من تراث وفلكلور السليمانية .... المطبخ الكوردي ... الجزء الثاني
يتميز الكورد بامتلاكهم لتاريخ عريق مليء بتراث ثري من العادات والتقاليد المميزة، والتي أعطت لهذا الشعب تميزه وتفرده عبر العصور، ويفصحُ الطعام لدى الأقوام عن طبيعتها ومستواها الحضاري والاقتصادي والاجتماعي، ولم يغفل ريج وهو رحالة وعالم آثار والمقيم البريطاني في العراق،عندما سافر إلى كردستان سنة 1820، ما كتبه في مذكراته حول طريقة الكورد عند تناول الطعام، قال: (أنهم يأكلون برزانة وتَأَنٍّ وتمهُّل، ويتحدثون خلال الأكل، ويطول وقت الطعام عندهم، وهم ينفرون من طريقة التهام الطعام، وكان معجباً بطبيعة الطعام بشكل عام، وكذلك بتعامل الكوردي مع عادات الطعام اذ لاحظ التؤدة وعدم الاستعجال وإعطاء الوجبة حقها الاجتماعي، فهي ليست عملية تناول غذاء وحسب بل هي مسامرة ومجالسة ومحبة بين افراد العائلة ومع الضيوف اذا كان مشاركين المائدة، كما اشاد بالطهي الجيد للطعام،
وشرح بالتفصيل جهاز الشاي فتضع ربة البيت قوري (ابريق) الشاي فوق السماور وبجانبه حوض لغسل الاطباق والفناجين، مع السكر الاعتيادي الناعم وسكر الدشلمة ويقدم الشاي الحار لأفراد العائلة والضيوف بعد تناول وجبة الطعام).
(يصف ريج الافطار الصباحي بأن العائلة تفرش مائدة غنية ترصف فوقها اطباق العسل، والزبد الطري، واللبن الرائب والخيار، مع البيض المقلي بالإضافة الى خبز التنور والمربى المصنوع في المنزل "مربى السفرجل أو التين أو البرقوق" مع الشاي).
ينفرد مطبخ المجتمع الكوردي دون سواه من مطابخ المجتمعات المجاورة، ويزخر بالعديد من الاكلات الشعبية التي تمتاز بمذاقها الطيب واللذيذ والشهي، وتجيد المرأة الكوردية إعداد مائدة غنية بأصناف عديدة من المأكولات والأطعمة، لها تراثها التاريخي وتعتبر من الفلكلور الكوردي، ويعتمد المطبخ في السليمانية على المواد الغذائية المتوفرة في الاسواق وجزء من المواد الداخلة في الطبخ تنتج في الريف الكردستاني وتستهلك في المدن، خصوصا في فصلي الخريف والشتاء القارس البرودة في معظم ارجاء كوردستان، وتهتم الأسرة بمأكلها ويقوم الرجل في تحضير وشراء ما يحتاجه المطبخ من مستلزمات الوجبة الغذائية فهو يشارك في كل مفاصل الحياة اليومية للعائلة، كما أن البذخ في الطعام كان وما يزال أحد أشكال التعبير عن تقدير الضيف في المجتمع الكوردي.
وهذه أسماء الاكلات الشعبية الكوردية التي يصعب ترجمتها الى اللغة العربية وطرق تحضيرها، تهيأ في مطابخ البيوت فقط سواء في المدن او في الريف اذ لا توجد مطاعم خاصة لبيعها مثل غيرها من الاكلات الكوردية الاعتيادية .
يدخل في بعض الاكلات الكوردية التي سيرد ذكرها ال (دۆ) : عندما يوضع الحليب فى قربة مصنوعة من جلد الحيوان وتكون القربة مربوطة من جهة واحدة، معلقة على ثلاثة اعمدة خشبية وتقوم الفلاحة بالإمساك بالقربة من الناحية الأخرى والقيام بعملية رج للقربة(تسمى هذه العملية بعملية خض الحليب)، تستمر الفلاحة فى رج القربة المحتوية على الحليب حتى يتكتل الدهن داخل القربة، تقوم الفلاحة بفتح القربة وإخراج الزبد، والحليب المتبقى يسمى (دۆ).
الاكلات الفلكلورية التراثية الكوردية ادناه : مَن يعرف من القراء الاعزاء اسم الاكل باللغة العربية أو المشابه له في المجتمعات الاخرى يدون ملاحظته، مع جزيل الشكر والتقدير.
1.دۆينه: يعتمد عليها اهل الريف اعتمادا كليا في التغذية اليومية فهي أكلة شهيرة، يتم اعدادها صيفا بعد موسم حصاد الحبوب من القمح الذي ينقع لعدة ايام في الماء، ثم يفرش تحت اشعة الشمس حتى يجف تماما ثم يجرش في مطاحن خاصة، يخلط جريش القمح مع (دۆ) في قدور الكبيرة خلطا جيدا يتم تسخين الخليط حتى الفوران، ثم يترك تحت اشعة الشمس حتى يتبخر الماء ويصبح كالمعجون، ومن ثم يتم تحويل الخليط الكثيف يدويا الى كرات صغيرة، تفرش على ارضية نظيفة تحت الشمس ايضا حتى تجف تماما وتصبح خالية من الرطوبة، اما طريقة اعداد هذه الاكلة الشعبية الكوردية فيتم نقع بضع كرات من (دۆينه) حسب الحاجة في ماء حار حتى تصبح كالحساء ثم يتم غليه حتى الفوران، وبعد ذلك يضاف اليه البصل المحمر في السمن او الزيت او السمن الحر وقليل من الملح والتوابل، وتقدم كوجبة متكاملة ويحرص القرويون خصوصا المزارعين والفلاحين على تناول الـ (دۆينه) في وجبات الفطور الصباحية قبل التوجه الى الحقول والمزارع، او عند الظهيرة لكونها اكلة مغذية جدا، اما في المدن خصوصا في مدينة السليمانية وضواحيها التي تستهلك في فصلي الخريف والشتاء كميات كبيرة من الاكلة التي يتم شرائها من الاسواق، والمرأة الكوردية تتفنن في اعداد وجبات الـ (دۆينه) من خلال اضافة انواع مختلفة من التوابل اليها، مع قطع من اللحم ويتم تناولها مع اطباق اخرى برفقة الخضراوات وألف عافية.
2.دۆخهوا: أكلة تحضر في موسم الربيع عادة، يوضع ال (دۆ) داخل قدر فوق النار ويضاف له الملح حسب الحاجة،ويحرك باستمرار حتى يبدأ بالفوران ثم يضاف الرز والبرغل معا، او الجريش بدل البرغل حسب رغبة ربة البيت ثم يضاف اللحم والبطنج مع بعض الاعشاب التي تعطي للطعام نكهة لذيذة ويقدم طبقا شهيا وصحة وعافية.
3.شیرهوا (شير وبرنج):يوضع الرز فوق النار مع قليل من الماء ويبدأ بالحركة حتى ينضج ثم يضاف له كمية من الحليب ويحرك حتى يثخن ويصبح شبيه بالمحلبية، يضاف السكر حسب الحاجة وبعدما يصب في الاطباق يرش فوقه قليل من الدارسين وبعض المكسرات الغير مملحة ويؤكل صباحا فطورا لذيذا.
4.هازهوا: هذه الاكلة لذيذة وقديمة وتحتاج الى ربة بيت خبيرة بالطبخ ، تحضر هذه الاكلة من عشب بري ينبت في موسم الربيع يسمى (هاز) تؤخذ اوراق النبات وتغسل جيدا ثم يضاف لها الملح والسماق، بعد قلي السمن جيدا تضاف الاوراق الى السمن ويقلب جيدا ويضاف بعدها قليل من الماء مع اضافة قطع اللحم واللوز والجوز المكسر والبرقوق المجفف والكشمش مع التوابل ويبقى على النار حتى ينضج وصحة وهناء.
5.قوڕاو: اكلة كورديه تحضر من اللبن واللحم والبيض مع الزعتر وقليل من التوابل، يضع اللبن في قدر يضاف البيض ويخلط جيدا حتى يتجانس ويمتزج البيض مع اللبن، ثم يضاف قليل من الماء والملح حسب الحاجة والرغبة بعدها يضاف اللحم ويفضل لحم الغنم مع الزعتر مع التوابل ويقدم ساخنا بعد النضج .
6.ترخێنه: (يشبهه ما يسمى بالموصل بالكشك) يتم اعدادها بخلط جريش القمح مع اللفت ( وبالعامية الشلغم) بأوراقه الخضراء والذي يفرم بعد غسله والغير المطبوخ ، ويضع الخليط في اواني خزفية ويترك في مكان دافي حتى يتخمر ويصبح حامض الطعم الى حد معين، وبعد ذلك يتم تحويله الى كرات صغيرة يدويا وتجفف تحت اشعة الشمس كليا قبل خزنه بطريقة محكمة حتى حلول الشتاء، أو يحفظ في المجمدة، حيث تستهلك بكميات كبيرة في القرى والأرياف وعلى نطاق واسع في المدن، اما طريقة طبخ الترخينة، فإنها مشابهة لطريقة طبخ الـ (دۆينه) مع الاختلاف طبعا في الطعم والمذاق ويتم تقديمها في كل الوجبات أما بمفردها او مع اطباق اخرى خصوصا الأرز.
7.سهمهنی:تنقع الحنطة في الماء لمدة اسبوع حتى تنبت جذورها ثم تفرش في صينية وترش بالماء يوميا حتى تصبح السياقان بحدود عشرين سنتمتر، تؤخذ الحنطة بجذورها وسيقانها وتوضع في الهاون وتدق جيدا ثم تصفى وقد اصبحت لزجة ولينة، يوضع المزيج الناتج في قدر ة فوق النار ثم يحرك جيدا حتى يثخن ثم يبرد ويقدم بالهناء والشفاء.
8.کهشهك: يتم اعدادها صيفا في الريف الكوردي وهي من مشتقات الزبادي،الذي يعبأ في قدور كبيرة ويترك تحت اشعة الشمس حتى يصبح السائل كثيفا وهلاميا، فيتم عصره يدويا حتى ينضح الماء الذي فيه، ثم يحول الى اصابع تترك حتى تجف كليا قبل تخزينه، ويفضل الكثيرون من اهل الريف والحضر في كوردستان تناول الكشك في وجبات الفطور نظرا لمذاقه الطيب ورائحته الزكية وفوائده الغذائية العديدة، حيث يتم إعداده بطرق مختلفة كخلطه مع البيض أو اضافة البصل المحمر في الزيت او السمن الحر، وغالبا ما يعمد عشاق هذه الاكلة الشعبية الى تقطيع الخبز في طبق عميق وسكب حساء الكشك عليه ما يشبهه الثريد ثم يضاف البيض المقلي وبالعافية للجميع.
9.مزرۆکه(ترشاو):هذه الاكلة سهلة وبسيطة وطعم لذيذ ولحد الان تحضر في المطابخ المنزلية، يحضر المرق من سمن وماء وملح و دبس الرمان او من السماق توضع على النار وبعد الغلي تضاف له عدة بيضات ، وينتظر حتى ينضج ويؤكل بالعافية .
10.سير و ماست :(لبن وثوم)، اكله سهلة وبسيطة تؤخذ قطع الخبز وتقطع في طبق ثم يضاف لها اللبن وبعدها يقلى قليل من السمن الحر (السمن البلدي) مع بعض الفصوص من الثوم ويضاف السمن فوق اللبن ويؤكل بالهناء والشفاء.
11.تۆراخ : اللبنة هو تكثيف اللبن الرائب أو اللبن المخفق أو المخضوض (من لبن الزبادي أو اللبن الرائب) بعد نزع الزبد منه وهي الطريقة القروية البسيطة، حيث يوضع هذا اللبن في كيس من قماش الململ الخفيف ليسهل نضح كافة الماء الوجود في اللبن إلى الخارج، بعد رش منقوع النعناع اليابس والمطحون مع قليل من الفلفل الأحمر الحار على وجه اللبنة ويسكب زيت الزيتون على سطحها وتكون جاهزة للأكل، فإذا جففت كثيرا يمكن تكوير اللبنة على شكل كرات صغيرة تغمر بزيت الزيتون وتحفظ في أوعية زجاجية ذات غطاء محكم.
12.دۆوشکه:يوضع ال (دۆ) في كيس من الخام حتى ينضح الماء منه و يثخن يؤكل صباحا مع الفطور او يعمل على شكل اصابع تجفف تحت اشعة الشمس، وعند تحضير المجفف يضاف له الماء ويؤكل او يضاف للكشك أثناء الطبخ. وبالهناء والشفاء .
13.فرۆ: يؤخذ حليب البقرة أو الماشية بعد ولادتها مباشرة يوضع على النار حتى يثخن ويقدم للأكل.
14.دڵهمه: يقوم بتحضيره الرعاة وهم في الحقول مع الماشية، يؤخذ قسم من حليب الماعز وقسم اخر من حليب الغنم يوضع على النار ويضاف له بعض قطرات من عصارة التين التي تفرز اثناء قطع التينة من الشجرة، يحرك بهدوء حتى يثخن ويؤكل طعام شهي للرعاة .
15.دانوله:(القمح المسلوق) يتمّ سلق القمح نصف سلقه إلى أن تلين حبوب القمح،والقمح المسلوق يسمى (دانوله)، ثم يتم تصفيه من الماء وهناك بعض العوائل تضع على المائدة القمح المسلوق ويوكل مع بقية الاطباق، والمتبقي يفرش على سطوح المنازل ويجفف تماماً لمدة لعدة أيام، ثم يتم جرشه في الطاحونة و يتم نخله لإزالة قشور القمح عنه ويتم استخدام مناخل ذات ثقوب مختلفة للحصول على برغل ناعم وبرغل خشن
16.خومراشى:نوع من الاكل الكوردي يصنع من الكشك والرز والسمن الحر ويضاف له البهارات .
17.کزێنکه:يحضر من العجين اللين يخبز على ظهر الصاح بعد النضج يفتت في طبق ويضاف له السمن الحر .
18.شۆکه: في الخريف يتساقط المن والسلوى على اوراق اغصان الاشجار العفص والبلوط،ويكون ابيض اللون وناعم ولزج ،تقطع الاوراق والأغصان المتساقط عليها وتوضع في اواني تحوي على الماء حتى يذوب المن والسلوى ثم يوضع الماء على النار حتى يثخن.
19.کنگر (الكعوب) :من النباتات العشبية الشوكية، و(العكُّوب)يباع في الاسواق وينمو بين الزرع في شهر (نيسان) يتولى الفلاح استخراج (الكعوب) من باطن الأرض، تتولى أم البيت بقطع الشوك الذي يوجد على أطرافه بالسكين، وتنظيفه منه تماماً، ثم تقوم بتقشيره، أي إزالة القشرة الخارجية ثم بعدها تقوم بغسله غسلا جيدا من التراب والأوساخ العالقة به، ليصبح بعدئذ جاهزاً للطبخ، ومن عادات أهل السليمانية التفنن في طبخ الـ (کنگر)، فبعضهم يقوم بسلقه كاملاً بالماء المغلي المملح دون تقطيعه، كما أن هناك طريقة أفضل لطبخه وهي طريقة التطجين أي سلقه أولاً، ثم تقطيعه إلى قطع صغيرة، ووضعه بالطاوة (المقلاة) أو القدر مع قليل من السمن وقليل من البصل والملح، وفي النهاية يوضع البيض عليه، ويقدم وجبة شهية مع الخبز الحار، كما أن هناك طريقة أخرى لطبخه، وتكون مع اللحم والبصل والطماطم أو معجون الطماطم، ويطبخ كما هو عليه في طبخ البامية ويقدم مع الرز أو البرغل، أو يطبخ باللبن أو بالبيض، أو مع معجون الطماطم، ولا ينسى أنه يقلى بزيت الزيتون، وبالطبع يضاف إليه البصل والبهارات المعروفة، وكثير من الناس يقوم بتجفيفه كما يجفف بعض الخضار مثل الملوخية أو البامية، أو يقوم بتجميده في المبردات بعد وضعه في أكياس بلاستيكية بعد قليه بالزيت قلياً خفيفاً، أو سلقه سلقاً خفيفاً مع إضافة قليل من الملح.
نكمل في الجزء الثالث المطبخ الكوردي.
1335 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع