طبيبة السبعينات في مستشفى العلوية للولادة والنسائية أحداث شيقة وحقيقية أسردها لكم هنا .. (حادثة جديدة ) وهي تعود للحقبة الزمنية من عملي بين 1975 - 1980
بدأ الدوام الصباحي في مستشفى العلوية للولادة والنسائية ! كان يوما جميلا مشرقا ! حيث دب العمل الدؤوب في جميع مرافق المستشفى كالعادة ! النشاط والحيوية كانت بادية على الجميع كنت في سنتي الثانية للإقامة القدمى أي في منصب رئيسة المقيمات أرسل في طلبي المدير د. رياض أبراهيم الحاج حسين بعد إنهائي أعمالي ومسؤولياتي الصباحية التي كانت تتطلب مني سرعة الإنجاز كعمل الراوند الصباحي وفحص المرضى الجدد وإرسال التحاليل وإكتشاف الحالات الطارئة ومعالجتهم بالسرعة الممكنة ! وتركت الحالات الباقية مؤقتا ! أي الحالات التي أستطيع التريث بعض الشيئ في معالجتهم ! توجهت للإدارة برفقة الدكتورة وداد المفتي معاونة المدير حيث طلب د. رياض مقابلتنا نحن الأثنين معه وعلمنا بأنه أمر ضروري لإستدعائنا معا .....
طرقنا باب غرفته برفق ودخلنا رأيناه وهو يتوجه لمصافحتنا كعادة لديه ! كان يرتدي القميص دون ستره والردنين مطويين للأعلى وكان يعلو وجههه إحمرار شديد خاصة إنه كان يميل للشقرة فظهور الإحمرار على وجهه يتوضح أكثر !
ولأول مرة نراه بالقميص حيث كان دائما يرتدي السترة أو الصدرية فوق القميص !
لكننا لم نعلق ! فقط أكتفينا بالملاحظة ! وقال بصوت منفعل تفضلوا فجلسنا ننتظر مبادرته بالحديث لنفهم منه سبب طلبنا ! لكنه بدأ يقول ألا تسألونني لماذا أنا بهذا الحال؟؟
جاوبته " د. وداد المفتي" خير د. رياض ؟ لم نرغب في إزعاجكم بطرح أسئلة ربما لاتحبذ التكلم بها ؟ لكنه كان واضحا يريد سرد ما حدث له فأسترسل بالكلام مع بعض الإنفعال الواضح في لهجته وقال : وأنا في طريقي للمستشفى في ساحة الأندلس شاهدت سيارة عسكرية دعمت سيارة قنصل وحاول سائق السيارة العسكرية أن يفر من حادثة الدعم الذي تسبب هو في دعم سيارة القنصل ! صعب علي أن أتحمل الوضع اسرعت بملاحقته وأجبرته أن يتوقف أنزلته من السيارة وسلمته للشرطة ليأخذ جزاءه وأعتذرت من القنصل المعني بالحادث وتم تسجيل الحادث من قبل شرطة المرور ! ثم أكمل كلامه وكان لايزال منفعلا هل تعرفون لماذا لحقت به ؟ لأنني لا أريد أن تأخذ صورة سيئة عن العراق والعراقيين من قبل القنصل الأجنبي ! وأردت أن أبين له بأن حقه لايضيع في العراق بسبب حادث دعم سيارته ! خاصة سائق سيارته لم يكن المسبب للحادث ! ولأنني كنت الشاهد لحادث الإصطدام حيث حدثت أمام عيني والخطأ كان من سائق السيارة العسكرية !
أيدناه أنا والدكتورة وداد بصحة ماقام به وأثنينا على جهوده ! وأكمل كلامه ولهذا السبب تأخرت عن الدوام وأنا بهذا الوضع !
بعدها أسترسل في الكلام قال : أرسلت بطلبكم لقضية أريد أن آخذ رأيكم فيه حيث أستلمت للتو ! أمر من مجلس قيادة الثورة وهو لجميع مدراء المستشفيات ! يطلبون فيها إجراء إجتماع أسبوعي يشترك فيه مدير المستشفى ومعاونة المدير ورئيسة المقيمات ورئيسة الممرضات ورئيس المعينين والمعينات ليبحثوا معا مشاكل المستشفى ويضعون لها الحلول المناسبة!!.
ثم رجع علينا ماذا تقولون أنتم ؟ وهو ينظر بإتجاهي فجاوبت علينا تطبيقه لأنه أمر مجلس قيادة الثورة ! وأيدت " د. وداد المفتي " كلامي..
وإذا به يقول والله لاأطبقه حتى لو علقوني في ساحة النصر نحن نقرر على شيئ معين ونراه صحيحا ورئيس المعينين الغير مثقف والغير متعلم له الحق على عدم الموافقة ونقض قرارنا ! أليس كذلك ؟ هل هذا يرضيكم ؟ سكتنا لأننا رأيناه غير متقبل للفكرة بتاتا وكان وقتها " أحمد حسن البكر " رئيس جمهورية العراق !
سأذكر هنا بعض صفات " د. رياض إبراهيم الحاج حسين " لأعطي صورة واضحة لقرائي عن شخصيته وما كان يتميز به حسب رأي ورأي الكثيرين الذين عملوا معه !
كان شخصا أنيقا يحب الترتيب ! وتحسين الأوضاع والمناظر التعبانة للمستشفى ومتابعة أدق الأمور بنفسه وبأستمرار ! يملك الإنسانية والرحمة والطيبة الى أبعد الحدود ! إحترامه الشديد وتقديره للعاملين معه وكل من تعامل معهم ! مخلصا ، يتسم بأعلى درجات الإخلاص لكل شيئ يكون بمعيته ومسؤوليته وحتى مع أصدقائه وزملائه ! ذو أخلاق رفيعة وراقية يحترم ويحترم ! قوي وشجاع إنفعالي بعض الشيئ ! يتسرع بأخذ القرار وصارم ! لإيخاف بتاتا ولا يهاب أحدا ! ولايحسب للعواقب وزنا ! إمتلاكه لهذه الصفات ! زائدا مخاوف صدام حسين من زيادة شعبيته لدى الأطباء والناس في العراق ككل ! فترة عمله كوزير دفعتهم إلى تلفيق تهمة وظيفية له سأسردها لكم لاحقا كما سمعتها من مصادر موثوقة ! كون المصدر له صلة بالحدث الذي لفق له ! وأدت إلى أعدامه سنة 1982 !
الآن أنتقل بكم إلى سنة 1980 وربيع العراق الخلاب خاصة شمال العراق حيث سافرت مع زوجي إلى موصل الحدباء أم الربيعين كانت لطافة الجو طاغية على الأجواء مما حفزت حبي لها ومشاعري نحوها بشدة ! وتذكري طفولتي فيها ودراستي الجامعية وكلما حملت معها من ذكريات الدراسة ورسوخها في الذاكرة بجميع أحداثها الحلوة والمرة ! كنت وقتها في الأشهر الوسطية لفترة حملي الأول حيث كنت في بداية الثلاثين من عمري ! بدأت بالسير والتجوال في طرقاتها المتعددة بثقة عالية ! كنت فخورة بنفسي وقد غمرتني الفرحة والسعادة والإبتسامة كانت لاتفارق وجهي وأقول للحدباء وأناشدها في داخلي ها ! قد جئتكم ثانية وقد أكملت دراستي وأختصاصي ! كنت أريدها أن تشاركني فرحتي وسعادتي العارمة !
مناسبة سفري إليها كانت مرافقة زوجي الذي كان ممثلا لشركة ( Oxford و Medtel )
وهو مهندس كهربائي وألكتروني وخريج الولايات المتحدة الأمريكية
أقام معرضا لبيع الأجهزة الطبية التي في حوزته من خلال مؤتمر نقابة أطباء الموصل ! وكانت إقامتنا في فندق الغابات مع مجموعة كبيرة من ضيوف المؤتمر وأكثرهم من الأطباء الذين هم زملائي وزميلاتي ولي معرفة سابقة بأكثرهم ! وكان الوزير د. رياض إبراهيم الحاج حسين من ضمن المدعويين للمؤتمر الذي أقامته نقابة أطباء الموصل وبعد الإنتهاء من فقرات المؤتمر دعينا لحفل عشاء رائع مع ألذ الأطعمة والأجواء في نادي المجموعة الثقافية في الموصل حيث كان جلوسنا في طارمات مكشوفة معدة إعدادا رائعا للفصول الثلاثة من السنة الربيع والصيف والخريف ! الهواء المنعش يداعب الوجوه والأضوية بألوانهاالخلابة تبهر العيون !
وصوت المياه الهادر والموسيقى الهادئة تناغمت مع سعادة القلوب وصفاء النفوس !
وكلما كان الليل يتقدم خطوة علينا بظلامه كان كل ماذكرته يتجسم بوضوح أكثر فأكثر ! كان جلوس د. رياض على منضدة يتوسط الباقين من المدعوين فالكل قريب منه كانت تتخلل الأمسية أحاديث شيقة ونكات عراقية جميلة والكل تشارك ! ومحبة العراقيين لبعضهم كانت متجسمة فيها ومن الطرائف التي أتذكرها نكتة للوزير د. رياض إبراهيم ليلتها ! " إمرأة عجوز كانت تزور المستشفى يوميا غابت مدة أسبوع كامل أفتقدوها جماعة المستشفى بعد أسبوع رجعت العجوز كعادتها لزياراتها اليومية للمستشفى سألوها وينج حجية شنو هالغيبة الطويلة قالت بعيد عنكم كنت مريضة " ! عم الضحك وبدأ التعليق على واقع الصحة في العراق وقتها حيث الحجية تزور المستشفى عندما لاتشكو من شيئ وتغيب عن المستشفى لدى مرضها !
هكذا قضينا ليلة ممتعة بصحبة د. رياض وبقية الزميلات والزملاء ...
د.فيان النجار
1466 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع