ساسون حسقيل من أعمدة الدولة العراقية
شغل ساسون حسقيل منصب وزير المالية 5 مرات في فترة الحكم الملكي ،ويعد ساسون اشهر وأنزه وزير عراقي في تأريخ الحكومات العراقية المتعاقبة
يعد ساسون حسقيل أحد اهم أعمدة الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 ، وكان مؤمناً بامكانية صهرجميع الطوائف والاقليات في بوتقة الوطن واعتبراها شعبا عراقياً واحداً، وكما قال الملك فيصل الاول، الدين لله والوطن للجميع...
هو ساسون بن حاخام حسقيل بن شلومو (سليمان) بن عزرا بن شلومو بن داود.
ينتمي الى أسرة ( شلومو داود ) وهي من الأسر اليهودية الغنية المعروفة
عرفت بالثروة والتجارة والجاه.
ولاسيما في ميدان التجارة فقد كانت تسمى بـ( روتشيلد الشرق) ، وكان لهم بيوتات تجارية في كل من باريس ومانشستر وبومبي ، وكان والده الحاخام حسقيل من علماء اليهود الروحانيين البارزين ببغداد ، حيث تلقى تعليمه لدى الحاخام عبد الله سوميخ .
تزوج حاخام حسقيل من مسعودة بنت عبد الله شلومو (1910) فرزق منها أربعة أبناء هم : شاؤول، ساسون ، (سحاق اجاك ) وحاييم ( هنري) ، وأربع
بنات: صالحة ، سمعة ، توبة وراشيل .
في عام 1873 سافر حاخام حسقيل الى الهند ومكث فيها سنوات عدة وحين عودته أسس (كنيس الحاخام حسقيل)عام 1909 وقد توفي في العام نفسه .
ولد ساسون حسقيل في 17/آذار/1860 في بغداد ، نشأ في أسرة دينية لأن والده من أحبار اليهود فلابد أنه قد تفقه في الدين ودرس أحكام الشريعة الموسوية.
يتضح لنا من هذا العرض أن ساسون تربى في ظل أسرته التي أتاحت له من أسباب الراحة والعيش الرغيد الشيء الكثير وكان لوالده الأثر الكبير في نمو
شخصيته وثقافته .
تعليمه وثقافته وتكوينه الفكري
تلقى ساسون تعليمه الابتدائي في مدرسة الاليانس الإسرائيلي ثم أرسل في عام 1877 الى أستانبول بصحبة مناحيم صالح دانيال الذي أنتخب نائباً عن بغداد في مجلس المبعوثان العثماني وثم انتقل الى المدرسة السلطانية .
واصل ساسون دراسته في استانبول زمناً ثم انتقل منها الى لندن حيث اجتاز امتحان المتروكوليشن Matriculation ، وذهب بعد ذلك الى فيينا فدخل في كلية (ماريا تريزا).
عباس حلمي باشا
وكان عباس حلمي باشا خديوي مصر السابق من أبناء صفه، ومن ثم انتسب الى كلية الحقوق في فيينا، وحاز على شهادتها ، وأصبح من ابرز خريجيها
مير بصري
وفي هذا الصدد يذكر مير بصري : "أنه عندما انتمى سعاد هادي العمري الى الأكاديمية القنصلية في فيينا بعد الحرب العالمية الأولى فلما قال للمسجل: إنه من بغداد ، قال المسجل : " درس في مدرستنا منذ حقبة طويلة فتى بغدادي كان طالباً لامعاً كان اسمه ساسون ، وقد اعلمه سعاد هادي العمري أن هذا الطالب لمع نجمه وأصبح وزيراً للمالية".
بعد دراسته في فيينا عاد الى استانبول ونال شهادة المحاماة من الدرجة الأولى في وزارة الحقانية في الإستانة ويبدو أن دراسة ساسون في مدرسة الأليانس الإسرائيلي، ودراسته في الخارج قد أسهمت بشكل ملحوظ في سعة ثقافته، واتقانه للغات متعددة ، فكان يجيد فضلاً عن العربية والعبرية ( الإنكليزية ، والتركية ، والفارسية ، والفرنسية ، والألمانية ، واليونانية، واللاتينية).
وكانت لديه مكتبة عامرة بالآف الكتب باللغات التي يحسنها، ولاسيما المواضيع السياسية، والاقتصادية، والتاريخية وضمت مكتبته أمهات الكتب العربية ، والقرآن الكريم،كتب الحديث والسيرة ، ونهج البلاغة ، وصحيح البخاري وكتب السير والفتوحات ، أما كتبه الغربية فتناول تواريخ الإسلام، والعرب، والأدب العربي، والفارسي، وترجمات القرآن، وألف ليلة وليلة والكتب القانونية، والفقهية، ودراسات عن البابية، والبهائية، والاسماعيلية، وكتب السياسة، والتاريخ، والمالية، والاقتصاد، والتجارة ، ولم تخل مكتبته من المؤلفات التي طبعت في بريطانيا وفرنسا ومصر بعد الحرب العالمية الأولى الى سنة وفاته، ولاسيما كتب هـ.ج. ويلز وبرناردشو وأميل لدويغ .
سيرته ألوظيفية
تم تعينه اول وزير للمالية في تشكيل اول حكومة عراقية وذلك في
25 -11-1920حيث اختير كالخبير المالي المحنك وايضا اختير في الوزارة الثانية في 22-9- 1921 وفي الثالثة 20-9-1922
والرابعة في 2-8-1924 في وزارة المرحوم ياسين الهاشمي
في وزارة عبدالمحسن السعدون كان المرحوم ساسون وزيرا للمالية في احد الايام جرى حديث بينه وبين وزير الداحلية المرحوم ناجي السويدي الذي كان وزيرا للداحلية والحوار كان على مبلغ (45) دينار ضمن التخمين الاجمالي الذي قدمه ناجي السويدي الى وزير المالية لترميم بناية (القشلة )التي كانت ثكنة عسكرية في السابق واصبحت من ممتلكات وزارة الداخلية ... ودار الحديث على نحو الاتي
ناجي السويدي يقول سيد حسقيل لماذا اقتطعت (45) دينار من ال (300 ) دينار المخصص لترميم بناية القشلة وفق تخمينات المهندس المسؤول .
ساسون حسقيل اجابه يا سيد ناجي افندي ناقشت هذه المسألة مع المهندس في موقع العمل ودار بيني وبينه حديث طويل وتوصلنا الى نتيجة مفادها بأن (255) دينار تفي بالغرض .
ناجي السويدي قال خلف الله عليك ساسون افندي اليس بألامكان اعادة مبلغ التخمين الى (300) دينار . ان القشلة من المعالم التاريخية لبغداد .
اجابه ساسون قائلا يا سيدنا ناجي افندي ان الحفاض على المعالم التاريخية في بغداد يجب ان يكون متوازيا مع الحفاض على المال العام . وبعيدا عن الأهدار. ان الأهداريجعل من المال ( سائبا ) والمال السائب يعلم السرقة .. .........
ملامحه وصفاته الشخصية
كان ساسون طويل القامة ، نحيل الجسم ، ، مهيباً محترماً يحمل عصا بيده ، وله لحية قصيرة مدببة ، كان شديد العناية بها ويصفه فردريك روزن قنصل المانيا ببغداد عام 1898 في مذكراته : " أنه رجل يهودي ، لطيف المظهر ، أصهب الشعر ، يجيد الألمانية والأنكليزية والفرنسية إجادة تامة ولاشك أن التعامل معه كان مريحاً ... " .
في حين وصفه معاصره ساطع الحصري قائلاً : " أنه كان أذكى الوزراء وأعرفهم في شؤون مصلحة طائفته اليهودية التي كانت تشغل الموقع الأول في تفكيره وفي عمله" .
وقد ذكرته المس بيل في رسائلها فقالت : "... أن الرجل الذي أحبه تماماً هو ساسون أفندي وكفاءته تفوق الى حد بعيد سائر أعضاء الوزراء ، تعوزه المرونة قليلاً ، وهو يتخذ وجهة نظر الرجل القانوني الدستوري ولا يحسب لظروف العراق البدائية حساباً كافياً، ولكنه صادق وبعيد من الإهتمام بمصلحته وهو لا يتمتع بكفاية حقيقة فقط بل بتجربة واسعة أيضاً .
ومما يذكر عن ساسون حسقيل عندما كان وزيراً للمالية وكانت تناقش بعض الامور الاقتصادية في مجلس الوزراء وعندها طرح ساسون حسقيل بعض الآراء خلال هذا الحوار فاعترض عليه جعفر العسكري او بالاحرى قاطعه في آرائه ، فما كان من ساسون حسقيل الا ان ينتفض في وجه جعفر العسكري ويقول لهُ بصوت مرتفع "ارجو يا باشا ان لا تتدخل في امور لا علاقة لك بها ولا تعرف عنها شيئاً فهذه قضايا قانونية وانت رجل عسكري".
ويروى عن ساسون حسقيل وزيراً أنه كان شديداً في معاملة الموظفين مرهوب الجانب منهم، وأنه كان سريع الغضب اذا وجد منهم تهاوناً أو تقصيراً. وهنا يذكر مير بصري أن صفوت باشا العوا حدثه أنه حينما كان ناظراً للخزينة الملكية الخاصة ، عن نفقات فصل البريد والبرق المخصصة للديوان الملكي عام 1925 أنها نفدت قبل أشهر من ختام السنة . فقد كانت الحرب الحجازية النجدية قائمة على قدم وساق وكانت البرقيات ترسل يومياً من البلاط الملكي العراقي الى الملك علي في الحجاز لمعرفة الموقف الحربي فكتب الديوان الملكي الى وزارة المالية يسأل الموافقة على نقل مبالغ من فصل أخر في الميزانية المصدقة الى فصل البريد والبرق تلافياً للمصروفات الطارئة .
قال صفوت باشا:" دخل علي وزير المالية ساسون أفندي ثائراً منتقداً كثرة النفقات معترضاً على نقل الاعتماد فحاولت تهدئته وقلت له : إن جلالة الملك في الغرفة المجاورة ... وفي اليوم الثاني سألني الملك : لماذا كان هائجاً بالأمس وحينما اوضحت له الأمر ، قال الملك : إنه مبتهج من موقف وزير ماليته، وصلابته، وحرصه على التمسك بالقواعد المالية والحرص على خزينة الدولة"
وكان ساسون من ناحية أخرى شديد المداراة للبريطانيين وفي رسائل المس بيل شواهد كثيرة على ذلك منها قولها في إحداها : ( إنني أشعر بتأثير كبير ، وأكاد أخجل للرضوخ والمسكنة اللتين يظهرهما وهو يطلب نصحي ، ويعمل به وهو في الواقع ليس نصحي ، فإنني لست إلا صدى لتفكير السر برسي).
أتلقي علينا شعرا؟
ومما يذكر أن ساسون كان مؤمناً بالوحدة العراقية، ووجوب صهر جميع الطوائف والأقليات في بوتقة الوطن ومؤمناً بالديمقراطية وحريصاً على التقاليد البرلمانية الصحيحة، وتطبيق النظام الداخلي للمجلس النواب ، فيذكر محمد رضا الشبيبي أن ساسون كان رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب وكان الشبيبي وهو من أعضاء اللجنة وكان جالساً الى جانبه واحتدم النقاش في قضية مالية ، فانبرى أحد النواب الشباب ، تكلم بطلاقة وبلاغة ، وأطال الكلام كثيراً ، وكان كلامه يحوم حول كل شيء إلا المال والاقتصاد ، فضاق ساسون به ذرعاً وقاطعه قائلاً : أتلقي علينا شعراً ؟ وانتبه الى وجود الشبيبي الشاعر بجواره ، فالتفت إليه وهمس في أذنه : ليتني أحسن نظم الشعر!
وقد تعرف أمين الريحاني على ساسون في أثناء زيارته الى العراق عام 1922 فقال: ( إنه الوزير الثابت في الوزارات العراقية ، لأن ليس في العراق من يضاهيه في علم الاقتصاد والتضلع من إدارة الشؤون المالية .
وقد كتب ياسين الهاشمي في تأبينه : ( لقد زاملت ساسون أفندي في الوزارة وفي مجلس النواب ، وحادثته في المجالس العامة والخاصة ، فلم أزدد إلا إعجاباً بخلقه وثقافته ، ولم يزدني إلا تقديراً لشخصيته الممتازة بين رجالات العراق سعة الإطلاع ومعرفة الواجب والعمل على تأديته حق الأداء ، مهما كلف من التضحية بالوقت أو النفس ، فاذا ما ذكر ساسون أفندي فيجيء ذكره مقروناً بالكفاح العظيم في تنظيمه شؤون دولة العراق في سنين الإنتداب العجاف).
نزلوا عند رأيه ومما يذكر عن ساسون أنه كان عصبي المزاج ، صلب العود ، شديد التمسك بآرائه ومبادئه . وقد حافظ على الطربوش الى يوم مماته ولم يرض أن يعتاض عنه بالسدارة ، شعار الرأس الذي ابتكره الملك فيصل الأول .
وقد أمر الملك في إحدى حفلات البلاط أن يؤخذ طربوشه ويٌعطى حين خروجه سدارة يعتمرها . ولما هم بالخروج ، قال له موظف التشريفات إن الطربوش قد ضاع ، وناوله سدارة ، لكنه رفض وضعها على رأسه وأصر على طلب طربوشه .
ويحكى أنه أشتد النقاش ذات يوم في جلسة مجلس الوزراء وكان ساسون يحاول بحدة وحماسة في حين كان سائر الوزراء يعارضونه ويفندون رأيه فاذا به يمد يده الى جيب بنطلونه بحركة عصبية حتى ظن زملاؤه أنه يخرج مسدساً غير أنه أخرج يده بهدوء من جيبه وأبرز مشطاً وأخذ يمشط لحيته القصيرة . فضحك الجميع ونزلوا عند رأيه .
لم يتزوج
قضى ساسون حياته من غير أن يتزوج وكان له بيت فخم على شاطئ دجلة في آخر شارع النهر قرب غرفة تجارة بغداد . وقد كان ساسون خادماً أميناً للعلم والأدب وكان مجلسه محفلاً للأدباء ومجمعاً للأخلاء الأوفياء الذين نال معشرهم بصدقه ووفائه .
كان لساسون هوايات منها لعب (البريدج) في النادي العراقي الذي يجتمع فيه الوزراء والمستشارون البريطانيون، وكبار الموظفين والوجهاء مساء كل يوم فضلاً عن هواية المطالعة التي كان يعشقها، يقول أمين الريحاني: "أما الطاولة الخضراء في النادي العراقي فهي مثل الحكومة العراقية قليلة الموارد محدودة الخراج ، ولها أن تفاخر غيرها بالكيفية لا بالكمية . هي برجالها تفتخر لا بألعابها وأموالها . هناك على رأسها الأخصائي المالي ساسون أفندي ، من وكلت الأمة إليه أمر ماليتها ، يجيء كل يوم ، وهو أثبت في ذلك من قيم النادي ليفادي بشيء من ماليته ، ولكني لم أسمع أنه خرج مرة خاسراً أو أن أرباحه كانت تتجاوز الخمس روبيات" .
يبدو لنا من كل هذا أن ساسون حسقيل كان عصبياً، وصلب العود، وذا شخصية قوية متمسكا بمبادئه وآرائه الى حد يجعله يدخل في خلافات مع كل من يقف أو يعارض وجهة نظره ، وينظر الى القضايا التي تطرح عليه بمنظور علمي ورؤية اقتصادية بحكم دراسته القانونية، وكان محباً للعلم ومجالسة الأدباء ، وحبه للمطالعة والدليل على ذلك مكتبته التي تضم آلاف الكتب بمختلف الموضوعات.
بالباون الذهبي
في 13 آب 1923م فوضته الحكومة العراقية آنذاك لمفاوضة البريطانيين حول أمتياز شركة النفط العراقية التركية (شركة بريطانية), حيث ثبت بأن يكون الدفع بالشلن الذهب سعرآ للنفط المباع, مما أفاد الميزانية العراقية فيما بعد. وبفضله أخذ العراق يسترجع واردات النفط بالباون الذهبي، بدلاً من العملة الورقية، بعد إصراره على هذه المعاملة في المفاوضات عام 1925م، مع الجانب البريطاني، رغم أعتراض أعضاءالوفد العراقي على ذلك. وقد قدر العراقيون، في ما بعد، أهمية هذا الموقف.
إلا أن تدخل البريطانيين منع ساسون أن يكون وزيراً ثانية. وكان ساسون منظم أول ميزانية مالية في تاريخ العراق، وأول منظم لهيكل الضرائب على الأسس الحديثة. وكان قد شارك في مؤتمر القاهرة عام 1921م، برئاسة ونستون تشرشل، والذي خصص لمباحثات قيام المملكة العراقية.
بعد وفاته في 1932 رثاه الشاعر العراقي معروف الرصافي في قصيدة عصماء، كانت محملة بالاعتذار:
" ألا لا تقل قد مات ساسون بل فقل
تغَـور من أفـق المكارم كـوكب
فقـدنا بـه شيخ البرلمـان ينجلي
بـه ليله الداجي إذا قـام يخطـب ".
أما ياسين الهاشمي فقال عنه: "اذا ما ذكر ساسون أفندي فيجيء ذكره مقروناً بالكفاح العظيم في تنظيم شؤون دولة العراق في سني الانتداب العجاف
قال عنه أمين الريحاني: "انه الوزير الثابت في الوزارات العراقية لأنه ليس في العراق من يضاهيه في علم الاقتصاد والتضلع من ادراك الشؤون المالية
ولد ساسون في العراق وعاش ومات عفيف اليد واللسان اما ما نراه ونلمسه اليوم تماما عكس توجهات اليهودي ساسون وللتاريخ لسان
ألمصادر : موسوعة ألعراق
891 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع