فلاح ميرزا محمود
دراسة منشورة عن الاقوام والطوائف التي سكنت بلاد مابين النهرين كما اوردتها بعض الدراسات التي قام بها لمؤرخين العرب والاجانب والتي توضح بان التسميات التي اطلقت على الكرد والشيعة هي تنبع من مصدر تاريخي يمتد الى قرون قبل الميلاد وقبل الاسلام..
وتعاقبت عليها السنوات الى الوقت الحالي وقدتكون الدراسة لتي تقول بذلك لم يتناولها كثير من الناس والمطلعين بشؤون الاقوام والطوائف حاليا و الذين هم بالواقع يجهلون عن حقيقة ذلك..
يقرّ الكثير من المؤرخين بأن السوباريين هم من أسلاف الكورد، حيث يشير علماء التأريخ والأجناس البشرية الى أنه منذ أقدم الأزمنة التأريخية، كانت بلاد "سوبارتو" يسكنها شعب آسيوي يشتركون في العرق والدين واللغة والثقافة التي كانت تميّزهم عن الشعوب الأخرى. يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن أغلب المناطق الشمالية لوادي الرافدين عُرفت في المصطلحات البابلية بـ "سوبارتو"، وأن سكانها كانوا غير ساميين وغير هندو أوربيين وأن "سوبارتو" هي إسم جغرافي يعني "الشمال أو المنطقة المرتفعة" (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 3).
يذكر العلّامة محمد أمين زكي بأنه في عهد الأكاديين كان إسم "سوباري" عبارة عن تعبير جغرافي يدل على بلاد واسعة جداً تمتد من الشمال الغربي في بلاد إيلام الى جبال الأمانوس، ثم أصبح الإسم يُطلق على عشائر كبيرة في كردستان (محمد أمين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 67).
يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن مصطلح "سوبارتو" الجغرافي دخل التأريخ منذ الألف الثالث قبل الميلاد، على أنها بلاد تقع بين "پاراهشي" في شمالي إيلام وجبال أمانوس المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط غرباً، وفي عهد الملك الأكادي نارام سين، كانت مناطق الگوتيين واللولويين جزءً من سوبارتو (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 3). في أواخر حكم الآشوريين إختفى إسم السوباريين وظهر بدلاً منه إسم شعب آخر يُعرف ب"نايري" ومن المرجح أن يكون النايريين قسماً مهماً من الشعب السوباري ولا تزال آثار الشعب النايري باقية في منطقة "نهري" (شمدينان الحالية) الواقعة في شمال كوردستان الحالي (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 67). المستشرق الروسي " فلاديمير مينورسكي" يذكر أيضاً بأن النايريين هم أحفاد السوباريين وأن السوباريين بدورهم هم أحفاد الگوتيين (فلاديمير مينورسكي: الكرد وكردستان. موسوعة الإسلام، دائرة المعارف الإسلامية، القاهرة، 1929). كما أن المستشرق "تورودانجين" يذكر بأن منطقة "نايري" أو "هوبشكيا" هي وادي بوتان و تم تأسيس حكومة نايرية مستقلة في القسم الشرقي من بلاد النايريين (تورودانجين: رابطة الغزوة الثامنة من غزوات الملك سرجون، باريس، عام 1912). الأستاذ حازم هاجاني يذكر بأن أنور المائي يقول بأن أقدم عشيرة كردية بادينانية هي عشيرة الزيبار وأن هذه العشيرة تنحدر من السوباريين (حازم هاجاني: مجلة متين، عدد 67، صفحة 103).
يذكر المستشرقون بأن الميتانيين هم فرع من السوباريين وأن السكان الذين كانوا يعيشون في شمال بلاد ما بين النهرين كانوا ينتمون أيضاً الى السوباريين (مصدر رقم 1، صفحة 128 – 135). كما يقول السير سدني سمث بان السكان السوباريين القاطنين في أعالي القسم الغربي لدجلة، كانوا معروفين بإسم "الهوريين (الخوريين)" الذين إستطاعوا ان يبسطوا سيطرتهم في القرن 18 قبل الميلاد على القسم الأكبر من ســورية الحالية حتى نهر الفرات وأن المصريين في تلك الفترة كانوا يُطلقون على ســـورية الحالية إسم بلاد "هورو" (مصدر رقم 2).
يذكر "هيرزفيلد" بأن سكان بلاد سوبارتو لم يجرِ عليهم تغيير إثني، بل جرى تغيير أسمائهم، حيث أن إسم "الهوريين" حلّ محل إسم أغلب سكان سوبارتو بعد عصر حمورابي. يضيف "هيرزفيلد" بأنه يظهر من نصوص "بوغاز كوي" التي ترجع تأريخها الى ما قبل عام 1600 قبل الميلاد، بأن الحثيين كانوا يُسمّون اللغة الأكدية ب"بابيبيلي" وهو الزمن الذي يسبق ظهور مدينة بابل وسمّوا لغة بلاد سوبارتو ب"خوريلي" (مصدر رقم 3).
يقول السير سدني سميث: إن ما حصلنا عليه من معلومات عن كوردستان حتى الآن تدلنا مما لاشك فيه أنه كانت في العهود القديمة منطقة تحدها من الشمال بحيرة وان وغربها وادي الخابور وشرقها كركوك وجنوبها بلاد بابل وكان يعيش في هذه المنطقة قوم يُسمّى "شوباري" (مصدر رقم 2).
يعتقد بعض المؤرخين بأن السوباريين والسومريين ينتمون الى أصل واحد وأنهم مرتبطون مع البعض بصلة القرابة أو على الأقل أنهما كانا يعيشان معاً في شمال بلاد ما بين النهرَين قبل إنتقال السومريين الى جنوب بلاد ما بين النَهرَين وإستقرارهم هناك (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198). يذكر الدكتور نعيم فرح في كتابه المذكور أيضاً بأن السوباريين والسومريين ينحدرون من الگوتيين (أسلاف الكورد) الذين كان موطنهم سلسلة جبال زاگروس. إن أسماء كثير من المدن السومرية هي ليست أسماء سومرية، بل سوبارية، أمثال مدن: أور، أريدو، أوروك، سِپار، لارْسا، لَگَش، وكذلك قد تكون المفردات المشتركة بين اللغتين السوبارية والسومرية هي مفردات سوبارية، مثل كلمة "باتيس – باتيز" التي تعني "الملِك" (الدكتور سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري، منشورات الجمعية التاريخية العراقية، بغداد، 1975). هذا يدعم الرأي القائل بوجود صلة القرابة بين السوباريين والسومريين وأن هذين الشعبَين قد عاشا معاً في كوردستان الحالية.
يذكر الأستاذ اسكندر داود بأن السوباريين كانوا من أهم و أقدم شعوب المنطقة (اسكندر داود: الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر. مطبعة الترقي،1959 ، صفحة 119). يقول الدكتور نعيم فرح أيضاً بأن السوباريين (الشوباريين) هم أقدم الأقوام التي سكنت في شمال بلاد ما بين النهرين وسُميّت تلك المنطقة ب"بلاد شوبارتو او سوبار" (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198).
بدأت الحضارة السوبارية قبل الطوفان وكان من بين حُكام سوبارتو آنذاك، الملك "أينمن دور أنّا" الذي جاء بقوانين الحكمة والمعرفة للبشرية بعد إستلامها من السماء بإسم (سر آنو) التي شملت أسرار السماء ولوح الفأل والعرافة. كما أن أن المادة الحضارية لمملكة بابل و آشور مأخوذة من الحضارة السوبارية والسومرية.
ورد إسم "سوبارتو" في النصوص المسمارية المختلفة بصيغ عديدة: سوبارتو، سوبار، سوبير، زوبار، شوبارتو، شوبور...الخ. كانت بلاد سوبارتو تتألف من المناطق الجبلية العالية التي دوّنت من قِبل السومريين بإسم "سوبير". ظهر إسم "سوبارتو" في أقدم صيغة جغرافية سومرية بشكل "سوبير" في لوحة أثرية سومرية التي يرجع تأريخها الى زمن "لوكال – آني – موندو" حاكم مدينة "ادب" في الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، حيث تم تدوين الإسم الى جانب (إيلام وماراهشي وگوتيوم وآمورو وسوتيوم) (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 3؛ محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 67). يمضي الدكتور جمال رشيد أحمد في حديثه في نفس الصفحة المذكورة بأن التسمية الآشورية ل"سوبارتو" هي "شوبارو و شوبريا" وأنه ظهر مفهوم هذا الإسم بشكل (علياتم) في النصوص الأكدية و الآشورية وتغيّرَ المصطلح الى "كوهستان - قوهستان" في العصر المبكر للإسلام و تمت ترجمته الى "بلاد الجبل" و التي شملت مناطق واسعة من أذربيجان و كوردستان، و من جبال البزر جنوب بحر قزوين، متخللةّ جبال زاگروس وطوروس وممتداً الى البحر الأبيض المتوسط و كذلك أرمينيا. كان للسوباريين إله متميز إسمه "علياتم" الذي إتخذ فيما بعد مدلول مقاطعة إدارية ضمن الإمبراطورية الآشورية، بينما إستعمل الحثيون مصطلح "كور أوگو") الذي يعني "البلاد العليا" و التي قصدوا بها المناطق الواقعة بين جبال طوروس و نهر هاليس (خالص).
كما أنه سُميّت بلاد سوبارتو بإسم "سوبارتيم" في نص يعود الى زمن الحاكم الأكادي "نارام سن" الذي حكم عام 2291- 2255 قبل الميلاد. إستمر إستعمال هذا الإسم في العصر الأكادي بمعناه الواسع وشمل جميع المناطق التي تقع شمال بلاد ما بين النهرين، التي كانت تتضمن مناطق اللولو والگوتيين. لقد وردت في النصوص القديمة بأن سوبارتو كانت تضم أيضاً غرب كوردستان الحالي المحاذي لميتان (حازم هاجاني: مجلة متين، عدد 67، صفحة 103).
تم تدوين إسم "سوبار" في النصوص المسمارية بإسم "سوبارتو" لأن اللاحقة "تو" كانت تُضاف من قِبل السومريين كنهاية لكلمات الجهات الجغرافية. لقد تم ذكر إسم "سوبارتو" في لوحات جغرافية قديمة جداً وجِدت في مكتبة الملك الآشوري "آشور بانيبال" والتي تعود الى العهد البابلي، حيث أنه تم تقسيم العالم في هذه اللوحات الى أربعة أقسام: شومر وأكاد في الجنوب الشرقي، إيلام في الشمال الشرقي، عمورو أو بلاد العموريين في الجنوب الغربي، سوبارتو أو بلاد السوباريين في الشمال الغربي. (جورج رو: العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، عام 1986، صفحة 411؛ طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، عام 1973، صفحة 511؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، عام 1992، صفحة 132-133).
يذكر المؤرخ "جرنوت فلهلم" بأن التسمية الجغرافية "سوبارتو" لم تكن تشير دائماً إلى مناطق محددة في شمال بلاد ما بين النهرَين، بل أنها في البداية كانت تدل على جزء من منطقة شمال شرقي دجلة، ثم إتسعت دلالتها لتشمل بلاد آشور وشمالي بلاد ما بين النهرَين، وأضحتْ أخيراً في النصوص البابلية الحديثة وصفاً أدبياً لبلاد آشور (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 29). كما يذكر العلامة محمد أمين زكي بأن بلاد سوبارتو كانت تمتد من شمال غربي بلاد إيلام حتى جبال آمانوس التي تقع غربي نهر الفرات بين لواء أسكندرونة وولاية أظنه (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، عام 1961، صفحة 67).
في سرد أسماء البلدان التي غزاها سرجون الأكادي الكبير، يشير نص مسماري الى حدود تلك البلدان. فيما يخص حدود بلاد سوبارتو، جاء في النص المسماري المذكور بأن بلاد سوبارتو كانت تمتد من "إيلام" الواقعة في شرق كوردستان الحالي الى جبال الأرز (جبال الأمانوس). كما يذكر بعض النصوص الأكادية بأن سوبارتو كانت تضم شرق كوردستان الحالي والجزيرة الوسطى والعليا وسوريا الحالية، ممتدةً الى حدود إسرائيل الحالية، وكانت بلاد سوبارتو تضم أيضاً قسماً من أرمينيا وبلاد الأناضول.
خلال الحكم السوباري، كانت القرى تخضع لسلطة المدينة المجاورة لها والتي كان يرأسها حاكم يُسمّى "باتيس – باتيز" الذي يعني الملِك باللغة السوبارية والسومرية وعندما كانت سلطة مدينةٍ ما تزداد قوةً، كانت هذه المدينة تقوم بإخضاع بعض المدن الأخرى لسلطتها و حينذاك كان حاكم تلك المدينة يُلقّب ب"لوكال" (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198).
السوباريون كانوا شعباً مسالماً، لذلك كانت الحضارة السوبارية مبنية على السلم و السلام ولم يقم السوباريون بإستعباد الشعوب الأخرى أو إحتلال أوطان هذه الشعوب، بل أنهم نقلوا حضارتهم الى شعوب المنطقة.
يذكر علماء الآثار الألمان "فون أوبنهايم" و "هيوبرت شميدت" و "ناومان" بأن مملكة سوبارتو كانت مهداً لمدنية ذات طابع خاص، حيث أقام السوباريون حضارة مزدهرة وأن الآثار التي إكتشفوها في "تل حلف" وفي "جبلة البيضا" تشير الى إزدهار الزراعة و التجارة و بناء المدن في بلاد سوبارتو (مصدر رقم 4، 5).
كان للسوباريين علاقات تجارية مع كل من أرمينيا و أسيا الصغرى، حيث تم العثور على لوحات أثرية تحوي مراسلات تجارية مشابهة لتلك الموجودة في الوقت الحاضر. كان للسوباريين تجّار و عملاء مقيمون في مملكة آشور و غيرها من الممالك لمساعدة مملكة سوبارتو في إزدهار تجارتها مع ممالك المنطقة. من بين السلع التي كان السوباريون يقومون بتصديرها الى جنوب بلاد ما بين النهرين، هي النحاس والقصدير والأقمشة والملابس و الجلود و الزيوت. كان يتم نقل صادرات بلاد سوبارتو عن الطريق المائي عبر نهرَي دجلة والفرات و كذلك نهر الخابور، حيث عثر "فون أوبنهايم" و زميلاه على مرفأ نهر يعود للسوباريين (مصدر رقم 4، 5).
كانت اللغة السوبارية هي أقدم اللغات وكذلك كتابتها المسمارية، حيث أن الحضارة السوبارية نافست الحضارة السومرية حتى في ظهور الكتابة بل وفي تدشين العصور التأريخية، حيث أن هناك الكثير من المفردات السومرية المأخوذة من اللغة السوبارية (الدكتور سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري، منشورات الجمعية التاريخية العراقية، بغداد، 1975).
هناك تشابه في لغات أسلاف الكورد الگوتيين و الكاسيين و الكردوخيين و اللولويين و السومريين و السوباريين و الهوريين وغيرهم من الأقوام الزاگروسية. يذكر السير سدني سميث بأنه ليست هناك أية علاقة بين لغة هؤلاء الأقوام ولغات الأقوام السامية. هذا يعني بأن اللغة السوبارية هي ليست لغة سامية. كما يعتقد علماء الآثار الألمان "فون أوبنهايم" و "هيوبرت شميدت" و "ناومان" بأنه يمكن تصنيف لغة السوباريين ضمن مجموعة اللغات القوقاسية (مصدر رقم 4، 5). يؤيد هذا الرأي المستشرق الجورجي "مار"، حيث يقول بأن الكورد هم شعب أصيل، وهم أقرباء الكردوخيين وأن لغتهم القوقاسية الأصلية إندمجت مع اللغات الهندوأوروبية للعناصر الآرية التي هاجرت الى كوردستان الحالية (ن . ي . مار: مدونات القسم الشرقي للجمعية الآثارية الأمبراطورية الروسية. سان بطرسبورغ، المجلد 20، 1912 م، صفحة 99 – 151).
كان تقديس الطبيعة وعبادة قواها سائدة في معتقدات السوباريين، حيث كان الصليب المتساوي الأضلاع الهوري – الميتاني كان رمزاً للإله "ميثرا". لا يزال يتم رسم هذا الصليب على أجساد الأطفال المرضى ويتم وضعه في رقاب الأطفال والحيوانات الأليفة، كما يتم رسمه على الأدوات المنزلية. لذلك كانت عبادة الشمس من العبادات السائدة عند شعوب الشرق الأوسط ومصر (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 27). لا يزال تقديس الشمس باقٍ في بعض الأديان الحاضرة مثل الديانة الإيزيدية و الكاكە-;-ی-;-ی-;-ة. كانت الشمس هي الإله الأول للسوباريين ومن ثم تأتي الكواكب الأخرى وخاصةً كوكب الزهرة والقمر، بعد الشمس في القدسية و العبادة. كما أنه من المفيد القول بأن السوباريين كانوا يحترمون الأديان الأخرى، الى جانب إحتفاظهم بمعتقداتهم الدينية و كانوا يمنعون التطرف والعنف. كان السوباريون و الأقوام الزاگروسية القديمة الأخرى يجعلون مقابر موتاهم بإتجاه شروق الشمس نتيجة تقديسهم لإله الشمس وكانوا يدفنون حاجيات الشخص المتوفي معه في قبره.
إكتشف علماء الآثار في "زيبار" أنقاض مدرسة لتعليم الأطفال التي يعود تأريخها الى العصر السوباري، حيث تم العثور فيها على قرميدات عليها دروس للأطفال والشباب في علوم الحساب وجداول الضرب والمعاجم. كما تم إكتشاف كُتب عديدة و رسائل التي كانت عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وفلكية و نصوص تأريخية.
كانت مدينة "شريش" من المدن السوبارية الشهيرة، حيث دافع عنها السوباريون دفاعاً مستميتاً عندما حاصرها الملك الآشوري تيجلات بلاسر الاول، كما أن مدن كركوك وكفري وخورماتو وآمد (ديار بكر) من المدن السوبارية القديمة الباقية الى يومنا هذا.
لقد عثر علماء الآثارعلى بعض الأدعية الدينية، التي تُشير الى أنه كانت للمرأة مكانة مرموقة في المجتمع السوباري، حيث كانت المرأة متمتعةً بحريتها و إستقلاليتها في كثير من الأمور. الآثار المكتشفة تدل أيضاً على أن المرأة كانت تؤدي الأعمال الكتابية في الدواوين (جورجي زيدان: العرب قبل الاسلام. الجزء الأول، الطبعة الثانية، دار الهلال، 1922، صفحة 67).
وهناك ايضا دراسة تتناول الاقوام الاخرى التي قد تكون ايضا ضمن الجغرافية المسماة اقوام مابين النهرين اطلقوا عليهم اسم الشيعة ولا ادري ماهو المقصود بتلك التسمية التي قد تكون لاتشبهة ماهو معروف اليوم ولنرى ماذا قالوا عن ذلط
الدلائل التأريخية تُثبت بأن شيعة العراق الحالي و شيعة خوزستان الإيرانية هم آريون من أحفاد الإيلاميين (العيلاميين) و السومريين و الميديين. كانت مملكة إيلام تضم اجزاءً من بلاد ما بين النهرَين وشرق ايران، حيث كانت حدود الدولة العيلامية تمتد من أصفهان شرقاً و ضفاف نهر دجلة غرباً والخليج جنوباً والطريق الموصل بين بابل وهمدان شمالاً. بلاد سومر كانت تمتد من المدائن (سلمان باك) الى القفقاس. كانت تحد الإمبراطورية الميدية من الشرق أفغانستان، بل كان بعض أراضي أفغانستان جزء من ميديا، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال مناطق "كادوس" فيما وراء نهر آراس ومن الجنوب الخليج الفارسي، حيث كانت الإمبراطورية الميدية تضم كلاً من فارس و أرمينيا و آشور و إيلام و هيركاني و شمالي شرقي سوريا و جزء من باكستان على المحيط الهندي. من خلال الحدود الجغرافية لمملكة إيلام و بلاد سومر و الإمبراطورية الميدية نرى بأن منطقة وسط و جنوب العراق الحالي كانت جزءً من هذه البلدان الثلاث. في هذه المقالة أشير بشكل مختصر الى الأصل الآري لشيعة العراق و شيعة خوزستان في إيران، حيث سأنشر دراسة متكاملة عن كون السومريين أسلاف الكورد و شيعة البلدَين المذكورَين في سلسلة مقالات مستقلة.
يذكر كل من هنري فيلد و عالم الآثار سيتن لويد بأن سكان الأهوار في جنوب العراق هم أحفاد السومريين. كما يقول الدكتور شكر مصطفى سليم بأن عشائر سكان أهوار دجلة، أي المجموعة الشرقية، كانوا منذ أزمنة بعيدة على إتصال وثيق مع جيرانهم الشرقيين عن طريق الهجرات والتزاوج وعلى نفس المنوال كان سكان أهوار الفرات، أي المجموعة الغربية على إتصال مع جيرانهم البدو. يقول هنري فرانكفورت بأن منطقة الأهوار في جنوب العراق كانت مأهولة منذ الألف الخامس أو الرابع قبل الميلاد و أن سكانها قد قدموا من كوردستان.
هذه الإكتشافات و الدراسات تُثبت بأن سكان الجنوب العراقي و الكورد ينتمون الى شعب واحد. الشيعة في العراق كانوا يعيشون على الضفة الشرقية لنهر دجلة في محافظات واسط و ميسان و بغداد و ديالى الحالية، حيث كان الكورد يُشكّلون أغلبية سكان الوسط و الجنوب العراقي آنذاك، إلا أنهم عُرّبوا و إستعربوا بعد الغزو العربي الإسلامي لبلاد ما بين النهرين في زمن عمر بن الخطاب. هكذا فأن الكورد و الشيعة، لا يشتركون فقط في الظلم التأريخي الذي تعرضوا له عبر تأريخهم الطويل و كونهم ضحايا المقابر الجماعية و الأسلحة الكيمياوية و الإبادة الجماعية، و إنما هم أيضاً يرتبطون بصلة الدم و القربى، حيث أنهم أحفاد الإيلاميين (العيلاميين) و السومريين و الميديين. الشعبان الكوردي و الشيعي هم أحفاد السومريين الذين بنوا أول حضارة إنسانية متمدنة على أرض الرافدين في العالم. هكذا فأن الغالبية العظمى من الشيعة الناطقين بالعربية هم مستعربون، تجري في عروقهم دماء كوردية، حيث كان وسط و جنوب العراق موطناً للكورد الذين إستعربوا مع مرور الوقت بعد إحتلال المنطقة من قِبل العرب.
في كتابه "الجبايش" - الجزء الأول، ينقل الأستاذ شاكر مصطفى سليم رأي بعض علماء الانثروبولوجيا، من أمثال العلماء هنري فيلد و سيتن لويد وثيسيغر، بأنهم قد لاحظوا الشبه الكبير بين سكان الأهوار و الإيلاميين و السومريين، من حيث مقاييس الرأس و البنية الجسدية و الأدوات الزراعيه و آلات الصيد المستخدمة. كما أنهم يذكرون بأن نمط حياتهم و ظروفهم المعيشية تشبه الى حد كبير نمط حياة و الظروف المعيشية للسومريين. كما أن مضائف شيوخ سكان أهوار العراق الدائرية والمبنية من القصب و الطين تشبه بشكل كبير هياكل المعابد السومرية.
لهجة سكان وسط و جنوب العراق لا تزال تحتفظ بكثير من الألفاظ السومريه مثل الكلمات (أزا "عزا"، ماشه، ماكو، مسكوف، مشط) وغيرها من المفردات التي لا يزال شيعة العراق يستخدمونها. كما أن السكان الشيعة لا يزالون يستعملون في لغة التحادث العديد من الحروف الكوردية "السومرية" التي لا توجد في اللغة العربية، مثل "چ" و "گ".
بلا شك، نحتاج الى الكثير من التنقيبات الأثرية و البحوث و الدراسات للتعمق في تأريخ المنطقة و الإهتداء الى الحقائق المتعلقة بتأريخ الأقوام القاطنة في منطقة الشرق الأوسط و كشف الحلقات التأريخية المفقودة و إلقاء الضوء على الجوانب المبهمة من تأريخ المنطقة. إن التقدم البشري الحالي و ثورة المعلومات و الإنترنيت و الكومبيوتر و سقوط النظام البعثي في العراق، كلها يمنح فرصة ممتازة لعلماء الآثار بالتنقيب و البحث عن الآثار القديمة، خاصة في كوردستان و وسط و جنوب العراق. الظروف الجديدة توفّر أيضاً مجالاً واسعاً للباحثين في مجال التأريخ القديم، للبحث في ثنايا الوثائق و المستندات و الرسائل و الكتب القديمة للكشف عن المزيد من المعلومات التأريخية عن الكورد و الشيعة و الأقوام الأخرى القاطنة في منطقة الشرق الأوسط. إن القيام بمثل هذه التنقيبات ضرورية جداً، حيث أن تأريخ المنطقة تم تزويره و تشويهه من قبل الحكام و المؤرخين العنصريين. إن تصحيح و تنقيح المعلومات التأريخية و تقديمها بشكل موضوعي و شفاف، بات مُلحّاً و ضرورياً لتبيان الحقائق التأريخية و الأدوار التي قامت بها الأقوام و الشعوب و الأمم في المنطقة و الأحداث و النشاطات و الفعاليات التي وقعت في هذه المنطقة، لإنصاف هذه المجاميع البشرية و معرفة دور كل منها في كتابة و تسجيل التأريخ الإنساني القديم و مدى مساهمتها في بناء الحضارة الإنسانية. كما أنه من المهم جداً أن يقوم اللغويون بدراسة لهجة سكان وسط و جنوب العراق و المفردات اللغوية المتداولة في هذه المنطقة لمعرفة التواصل اللغوي للشيعة مع اللغة السومرية و الكوردية.
كما تجدر الإشارة أيضاً بأنّ بلاد ما بين النهرين كانت تحمل إسماً كوردياً وهو (سورستان) أي (البلاد الحمراء) قبل الإحتلال العربي لها، حيث أنها سُمّيت بهذا الإسم نظراً لخصوبة أرضها و حَمارها بسبب النسبة العالية للحديد في تربتها.
إنّ الإسم السومري لمحافظة ميسان (العمارة) هو (ميشان)، حيث أنّ كلمة "ميش" في اللغة الكوردية تعني "حيوان" و اللاحقة "ان" هو علامة الجمع و بذلك إسم "ميشان" يعني "حيوانات". في يومنا هذا تعني كلمة "ميش" في اللغة الكوردية "الحيوان"، و كذلك تعني "الفأر و الذباب" و "ميشوله" تعني "بعوض". كما لا تزال هناك منطقة تقع بين مدينة العمارة و مدينة الأهواز تُسمّى ب"دَشت ميشان"، حيث أنّ "دَشت" باللغة الكوردية تعني "خارج أو إمتداد أو براري" و ذلك لكون "دَشت ميشان" تُشكّل إمتداداً لمدينة ميسان (ميشان). كما أن الأستاذ محمد جميل روژبياني يذكر بأن كلمة "الهور" هي مفردة كوردية و أن الكلمة الكوردية "هوراو" تعني "المستنقعات".
من الدلائل الأخرى التي تُثبت بأن السكان الحاليين في جنوب و وسط العراق هم أحفاد الكورد و لا ينتمون الى العرب بأية صلة تُذكر، هي الأسماء الشخصية للمواطنين الشيعة في وسط و جنوب العراق، حيث أن أسماء الكثير من أسلافهم هي أسماء كوردية خالصة، ربما قد تمت عليها بعض التحويرات البسيطة التي حدثت خلال الحقب التأريخية المتعاقبة التي مرت بها المنطقة. على سبيل المثال، لا الحصر، الأسماء الشيعية (سباهي) متحورة من الكلمة الكوردية (سپاه) التي تعني (جيش) و (إبريسم) المأخوذة من الكلمة الكوردية (هوريشم) التي تعني (الحرير) و (چلاب) الآتية من الكلمة الكوردية (گول آو) التي تعني (ماء الورد) و الإسم الشيعي (خنياب) المأخوذة من الكلمة الكوردية (خوين آو) والتي تعني (ماء الدم أو ماء الحياة). كلمة (شروگي) التي تُطلق بالعامية العراقية على الشيعة والتي تعني (شرقي)، هي للإستدلال على أن منبع الشيعة هو الشرق أي شرق دجلة (كوردستان).
الشعبان الشيعي و الكوردي كلاهما ينحدران من السومريين الذين أسسوا أول حضارة مدنية متقدمة في العالم. الشيعة، كإخوانهم الكورد و الفرس و البلوش و الأفغان و غيرهم في المنطقة، ينتمون الى الأقوام الآرية و ليست لهم أية صلة بالساميين. من هنا يتأكد المرء بأن الشيعة في وسط و جنوب العراق و في خوزستان هم مستعربون. بعد الإحتلال العربي الإسلامي لبلاد الرافدين، تم تعريب القسم الأكبر من الكورد القاطنين في وسط و جنوب العراق و الذين يُشكلّون الشيعة العرب (المستعربين) العراقيين، بينما إستطاع قسم آخر من سكان المنطقة الإحتفاظ بقوميتهم و لغتهم الكوردية وهم الكورد الفيليون. من هنا نرى أن الشيعة و الكورد ينتمون إثنياً الى شعب واحد و يرتبطون برابطة الدم و القرابة، بالإضافة الى العلاقات التأريخية و رابطة الجيرة و المصالح التي تربط بين الشعبين منذ فجر التأريخ. بعد الحكم الطائفي في بلاد الرافدين الذي بدأ في أواخر عهد الخلفاء الراشدين، تحمل الشيعة و الكورد معاً الإضطهاد و القتل و الإلغاء و الفقر الذي فرضها عليهم الطائفيون الغرباء، الى أن تكللت جهودهم و نضالهم المرير، التي إستمرت لقرون طويلة، بالنجاح، حيث إستطاعوا إزاحة الحكم الطائفي البدائي في العراق في سنة 2003 ليصبحوا أحراراً في بلدهم لأول مرة في تأريخهم الحديث. إذن العلاقة بين الكورد و الشيعة هي ليست وليدة اليوم، و إنما تمتد جذورها في عمق التأريخ، حيث ينحدرون من السومريين. إنها علاقات صميمية شامخة، متأتية من تراكمات وشائجية هائلة عبر التأريخ.
من الجدير بالذكر هو أن أول نزوح عربي بدأ الى الحيرة في القرن الرابع الميلادي، حيث وافق الساسانيون على نزوح العرب و جعلهم رعية لهم لإستخدام العرب النازحين في محاربة البيزنطينيين الذين كانوا يحكمون سوريا آنذاك. البيزنطينيون أسكنوا بدورهم قبائلاً من العرب االغساسنة قبالة الساسانيين، مستخدمينهم كدروع بشرية ضد الهجمات الآتية من الساسانيين. عند نزوح القبائل العربية الى العراق الحالي في القرن الرابع للميلاد، كان الكورد يُشكّلون أكثرية سكان العراق، حيث أن الكورد هم الذين وضعوا اللبنات الأولى لصرح مدينة بغداد.
قد يتساءل المرء لماذا تم إستعراب سكان وسط و جنوب العراق بعد إحتلال المنطقة من قِبل العرب خلال العهد الإسلامي، بينما كان من المفروض عملياً أن تصبح الأقوام الغازية، التي كانت تشكل الأقلية بين سكان المنطقة المحتلة، جزء من السكان الأصليين و تذوب فيهم! إن هذه الحالة العكسية حصلت نتيجة أربع أسباب رئيسة. العقيدة الإسلامية و لغة القرآن العربية ساهمتا بشكل كبير على هيمنة اللغة العربية و الثقافة العربية على لغة و ثقافة السكان الأصليين في وسط و جنوب العراق. العرب المحتلون كانوا أكثر قوة من السكان الأصليين، بدليل تمكنهم من إحتلال بلاد الرافدين، و شدة بطش و عنف المحتلين العرب، كانت عاملاً آخراً في تعريب شيعة العراق. منطقة وسط و جنوب العراق هي محاذية و قريبة للجزيرة العربية، التي منها إنطلق العرب المسلمون للإستيلاء على المنطقة، مما سهّلت من عملية إستعراب الشيعة، حيث أن وقوع المنطقة بجوار موطن المحتلين، ساهم في إحكام قبضة المحتلين على المنطقة و السيطرة عليها و التحكم بحياة السكان الأصليين و إرسالهم قوات كبيرة الى الوسط و الجنوب العراقي لتعزيز حكمهم و سيطرتهم على المنطقة و التي أدت الى زيادة هيمنتهم و نفوذهم فيها. كَون جنوب و وسط العراق منطقة سهلية مفتوحة، تفتقد الى تضاريس أرضية دفاعية، ساهم في تسهيل عملية تعريب الشيعة لسببين: الأول أن تضاريس المنطقة أجبرت سكان المنطقة على الخضوع للمحتلين بسبب عدم قدرتهم على المقاومة، و السبب الثاني هو أن الطبيعة السهلية للمنطقة ساعدت على سهولة إختلاط و إحتكاك السكان الأصليين مع المحتلين العرب و التي ساعدت في سيادة اللغة العربية و الثقافة العربية في المنطقة و تعريب سكانها.
لولا الطبيعة الجبلية المحصنة لكوردستان و ُبعد القسم الجبلي من كوردسان نسبياً من الجزيرة العربية، ربما كان الكورد الجبليون سيواجهون نفس المصير الذي واجهه إخوانهم الكورد في وسط و جنوب العراق و كانوا يستعربون مثلهم. هكذا بالنسبة للفرس و الباكستانيين و الأفغان و غيرهم من الشعوب التي أُجبرت على إعتناق الدين الإسلامي، بعد إحتلال بلدانهم من قِبل العرب المسلمين، حيث أنه لولا بُعد بلدانهم عن الجزيرة العربية و الطبيعة الجبلية لبلدانهم، لَكانوا قد إستعربوا، كما حصل لسكان الوسط و الجنوب العراقي الشيعي.
المصادر
المسعودي (1981) . مروج الذهب ومعادن الجوهر. الجزء الرابع، الطبعة الرابعة، دار الأندلس / بيروت، الصفحة 60.
باجلان، إبراهيم (2002). حول العلاقة بين السومريين و الكرد الفيليين و الحقائق. جريدة الإتحاد، العدد (455) و الصادر في 11/1/2002.
683 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع