة العدد من الرسامين المختصين مما أجبرني على تقديم إجازة مرضية لمدة ثلاث سنوات وبعدها أحلت للتقاعد. حاليا أنا في منزلي أعمل لنفسي بعيدة عن الدار التي تقوم بطبع عدد واحد أو اثنين في السنة، وتعمل على الاعتماد بالحضور والتوقيع صباحا وعدم التأخير وبإنتاج ضئيل جدا عكس الفترة التي بدأت العمل فيها بعهد السيدة أمل الشرقي!”.
حاليا، تقول الفنانة إنها تحاول أن تنقل تجربتها “للأحفاد الصغار، الكبار اتجاههم علمي لكن حفيدي شاهين يبدو أن لديه بعض الموهبة ويحب الرسم، أما آخر الأحفاد فيطلب مني أن أرسم ويكتفي بأن يشاهد ما أرسم ولم يحاول التجربة بعد. أما هواياتي فهي القراءة ومشاهدة الأفلام العالمية وسماع الموسيقى وخاصة الطرب الشرقي. أحب الهدوء والجلوس وحدي أو الجلوس مع صديق واحد أو اثنين. لم تعد لي الرغبة والمزاج للاستماع للأصوات العالية والعيش وسط الازدحام. كذلك أحب تربية الحيوانات وخصوصا القطط ولكن حاليا لديّ مجموعة من الطيور أتابع حركاتها وأتعجب من طريقة تفكيرهم والأسلوب العائلي الذي يجمعهم وروح الدفاع إذا ما أصيب أحدهم وحمايته”.
وتضيف الفنانة في حوارها مع “العرب” بالقول “يبدو أن العيش بهدوء هو الحل الأمثل لراحة البال والبقاء ذكرى جمال الأرواح التي كانت والتي نفتقدها الآن”.
1107 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع