رجل مـن زمـن الثائرين / مذكرات العقيد الركن هادي خماس مدير الأستخبارات العسكرية الأسبق/الحلقة التاسعة
مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق
تشكيل الوزارة الجديدة:
بعد نجاح حركة 18 ت2 1963 عقد اجتماع في وزارة الدفاع وفي مكتب رئيس أركان الجيش برئاسة المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية حضره كل من : سعيد صليبي ، رشيد مصلح ، صبحي عبد الحميد ، محمد مجيد ، هادي خماس.
تكلم الرئيس في هذا الاجتماع ، وتناول المجتمعون فيه تشكيل مجلس قيادة الثورة الذي تطرق اليه البيان الأول للحركة وتشكيل الوزارة وتقرر دعوة الضباط الذين شاركوا في الحركة ونفذوا واجباتهم لإضافة أعضاء اضافيين للمجلس إضافة للمناصب التي حددها البيان.
وفي صبيحة يوم 19 ت2 1963 أرسل مدير الحركات العسكرية العقيد الركن صبحي عبد الحميد برقية إلى الوحدات التي شاركت في الحركة ودعتهم لإرسال ممثلين عنهم إلى دائرة الانضباط العسكري في وزارة الدفاع لانتخاب أعضاء اضافيين لمجلس قيادة الثورة. وهنا ظهرت سياسة المحاور والكتل والحركة لا تزال في مهدها، وأخذ الضباط المشاركون في الحركة يقنعون أنصارهم بالإغراء تارة وبالتهديد تارة أخرى لانتخابهم وفي هذا خطر يهدد باختلاف رفاق الأمس.
لقد أبدى بعض الحريصين على وحدة الصف رأيهم في عدم اجراء هذه الانتخابات في مثل هذا الجو المشحون ، وقد أيد هذا الرأي الرئيس عبد السلام محمد عارف لأنه يميل إلى الانفراد بالسلطة ..
وطلب من العقيد سعيد صليبي أن يقنع بعض الضباط بطلب تأجيل الانتخابات هذه إلى إشعار آخر.
لقد حضر الضباط تنفيذاً لبرقية مدير الحركات العسكرية في الموعد المضروب. اجتمع بهم الرئيس عبد السلام محمد عارف وشرح أسباب قيام حركة 18 ت2 1963 والظروف المحيطة بها والأخطار التي تهددها مما يحتم على كل مخلص وطني أن يضع مصلحة الوطن وأمنه فوق كل مصلحة شخصية آنية ، فنهض العقيد سعيد صليبي مؤيداً ما قاله الرئيس واقترح تأجيل الانتخابات فأيده الضباط الذين سبق أن طلب منهم تأييد مثل هذا الاقتراح..
لقد رفض هذا الاقتراح كل من عارف عبد الرزاق ومحمد مجيد وهادي خماس وآخرون وأصروا على اجراء يؤمن انتخاب المجلس الوطني لقيادة الثورة لأنه يؤمن الحكم الجماعي ويحد من انفراد عبد السلام عارف وتصرفاته اللامسؤولة حيث لنا تجارب مريرة مع هذا الرجل الذي سار ويسير على سياسة فرق تسد ليضمن بقاءه على كرسي الرئاسة. ورغم كل محاولاتنا ضاعت أصواتنا وسط الكثرة من الضباط الذين أيدوا الإلغاء فأعلن الرئيس عبد السلام عارف نزولاً عند رغبة الأكثرية الذين يحملون في خباياهم روح القطيعة في تأجيل الانتخابات إلى شعار آخر.
المناصب والتشكيلة الوزارية
لقد انفض الاجتماع على الشكل الذي رأيناه واتجاه الثوار إلى الإسراع بتشكيل الوزارة.
رشح المجتمعون الفريق طاهر يحي رئيساً للوزراء ، وعند التصويت وافق الجميع على هذا الترشيح
واقترح الزعيم حردان التكريتي وهو مركز قوة ترشيح نفسه وزيراً للدفاع. ولقد نوقش في هذا الاجتماع إملاء منصب رئاسة أركان الجيش وكان الجميع متفقين على ألاّ تمنح الرتب جزافا لإملاء هذا المنصب لان في ذلك اخلالاً بالضبط العسكري ومدعاة للحسد والغيرة،
وكان الرئيس في قرارة نفسه مقراً ومصمماً على أن يشغل هذا المنصب أخوه عبد الرحمن محمد عارف ، وكم حاولنا أن يشغل هذا المنصب ضابط ركن كما هو متعارف عليه إلا أن محاولاتنا ذهبت أدراج الرياح وعين اللواء عبد الرحمن عارف رئيساً للأركان رغم عدم أهليته لهذا المنصب الخطير ، والرجل للحقيقة والتاريخ دمث الأخلاق حسن السيرة نزيه مخلص إلا أنه تنقصه الكفاءة لأشغال مثل هذا المنصب.
جرى الحوار حول تشكيل الوزارة وتكلم الرئيس عبد السلام عارف باديا رأيه بتطعيم الوزارة بالعسكريين لعدم تشكيل مجلس قيادة الثورة وكان بهذا يهدف إلى أبعاد العسكريين الذين لا يأمن جانبهم بصلابة موقفهم أولاً ولأيمانهم الفعلي بالحكم الجماعي ثانياً. وبعد نقاش طويل استقر الراي على تشكيل الوزارة على أن تطعم بالعسكريين ويشترك فيها الوزراء البعثيون أمثال عزة مصطفى، احمد عبد الستار الجواري وعبد العزيز الوتار وعبد الستار عبد اللطيف وغيرهم.
لقد استمر النقاش حول تشكيل الوزارة حتى يوم 20 ت2.. وقد حضر الجلسة التي استقر فيها الرأي على تشكيل الوزارة احمد حسن البكر الذي بلغ أن يكون نائباً لرئيس الجمهورية فوافق على ذلك وتم تشكيل الوزارة على النحو التالي في الساعة الثانية عشرة من ليلة 20/21 ت2 1963.
1. طاهر يحيى رئيساً للوزارة.
2. حردان التكريتي وزيراً للدفاع.
3. رشيد مصلح وزيراً للداخلية.
4. صبحي عبد الحميد وزيراً للخارجية.
5. عبد الكريم فرحان وزيراً للإرشاد.
6. عبد الستار عبد اللطيف وزيراً للمواصلات (بعثي).
7. محمود شيت خطاب وزيراً للشؤون البلدية والقروية.
8. محمد العبوسي وزيراً للمالية.
9. عبد الكريم هاني وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية (بعثي).
10. احمد عبد الستار الجواري وزيراً للتربية والتعليم (بعثي).
11. عبد الفتاح الالوسي وزيراً للأشغال والاسكان.
12. مصلح النقشبندي وزيراً للدولة وشؤون الأوقاف.
13. عبد الكريم العلي وزيراً للتخطيط.
14. عارف عبد الرزاق وزيراً للزراعة.
15. شامل السامرائي وزيراً لشؤون الوحدة.
16. عبد الصاحب علوان وزيراً للإصلاح الزراعي.
17. عبد العزيز الوتار وزيراً للنفط.
18. عبد العزيز الحافظ وزيراً للاقتصاد.
19. عبد الكريم كنونه وزيراً للصناعة.
ويلاحظ في تشكيل الوزارة أن الرئيس عبد السلام محمد عارف لعب لعبته التي ناور عليها لضمان مستقبله ومستقبل حكمه. لقد طعم الوزارة بالبعثيين لكسب رضاهم وأشرك في الوزارة ثلاثة ضباط كبار معروفين بمكانتهم ووزنهم وبذلك آمن في آن واحد تحرك هؤلاء الضباط للإطاحة به إذا اتجه في حكمه نحو الانفراد بالسلطة الذي عرف به كما أمن جانب البعثيين.
أهداف
لقد انتهى الثوار من حل هذه المعضلة وشكلت الوزارة ولابد من دليل عمل لها بعد الفوضى التي عاشها الشعب مدة أحد عشر شهراً ذاق بها ما لا يتحمله شعب ، وبعد الدراسة والنقاش اعتمد المجتمعون الأسس الآتية التي تسير الوزارة على هديها وكل حسب اختصاصه:
1. القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى وستبقى كذلك حتى يكون للفلسطينيين دولة عاصمتها القدس.
2. حل المشكلة الكردية حلاً سلمياً يضمن حقوق الشعب الكردي القومية.
3. اعادة سيادة القانون.
4. إلغاء كافة الاستثناءات سواء عسكرية أو مدنية رتباً ومراكز.
5. اطلاق سراح الموقوفين وحرية الشخص حق من حقوقه.
6. تحسين العلاقات مع الدول الاشتراكية والتي ساءت في عهد البعثين بعد ثورة 8 رمضان 1963.
7. الوحدة ضرورة حتمية ولا تتم إلا إذا كان هناك تقارب مع الجمهورية العربية المتحدة وتوثيق العلاقات معها.
8. سياسة عدم الانحياز منهج دائم للحكم القائم.
9. القضاء جهاز مستقل ولا يجوز التدخل في شؤونه أو التأثير عليه.
10. التفكير الجدي بسن دستور دائمي يجاري روح العصر على أن تكون جذوره مرتبطة بماضي الأمة العربية العريق.
وقد عقد أول اجتماع لمجلس الوزراء في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية وبحضور نائبه العميد احمد حسن البكر، وقد اقترح محمد جواد العبوسي في هذه الجلسة حل الأحزاب وإيقاف نشاطها خلال فترة انتقالية وهنا حدثت مشادة كلامية حادة بينه وبين العميد احمد حسن البكر. كما ناقش المجلس سن قانون لانتخاب المجلس التشريعي وأجراء انتخابات حرة لإرساء النظام الديمقراطي.
تعيينات العسكريين
وبعد تشكيل الوزارة صدرت تعيينات في الجيش أهمها تعيين المقدم الركن هادي خماس مديراً للاستخبارات في 21/11/1963، وتعيين المقدم الركن خالد حسن فريد آمراً للواء المدرع السادس ومقره في معسكر الرشيد في بغداد ، والمقدم الركن محمد يوسف مديراً للحركات العسكرية. وبناء على طلب المقدم الركن خالد حسن فريد عين ملحقاً عسكرياً في لندن على أن يعين المقدم الركن علي حسين جاسم مديراً للاستخبارات التي تنازل عنها المقدم الركن هادي خماس حسماً لخلاف حصل على منصب مدير الحركات والتي لم يستطع حلها حتى رئيس الجمهورية ، وايماناً مني بعدم توسع الخلاف تنازلت عن منصبي وعينت آمراً للواء المدرع السادس.. ويا ليت الخلاف انتهى عن هذا الحد إذ حصل خلاف جديد بين علي حسين جاسم وسعيد صليبي ما أدى إلى نقل علي حسين جاسم إلى منصب الملحق العسكري في القاهرة ونقلي ثانية إلى منصب مدير الاستخبارات العسكرية.
ولسد الفراغات في الجيش تم تعيين العقيد الركن محمد مجيد معاوناً لرئيس أركان الجيش وتعيين المقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي آمراً للكلية العسكرية وتعيين المقدم الركن رشيد محسن مديرا للأمن العامة.
ومما يؤخذ على الضباط الذين تعينوا كوزراء والضباط الذين تعينوا كملحقين عسكريين أنهم آثروا مصالحهم الذاتية متناسين أن ثورة 18 ت2 في أمس الحاجة اليهم لحماية الثورة من نزعة الرئيس عبد السلام عارف الفردية في حكمه، وقد تعمد في توزيع المناصب الوزارية للضباط باعتبار أن هؤلاء يشكلون خطراً على مكانته فتخلص منهم بإبعادهم عن المراكز الحساسة في الجيش.
إعفاء احمد حسن البكر من منصبه:
بعد 18 ت2 1963 وتشكيل الوزارة الأولى برئاسة الفريق طاهر يحيى ثم تعيين السيد احمد حسن البكر بمنصب نائب رئيس الجمهورية. انعقد مجلس الوزراء بجلسته الأولى برئاسة الرئيس عبد السلام محمد عارف لدراسة وتثبيت سياسة الحكومة بعد 18 ت2 وأثناء المناقشة وكما أسلفت طلب محمد العبوسي وزير المالية بضرورة حل الأحزاب السياسية التي لعبت جميعها دوراً تخريبياً في البلاد. حينذاك انبرى احمد حسن البكر وبعصبية ظاهرة مهاجماً هذا الاقتراح مدافعاً عن بقاء الحزب لأن ثورة 18 ت2 1963 لم تكن ثورة بل كانت حركة تصحيحية لرأب الصدع والانقسام الذي حصل في جناحي حزب البعث ، وما كان من الرئيس عبد السلام محمد عارف إلا تهدئة الموقف وإنهاء الجلسة. وقرر أن يكون لنائب الرئيس مكتب في القصر الجمهوري ولكن الذي حدث أنْ استغل احمد حسن البكر هذا المكتب ليكون وكراً للبعثيين واجتماعاتهم الحزبية مما حدا بالرئيس عبد السلام أن يطلب من نائبه الانتقال إلى مكتب خارج القصر الجمهوري فانتخب نائب الرئيس مكتباً له في وزارة الخارجية. ومن هذا المكتب بدأ احمد حسن البكر الاتصال بالحزبيين من كلا الجناحين لإعادة ترميم وتنظيم حزب البعث لأعادته إلى السلطة التي سلبت منه مما أغاض تصرفه هذا النظام الجديد والرئيس عبد السلام محمد عارف بالذات الذي قرر إعفاء أحمد حسن البكر بمرحلتين الأولى أرسل اليه كلا من سعيد صليبي وحردان التكريتي الذي كان وزيراً للدفاع لإقناعه بالاستقالة ، وهنا برز طموح حردان الذي كان يعمل لحساب الإطاحة بالنظام هذا الطموح دفعه أن يطلب من احمد حسن البكر عدم الاستقالة والانتظار لفترة اعادة تنظيم الحزب والإطاحة بالنظام ورئيسه عبد السلام محمد عارف.
وعند قرار انعقاد مؤتمر القمة العربي الأول في القاهرة في كانون الثاني قرر الرئيس عبد السلام عارف بان لا يسافر إلا إذا تمّ الآتي:
أولاً: استقالة احمد حسن البكر.
ثانياً: تجريد حردان التكريتي من منصبه الخطير قائداً للقوة الجوية وفعلاً تم له ذلك باعفائه من المنصب وتعيين عارف عبد الرزاق قائداً للقوة الجوية.
ثالثاً: استصحاب حردان التكريتي كوزير للدفاع وصبحي عبد الحميد كوزير للخارجية معه إلى القاهرة وفعلاً هكذا تم تشكيل الوفد.
رابعاً: التخلص من كتيبة الدبابات الأولى التي كل عناصرها بعثيون والتي كان آمرها زكريا السامرائي. والتي كانت هذه من العناصر المؤيدة للحزب بضباطها البعثيين وكقوة رئيسة من الدبابات. وبطلب من الرئيس عبد السلام أصدر مدير الحركات العسكرية المقدم الركن محمد يوسف آمراً بتسفيرها ليلاً إلى مقرها الدائم في البصرة ، وهكذا اطمأن الرئيس عبد السلام محمد عارف على النظام وتخلص من ابرز خصومه البعثيين وسافر للقاهرة لحضور مؤتمر القمة العربية الأول.
خامساً: وللتخلص من حردان التكريتي أعطاه من القاهرة إجازة مفتوحة وخلال تمتعه بالإجازة أعفاه من منصبه.
سادساً: وفي 4/1/1964 قدم السيد احمد حسن البكر ورقة ذكر فيها اعتزاله العمل السياسي والحزبي منصرفاً إلى أعماله العائلية.
وقد نشرت هذه الورقة في جريدة الجمهورية العراقية.
حزب البعث
لم يكن احمد حسن البكر صادقاً في اعتزاله حيث دبر محاولة لاغتيال عبد السلام محمد عارف في مطار بغداد في 5 أيلول 1964 الذي كان مقرراً أن يقوم حزب البعث العربي بحركة للإطاحة بالنظام ، وقبل الموعد هذا بيومين اتصل الملازم محمود الجنابي الذي كان ضابطاً بالحرس الجمهوري والمفاتح بالمؤامرة بالسيد رئيس الجمهورية مخبراً إياه بكافة تفاصيلها. وقد أرسل الضابط المذكور إلى مدير الاستخبارات المقدم الركن هادي خماس وحقق معه شخصياً واعترف بالتفاصيل ، وعلى اثر ذلك تم تشكيل مجلس تحقيقي برئاسة العميد الركن محمد خالد وأثناء التحقيق ظهر اشتراك احمد حسن البكر في المؤامرة.
لقد أرسلت مديرية الاستخبارات برقية إلى الملحق العسكري في القاهرة العقيد الركن علي حسين جاسم تذكر فيها ثبوت اشتراك احمد حسن البكر.. ما هو رأي رئيس الجمهورية الذي كان في القاهرة في فترة انعقاد مؤتمر القمة العربي الثاني فكان جواب الرئيس بتوقيفه وتم ذلك بناء على هذا الأمر.
سابعاً: وبعد أن استقال احمد حسن البكر واعتزل العمل السياسي بدأت قيادة الحزب تعمل بجد وسرية تامة لإعادة بناء الحزب وإعادة تشكيل أجهزة الحزب مستغلين بعض الخلافات التي ظهرت على السطح بين القوميين الناصرين والرئيس عبد السلام. وفي هذا الوقت بالذات استطاعت بعض عناصر الحزب التي تركت العراق بالتسلل والعودة إلى العراق دون علم السلطة
وكان على رأس هؤلاء عبد الكريم الشيخلي باعتباره أمينا لسر القيادة القطرية في العراق حيث سعى جاهداً لتكوين قيادة قطرية جديدة مؤلفة من:
صدام حسين – عبد الكريم الشيخلي – حسن العامري – محمد صبري الحديثي – صفاء الفلكي.
وقد سعت هذه القيادة بشكل فاعل الى اعادة بناء الحزب وإحياء تنظيماته التي كان أهمها انشاء المكتب العسكري الذي تولاه صدام حسين وجهاز حنين وهو القوة الرادعة لكل من يحاول التعرض بالحزب بأي شكل من الأشكال قولا أو فعلا . وكان هذا التنظيم ذا فعالية وقوة وانضباط سري استطاع أن يحمي الحزب ويحافظ على اعادة بنائه. وقد اخذ الحزب يعمل على الإطاحة بالنظام التشريني وقام بمحاولته في 5 أيلول 1964 ما أعطى هذا الحق للنظام والسبب الفاعل والمقنع في اعتقال اغلب أعضاء الحزب وعلى رأسهم احمد حسن البكر، وهكذا تخلص عبد السلام محمد عارف من أقوى معارضيه من حزب البعث العربي.
إنجازات حركة 18 تشرين الثاني 1963:
لقد نجحت الحركة وكان لا بد للنظام الجديد أن يعمل ، والطريق طويل وشاق ومعقد ، والبعث بدا يعيد بناء نفسه من جديد مستفيدا من دروس الماضي ، وضباط البعث ذووا الرتب الصغيرة تململوا بعدما وقعت الواقعة وحاولت كتيبة الدبابات الأولى المتواجد في بغداد التحرك
وأول عمل قمت به وكما أشار علي كل من الملازم قصي صبري والملازم عدنان خير الله طلفاح والملازم أياد ناجي أن اسحب مغاليق الرمي من الدبابات وفي حصنها لتصبح قطعا من الحديد ولا تستطيع الرمي ، ثم لم أكتف بذلك بل سفرت الكتيبة ليلا بالقطار إلى مقرها الدائم في البصرة وهنا ازداد الوضع أماناً ولم يبق أمام النظام إلا أن يعمل وكان عمله مركزا على تنفيذ الانجازات الاتية:
1. تنظيم العمل السياسي والوحدة.
2. انجاز التحول الاشتراكي.
3. حل القضية الكردية.
تنظيم العمل السياسي والوحدة:
الحركة قومية وحدودية الاتجاه، وهكذا حركة لا بد من حمايتها، فاتفق الجميع على بذل الجهود الصادقة لذلك الذي لا يتمّ إلا بوحدة وطنية قادرة على تحمل أعباء هذه الحماية. والوحدة الوطنية لا تكون إلا بتشكيل جبهة وطنية. وكان العاملون في الساحة السياسية الفئات القومية الآتية:
1. الرابطة القومية.
2. الحزب العربي الاشتراكي.
3. حزب الاستقلال.
4. حركة القوميين العرب.
إضافة إلى عناصر قومية مستقلة لم تكن تعمل تحت لواء هذه الحركات لعدم أيمانها بالحزبية وفي اجتماعات هذه الأحزاب والاتصالات التي جرت بينها اتفقوا على وضع أسس ثابتة تعمل على هديها كجبهة ليضمن لها الاستمرار في العمل بصورة صحية وهذه الأسس هي:
1. لا حياة ولا ديمومة للجبهة بدون ديمقراطية.
2. القضاء على الرأسمالية المستقلة والإقطاع المستشري في البلد وخصوصاً القطاعات الزراعية والصناعية.
3. تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة كنواة للوحدة العربية الكبرى.
4. تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي.
5. الأيمان المطلق بتدخل الدولة لحماية أمنها الاقتصادي وهذا لا يتم إلا بقبول مبدأ التأميم للشركات والبنوك.
6. إن تطبيق هذه الأسس هو الضمان الوحيد لحماية حركة 18 ت2 من الاستعمار والرجعية.
وقررت الجبهة المرتقب تشكيلها أن يتفق ممثلوها على وضع ميثاق وطني واحد. فعقدت اجتماعات حصل خلاف حاد بين ممثليها ولم يتفقوا على صيغة مثل هذا الاتفاق بل اتفقوا على صدور بيان يضع الأسس العامة للجبهة واهم ما احتوى عليه البيان مجرد تخريجات عامة وكما ياتي:
1. تتمسك الجبهة بالقضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب الأولى وهي مسؤولية كافة الاقطار العربية دون استثناء.
2. حل المشكلة الكردية على أساس الحكم الذاتي مع الحفاظ على وحدة تراب العراق وشعبه وقد خالف البعض بحث القضية على أساس الحكم الذاتي.
3. الحريات من حق الجميع على الا تتعارض مع حرية الآخرين.
4. الوحدة قدر لابد من تحقيقه والاشتراكية نهج لابد من تطبيقه لتضييق الهوة الاقتصادية والمعاشية بين شرائح المجتمع.
5. الجبهة مدعوة للعمل بجد وإخلاص لتحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية كنواة للوحدة الكبرى بقية الأقطار العربية ورفض أي وحدة لا تكون الجمهورية المتحدة طرفاً فيها.
6. وإذا ما طبقت هذه المبادئ فسوف تنبثق الجبهة من التنظيمات السياسية العاملة على الساحة العراقية وعدد من المواطنين المشهود لهم بالقومية والكفاءة والإخلاص والمؤمنين بالمبادئ أعلاه.
هذا أهم ما احتواه البيان وتم التوقيع عليه في 18/1/1964 وكان الموقعون السادة زاهد شفيق عن القوميين العرب ، أياد سعيد ثابت عن الوحدويين الاشتراكيين ، عبد الستار علي الحسين عن حزب الاستقلال ، هشام الشاوي وعاد آل فرعون عن الرابطة القومية ، وغربي الحاج احمد عن العربي الاشتراكي.
لقد أخفقت الجبهة في الوصول إلى صيغة الميثاق ويعود هذا الإخفاق إلى الخلافات الفكرية للأحزاب التي ساهمت في تكوين الجبهة حيث كانت حركة القوميين العرب ماركسية في اتجاهاتها أما الفئات الأخرى فقد كانت قومية الاتجاه ، وكانت هذه الأحزاب تعيش تناقضات حيث كانت الأغراض الشخصية والمناورات الحزبية أساساً لعملهم الحزبي الأمر الذي كان يحول دون الوصول إلى اتفاق جاد على صدور الميثاق. ومن بعض أسباب إخفاق الجبهة هي مناورات الرئيس عبد السلام محمد عارف وعدم جديته لتكوين مثل هذه الجبهة وذلك للحفاظ على توازن القوى ، وقد أصبح يخشى الفئات القومية ، ويسعى لإبعاد كافة الأحزاب وتمزيقها للانفراد بالسلطة، وكان الرئيس عارف يعتقد خطاً أن في الجيش جهازاً سرياً برئاسة المقدم الركن هادي خماس يعمل ويستعد لتجميع القوى وتأليبها وتهيأتها للانقضاض عليه وازاحته من كرسي الرئاسة ، ولذا لجأ إلى تكوين كتلة خاصة تعمل لصالحه وتقف ضد كتلة هادي خماس ، وقد عرفت هذه الكتلة بكتلة الموصل الذي كان يشرف عليها ويمولها صديقه الحميم التاجر الثري عبد الرحمن ارحيم ، وليس أدل على أن الرئيس كان سبباً في إخفاق الجبهة من تصريحه الذي أدلى به إلى جريدة الجمهورية البغدادية في 8 شباط 1964 والذي هاجم في هذا التصريح أهداف الجبهة ومناوراتها الشخصية وحسب ادعاءاته المستمرة وعلى الأخص في مجالسه الخاصة.
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثامنة:
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/16106-2015-04-15-11-37-17.html
1389 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع