ضياء شيت خطاب شيخ قضاة العراق،وسنهوري العراق
المرحوم ضياء شيت خطاب 1920 – 2012
هو العلامة ضياء شيت خطاب رئيس محكمة تمييز العراق الاسبق وعضو محكمة التحكيم الدولية في لاهاي، ومن قضاة العراق البارزين وصاحب القرارات المشهود لها بالعدل والرصانة التي تلتزم جانب الحق وتدافع عنه.
ولادته ونشأته
ولـد الاستاذ ضياء شيت خطاب في مدينة الموصل شمالي العراق عام 1920م، من ابوين عربيين ويتصل نسبه بسيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما.يسكنا مدينة الموصل (الحدباء) انذاك، ونشأ في أسرة دينية تشتغل بالتجارة، فكان والده من علماء الموصل درس الفقه والتفسير على كبار الاساتذة هناك وكان من المؤسسين لجمعية الشبان المسلمين لديه ثلاثة اشقاء وخمس شقيقات، أبرزهم العالم والمؤرخ الاستاذ اللواء الركن محمود شيت خطاب والفريق علي احسان شيت خطاب، الذين خدموا عراقنا الحبيب في مجالات شتى.
اللواء الركن محمود شيت خطاب
ينتمي ضياء شيت خطاب الى عشيرة المحامدة التي تصل جذورها الى قبيلة الدليم العشيرة العراقية العريقة التي تسكن محافظة الانبار وبعض مدن العراق ومنها محافظة نينوى الموصل..
تزوج بعد انهاء دراسته الجامعية الاولية من السيدة عالية ضياء يونس من أشهر عائلات مدينة الموصل وأنجب منها ثمانية أولاد
مسيرته الدراسية
دخل ضياء شيت خطاب الكتاتيب المنتشرة لتعلم القراءة والكتابة ففيها حفظ الكثير من ايات القرآن الكريم ثم دخل المدرسة الابتدائية ثم اكمل دراسته المتوسطة والاعدادية ففي هذه الفترة شرع في الكتابة الادبية فقد نشر مواضيعه في صحف الموصل فنشر في جريدة فتى العراق سلسلة مواضيع عن قادة الفكر الاسلامي نالت رضا أدباء الموصل بعد تخرجه من الاعدادية سنة ١٩٣٨ م انتسب الى كلية الحقوق وانهى دراسته سنة ١٩٤٢م
دوره القضائي
تولى مناصب عديدة ساهم من خلالها في خدمة وتحقيق العدالة في العراق وأهمها:
عين كاتبا للضبط في بعض المحاكم العراقية وهو في الوظيفة كان يراسل جريدة البلاد حيث طلب منه عميد الصحافة العراقية روفائيل بطي ان يكتب في جريدته البلاد فكتب ضياء شيت خطاب مقالات ادبية محللا شخصيات الادب المصري
كما كتب ناقدا اقطاب الحركة الفكرية في الوطن العربي بعد قراءة دقيقة لاثارهم الادبية وعلى صفحات مجلة الرسالة المصرية انتقد الدكتور طه حسين لورود غلطة في كتابه دعاء الكروان
محكمة بداءة الموصل
ترك وظيفته سنة ١٩٤٥ م وعمل مع قضاة في محاكم العراق معاونا قضائيا وأتاحت له هذه الوظيفة ان يتعرف على جيل القضاة الاول الذي تمخض بعد ثورة العشرين وفي سنة ١٩٤٦ م عين قاضيا لاول مرة في محكمة بداءة هيت ثم انتقل الى محكمة مدينة (عانة) حتى سنة ١٩٤٦ م ثم عمل في محكمة بداءة الموصل من سنة١٩٤٨ م حتى سنة ١٩٥٢ م عاد الى بغداد قاضيا سنة ١٩٥٤ م في بداءة او استئناف بغداد
جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الامريكية
وبحثا منه لتطوره في دراسة القانون المقارن رحل الى جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الامريكية وانتمى اليها تلميذا وكان في بغداد قاضيا انهى دراسته عام ١٩٦٣ م وحصل على الماجستير وخاطبه عميد كلية الحقوق الامريكي (قد كسبت العلم لانك قاض)
انتدب مدونا قانونيا في ديوان التدوين القانوني في وزارة العدل ثم اصبح عضوا في محكمة تمييز العراق عام أصطع بعدها ثم انتدابه رئيسا لديوان التدوين القانوني مجلس شورى الدولة عام ١٩٧٠ م وعين في تلك السنة نائبا لرئيس محكمة التمييز ثم رئيسا لها حتى عام ١٩٧٩م
اسهم في التدريس الجامعي استاذا محاضرا في كلية الحقوق بجامعة بغداد منذ عام ١٩٥٩ م حتى عام ١٩٦٩ م والمعهد القضائي ودرَّس في قسم القانون بالجامعة المستنصرية منذ تأسيسها عام ١٩٧٥ م وحاضر في الدورات التي تقيمها نقابة المعلمين
يذكر القاضي فتحي الجواري في كتابه "سدنة العدالة اعلام القضاء العراقي" فيقول:امتد نشاط القاضي ضياء شيت خطاب الى مصر ليحاضر في معهد الدراسات العربية العالية التابعة لجامعة الدول العربية حيث القى محاضرات في ذلك المعهد عام ١٩٦٨ م بموضوع التنظيم القضائي في العراق ومحاضرات في قانون المرافعات المدنية سنة ١٩٧٠ م ومحاضرات في نظرية الدعوى عام ١٩٧٥ مع محاضرات اخرى في الاسلوب القضائي
الاستاذ حميد المطبعي
في عام 2001 نال جائزة بيت الحكمة في الدراسات القانونية والقضائية وأصدر بيت الحكمة سلسلة تعريفية بالسير الذاتية لكل واحد من الفائزين بجائزته وتم تكليف الاستاذ حميد المطبعي للكتابة عنه، بكتابه "ضياء شيت خطاب الفقيه القاضي" ومما جاء فيه:
"كان ضياء شيت اذا حكم فحكمه على ضؤ استقامته الدينية ومثله العليا في الحياة وهي من نتاج اهله وتقاليده الصحيحة، اذ جعل القرآن الكريم دستوراً اولاً في قضائه، والقضاء في عرفه هو الحكم بالحق، ففصل في الخصومات وانهى منازعات وازال ظلما ووضع الحق في موضعه ثم حكم على هدي احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها الحديث:
(القضاة ثلاثة: قاض في الجنة وقاضيان في النار،فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق، وجار في الحكم، فهو في النار
ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار)
والحديث النبوي الشريف الآخر
(إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله اجران، وان اجتهد فاخطأ فله أجر واحد)
كان الفقيه ضياء شيت خطاب يرى في آيات الله والاحاديث صورة مثلى لارجاع الحق الى اهله فعمل بها وجعل العدل متمثلا بايصال كل ذي حق الى حقه وكان متأثراً برسالة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القضاء وهي رسالته الشهيرة إلى أبي موسى الأشعري، التي كانت ومازالت منهجاً كاملا في القضاء العادل.. كما قرأ نهج البلاغة للامام علي (عليه السلام) فوجد نصوصا عدة تدعو الى الحكم بالعدل، ومن بينها نص كان الامام علي بن ابي طالب عليه السلام قد ارسله الى واليه على مصر مالك الاشتر النخعي رضي الله عنه ليعدل به في القضاء وافاد منه القاضي ضياء شيت خطاب كثيرا.
يقول الامام علي (ع) في عهده (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك بما لاتضيق به الامور ولاتحكمه الخصوم ولايتمادى في الزلة ولايحصر من الفيء الى الحق متى عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولايكتفي بادنى فهم دون قضاة اوقفهم في الشبهات واخذهم بالحجج)
استغرق ضياء شيت خطاب في هذا الميراث جهده وطاقته سنينا طوالا حتى تبين له ان عملية القضاة هي قياس منطقي مقدمته الكبرى هي النص التشريعي الوارد في القرآن الكريم والسنة المطهرة او الاجتهاد وهناك نص اخر للامام علي عليه السلام يرى من خلاله القاضي ضياء شيت خطاب الاجتهاد يقول النص (بعثني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الى اليمن قاضيا وانا حديث السن لاعلم لي بالقضاء فقال بان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فاذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي حتى تسمع كلام الاخر كما سمعت كلام الاول فانه احرى ان يتبين لك القضاء..قال فما زلت قاضيا وما شككت في قضاء بعد).
ويستنتج الفقيه القاضي ضياء شيت خطاب من هذا النص ان حرية الدفاع تعني قرع الحجة بالحجة ودفاع كل من المتخاصمين عن حقه لذلك لايجوز للقاضي ان يقضي على غائب ومن مصادره في القضاء كتاب ادب القاضي للماوردي والملل والنحل للشهرستاني واعلام الموقعين لابن قيم الجوزية وكان من اهم مصادر القضاء الذي اعتمد عليها القاضي ضياء شيت خطاب تحرير المجلة للامام محمد حسين كاشف الغطاء النجفي من اعلام المسلمين ومنابع العلم والادب
العلامة عبد الرزاق السنهوري
ما اقتصرت جهود القاضي شيت في ميدان القضاء وحده بل امتد الى تربية العقول في الجامعات والمعاهد الخاصة محاضرا على طراز خاص اي انه بوسيلة التدريس جعل محاضراته وصايا يوصي ويعلم ويهدي الى الطريق المختصر فاقام علاقات متكافئة مع تلاميذه والى تدريسه كتبا للطلاب وشرح قانون المرافعات المدني الملغى وكذلك كتابه في شرح قانون المرافعات المدنية الجديد وقد شارك بفتح الدراسات العليا في كلية الحقوق بجامعة بغداد اذ ارسل رسالة الى العلامة عبد الرزاق السنهوري في مصر لارسال الاساتذة الجيدين واستجاب السنهوري فارسل اساتذة من خيرة الاساتذة المصريين وانتخب القاضي ضياء شيت خطاب عضوا عاملا في المجمع العلمي العراقي من سنة ١٩٧٥ م خلفا للمرحوم المحامي محمد شفيق العاني وهو ايضا عضو مؤازر في مجمع اللغة العربية في الاردن منذ سنة ١٩٨٠ م وعضو في محكمة التحكيم الدولي في لاهاي سنة ١٩٧١ م حتى سنة ١٩٩٠ م
محكمة التحكيم الدولي في لاهاي
اما الجمعيات التي انتمى اليها فقد كان رئيسا لجمعية القانون المقارن كما كان رئيسا لجمعية حقوق الانسان في العراق وشارك في بعض المؤتمرات الدولية والعربية منها المؤتمر القانوني للدول الاسيوية المنعقد في القاهرة ثم في بغداد وفي بعض مؤتمرات الجامعة العربية في وضع التشريعات العربية الموحدة ومنها مشروع القانون المدني وفي منظمة الدفاع الاجتماعي ومؤتمر الجريمة وكان عضوا في مؤتمرات وزراء العدل العرب في السعودية واليمن له اكثر من ثلاثين بحثا في القضايا القانونية نشرتها له المجلات القانونية في الاقطار العربية ونال جائزة بيت الحكمة في الدراسات القانونية لسنة ٢٠٠١ م وبعد تقاعده واصل عطاءه الفكري ويستقبل طلابه من القضاة والمستشارين والمحامين الذين يحرصون على الاستزادة من علمه وعطائه حتى وفاته سنة ٢٠١٢ م رحمه الله رحمة واسعة
مكانته
مثل العراق في ندوات ومؤتمرات عربية ودولية
أطلق عليه الباحثون والمؤلفون اسم "سنهوري العراق" نسبة إلى الشهير شيخ القضاة العرب عبد الرزاق السنهوري نظراً لما قدمه من خدمات كبيرة للقانون
اطلقت عليه عدة القاب منها شيخ القضاة وامام القضاة
مؤلفاته
ألف ضياء شيت خطاب الكثير من الكتب أبرزها
شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية ـ بغداد ١٩٦٧ م
بحوث ودراسات في قانون المرافعات الجديدة ـ القاهرة ١٩٧٠ م
التنظيم القضائي في العراق ـ القاهرة ١٩٦٨ م
الوجيز في قانون المرافعات العراقي ـ بغداد ١٩٧٣ م
فـن القضاء ـ الكويت ١٩٨٤ م
وله أكثر من خمسين بحثا منشورا في الدوريات الاكاديمية داخل العراق وخارجه
الخبرات العلمية
نال ضياء شيت خطاب عضوية ثلاثة مجامع علمية في العراق والاردن ومصر
لدى ضياء شيت خطاب مكتبة خاصة في بيته تحتوي على الالاف من الكتب والمؤلفات القانونية والادبية وكان رافداً لها بالكتب والمؤلفات والمطالعة المستمرة
ويستذكر ألدكتور أكرم ألمشهداني معرفته بالمرحوم ضياء شيت خطاب فيقول:
تعود علاقتي بالأستاذ الفاضل ضياء شيت خطاب، شيخ قضاة العراق، وسنهوري العراق، وأحد عمالقة القانون في الوطن العربي، تعود إلى أعوام ١٩٦٦ م ١٩٦٩ م حيث كان المرحوم يدرسنا في كلية الحقوق مادة المرافعات المدنية، وأتذكر أنه طلب منا تقديم بحث في المادة، وأن درجة البحث تكون ٢٠من الدرجة الكلية، وفعلا كتبت بحثا بعنوان "البينة في الإثبات بين الشريعة والقانون"، ونلت عليه درجة كاملة، ومرت السنون وكنت أتابع أخبار أستاذنا ضياء، من خلال ولده (فارس) الذي كان يشتغل (مفوضا) في دائرة عملي (الأدلة الجنائية). وفي الأعوام الأخيرة قبيل غزو العراق كنت أحرص على زيارته في منزله بحي القضاة في الحارثية كل يوم جمعة مع مجموعة من أحبابه، وقد فاجأني في عام ٢٠٠٢ م أي بعد ٣٣ عاما، بتقديم نسخة البحث الذي قدمته له وأنا طالب بالحقوق ١٩٦٩ م، مما يدلل على ذكاء هذا الرجل وإهتمامه ببحوث طلابه واحتفاظه بها. كان الراحل لايتردد في معاونة أي طالب علم أو باحث وكان يعين طلبة الدراسات العليا بإعارتهم كتبا من مكتبته الخاصة النادرة التي تحوي آلاف الكتب
مواقفه ألوطنية
رفض المشاركة في لجنة كتابة الدستور المسخ لعام ٢٠٠٥ م، حيث حضر عدد من أعضاء لجنة كتابة الدستور إلى داره في الحارثية، وطلبوا رأيه في مواد الدستور، فأجابهم الأستاذ ضياء بكل صراحة وشجاعة ((كيف اشارك المحتل بكتابة هذا الدستور المعد سلفاً من المحتل وابداء رايي فيه!))،
وقال لهم ((لقد تصفحت مشروع الدستور وانتم تقولون قد اعددتم الدستور ... فما الفائدة ان القي نظره عليه بهذه العجالة؟ انه يحتاج الى تعديل جذري وانا غير موافق عليه))، وقد اعتذروا منه في نهاية الامر
وفاته
فجر يوم التاسع من نيسان عام ٢٠١٢ م انتقلت روحه الطاهرة إلى خالقها مطمئنة، وأقيم مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة في جامع "البر الرحيم" في منطقة اليرموك جانب الكرخ، حضرها الكثير من رؤوساء المحاكم والقضاة والاصدقاء، كما أقيم له مجلس عزاء أيضاً في العاصمة الأردنية عمان وآخر في مدينة الموصل شمالي العراق حيث محل ولادته
رحم الله شيخ قضاة العراق وأسكنه فسيح جناته لما فاضت روحه ألطاهرة من خير وعلم خّصه لرفعة بلده وذكراه تبقى وقادة في قلوب أبناء العراق ألشرفاء من تلاميذه ومعارفه ..
نم هنيئا قرير العين، ولك عند ربك العقبى في جناته... فقد كنت اميناً في كل شيء عفيف اليد نظيف اللسان حاكماً بالعدل والحق .. رحمة الله عليك في عليين
المصادر
*ألمجمعيون في العراق: ضياء شيت خطاب الفقيه القاضي ـ حميد المطبعي بيت الحكمة 2002
*سدنة العدالة أعلام القضاء في العراق ألقاضي فتحي الجواري
*ورحل شيخ قضاة العراق د. أكرم ألمشهداني
605 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع